فهرس الكتاب
الصفحة 16 من 43

الرؤية، ولأن الرؤية لا توجب حدوث شيء في المرئي ولا تغيراً فيه: كالعلم مع المعلوم، ولهذا يجوز أن الله تعالى يرى نفسه، فجاز أن يراه غيره، كما يجوز أن يعلم نفسه فجاز أن يعلمه غيره، وما يقول أهل الضلال بأن الرؤية في الشاهد لا ينفك عن الجهة والمقابلة واتصال الشعاع ونحو ذلك، كل ذلك باطل برؤية الله. فإنه سبحانه وتعالى يرى المرئيات بلا جميع ذلك، ولأن الله سبحانه قادر على أن يخلق قوة الرؤية في عين من يراه بلا جهة ولا اتصال شعاع، ولا شيء مما ينفي رؤية الباري تعالى في النبي صلى الله عليه وسلم قوة الرؤية، فكان يرى من خلف كما يرى من قدام.

وقوله: وكل ما جاء في ذلك من الحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه فهو كما قال. ومعناه على ما أراد. لا ندخل في ذلك متأولين بآرائنا ولا متوهمين بأهوائنا، فإنه ما سلم في دينه إلا من سلم لله ولرسوله -عليه الصلاة والسلام- ورد علم ما اشتبه عليه إلى عالمه، ولا يثبت قدم الإسلام إلا على ظهر التسليم والاستسلام، ومن رام علم ما يحظر عنه علمه، ولم يقنع بالتسليم فهمه حجبه مرامه عن خالص التوحيد، وصافي المعرفة، وصحيح الإيمان، فيتذبذب بين الكفر والإيمان، والتصديق والتكذيب، والإقرار والإنكار، موسوساً تائهاً، شاكّاً، زائغاً، لا مؤمناً مصدقاً، ولا جاحداً مكذباً، ولا يصح الإيمان بالرؤية لأهل دار السلام لمن اعتبرها بوهم، أو تأولها بفهم، إذ كان تأويل الرؤية وتأويل كل معنى يضاف إلى الربوبية [بـ] ترك التأويل، ولزوم التسليم، وعليه دين المرسلين.

مسألة: لم ير بعض العلماء بتأويل الآيات المتشابهة والأخبار المشابهة المروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قد اختاره الطحاوي -رحمه الله-وأن يتلقى بالإيمان والتسليم كما بين هنا، لكن مع اعتقادنا أن الجسمية وجميع أمارات الحدث منفية عن الله.

وسئل محمد بن الحسن عن الآيات والأخبار التي يؤدي أكثر ظاهرها إلى التشبيه فقال: نمر بها كما جاءت، ونؤمن بها، ولا نقول: كيف وكيف. وهو مذهب مالك بن أنس، وعبد الله بن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهم من العلماء.

ومنهم -أي: بعض المتأخرين-من أول ذلك بما يليق بالواحد القديم ذاتاً ووصفاً، وما يلائم للتوحيد ودلائله كاليد: يراد بها القدرة والسلطان والمملكة، واليمين: يراد بها القوة، والعين: يراد بها الحفظ، ونحو ذلك، وما ذكره هو الأسلم ولأحوط.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام