فقه المواريث - الجد والإخوة [1]


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين، وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين، اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! كنا نتدارس المسألة المشترِكة، المشترَكة، المشرِّكة، المشرَّكة، اليمية، الحيدرية، الحمارية، وانتهينا غالب ظني من مدارستها، وقلت: إن أركانها أربعة لابد من وجود هذه الأركان لتكون المسألة مشتركة: أن يوجد زوج، وأن يوجد مستحق للسدس من أم أو جدة، وأن يوجد مستحق للثلث من أولاد الإخوة لأم، وأن يوجد عصبة في الأشقاء، متى ما وجد هؤلاء فهي مسألة مشترَكة، لو تغير واحد من هؤلاء خرجت عن هذا الرسم وهذا الحكم.

وتقدم معنا إخوتي الكرام قلت: خلاصة أقوال أئمتنا في هذه المسألة قولان، بهما قضى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه، وقلت: هو أول قضاء فيها، ولم يسبق قضاءه قضاء في عهد أبي بكر ولا في عهد النبي على نبينا وآله وصحبه صلوات الله وسلامه.

وقلت: إن قضاءه الأول استعمال لقواعد الفرائض العامة، وهذا الذي قلت إنه يوافق القياس، وهو قواعد الفرائض دون النظر إلى أي اعتبار، وهو: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر)، فلم يبق للإخوة الأشقاء شيء، فالزوج له النصف ثلاثة من ستة، والأم لها السدس واحد من ستة، صار أربعة سهام، والإخوة لأم لهم الثلث سهمان من ستة، استوفت المسألة ولم يبق فيها شيء فسقط الإخوة الأشقاء.

وهذا القضاء قضى به عمر رضي الله عنه، وبه أخذ إمامان جليلان مبجلان: فقيه هذه الملة أبو حنيفة ، وتابعه على ذلك الإمام المبجل أحمد بن حنبل رضوان الله عليهم أجمعين، بأن الإخوة الأشقاء يسقطون ليس لهم شيء في المسألة المشتركة.

والقضاء الثاني قضى به عمر رضي الله عنه ونقض قضاءه الأول، فشرك الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم وألغى قرابتهم من جهة الأب، واعتبر قرابتهم بمحض الأنوثة من جهة الأم، وسوى في الأشقاء والإخوة لأم بين الذكور وبين الإناث. وهذا قضاؤه الثاني كما تقدم معنا، وبه أخذ إمامان عظيمان مباركان: إمام دار الهجرة شيخ المالكية مالك بن أنس ، وتبعه تلميذه الإمام الشافعي رحمة الله ورضوانه عليهم أجمعين.

وتقدم معنا أن كلٌ من القولين معتبر، ذاك كما تقدم معنا قياس يوافق قواعد الفرائض، وهذا استحسان، وقلت: الاستحسان قياس لكن خفيت علته. هناك نصوص ظاهرة، وهنا يغوص عن المعاني التي اعتبرها الشارع في الإرث، يغوص، يقول: إذا كان الأخ لأم ورث بجهة قرابة الأنوثة فهذا يشاركه في تلك الجهة فلنشركه معه، ولنجعل النظير مع النظير، والمثيل مع المثيل، فإن أمكن أن يرث بالقرابتين ورثناه، وإلا فلا نحرمه الميراث ما دام بالإمكان أن يرث بقرابة واحدة، كالأخ لأم إذا كان ابن عم، فلو حجب عن طريق التعصيب لوجود عاصب أولى فلا يسقط فرضه، وهنا إذا لم يكن الأخ الشقيق عاصباً فلا يسقط فرضه؛ لأنه يدلي بأنثى وهو أخ لهذا الميت من أمه كحال الإخوة لأم، فقلت: هذا استحسان، وقلت: الجمع بين القولين كما قال أئمتنا: عبارة صحيحة وساطة مليحة، هذا قياس وهذا استحسان، وكلٌ من القولين معتبر.

التنبيه على وهم لبعض الفقهاء في المسألة المشتركة

هذه جزئية وهم فيها بعض القضاة والمشايخ في القرن العاشر للهجرة، فاستمعوا لها إخوتي الكرام.

لو وجدت أخت لأب في المسألة المشرَّكة لا يفرض لها باتفاق أئمتنا، يعني: هي مشرَّكة، فيها الأركان الأربعة: زوج وأم وأخت لأم وأخ لأم وأخ شقيق وأخت شقيقة، هذه مشرَّكة، هي حمارية ويمية وحجرية، وجد مع هؤلاء أخت لأب واحدة أو أكثر، أختان لأب مثلاً، فعند العلماء قاطبة لا يفرض للأخت لأب النصف، ولا يفرض للأختين الثلثان؛ لأنه تقدم معنا من شروط إرث الأخوات لأب: أن لا يوجد أحد من الأشقاء الذكور؛ لأن الذكر يحجب جميع الإخوة لأب إناثاً وذكوراً، وهنا عندنا عصبة شقيقة، وأما الأخت لأب فترث إذا كانت مع أخت شقيقة واحدة، تأخذ الأخت لأب السدس تكملة للثلثين، وإذا كانت الشقيقة أكثر من واحدة ستسقط الأخوات إلا إذا كان معهن عاصب وهو أخ لأب كما تقدم معنا، أما هنا عندنا أخ شقيق فالأخت لأب تسقط بالاتفاق، ولا خلاف بين أئمتنا في ذلك.

وهم بعض الفقهاء في القرن العاشر للهجرة كما نقل ذلك السبط بن المارديني كما سأنقل كلامه وهو محمد بن محمد بن أحمد ، توفي سنة (912هـ)، نقل أن بعض المشايخ في مصر في زمنه من القضاة المفتين فرض للأخت لأب النصف إن كانت واحدة، وإن كانتا اثنتين فرض لهما الثلثين وأعال المسألة إلى تسعة أو إلى عشرة، لم؟ اشتبه عليه الأمر، قال: هنا الإخوة الأشقاء قرابتهم من جهة أبيهم ملغية، فهم إخوة لأم، والإخوة لأم لا يحجبون الإخوة لأب، يعني: لو مات وترك إخوة لأم مهما كثروا، وعندنا أخت لأب سيفرض لها ولابد، لكن إذا كان عندنا أخ شقيق سيحجب الأخوات والإخوة لأب، فهنا يقول هذا الفقيه -ولم يسم من هو- لكن هذا في كتب الفرائض، يقول: هؤلاء الإخوة الأشقاء الآن قرابتهم من جهة أبيهم ملغية، وإذا ألغيت فهم إخوة لأم، وبما أن الأمر كذلك فينبغي أن نفرض للأخوات لأب، ولو كان معهن إخوة لأب عصبة سقطوا؛ لأنهم عصبة ولم يبق لهم شيء.

قال سبط المارديني في كشف الغوامض، وهو متن في الفرائض، ثم اختصره، ثم شرح مختصره وشرح أصله وهو كشف الغوامض كما شرح الرحبية وغيرها، يقول: أخطأ بعض المفتين ففرض للأخت لأب أو للأختين والأخوات لأب وأعال المسألة إلى تسعة أو إلى عشرة، قال: لأنه لما ألغى قرابة الشقيق من جهة الأب فلا يحجب الأخوات لأب، قال سبط المارديني : ولا أعلم له سلفاً في ذلك، وهو قول مخترع فاسد مخالف لإطلاق الإجماع.

و سبط المارديني كما قلت لكم هو محمد بن محمد بن أحمد الدمشقي الشهير بـسبط المارديني من بلاد الشام، ثم رحل إلى بلاد مصر واستوطنها، وكان مؤقتاً للجامع الأزهر، والمؤقت هو الذي يضبط المواقيت فلا يؤذن المؤذن إلا بعد إشارته وتنبيهه، وألف كتاب تحفة الأحباب في علم الحساب، وشرح الرحبية، انظروا ترجمته الطيبة في البدر الطالع للإمام الشوكاني (2/242)، وفي كتاب الضوء اللامع للإمام السخاوي (9/35)، وأثنى عليه ووصفه بالخير والفضل والنبل، فيقول هذا في كتابه الذي هو كشف الغوامض: أخطأ بعض المفتين في زمنه في هذه المسألة وفرض للأخوات لأب النصف أو الثلث أو الثلثين على حسب عددهن، وهذا مخالف للإجماع باتفاق. فانتبه لهذا!

وعليه المسألة هنا على قول أبي حنيفة والإمام أحمد كما تقدم معنا: نصف للزوج، سدس للأم، أخوات لأم لهن الثلث، أخ شقيق وأخت شقيقة عصبة، أخت لأب محجوبة، المسألة من ستة: نصفها ثلاثة، سدسها واحد، ثلثها اثنان، ما بقي شيء للأخت الشقيقة ولا للأخ الشقيق، والأخت لأب بطبيعة الحال محجوبة.

وأما عند الإمام مالك والشافعي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه فالمسألة ستبقى فروضها الكاملة هي: نصف للزوج، سدس للأم، الأخوات الآن لأم، أخت لأم وأخ لأم وأخ شقيقة وأخت شقيقة، هؤلاء كلهم ستعطيهم الثلث يشتركون فيه، والأخت لأب محجوبة بالاتفاق.

على كل حال محل الشاهد: الأخت ستسقط في جميع الأحوال، سواء شركنا الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم أو لم نشركهم؛ لأنه يوجد أخ شقيق فلا يرث أحد من الأخوات لأب، والعلم عند الله جل وعلا.

قبل أن ننتقل إلى بحث الجد والإخوة عندنا أمران:

الأمر الأول: قراءة الأبيات وشرحها.

والأمر الثاني كما تقدم معنا: كلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا حول تضعيف حديث: (أفرضكم زيد )، أعيده لأنني ذكرته مختصراً في آخر الموعظة الماضية، وغالب ظني حتى في التسجيل ما ظهر فيعاد فلا بأس بذلك إن شاء الله.

شرح أبيات الرحبية في المسألة المشتركة

يقول الإمام الرحبي عليه رحمة الله في المسألة المشتركة:

وإن تجد زوجاً وأماً ورثا وإخوة من أم حازوا الثلثا

إذاً: الآن عندنا ثلاثة أركان: زوج وأم، ولا يشترط الأم، قلنا: يلحق بها الجدة، المقصود مستحق للسدس من أم أو جدة.

وإن تجد زوجاً وأماً ورثا وإخوة من أم حازوا الثلثا

هذه ثلاثة أركان.

وإخوة أيضاً لأم وأب

وهم الأشقاء، وقلنا: لابد من أن يكونوا عصبة، أي: ذكر، أو ذكر وأنثى أما إذا كان الأشقاء إناثاً فقط فيفرض لهن بالإجماع، وليست مشركة.

واستغرقوا المال بفرض النصب

يعني: الزوج والأم والإخوة لأم أخذوا المال من أوله لآخره بالأنصباء المقدرة والفروض.

فاجعلهم كلهم لأم واجعل أباهم حجراً في اليم

هذا على مذهب زيد بن ثابت وهو الذي يسير عليه صاحب الرحبية على مذهب الإمام الشافعي .

واقسم على الإخوة ثلث التركة

أي: الأشقاء والإخوة لأم.

واقسم على الإخوة ثلث التركة فهذه المسألة المشتركة

كلام ابن تيمية في حديث (أفرضكم زيد) والرد عليه

الأمر الثاني إخوتي الكرام! تقدم معنا أن زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه أخذ بقضاء عمر الثاني، وهو مذهب الإمام مالك والشافعي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه، وصاحب الرحبية هنا دائماً يرجح مذهب زيد لثناء النبي عليه الصلاة والسلام عليه بعلم الفرائض وتقديمه على غيره في ذلك: (أفرضكم زيد).

الإمام ابن تيمية عندما جاء لهذه المسألة وقوبل بهذا الحديث، وتقدم معنا أنه رجح عدم التشريك، ورد بعد ذلك على من شرَّكوا بعبارات فيها شيء من القسوة كما تقدم معنا، وقال: إذا قال قائلهم: هب أن أبانا حمار فنقول: إذا كان الأب حماراً فالأم ستكون أتاناً.

طيب! وهذا الجواب هل خفي على عمر رضي الله عنه وأرضاه؟ وبدأ يرد هذا القول كما تقدم معنا بعبارات قاسية، ولا مانع للإنسان أن يرد، لكن لا داعي أن يقسو بعضنا على بعض في الرد ضمن المباحث العلمية، فهذا منقول عن السلف، فقل: هذا فيما يظهر لي مرجوح، وأن هذه الحجج التي أدلى بها فيما يظهر لي ضعيفة، وقد يكون ما ظهر لك بأنه راجح هو مرجوح عند غيرك، ودع لغيرك كما يقال متنفساً وسعة، واترك لغيرك هذا، لكن جاء بعد أن قسا في الرد زاد -كما يقال- في الرد، فقال: قول النبي عليه الصلاة والسلام لـزيد : (أفرضكم زيد )، قال: هذا حديث ضعيف لا أصل له، ولم يكن زيد معروفاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرائض.

والكلام باطل بشقيه:

فالحديث صحيح أقر به ابن تيمية أو لم يقر، وزيد كان معروفاً بالفرائض على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فالأمران ثابتان، وزيد رضي الله عنه من كتاب الوحي، وهو الذي عهد إليه بعد موت نبينا عليه الصلاة والسلام بسنة واحدة في عهد خلافة أبي بكر بأن يجمع القرآن، يعني: هذا الذي يجمع القرآن، وجمعه في الجمع الأول والثاني، هو رئيس الجمع في عهد أبي بكر وفي عهد عثمان .

خلافة أبي بكر رضي الله عنها كلها مدة سنتين ونصف، فـزيد في السنة الثانية من خلافة أبي بكر تولى هذه المهمة، ويقول له أبو بكر كما في صحيح البخاري : إنك شاب عاقل لا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فتتبع القرآن واجمعه. يعني هذا الذي هذه مكانته لا يعرف الفرائض؟ حتى في الحقيقة لا يسلم، لا يسلم تضعيفه للحديث كما لا يسلم أيضاً قوله في زيد : إنه لم يكن معروفاً بالفرائض على عهد النبي عليه الصلاة والسلام. يعني متى تعلمها؟ تعلمها إذاً بعد النبي عليه الصلاة والسلام.

هذا كلام -كما قلت- لا دليل عليه، ويكفي في رده ثبوت الحديث، والحديث ثابت، قلت: هو في المسند والسنن الأربعة إلا سنن أبي داود ، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه وأبو داود الطيالسي في مسنده والإمام الفسوي في المعرفة والتاريخ وابن سعد في الطبقات.

وقد قال الحافظ في الفتح (12/20): هذا حديث حسن أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم ، ثم قال بعد ذلك: له متابعات وشواهد ذكرتها في تخريج أحاديث الرافعي وهو التلخيص الحبير. وقد أطال في التلخيص الحبير، فكتب قرابة صفحة في تصحيح هذا الحديث، وبيان تعدد طرقه، انظروا ذلك في الجزء الثالث صفحة اثنتين وتسعين.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/474): هذا حديث حسن صحيح.

فالحديث صحيح ثابت، وزيد معروف بالفرائض في عهد النبي عليه الصلاة والسلام.

هذه جزئية وهم فيها بعض القضاة والمشايخ في القرن العاشر للهجرة، فاستمعوا لها إخوتي الكرام.

لو وجدت أخت لأب في المسألة المشرَّكة لا يفرض لها باتفاق أئمتنا، يعني: هي مشرَّكة، فيها الأركان الأربعة: زوج وأم وأخت لأم وأخ لأم وأخ شقيق وأخت شقيقة، هذه مشرَّكة، هي حمارية ويمية وحجرية، وجد مع هؤلاء أخت لأب واحدة أو أكثر، أختان لأب مثلاً، فعند العلماء قاطبة لا يفرض للأخت لأب النصف، ولا يفرض للأختين الثلثان؛ لأنه تقدم معنا من شروط إرث الأخوات لأب: أن لا يوجد أحد من الأشقاء الذكور؛ لأن الذكر يحجب جميع الإخوة لأب إناثاً وذكوراً، وهنا عندنا عصبة شقيقة، وأما الأخت لأب فترث إذا كانت مع أخت شقيقة واحدة، تأخذ الأخت لأب السدس تكملة للثلثين، وإذا كانت الشقيقة أكثر من واحدة ستسقط الأخوات إلا إذا كان معهن عاصب وهو أخ لأب كما تقدم معنا، أما هنا عندنا أخ شقيق فالأخت لأب تسقط بالاتفاق، ولا خلاف بين أئمتنا في ذلك.

وهم بعض الفقهاء في القرن العاشر للهجرة كما نقل ذلك السبط بن المارديني كما سأنقل كلامه وهو محمد بن محمد بن أحمد ، توفي سنة (912هـ)، نقل أن بعض المشايخ في مصر في زمنه من القضاة المفتين فرض للأخت لأب النصف إن كانت واحدة، وإن كانتا اثنتين فرض لهما الثلثين وأعال المسألة إلى تسعة أو إلى عشرة، لم؟ اشتبه عليه الأمر، قال: هنا الإخوة الأشقاء قرابتهم من جهة أبيهم ملغية، فهم إخوة لأم، والإخوة لأم لا يحجبون الإخوة لأب، يعني: لو مات وترك إخوة لأم مهما كثروا، وعندنا أخت لأب سيفرض لها ولابد، لكن إذا كان عندنا أخ شقيق سيحجب الأخوات والإخوة لأب، فهنا يقول هذا الفقيه -ولم يسم من هو- لكن هذا في كتب الفرائض، يقول: هؤلاء الإخوة الأشقاء الآن قرابتهم من جهة أبيهم ملغية، وإذا ألغيت فهم إخوة لأم، وبما أن الأمر كذلك فينبغي أن نفرض للأخوات لأب، ولو كان معهن إخوة لأب عصبة سقطوا؛ لأنهم عصبة ولم يبق لهم شيء.

قال سبط المارديني في كشف الغوامض، وهو متن في الفرائض، ثم اختصره، ثم شرح مختصره وشرح أصله وهو كشف الغوامض كما شرح الرحبية وغيرها، يقول: أخطأ بعض المفتين ففرض للأخت لأب أو للأختين والأخوات لأب وأعال المسألة إلى تسعة أو إلى عشرة، قال: لأنه لما ألغى قرابة الشقيق من جهة الأب فلا يحجب الأخوات لأب، قال سبط المارديني : ولا أعلم له سلفاً في ذلك، وهو قول مخترع فاسد مخالف لإطلاق الإجماع.

و سبط المارديني كما قلت لكم هو محمد بن محمد بن أحمد الدمشقي الشهير بـسبط المارديني من بلاد الشام، ثم رحل إلى بلاد مصر واستوطنها، وكان مؤقتاً للجامع الأزهر، والمؤقت هو الذي يضبط المواقيت فلا يؤذن المؤذن إلا بعد إشارته وتنبيهه، وألف كتاب تحفة الأحباب في علم الحساب، وشرح الرحبية، انظروا ترجمته الطيبة في البدر الطالع للإمام الشوكاني (2/242)، وفي كتاب الضوء اللامع للإمام السخاوي (9/35)، وأثنى عليه ووصفه بالخير والفضل والنبل، فيقول هذا في كتابه الذي هو كشف الغوامض: أخطأ بعض المفتين في زمنه في هذه المسألة وفرض للأخوات لأب النصف أو الثلث أو الثلثين على حسب عددهن، وهذا مخالف للإجماع باتفاق. فانتبه لهذا!

وعليه المسألة هنا على قول أبي حنيفة والإمام أحمد كما تقدم معنا: نصف للزوج، سدس للأم، أخوات لأم لهن الثلث، أخ شقيق وأخت شقيقة عصبة، أخت لأب محجوبة، المسألة من ستة: نصفها ثلاثة، سدسها واحد، ثلثها اثنان، ما بقي شيء للأخت الشقيقة ولا للأخ الشقيق، والأخت لأب بطبيعة الحال محجوبة.

وأما عند الإمام مالك والشافعي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه فالمسألة ستبقى فروضها الكاملة هي: نصف للزوج، سدس للأم، الأخوات الآن لأم، أخت لأم وأخ لأم وأخ شقيقة وأخت شقيقة، هؤلاء كلهم ستعطيهم الثلث يشتركون فيه، والأخت لأب محجوبة بالاتفاق.

على كل حال محل الشاهد: الأخت ستسقط في جميع الأحوال، سواء شركنا الإخوة الأشقاء مع الإخوة لأم أو لم نشركهم؛ لأنه يوجد أخ شقيق فلا يرث أحد من الأخوات لأب، والعلم عند الله جل وعلا.

قبل أن ننتقل إلى بحث الجد والإخوة عندنا أمران:

الأمر الأول: قراءة الأبيات وشرحها.

والأمر الثاني كما تقدم معنا: كلام الإمام ابن تيمية عليه وعلى أئمتنا رحمة ربنا حول تضعيف حديث: (أفرضكم زيد )، أعيده لأنني ذكرته مختصراً في آخر الموعظة الماضية، وغالب ظني حتى في التسجيل ما ظهر فيعاد فلا بأس بذلك إن شاء الله.

يقول الإمام الرحبي عليه رحمة الله في المسألة المشتركة:

وإن تجد زوجاً وأماً ورثا وإخوة من أم حازوا الثلثا

إذاً: الآن عندنا ثلاثة أركان: زوج وأم، ولا يشترط الأم، قلنا: يلحق بها الجدة، المقصود مستحق للسدس من أم أو جدة.

وإن تجد زوجاً وأماً ورثا وإخوة من أم حازوا الثلثا

هذه ثلاثة أركان.

وإخوة أيضاً لأم وأب

وهم الأشقاء، وقلنا: لابد من أن يكونوا عصبة، أي: ذكر، أو ذكر وأنثى أما إذا كان الأشقاء إناثاً فقط فيفرض لهن بالإجماع، وليست مشركة.

واستغرقوا المال بفرض النصب

يعني: الزوج والأم والإخوة لأم أخذوا المال من أوله لآخره بالأنصباء المقدرة والفروض.

فاجعلهم كلهم لأم واجعل أباهم حجراً في اليم

هذا على مذهب زيد بن ثابت وهو الذي يسير عليه صاحب الرحبية على مذهب الإمام الشافعي .

واقسم على الإخوة ثلث التركة

أي: الأشقاء والإخوة لأم.

واقسم على الإخوة ثلث التركة فهذه المسألة المشتركة

الأمر الثاني إخوتي الكرام! تقدم معنا أن زيد بن ثابت رضي الله عنه وأرضاه أخذ بقضاء عمر الثاني، وهو مذهب الإمام مالك والشافعي عليهم جميعاً رحمة الله ورضوانه، وصاحب الرحبية هنا دائماً يرجح مذهب زيد لثناء النبي عليه الصلاة والسلام عليه بعلم الفرائض وتقديمه على غيره في ذلك: (أفرضكم زيد).

الإمام ابن تيمية عندما جاء لهذه المسألة وقوبل بهذا الحديث، وتقدم معنا أنه رجح عدم التشريك، ورد بعد ذلك على من شرَّكوا بعبارات فيها شيء من القسوة كما تقدم معنا، وقال: إذا قال قائلهم: هب أن أبانا حمار فنقول: إذا كان الأب حماراً فالأم ستكون أتاناً.

طيب! وهذا الجواب هل خفي على عمر رضي الله عنه وأرضاه؟ وبدأ يرد هذا القول كما تقدم معنا بعبارات قاسية، ولا مانع للإنسان أن يرد، لكن لا داعي أن يقسو بعضنا على بعض في الرد ضمن المباحث العلمية، فهذا منقول عن السلف، فقل: هذا فيما يظهر لي مرجوح، وأن هذه الحجج التي أدلى بها فيما يظهر لي ضعيفة، وقد يكون ما ظهر لك بأنه راجح هو مرجوح عند غيرك، ودع لغيرك كما يقال متنفساً وسعة، واترك لغيرك هذا، لكن جاء بعد أن قسا في الرد زاد -كما يقال- في الرد، فقال: قول النبي عليه الصلاة والسلام لـزيد : (أفرضكم زيد )، قال: هذا حديث ضعيف لا أصل له، ولم يكن زيد معروفاً على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرائض.

والكلام باطل بشقيه:

فالحديث صحيح أقر به ابن تيمية أو لم يقر، وزيد كان معروفاً بالفرائض على عهد النبي عليه الصلاة والسلام، فالأمران ثابتان، وزيد رضي الله عنه من كتاب الوحي، وهو الذي عهد إليه بعد موت نبينا عليه الصلاة والسلام بسنة واحدة في عهد خلافة أبي بكر بأن يجمع القرآن، يعني: هذا الذي يجمع القرآن، وجمعه في الجمع الأول والثاني، هو رئيس الجمع في عهد أبي بكر وفي عهد عثمان .

خلافة أبي بكر رضي الله عنها كلها مدة سنتين ونصف، فـزيد في السنة الثانية من خلافة أبي بكر تولى هذه المهمة، ويقول له أبو بكر كما في صحيح البخاري : إنك شاب عاقل لا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله عليه الصلاة والسلام، فتتبع القرآن واجمعه. يعني هذا الذي هذه مكانته لا يعرف الفرائض؟ حتى في الحقيقة لا يسلم، لا يسلم تضعيفه للحديث كما لا يسلم أيضاً قوله في زيد : إنه لم يكن معروفاً بالفرائض على عهد النبي عليه الصلاة والسلام. يعني متى تعلمها؟ تعلمها إذاً بعد النبي عليه الصلاة والسلام.

هذا كلام -كما قلت- لا دليل عليه، ويكفي في رده ثبوت الحديث، والحديث ثابت، قلت: هو في المسند والسنن الأربعة إلا سنن أبي داود ، ورواه ابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه والبيهقي في سننه وأبو داود الطيالسي في مسنده والإمام الفسوي في المعرفة والتاريخ وابن سعد في الطبقات.

وقد قال الحافظ في الفتح (12/20): هذا حديث حسن أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم ، ثم قال بعد ذلك: له متابعات وشواهد ذكرتها في تخريج أحاديث الرافعي وهو التلخيص الحبير. وقد أطال في التلخيص الحبير، فكتب قرابة صفحة في تصحيح هذا الحديث، وبيان تعدد طرقه، انظروا ذلك في الجزء الثالث صفحة اثنتين وتسعين.

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء (4/474): هذا حديث حسن صحيح.

فالحديث صحيح ثابت، وزيد معروف بالفرائض في عهد النبي عليه الصلاة والسلام.

معالم ضرورية في إرث الجد مع الإخوة

قبل أن ندخل في مدارسة أحكام إرث الجد مع الإخوة والإخوة مع الجد، هناك معالم لابد من وعيها وضبطها قبل الدخول في هذا المبحث، هذه المعالم سبعة انتبهوا لها:

المعلم الأول: المراد بالجد

المعلم الأول: يراد بالجد هنا الجد الصحيح، وهو الذي يدلي بذكر، أي: أب الأب وأب الجد مهما علا، فخرج الجد الفاسد، وهو الذي يدخل في نسبته إلى الميت أنثى، وهو أب الأم، وأب أم الأب، أم أبيك جدة وارثة، وأبوها جد فاسد، إنما أبو أبيك مهما علا، أب الجد، جد الجد مهما علا هذا كله جد صحيح لا يدخل في نسبته للميت أنثى. هذا المعلم الأول.

سنبحث نحن في هذا الجد وهو الجد الصحيح، وقولنا: (فاسد) هذا اصطلاح في عدم إرثه، وليس المعنى أنه فاسد من حيث القرابة وفيه نقص كما فهم بعض الناس وقال: كيف يعبر عن الجد الذي هو والد الأم بأنه جد فاسد، وهو من ذوي الأرحام؟

المعلم الثاني: المراد بالإخوة

المعلم الثاني: يراد بالإخوة الإخوة الذين يدلون بذكر، سواء كانوا أشقاء أو لأب، إخوة يدلون بذكر أم يدلون بذكر وأنثى، لا علاقة لنا بجهة الأنوثة، نحن الذي نريده أنه يدلي بذكر، فإن أدلى بذكر وأنثى فهو شقيق، وإن أدلى بذكر فقط فهو أخ لأب، وتقدم معنا أن الإخوة إما بنو الأعيان وهم الأشقاء، أو بنو العلات وهم الإخوة لأب، وبنو الأخفاف الإخوة لأم، فإذاً: خرج معنا الإخوة لأم فلا يدخلون، لابد من أخ يدلي بذكر سواء كان شقيقاً أو لأب، أما الإخوة لأم فلا يرثون مع الجد إجماعاً.

ثبت في مصنف عبد الرزاق (10/272)، والأثر رواه الإمام سعيد بن منصور في سننه (1/54)، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه (11/300). عن الإمام الشعبي ، وهو من أئمة التابعين رضوان الله عليهم أجمعين، قال: لم يكن أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يورث أخاً لأم مع الجدة.

وفي بعض روايات هذا الأثر قال: من زعم أن أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورث أخاً لأم مع الجد فقد كذب. يعني: هذه مسألة مجمع عليها.

فإذاً: البحث الآن مع الإخوة الذين يدلون بذكر من أشقاء أو لأب مع الجد.

المعلم الثالث: لا يلحق بالإخوة أبناؤهم

المعلم الثالث: لا يلحق بالإخوة أبناؤهم اتفاقاً وإجماعاً، فأبناء الإخوة من أشقاء أو لأب محجوبون بالجد.

يعني: لو مات وترك جداً وابن أخ شقيق فالمال كله للجد بالإجماع، لكن لو ترك جداً وأخاً شقيقاً فسيأتينا قولان، قول: أن المال كله للجد، والقول الثاني للجمهور: مناصفة، فالجد له النصف والأخ الشقيق له النصف. وسيأتينا تفصيل إرث الجد مع الإخوة بعد إن شاء الله.

ثبت في مصنف عبد الرزاق (10/269) عن الإمام الثوري قال: لم يكن أحد يورث ابن أخ مع جده.

وفي السنن الكبرى للإمام البيهقي (6/205)، قال: كان عبد الله -يعني: ابن مسعود رضي الله عنهم أجمعين- لا يورث ابن الأخ مع الجد.

وفي مصنف ابن أبي شيبة (11/297): سئل إبراهيم -وهو إبراهيم النخعي - في رجل مات وترك جده وابن أخيه لأبيه وأمه؟ يعني: ابن أخ شقيق، فقال: المال للجد في قضاء علي وعبد الله وزيد بن ثابت . وأنا أقول: في قضاء الصحابة أجمعين.

يعني هو يقول: هذا قضى فيه علي وعبد الله بن مسعود وزيد بن ثابت أن المال كله للجد، ولا يرث ابن الأخ مع الجد.

فقال أبو بكر -يراد به صاحب المصنف وهو ابن أبي شيبة - قال أبو بكر : فهذه المسألة من سهم واحد وهو المال كله للجد. يعني لا تحتاج إلى تفريعات.

المعلم الرابع: شمول الإخوة الذكور والإناث

المعلم الرابع: يراد بالإخوة مع الجد الإخوة الأشقاء أو لأب -كما تقدم معنا- سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً أو مختلطين.

إخوة أشقاء، إخوة لأب، إخوة أشقاء معهم إخوة لأب، أخت شقيقة، أخت لأب، كل هؤلاء يراد منهم في مبحث الجد والإخوة، ويراد بهم إذا وجدوا واجتمعوا مع الجد، وأما إرث كلٌ منهم على سبيل الانفراد فقد تقدم معنا، يعني: إرث الجد منفرداً، إرث الإخوة الأشقاء منفرداً، إرث الإخوة لأب منفرداً، تقدم معنا هذا فيما مضى، نحن الآن نبحث في إخوة وجدوا مع الجد، هؤلاء الإخوة سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، لأب أو لأشقاء، أو مختلطين، كلهم هؤلاء إذا وجدوا مع الجد لهم حكم سيأتينا تفصيله.

المعلم الخامس: سبب تأخير هذه المسألة عن التعصيب والحجب

المعلم الخامس: أخر مذهب الجد والإخوة عن مبحثي التعصيب والحجب لصلة وعلاقة مبحث الجد والإخوة بكل منهما، فلا ينبغي أن يتقدم عليهما.

يعني: لا يمكن أن تتكلم في مسائل الجد والإخوة إلا بعد أن تحيط بالتعصيب وبالحجب، لعلاقة مبحث الجد والإخوة بكل منهما، أما علاقته بالتعصيب فقد تقدم معنا، أنه عند الشافعي والإمام مالك جاء في التعصيب سبع، وعند الإمام أحمد والصاحبان أيضاً يأتي التعصيب ست، وعند الإمام أبي حنيفة خمس. فمثلاً عند أبي حنيفة : بنوة، أبوة، ودخلت فيها الجدودة، لذلك لا تحتاج لاستثناء بحث خاص فيها عند أبي حنيفة ، فلا يوجد في الأصل مبحث جد وإخوة؛ لأنها انتهت من مبحث التعصيب؛ لأنه نزل الجد أباً وانتهى الكلام.

فعند أبي حنيفة : بنوة، أبوة، أخوة، عمومة، الولاء، وزاد الصاحبان قلنا: بنوة، أبوة، جدودة وأخوة.

أما أبناء الإخوة فمسألة مستقلة، لأنهم لا يلحقون بإخوتهم مع الجد.

والشافعي ومالك عليهم جميعاً رحمة الله ذكروا هذه الست، وزادوا عليها بيت المال.

فإذاً: هذا مرتبط بالتعصيب ومرتبط بالحجب، تقدم معنا عند مبحث الحجب أن الجد مع الإخوة له حكم خاص سيأتي في مبحث مستقل، وتقدم معنا عند مبحث الحجب أنه يحجب الإخوة لأم بالاتفاق، ويحجب أولاد الإخوة بالاتفاق، أما حكمه مع الإخوة فقلنا: هذا سيأتي.

المعلم السادس: من يحجب الجد

المعلم السادس: الجد الصحيح وارث إجماعاً، ولا يحجبه إلا ذكر متوسط بينه وبين الميت، فكل ذكر دونه بينه وبين الميت يحجبه، فمثلاً: إذا مات عن أب وجد فالمال للأب، والجد محجوب.

مات عن جد وأب الجد، فالجد له المال، وأبو الجد محجوب.

فإذاً: الجد الصحيح وارث إجماعاً، ولا يسقطه إلا ذكر بينه وبين الميت.

المعلم السابع: تنزيل الجد منزلة الأب إلا في مسائل

المعلم السابع: ينزل الجد منزلة الأب إجماعاً في الميراث والحجب إلا في أربع مسائل:

المسألة الأولى والثانية: في العمريتين، الغراوين، الغريمتين، الغريبتين. هذه المسألة تقدمت معنا عند مبحث الثلث، وقلنا: الأم تأخذ ثلث الباقي.

وقد سمينا غراوين من الأغر، وهي للشهرة والوضوح، وسميتا عمريتين نسبة إلى عمر رضي الله عنه لقضائه فيهما، وهو أول من قضى بهذا القضاء، سميتا غريبتين بين الفرائض لأن الأنثى تعطى ثلث الباقي، وغريمتين لأنك تجعل كلاً من الزوجين كأنه غريم وصاحب دين يأخذ فرضه بلا نقصان ثم توزع الإرث على الأبوين، فعندما يموت إنسان يترك زوجتين وأبوين، الزوجة هذه غريم كأنها صاحبة دين تقول: أعطني ربعي، وأنتم بعد ذلك دبروا أنفسكم، فإذا أخذت الربع اقتسم الأب مع الأم للذكر مثل حظ الأنثيين، فلها ثلث الباقي وله ثلثا الباقي.

يعني كأنها الآن ليست وارثة، تقول: أنا غريمة أعطوني مالي، وأنتم بعد ذلك تفاهموا فيما بينكم (الأب مع الأم)، أما أنا الآن لي الربع كاملاً، ولا يدخله نقص بحال من الأحوال.

إذاً: في الغراوين تأخذ الأم ثلث الباقي، فلو كان مكان الأب جد تأخذ ثلث الكل؛ لأن الدرجتين ابتعدتا، هناك ذكر وأنثى في درجة واحدة يدليان بأنفسهما إلى الميت: أب وأم، فتقدم معنا أن قواعد الإرث إما أن يفضل الذكر على الأنثى بالضعف، وإما أن يساويها ولا ينزل عنها، نحن لو لم نقل بهذا، أي لو لم نعط الأم من الثلث في مسألة الزوج ستأخذ أكثر من الأب، وفي مسألة الزوجة لن يأخذ الأب التضعيف المقرر في الفرائض (للذكر مثل حظ الأنثيين).

وعليه لها الثلث، أي: ثلث ما بقي، لكن قلنا في مسألة الزوج تأخذ في الحقيقة السدس، وفي مسألة الزوجة تأخذ الربع.

قال في الرحبية:

وإن يكن زوج وأم وأب فثلث الباقي لها مرتب

وهكذا مع زوجة فصاعداً فلا تكن عن العلوم قاعدا

وقال:

والجد مثل الأب عند فقده في حوز ما يصيبه ومده

إلا إذا كان هناك إخوة لكونه في القرب وهو أسوة

كما تقدم معنا. إذاً: هنا يأخذ ما يأخذه الأب، والأب إذا لم يوجد فرع وارث لا يفرض له، فله الباقي التعصيب لأنه أقوى العصبات، الجد حل محله، فالمسألة من ستة: الزوج له ثلاثة، والأم اثنان، وهو الثلث، بقي واحد للجد، لو كان مكان الجد أب، لأخذ هو الاثنين، والأم أخذت واحداً، يعني: هي كانت ستأخذ ثلث الباقي.

وهكذا في مسألة الزوجة: زوجة وأم وجد، الزوجة لها الربع لعدم الفرع الوارث، والأم لها الثلث، والجد عصبة، نحن في الغراوية خرج معنا أصل المسألة من أربعة، ونستخرج أصل المسألة من اثني عشر لوجود التباين بين الثلاثة والأربعة، المسألة من اثني عشر: ربعها ثلاثة، وثلثها أربعة للأم، بقي معنا خمسة للجد.

الشاهد أنها أخذت ثلث كل المال، هاتان المسألتان من أربع مسائل في العمريتين.

المسألة الثالثة: أم الأب مهما علت تحجب بالأب عند المذاهب الثلاثة باستثناء الحنفية، قلنا: الجدة التي تدلي بجد تحجب عند وجود من أدلت به عند الأئمة الثلاثة إلا عند الإمام أحمد فلا يحجب الجدة عنده إلا الأم، أو جدة أقرب منها، الآن عندنا أم الأب مهما علت تحجب بالأب عند من يقول بحجبها، أما الجد فلا يحجبها بالاتفاق؛ لأنها ما أدلت به، أي أن أم الأب ترث مع وجود الجد، ولو كان بدل الجد أب لسقطت الجدة التي هي أم الأب عند الأئمة الثلاثة.

إذاً: هذه مما خالف الجد فيها الأب، فالأب يحجب أمه التي أدلت به مهما علت، والجد لا يحجبها.

المسألة الرابعة: الجد والإخوة الذين يدلون بذكر من أشقاء أو لأب وهي مبحثنا، فيسقط الإخوة بالأب إجماعاً، وأما بالجد ففيها اختلاف، فـأبو حنيفة أسقطهم، والجمهور لم يسقطوهم.

إذاً: هذه أربع مسائل يخالف الجد فيها الأب.

قلنا: ينزل منزلة الأب في الإرث والحجب إلا في هذه المسائل الأربع: في العمريتين، الأم تأخذ ثلث الكل لا ثلث الباقي، وأم الأب مهما علت تحجب بالأب ولا تحجب بالجد عند من حجبها بالأب، والجد مع الإخوة لهم تفصيل في الإرث ولو كانوا مكان الجد أباً، لو كان لحجب الإخوة بالإجماع؛ لأنه تقدم معنا:

وتسقط الإخوة بالبنينا وبالأب الأدنى كما روينا

والأب الأدنى هو الذي انفصلت منه، أو أبوك مباشرة.


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه المواريث - الحجب [1] 3822 استماع
فقه المواريث - الرد على الزوجين [1] 3589 استماع
فقه المواريث - حقوق تتعلق بالميت 3573 استماع
فقه المواريث - ميراث الخنثى [1] 3539 استماع
فقه المواريث - توريث ذوي الأرحام 3484 استماع
فقه المواريث - المسألة المشتركة 3438 استماع
فقه المواريث - أدلة عدم توريث ذوي الأرحام 3346 استماع
فقه المواريث - متى يسقط الجدات ومن يحجبهن 3308 استماع
فقه المواريث - أصحاب الفروض 3258 استماع
فقه المواريث - الجد والإخوة [7] 3226 استماع