فقه المواريث - توريث ذوي الأرحام


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.

اللهم زدنا علماً نافعاً وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.

سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك.

اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:

إخوتي الكرام! بقي معنا آخر مباحث الفرائض ألا وهو توريث ذوي الأرحام، وهذا المبحث سنتدارسه ضمن ثلاثة أمور:

أولها: في تعريف ذوي الأرحام لغة واصطلاحاً.

الثاني: في توريث ذوي الأرحام، واختلاف أئمتنا الكرام في توريث ذوي الأرحام وأدلتهم إن شاء الله.

وآخر المباحث وهو ثالثها: في كيفية توريث ذوي الأرحام على القول بتوريثهم عند أئمة الإسلام.

المبحث الأول كما قلت إخوتي الكرام: تعريف ذوي الأرحام:

الأرحام: جمع رحم، والرَّحِمُ والرُّحْمُ بمعنىً واحد، يطلق على القرابة.

وأصله كما قال علماء اللغة: رحم المرأة الذي حصل فيه الحمل وتكون الجنين بتقدير رب العالمين، قال الراغب الأصفهاني في المفردات: وأطلق على القرابة رحماً لكونهم خارجين من رحم واحدة، ولأنه بينهم تراحم خاص.

وقد استعمل الله في كتابه الأرحام -جمع رحم- الذي هو رحم المرأة الذي تكون فيه الجنين، استعمل الأرحام بمعنى القرابة، وأطلق أيضاً على العطف والرحمة والتراحم بين الأقارب.

أما الاستعمال الأول وهو إطلاق الأرحام على رحم المرأة فورد في آيات كثيرة، قال الله جل وعلا في سورة آل عمران: إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ * هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ [آل عمران:5-6]، هنا الأرحام جمع رحم، والمقصود رحم المرأة.

وهكذا قول الله جل وعلا في سورة الرعد: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [الرعد:8].

وهكذا قول الله جل وعلا في سورة لقمان: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [لقمان:34] سبحانه وتعالى.

إذاً: أرحام جمع رحم، وهو رحم المرأة الذي تكون فيه الجنين بإذن رب العالمين.

واستعمل لفظ الأرحام بمعنى القرابات، قال الله جل وعلا في أول سورة النساء: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]، فالمراد من الأرحام هنا: القرابات، وسموا بذلك لأنهم خرجوا من رحم واحدة، ولأنه بينهم تراحم وتعاطف.

وهكذا قول الله في آخر سورة الأنفال وفي أوائل سورة الأحزاب: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ [الأنفال:75]، وتكملة الآية من سورة الأحزاب: وَأُوْلُوا الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُمْ مَعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا [الأحزاب:6]، أولى ببعض في الإرث وفي المال واستحقاقه، والمراد هنا من أولي الأرحام المراد: القرابات، وليس المراد منه الآن هنا رحم المرأة، وأولو الأرحام: أي أصحاب القرابات.

واستعمل الله هذا أيضاً في سورة الممتحنة، قال الله جل وعلا: لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [الممتحنة:3]، والأرحام هنا: جمع رحم، وقلت: الرِّحِم والرُّحم بمعنىً واحد، والمراد منه هنا القرابة. فقوله: لَنْ تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ [الممتحنة:3] أي: قراباتكم.

هذه ثلاث آيات أيضاً بمعنى القرابات كما ذكرت هناك ثلاث آيات هناك بمعنى رحم المرأة.

واستعمل الله كما قلت هذا اللفظ بمعنى التراحم والتعاطف بين القرابات، استعمله الله جل وعلا في سورة الكهف فقال جل وعلا: وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا [الكهف:80-81]، فكل من الرُحم والرِّحم بمعنىً واحد، قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والكوفيون الأربعة هؤلاء سبعة بإسكان الحاء: رُحماً، والثلاثة الباقون المصريان والشامي: (رُحُما) وأقرب رُحُماً، وهما لغتان بمعنىً واحد.

ما المراد بالرُّحم هنا؟ القرابة موجودة سواء بين الابن الكافر والابن المؤمن، لأنهم خرجوا من رحم واحد، المراد منه أقرب رحماً أي: أقرب تراحماً وبراً وعطفاً وحنواً وشفقة، وعليه؛ الرَّحِم الرُّحم بمعنى رحم المرأة، وبمعنى القرابة، وبمعنى التراحم الذي يحصل بين القرابات، أطلق على القرابة رحماً، لأنهم خرجوا من رحم واحدة، ولحصول التراحم الخاص بينهم، والعلم عند الله جل وعلا.

إخوتي الكرام! التراحم بين القرابات مطلوب، وقطيعة الرحم من أشنع الذنوب، ولا أريد أن أفيض في تقرير الأحاديث التي تدل على ذلك، إنما سأذكر حديثاً واحداً في مطلع مبحثنا يدل على وجوب صلة الرحم وتحريم قطيعتها، وأن من قطعها قطعه الله، فأذكر حديثاً واحداً وأتتبع رواياته بإذن الله جل وعلا.

رواية أبي هريرة لحديث صلة الرحم

ثبت في المسند والصحيحين وسنن النسائي الكبرى، والحديث رواه الإمام الطبري في تفسيره وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وعبد بن حميد في مسنده وابن مردويه في تفسيره والبيهقي في شعب الإيمان والحكيم الترمذي ، وانظر رواية الصحيحين في جامع الأصول (6/487)، وانظروا العزو إلى بقية الروايات في الدر المنثور (6/64)، والترغيب والترهيب أيضاً (3/339)، والإمام السيوطي في الدر المنثور أورد هذا في تفسير سورة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام عند قول الله: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].

ولفظ الحديث من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الرحم شجنة) بضم الشين وكسرها، شُجنة شِجنة (من الرحمن)، ومعنى الشِجنة والشُّجنة بالضم والكسر: القرابة، ومعنى الشجنة والشُّجنة: العروق المتشابكة، والمراد منها هنا: عروق متشابكة مشتبكة، المراد هنا القرابات يشتبكون كاشتباك العروق.

وقوله: (شُجنة، شِجنة من الرحمن) كأنه يريد أن يقول: هي جزء من الرحمن، من أي شيء؟ من اسمه كما سيوضح هذا الحاكم في روايته، يقول: هي من الرحمن أي: من اسم الرحمن، لا من ذاته سبحانه وتعالى، إنما من اسمه الرحمن، رحم: مأخوذة من الرحمن.

(قال الله جل وعلا: من وصلكِ وصلته، ومن قطعكِ قطعته).

وفي بعض الروايات في الصحيحين: (إن الله لما خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قالت الرحم فأخذت بحقو الرحمن) والحقو معناه في اللغة: مشد الإزار، ويطلق على الإزار، ويطلق على الخاصرة.

(فأخذت بحقو الرحمن فقالت: هذا مقام العائذ بكِ من القطعية، فقال الله جل وعلا: من وصلكِ وصلته، ومن قطعكِ قطعته، أما ترضين أن أصل من وصلكِ وأقطع من قطعكِ؟ قالت: بلى، قال: فذلك لكِ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23]).

كما قلت هذه الرواية في المسند والصحيحين وغيرهما، وفي بعض روايات المسند والمستدرك (4/57) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره، (قال الله: أنا الرحمن وهي الرحم، شققت لها اسماً من اسمي، من وصلها وصلته، ومن دسها بكته) أي: قطعها. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وفي بعض روايات المسند أيضاً، ورجال الإسناد رجال الصحيح غير محمد بن عبد الجبار وهو ثقة كما قال الإمام الهيثمي في المجمع (8/150): قلت: له حديث في الصحيح غير هذا، يعني هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه مروي في الصحيحين لكن بغير هذا اللفظ، قلت له: حديث في الصحيح غير هذا، وانظروه في الترغيب والترهيب أيضاً في المكان المشار إليه (3/339)، وعزاه إلى ابن حبان أيضاً وقال: إسناده جيد قوي.

وهذه الرواية أيضاً رواها الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في السنن الكبرى ولفظها: (إن الرحم شجنة من الرحمن، تقول: يا رب! إني قطعت، إني ظلمت، إني أسيء إلي، فيجيبها الله جل وعلا: ألا ترضين أن أصل من وصلكِ وأقطع من قطعكِ؟)، والحديث كما قلت إخوتي الكرام رجاله رجال الصحيح وإسناده جيد قوي. وهذه رواية أبي هريرة .

معنى (أخذت بحقو الرحمن)

وقوله: (بحقو الرحمن)، هذا مما نورده ولا نفسره، وتفسيره قراءته كما قال أئمتنا، يعني دائماً ما يتعلق بصفات الرب لا داعي أن نقول: هذا من باب التمثيل، ولا أن نقول: هناك إزار وحقو حقيقة، هذا لا يعلمه إلا المتصرف به سبحانه وتعالى.

إخوتي الكرام! عندما توصف الروح بالدخول والخروج لو قال إنسان: كيف دخلت وكيف خرجت؟ نقول: هذا من عالم آخر، لله المثل الأعلى، وعندما قال:( الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) يعني كيف الجنود ومجندة، هل يعني أنها مستعدة ومسلحة؟ كيف هذا؟ يا عبد الله! هذا عالم آخر، وما يذكر دائماً في إطار المغيبات فتفسيره قراءته، هكذا كان أئمتنا يقولون، فلا داعي بعد ذلك أن نقول: هذا من باب التمثيل، ولا داعي أن نقول بعد ذلك: هناك مماثلة بين الخالق والمخلوق! دعنا من التأويل ودعنا من التمثيل، نقرأ اللفظ ونمشي وهكذا كان سلفنا، حقيقة ما كانوا يستشكلون أو أنهم كانوا يقفون عند هذه وأمثالها، مثل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وهنا (أخذت بحقو الرحمن)، الحقو يفسر معناه في اللغة، الحقو في اللغة: مشد الإزار، يطلق على الإزار، وعلى الخاصرة، أما (أخذت بحقو الرحمن) وبكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، والمراد من ذلك لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، لا أريد أن نقحم أنفسنا في هذه الأمور، اقرأ وأمر وانتهى الأمر.

تخريج حديث عائشة وابن عوف في صلة الرحم

الرواية الثانية إخوتي الكرام رواية سيدتنا أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما قلت ثابتة صحيحة، رواها ابن أبي شيبة في مصنفه وهي في الصحيحين أيضاً، ورواها البيهقي في الأسماء والصفات والحاكم في المستدرك عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله).

وفي بعض روايات الحاكم : (الرحم شجنة من الرحمن) قال الحاكم : أراد شُجنة من اسم الله، الاسم الذي هو الرحمن، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله. هذه رواية ثانية.

الرواية الثالثة: ثابتة عن سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه في مصنف ابن أبي شيبة ، ورواه أبو داود والترمذي في السنن والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى والبخاري في الأدب المفرد.

ولفظ الرواية: عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: أنا الله الرحمن -وفي رواية: أنا الرحمن-، خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته)، وفي بعض الروايات: (ومن بتها بتته).

والحديث رواه البزار عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه، لكن في إسناد البزار جماعة قال عنهم الإمام الهيثمي : مجهولون لم أعرفهم، والرواية ثابتة كما تقدم معنا؛ قال الإمام الهيثمي في المجمع (8/151): وله -أي: لـعبد الرحمن بن عوف - في سنن أبي داود وغيره غير هذا الحديث.

ولفظ رواية البزار عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تنادي الرحم يوم القيامة: إن من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله).

وتقدم معنا أنه لما خلق الله الخلق قالت الرحم: هذا وأعطاها الله ذلك، وهكذا يوم القيامة ينطق الله الرحم القرابة فتقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله.

والحديث إخوتي الكرام! رواه الحكيم الترمذي أيضاً عن عبد الرحمن بن عوف كما في الدر المنثور (6/65)، ولفظ الحديث عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام قال: (ثلاث تحت العرش: القرآن يحاج عن العباد، والرحم تنادي: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله، والثالث: الأمانة).

هذه روايات سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه.

تخريج رواية سعيد بن زيد وعبد الله بن عمرو لحديث صلة الرحم

الرواية الرابعة: رواية سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل أحد العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم وأرضاهم، روايته في المستدرك (4/157) ولم أقف على من خرج هذه الرواية إلا على المستدرك الحاكم ، والإمام السيوطي في الدر عزا هذه الرواية إلى المستدرك فقط في المكان المشار إليه قريباً.

ولفظ الحديث: (الرحم شُجنة من الرحمن، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته) بمعنى الروايات المتقدمة. هذا في المستدرك.

والرواية الخامسة: رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين ثابتة في سنن أبي داود والترمذي ورواها الحاكم في المستدرك، ورواها ابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في السنن الكبرى.

ولفظ الرواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، الرحم شُجنة من الرحمن، فمن وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله).

ورواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين رواها الإمام أحمد في المسند أيضاً والطبراني في معجمه الكبير، قال الإمام الهيثمي في المجمع في المكان المشار إليه: ورجال أحمد رجال الصحيح غير أبي ثمامة الثقفي وقد وثقه ابن حبان ، وأبو ثمامة خرج له أبو داود في سننه وحكم عليه الحافظ في التقريب بأنه مجهول الحال، والرواية كما تقدم معنا ثابتة، لكن في إسناد المسند هذا العبد الصالح أبو ثمامة الثقفي .

وفي بعض روايات حديث عبد الله بن عمرو في المسند وصحيح ابن حبان عن نبينا عليه الصلاة والسلام: (إن الرحم معلقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافئ).

والحديث رواه البخاري في الأدب المفرد أيضاً من رواية عبد الله بن عمرو بلفظ: (الرحم شجنة من الرحمن، من يصلها وصله الله، ومن يقطعها قطعه الله، لها لسان طلق ذلق يوم القيامة تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله). اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

والجملة الأولى إخوتي الكرام من رواية عبد الله بن عمرو : (الرحم معلقة بالعرش، وليس الواصل بالمكافئ) ثابتة في المسند وصحيح البخاري وسنن أبي داود والترمذي أيضاً، لكن الزيادة بعد ذلك: أن من وصلها وصله الله، هذه ليست في صحيح البخاري من رواية عبد الله بن عمرو رضي الله عنهم أجمعين.

قال الإمام الحاكم عقب رواية أبي هريرة المتقدمة، وهي الرواية الأولى، قال: وقد روي هذا الحديث بأسانيد واضحة عن عبد الرحمن بن عوف وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعائشة وابن عمرو وقد ذكرنا رواية الأربعة مع رواية أبي هريرة فصارت خمساً.

ثم قال عقب الرواية الأخيرة وهي رواية عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم أجمعين: وهذه الأحاديث كلها صحيحة، وإنما استقصيت في أسانيدها بذكر الصحابة رضي الله عنهم أجمعين؛ لئلا يتوهم متوهم أن الشيخين لم يهملا الأحاديث الصحيحة. وأقره الإمام الذهبي على ذلك.

هو يقول: أنا بالغت في سرد روايات هذا الحديث وبيان من رواه من الصحابة -وهم خمسة- لئلا يتوهم متوهم أن الشيخين البخاري ومسلم عليهم جميعاً رحمة الله لم يهملا الحديث الصحيح، يعني: لم يتركا شيئاً من الأحاديث الصحيحة في كتابيهما، بل تركا أحاديث كثيرة صحيحة ما خرجاها في الصحيحين وليس المراد بالإهمال هنا الإعراض، إنما يعني ترك أحاديث كثيرة صحيحة لم يخرجاها في الصحيحين، وتقدم معنا أن رواية أبي هريرة في الصحيحين، ورواية أمنا عائشة في الصحيحين، ورواية الثلاثة بعد ذلك ليست في الصحيحين: رواية عبد الرحمن بن عوف ورواية سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل ورواية عبد الله بن عمرو ، لذلك يقول: استقصيت في بيان طرق هذا الحديث ومن رواه من الصحابة لئلا يتوهم متوهم أن الشيخين لم يهملا الأحاديث الصحيحة.

هذه روايات خمس ذكرها الحاكم وبينت من خرجها، وليت الحاكم بالغ في الاستقصاء فبين من روى هذا الحديث من غير هؤلاء الصحابة الكرام رضي الله عنهم أجمعين.

إخوتي الكرام! روي هذا الحديث أيضاً عن سيدنا أنس رضي الله عنه وأرضاه، رواه البزار بسند حسن كما في المجمع في المكان المتقدم، ولفظ الحديث: (إن الرحم شجنة متمسكة بالعرش تكلم بلسان ذلق تقول: اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني).

وفي بعض روايات البزار لهذا الحديث من رواية سيدنا أنس رضي الله عنه وأرضاه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يقول الله تبارك وتعالى: أنا الرحمن الرحيم، وإني شققت للرحم اسماً من اسمي، فمن وصلها وصلته، ومن بتكها بتكته)، والبتك هو القطع، بتها، بتكها، هذا في رواية البزار بسند حسن كما قال الإمام الهيثمي في المجمع. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

تخريج رواية ابن عباس لحديث صلة الرحم

الرواية الثانية عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والروايات ستزيد معكم على العشر مع الروايات الخمس المتقدمة، والحديث متواتر قطعاً، واسمعوا الآن للروايات التي ستأتي معنا، الحاكم ذكر خمساً وقال: إنه استقصى، وليته زاد على الخمس خمساً وزيادة أيضاً.

فالرواية الثانية رواية سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في مسند الإمام أحمد والبزار ومعجم الطبراني الكبير كما في المجمع، وفي الإسناد صالح مولى التوأمة ، قال الإمام الهيثمي : وقد اختلط، وبقية رجاله رجال الصحيح، وصالح هو صالح بن نبهان مولى التوأمة رضي الله عنه وأرضاه، قال الحافظ في ترجمته: صدوق وقد اختلط، وتوفي سنة خمس أو ست وعشرين بعد المائة، وحديثه في السنن الأربع إلا سنن النسائي ، قال ابن عدي: لا بأس برواية القدماء عن صالح كرواية ابن أبي ذئب وابن جريج رضي الله عنهم أجمعين، لأنهم رووا عنه قبل اختلاطه وتغير عقله، وبقية رجال الإسناد رجال الصحيح، وسيأتي لفظ الحديث كالرواية المتقدمة سواءً بسواء.

ولفظ الحديث عن نبينا عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن الرحم شجنة آخذة بحجزة الرحمن)، وهناك: (بحقو الرحمن)، (تصل من وصلها وتقطع من قطعها)، هكذا (تصل) في كشف الأستار في زوائد البزار ، وفي المجمع: (يصل من وصلها، ويقطع من قطعها)، وإذا لم يكن في ضبط الشيخ الأعظمي في كشف الأستار تصحيف أو تحريف (تصل) فيصح تقدير المعنى: أي الرحم تدعو بالوصل لمن وصلها وبالقطيعة لمن قطعها، أو: الرحم شجنة من الرحمن، يصل الرحمن من وصلها ويقطع من قطعها.

إخوتي الكرام! قبل أن نذهب إلى الرواية الثالثة رواية أيضاً عبد الله بن عباس رضي الله عنهما رواها الحكيم الترمذي كما في الدر المنثور والحاكم في المستدرك (2/302) بسند صحيح على شرط الشيخين وأقره؛ لكن موقوفة على ابن عباس في الكتابين من كلامه، وله حكم الرفع قطعاً وجزماً.

لفظ رواية الحكيم الترمذي كما في الدر المنثور: (الرحم معلقة بالعرش، فإذا أتاها الواصل بشرت به وكلمته، وإذا أتاها القاطع احتجبت عنه).

ولفظ رواية الحاكم : (إن الرحم لتقطع وإن النعمة لتكفر، وإن الله إذا قارب بين القلوب لم يزحزحها شيء أبداً، ثم قرأ عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [الأنفال:63]). قال عبد الله بن عباس : وقال النبي صلى الله عليه وسلم.. هنا الآن موقوف في أول الحديث من رواية الحاكم وهنا الرفع: (الرحم شجنة من الرحمن، وإنها لتجيء يوم القيامة تتكلم بلسان طلق ذلق، فما أشارت إليه بوصل وصله الله، وما أشارت إليه بقطع قطعه الله، تقول: هذا وصلني فيصله الله، وهذا قطعها فيقطعه الله) وعليه هنا رواية الحاكم أيضاً مرفوعة من رواية سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.

تخريج رواية عامر بن ربيعة وأم سلمة لحديث صلة الرحم

الرواية الثالثة: رواية عامر بن ربيعة رواها الطبراني في معجمه الكبير وأبو يعلى في مسنده والبزار ، وفي الإسناد عاصم بن عبيد الله ضعفه الجمهور كما قال الهيثمي في المجمع، وقال العجلي : لا بأس به، وقد حكم عليه الحافظ في التقريب بأنه ضعيف وتوفي سنة (132)، وخرج حديثه البخاري في كتاب خلق أفعال العباد وأهل السنن الأربعة.

ولفظ الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم أنه قال: (قال الله عز وجل: الرحم شجنة مني) أي: من اسمي الرحمن كما تقدم معنا، (الرجم شجنة -قطعة- مني، فمن وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته).

وفي رواية البزار : (من يصلها أصله، ومن يقطعها أقطعه).

الرواية الرابعة من الروايات الزائدة على الخمس: رواية أمنا المباركة أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها، رواها الإمام الطبراني في معجمه الكبير وابن أبي شيبة في مصنفه، وفي إسناد الحديث موسى بن عبيدة الربذي تقدم معنا حاله مراراً في مواعظ سنن الترمذي ، قال عنه الهيثمي في المجمع: ضعيف، وبذلك حكم عليه الحافظ ابن حجر في التقريب فقال: ضعيف لا سيما في عبد الله بن دينار ، وكان عابداً، وهو من رجال الترمذي وسنن ابن ماجه القزويني عليهم جميعاً رحمة الله.

ولفظ الحديث عن أمنا أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الرحم شجنة آخذة بحجزة الرحمن تناشده حقها، فيقول الله لها: ألا ترضين أن أصل من وصلكِ وأن أقطع من قطعكِ؟).

وفي رواية: (تقول الرحم: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله).

وفي رواية: (يقول الله للرحم: من وصلكِ وصلني، ومن قطعكِ قطعني)، هذه رواية أمنا أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها.

تخريج رواية جرير بن عبد الله لحديث صلة الرحم

الرواية الخامسة رواية جرير بن عبد الله البجلي ، رواها الطبراني في معجمه الكبير والأوسط كما في المجمع بإسناد الحكم بن عبد الله وهو أبو مطيع البلخي ، قال عنه الحافظ الهيثمي : متروك، وقال الإمام الذهبي في المغني في ترجمته (2/183): تركوه.

والذي يظهر والعلم عند الله أنه من عباد الله الصالحين لكن كان فيه بدعة وهي بدعة الإرجاء، والإرجاء الذي كان فيه إن كان إرجاءً يسيراً فلا حرج في اتصافه بذلك الإرجاء كما تقدم معنا، أي إن كان يقول: العمل ليس من مسمى الإيمان لكن وجوده ينفع وعدمه يضر، وإذا كان يقول: لا ينفع مع الكفر طاعة ولا يضر مع الإيمان معصية وعليه فليفعل الإنسان ما شاء إذا اعتقد ونطق؛ فهذا ضلال ضلال!

في لسان الميزان الحافظ ابن حجر نقل عن الإمام العجلي (2/335) عن العقيلي قال: كان مرجئاً صالحاً في الحديث، إلا أن أهل السنة أمسكوا عن الرواية عنه، انظر الرواية التي بعدها، قال الجوزجاني : كان أبو مطيع من رؤساء المرجئة ممن يضع الحديث ويبغض السنن.

يقول المعلق في الفوائد البهية نقلاً عن كتاب العبر للذهبي عن أبي داود : بلغنا أنه من كبار الأمارين بالمعروف والناهين عن المنكر.

أقول -وهو المعلق على الكتاب والطبعة هندية- : من كان هذا شأنه فكيف يكون مبغضاً للسنن؟ فلعل هذا تحامل عليه من المحدثين لكونه من فقهاء أصحاب الإمام أبي حنيفة رحمة الله عليهم أجمعين. انتهى الحسن النعماني . يعني المعلق على هذا الحسن النعماني .

حقيقة إذا كان هذا حال وشأن الإنسان: أنه أمار للمعروف، نهاء عن المنكر، تقي صالح، فكيف بعد ذلك سيبغض السنن؟ فلعل بغض السنن عند من وصفه بذلك أنه من فقهاء الرأي -كما يعبرون- ومن أهل الاجتهاد، وليس هذا بغضاً للسنة.

على كل حال! فحال هذا العبد الصالح كما قلت، وليس له رواية في الكتب الستة، حكموا عليه بالضعف، لكن النسائي الكبرى، والحديث رواه الإمام الطبري في تفسيره وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه وعبد بن حميد في مسنده وابن مردويه في تفسيره والبيهقي في شعب الإيمان والحكيم الترمذي ، وانظر رواية الصحيحين في جامع الأصول (6/487)، وانظروا العزو إلى بقية الروايات في الدر المنثور (6/64)، والترغيب والترهيب أيضاً (3/339)، والإمام السيوطي في الدر المنثور أورد هذا في تفسير سورة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام عند قول الله: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23].

ولفظ الحديث من رواية سيدنا أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قالت: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الرحم شجنة) بضم الشين وكسرها، شُجنة شِجنة (من الرحمن)، ومعنى الشِجنة والشُّجنة بالضم والكسر: القرابة، ومعنى الشجنة والشُّجنة: العروق المتشابكة، والمراد منها هنا: عروق متشابكة مشتبكة، المراد هنا القرابات يشتبكون كاشتباك العروق.

وقوله: (شُجنة، شِجنة من الرحمن) كأنه يريد أن يقول: هي جزء من الرحمن، من أي شيء؟ من اسمه كما سيوضح هذا الحاكم في روايته، يقول: هي من الرحمن أي: من اسم الرحمن، لا من ذاته سبحانه وتعالى، إنما من اسمه الرحمن، رحم: مأخوذة من الرحمن.

(قال الله جل وعلا: من وصلكِ وصلته، ومن قطعكِ قطعته).

وفي بعض الروايات في الصحيحين: (إن الله لما خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قالت الرحم فأخذت بحقو الرحمن) والحقو معناه في اللغة: مشد الإزار، ويطلق على الإزار، ويطلق على الخاصرة.

(فأخذت بحقو الرحمن فقالت: هذا مقام العائذ بكِ من القطعية، فقال الله جل وعلا: من وصلكِ وصلته، ومن قطعكِ قطعته، أما ترضين أن أصل من وصلكِ وأقطع من قطعكِ؟ قالت: بلى، قال: فذلك لكِ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم: اقرءوا إن شئتم: فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ [محمد:22-23]).

كما قلت هذه الرواية في المسند والصحيحين وغيرهما، وفي بعض روايات المسند والمستدرك (4/57) وقال: صحيح على شرط مسلم وأقره، (قال الله: أنا الرحمن وهي الرحم، شققت لها اسماً من اسمي، من وصلها وصلته، ومن دسها بكته) أي: قطعها. اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

وفي بعض روايات المسند أيضاً، ورجال الإسناد رجال الصحيح غير محمد بن عبد الجبار وهو ثقة كما قال الإمام الهيثمي في المجمع (8/150): قلت: له حديث في الصحيح غير هذا، يعني هذا حديث أبي هريرة رضي الله عنه مروي في الصحيحين لكن بغير هذا اللفظ، قلت له: حديث في الصحيح غير هذا، وانظروه في الترغيب والترهيب أيضاً في المكان المشار إليه (3/339)، وعزاه إلى ابن حبان أيضاً وقال: إسناده جيد قوي.

وهذه الرواية أيضاً رواها الحاكم في المستدرك وابن أبي شيبة في مصنفه والبيهقي في السنن الكبرى ولفظها: (إن الرحم شجنة من الرحمن، تقول: يا رب! إني قطعت، إني ظلمت، إني أسيء إلي، فيجيبها الله جل وعلا: ألا ترضين أن أصل من وصلكِ وأقطع من قطعكِ؟)، والحديث كما قلت إخوتي الكرام رجاله رجال الصحيح وإسناده جيد قوي. وهذه رواية أبي هريرة .

وقوله: (بحقو الرحمن)، هذا مما نورده ولا نفسره، وتفسيره قراءته كما قال أئمتنا، يعني دائماً ما يتعلق بصفات الرب لا داعي أن نقول: هذا من باب التمثيل، ولا أن نقول: هناك إزار وحقو حقيقة، هذا لا يعلمه إلا المتصرف به سبحانه وتعالى.

إخوتي الكرام! عندما توصف الروح بالدخول والخروج لو قال إنسان: كيف دخلت وكيف خرجت؟ نقول: هذا من عالم آخر، لله المثل الأعلى، وعندما قال:( الأرواح جنود مجندة، ما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف) يعني كيف الجنود ومجندة، هل يعني أنها مستعدة ومسلحة؟ كيف هذا؟ يا عبد الله! هذا عالم آخر، وما يذكر دائماً في إطار المغيبات فتفسيره قراءته، هكذا كان أئمتنا يقولون، فلا داعي بعد ذلك أن نقول: هذا من باب التمثيل، ولا داعي أن نقول بعد ذلك: هناك مماثلة بين الخالق والمخلوق! دعنا من التأويل ودعنا من التمثيل، نقرأ اللفظ ونمشي وهكذا كان سلفنا، حقيقة ما كانوا يستشكلون أو أنهم كانوا يقفون عند هذه وأمثالها، مثل: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] وهنا (أخذت بحقو الرحمن)، الحقو يفسر معناه في اللغة، الحقو في اللغة: مشد الإزار، يطلق على الإزار، وعلى الخاصرة، أما (أخذت بحقو الرحمن) وبكيفية يعلمها الله ولا نعلمها، والمراد من ذلك لا يعلمه إلا هو سبحانه وتعالى، لا أريد أن نقحم أنفسنا في هذه الأمور، اقرأ وأمر وانتهى الأمر.

الرواية الثانية إخوتي الكرام رواية سيدتنا أمنا عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما قلت ثابتة صحيحة، رواها ابن أبي شيبة في مصنفه وهي في الصحيحين أيضاً، ورواها البيهقي في الأسماء والصفات والحاكم في المستدرك عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الرحم معلقة بالعرش تقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله).

وفي بعض روايات الحاكم : (الرحم شجنة من الرحمن) قال الحاكم : أراد شُجنة من اسم الله، الاسم الذي هو الرحمن، من وصلها وصله الله، ومن قطعها قطعه الله. هذه رواية ثانية.

الرواية الثالثة: ثابتة عن سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه في مصنف ابن أبي شيبة ، ورواه أبو داود والترمذي في السنن والحاكم في المستدرك والبيهقي في السنن الكبرى والبخاري في الأدب المفرد.

ولفظ الرواية: عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله عز وجل: أنا الله الرحمن -وفي رواية: أنا الرحمن-، خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي، من وصلها وصلته، ومن قطعها قطعته)، وفي بعض الروايات: (ومن بتها بتته).

والحديث رواه البزار عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه، لكن في إسناد البزار جماعة قال عنهم الإمام الهيثمي : مجهولون لم أعرفهم، والرواية ثابتة كما تقدم معنا؛ قال الإمام الهيثمي في المجمع (8/151): وله -أي: لـعبد الرحمن بن عوف - في سنن أبي داود وغيره غير هذا الحديث.

ولفظ رواية البزار عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم أجمعين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تنادي الرحم يوم القيامة: إن من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله).

وتقدم معنا أنه لما خلق الله الخلق قالت الرحم: هذا وأعطاها الله ذلك، وهكذا يوم القيامة ينطق الله الرحم القرابة فتقول: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله.

والحديث إخوتي الكرام! رواه الحكيم الترمذي أيضاً عن عبد الرحمن بن عوف كما في الدر المنثور (6/65)، ولفظ الحديث عن نبينا الأمين عليه الصلاة والسلام قال: (ثلاث تحت العرش: القرآن يحاج عن العباد، والرحم تنادي: من وصلني وصله الله، ومن قطعني قطعه الله، والثالث: الأمانة).

هذه روايات سيدنا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وأرضاه.


استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه المواريث - الحجب [1] 3821 استماع
فقه المواريث - الرد على الزوجين [1] 3588 استماع
فقه المواريث - حقوق تتعلق بالميت 3573 استماع
فقه المواريث - ميراث الخنثى [1] 3539 استماع
فقه المواريث - المسألة المشتركة 3437 استماع
فقه المواريث - أدلة عدم توريث ذوي الأرحام 3346 استماع
فقه المواريث - متى يسقط الجدات ومن يحجبهن 3307 استماع
فقه المواريث - أصحاب الفروض 3258 استماع
فقه المواريث - الجد والإخوة [7] 3225 استماع
فقه المواريث - تكملة مبحث التصحيح 3127 استماع