فقه المواريث - حقوق تتعلق بالميت


الحلقة مفرغة

بسم الله الرحمن الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعن من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا، وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين! اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين، سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفوك بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

إخوتي الكرام! بعد أن انتهينا من تعريف علم الفرائض تدارسنا في آخر الدرس الماضي شيئاً مما يتعلق بفضل علم الفرائض وقلت: نتدارس هذا بعون الله جل وعلا في أول الدرس الآتي يعني: في هذا الدرس، ثم ننتقل إلى الحقوق المتعلقة بالميت.

علم الفرائض قلت: علم جليل حثنا على تعلمه نبينا عليه الصلاة والسلام، وقد كان يحرص عليه سلفنا الكرام، فيتدارسونه ويتذاكرون به ويتحدثون في مسائله.

وتقدم معنا حديث النبي عليه الصلاة والسلام أن علم الفرائض يعدل نصف العلم، وهو علم سريع النسيان وهو أول ما يفقد في هذه الأمة المباركة المرحومة.

والحديث الذي تقدم معنا قلت: إنه في سنن ابن ماجه ، وسنن الترمذي ، ورواه الحاكم في المستدرك ، والبيهقي والدارقطني في السنن، والإمام الواحدي في كتاب الوسيط وقلت: إن الحديث في طرقه ضعف لكن الطرق تتقوى ببعضها؛ ولذلك نص عددٌ من أئمتنا على تحسين الحديث بل على تصحيحه، ومنهم: الإمام السيوطي عليه رحمة الله، ولفظ الحديث كما تقدم معنا من رواية أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تعلموا الفرائض وعلموها، فإنه -أي: هذا العلم- نصف العلم، وإنه ينسى، وهو أول شيء ينزع من أمتي).

معاني كون علم الفرائض يعدل نصف العلم

أيها الإخوة: كنا عند جملة قول النبي عليه الصلاة والسلام: (فإنه -يعني: علم الفرائض- نصف العلم) وقلت: كون علم الفرائض يعدل نصف العلم لأئمتنا في بيان هذه الجملة المباركة عدة أقوال تحمل عدة معاني:

المعنى الأول: يعدل نصف العلم من حيث الثواب

أولها: نصف العلم من حيث الثواب، فيعطي الله ثواباً عظيماً وأجراً جزيلاً لمن تعلم علم الفرائض بحيث يعدل أجر علم الفرائض أجور سائر العلوم الأخرى، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

فالعلوم كلها نصف من حيث الثواب والأجر، وعلم الفرائض نصف من حيث الثواب والأجر، فمن تعلم علم الفرائض كمن تعلم سائر العلوم بالنسبة للثواب والأجر، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس في هذا -كما يفهم بعض الناس- تزهيداً عن تلك العلوم وعدم ترغيب فيها، إنما هذا فقط ترغيب في تحصيل علم الفرائض ،كما أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن وليس معنى هذا أن الإنسان يقرؤها ويهجر القرآن، لكن يعتني بها أكثر من غيرها، وهنا علم الفرائض يحصله وحتماً يحصل العلوم الأخرى، لكن له أجرٌ كبير لو حصل هذا العلم، لو قلنا مثلاً علماً من العلوم علم التفسير دون الفرائض، علم الحديث دون الفرائض، علم الفقه دون الفرائض لكان أجره أقل بكثير مما لو حصَّل علم الفرائض وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، كما أن الإنسان إذا صلى في بيت الله الحرام تضاعف صلاته إلى مائة ألف ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وهنا كذلك: علم الفرائض يعتبر نصف العلم من حيث الثواب والأجر، فالعلوم الأخرى كلها نصف وعلم الفرائض نصف فإنه نصف العلم من حيث الثواب.

المعنى الثاني: يعدل نصف العلم باعتبار حالتي الإنسان: الحياة والموت

المعنى الثاني: وهو معتبر أيضاً وقال به عددٌ من أئمتنا الكرام: أن علم الفرائض نصف العلم باعتبار أن للإنسان حالتين: حالة حياة، وحالة موت، فما يتعلق بحياته نصف العلم، وما يتعلق بموته نصف العلم، والعلم الذي يتعلق بموت الإنسان هو علم الفرائض أو علم الميراث، فصار علم الفرائض نصف العلم بهذا الاعتبار، فهو يتعلق بإحدى حالتي الإنسان حياة وموتاً، فما يتعلق بحياتك يكون نصف العلم وما يتعلق بمماتك يكون نصف العلم، والأحكام التي تتعلق بموتك تؤخذ من علم الفرائض فهي نصف العلم بهذا الاعتبار.

المعنى الثالث: المراد بنصف العلم الجزء والبعض

المعنى الثالث: وذهب إليه عددٌ من أئمتنا منهم شيخ الإسلام الإمام ابن الصلاح قال: المراد من النصف: الجزء والبعض والقسم دون النصف المساوي للنصف الثاني، وعليه فإنه نصف العلم، أي: قسمٌ من العلم.. جانبٌ من العلم، جزء من العلم ولا يعني أنه يعدل العلوم الأخرى. وهذا تأويل معتبرٌ أيضاً.

المعنى الرابع: نصف العلم لأنه يبتلى به كل الناس

المعنى الرابع: حكاه الحافظ في الفتح في كتاب الفرائض عن الإمام ابن عيينة في فتح الباري (2/5) عن أبي محمد سفيان بن عيينة قال: إنه نصف العلم؛ لأنه يبتلى به كل الناس. وقوله: يبتلى به كل الناس، لعله يقصد والعلم عند الله: أن الناس سيموتون ويطرأ عليهم الموت، وإذا كان كذلك فكل الناس سيحتاجون إلى علم الفرائض كل الناس يحتاجون إليه، وعليه فهذا القول الرابع يمكن أن يعود إلى القول الثاني أن الإنسان له حالتان. وهذا تحليل من عندي وليس هو تحليل من قبل قائله ولا من قبل ناقله الحافظ .

إذاً: كل الناس سيموتون، فهم بحاجة إليه فرجع القول الرابع إلى القول الثاني: بأن للإنسان حالتان.

ويمكن أن يقال والعلم عند الله أيضاً: أن هذا العلم يبتلى به كل الناس أي: يحتاجه كل الناس، وبعض العلوم لا يحتاجها كثيرٌ من الناس، أما هذا لابد من الاحتياج إليه من قبل كل أحد، أما بعض العلوم لو لم يتعلمها الإنسان لا يحتاجها، فعلم الزكاة مثلاً إذا كان الإنسان فقيراً لا يجب عليه أن يتعلم أحكام الزكاة، وأما هذا، فسيتعرض له فيموت هو أو أحد أقربائه فلابد من معرفة حكم الله في هؤلاء الموتى، كيف توزع تركتهم وأموالهم، وكيف يجهزون وعلى من تجهيزهم. هذا كله يتعلق به علم الفرائض.

المعنى الخامس: أنه مبني على النصوص ولا يدخله الاجتهاد

المعنى الخامس: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن علم الفرائض نصف العلم) قالوا: الأدلة التي تؤخذ منها الأحكام تنقسم إلى قسمين: نصوص، وقياس، وأما الإجماع فهو دليل بُني على نصٍ في الأصل، وأما القياس فاجتهاد ألحقنا ما لا نص فيه بما فيه نص، وعلم الفرائض هذا من العلوم التي تبنى على النصوص فلا دخل للاجتهاد فيها فهو نصف العلم. أي: علم مبني على الأثر والنقل والنص ولم يبن على الاجتهاد والاستنباط، وسيأتينا إن شاء الله في علم الفرائض. يعني: الزوج له حالتان في الفرائض لا يخرج عنهما على الإطلاق: نصف، أو ربع، ليس هناك اجتهاد ولا اختلاف في هذه القضية، نصف إذا لم يكن هناك فرع وارث، وربع إذا كان هناك فرعٌ وارث، وهذه القضية لا اختلاف فيها، فهي ليست كمسألة الجهر بالبسملة في الصلاة، وهل نجهر أو لا، والخلافات ومآخذ ذلك والترجيح، هنا ليس كذلك فالنصوص قطعية.

إذاً: علم الفرائض بُني على نصوصٍ سمعية لا على اجتهادات نظرية ولا دخل للاجتهاد فيه، وعليه فهو نصف العلم من حيث أنه بُني على أدلة معينة وهي الأدلة النقلية لا الأدلة الاجتهادية النظرية، والعلم عند الله جل وعلا.

المعنى السادس

المعنى السادس -وهو آخر الأقوال- في تعليل كون علم الفرائض يعدل نصف العلم؛ أن أسباب الملك تنقسم إلى قسمين: قسم اختياري، وقسم قهري. فأما الاختياري فهو ما تملك رده كالبيع، والهبة. هذا تملك باختيارك وإذا اشتريت لك أن ترد بخيار عيب.. بخيار شرط، أو عن طريق الإقالة، والهبة لك أن تتملكها ثم تعيدها، هذا يقال له: تملك اختياري.

وهناك تملك إجباري لا تملك أن ترده على من أخذته منه وهو ما يكون عن طريق الإرث، فهنا تملك قهري إجباري جاءك من مورثك لا تملك أن ترده إليه فهو قد مات، وهذا صار لك، ثم أنت تتصدق به أو تتملكه لنفسك هذا أمرٌ آخر، لكن أنت ملكته، فلا تملك أن ترده إلى صاحبه، إذا جاءك إرث وهذا الإرث فيه شيء من النقص أو العيب فلا تملك رده على صاحبه، ولو قدر أنك لو ملكت عن طريق الإرث شيئاً من الحيوانات فيها آفة فيها عور فيها عمى فيها ما فيها، فإنك لا تملك أن تردها على صاحبها وتقول: أنا آخذ الثلاثين شاة نصيبي وينبغي أن تكون سليمة، لا، هذا نصيبك كنصيب الورثة الآخرين، بخلاف الشراء لو اشتريت ثم بانت آفة فلك أن ترده بخيار العيب.. بخيار الشرط.. بغير ذلك، أما هنا فأنت لا تتملك ذلك سواءٌ كان سليماً أو سقيماً بحالة حسنة أو بحالة رديئة، فأنت تتملك ولا خيار لك فيه.

إذاً: أسباب التملك على قسمين: تملك اختياري، وتملك قهري إجباري اضطراري.

والتملك القهري لا تملك الرد فيه، وتأخذه كيفما كان حاله، والتملك الاختياري: ما يتم عن طريق البيع والهبة وغير ذلك، ولك أن تتملك ولك أن ترد وألا تتملك، وهنا علم الفرائض يعتبر نصف العلم من حيث أسباب التملك، فهو يحصل فيه تملك قهري إجباري اضطراري لا خيار لك فيه، فهو نصف العلم بهذا الاعتبار، وهذا رجحه صاحب العذب الفائض في شرح منظومة الفرائض عليهم جميعاً رحمة الله.

وعلى كل حال فالأقوال كلها فيما يظهر والعلم عند الله معتبرة، وأظهر الأقوال فيما يظهر والعلم عند الله: أن علم الفرائض نصف العلم من حيث الثواب والأجر، فمن تعلمه يعطيه الله هذا الأجر؛ ترغيباً لنا في تعلم علم الفرائض، وهذا فيما يظهر والعلم عند الله هو الذي يفهم من إطلاق قول النبي عليه الصلاة والسلام: (فإنه نصف العلم) يعني: تعلموه فلكم أجر العلوم الأخرى بكاملها إذا حصلتم علم الفرائض فهو في كفة والعلوم الأخرى في كفة.

وجه وأسباب نسيان علم الفرائض

(وإنه ينسى وهو أول شيءٍ ينزع من أمتي)، أما أن علم الفرائض ينسى، فينسى لموت حملته والعلماء الذين يتقنونه كما ثبت هذا في المسند، والصحيحين، وسنن الترمذي، وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من العباد ولكن يقبض العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبقِ عالماً) وفي رواية: (حتى إذا لم يَبَقَ عالمٌ اتخذ الناس رؤوساً جهالاً فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).

يعني: إذا كان الإنسان لا يتقن العلم وخاصة علم الفرائض، وجاء ليتكلم في الميراث ويستفتى ويفتي فيضل ويضل.

إذاً: هذا العلم ينسى، ولعل السبب في نسيانه هو موت العلماء الذين يتقنونه، ثم أمرٌ آخر وهو حياة عامة جاهلية يعيش الناس فيها فلا يحتكم فيها إلى شريعة الله جل وعلا.

وانظروا الآن لأولادنا ونشئنا يعلمونهم الرياضيات المعقدة التي يسمونها حديثة وهي في الحقيقة خبيثة، يعلمونهم الإنجليزي واللغة الفرنسية بمعدل ثمان محاضرات أو أكثر في الأسبوع، فهل يوجد في ثانوية من ثانويات العالم تعليم الفرائض؟ لا. لم وهي فيها تنشيط لذهن الإنسان كالرياضيات وأكثر، هذا عدا عن كونها علماً شرعياً يتقرب به الإنسان إلى الله جل وعلا؟ لم الرياضيات المعقدة يتعلمونها وبعد ذلك هذه الفرائض التي شرعها الله في كتابه لا نعلمها لنشئنا ليتحدثوا بها ولتغرس أحكام الشرع في نفوسهم؟ لماذا؟

إذاً: أنظمة جاهلية خيمت على العالم فشغلوا بها وأعرضوا عن دراسة الفرائض.

والآن في كثيرٍ من البلاد -ونسأل الله حسن الخاتمة- ليس أعرضوا عن تعلمها فقط، بل عن العمل بها، فسوي بين الذكر والأنثى كما سيأتينا في القسمة الهمجية التي يعيش الناس عليها في هذه الجاهلية الحديثة أو الجاهلية القديمة، سوي بين الذكر والأنثى في الجاهلية الحديثة كما حرمت الأنثى من الميراث في الجاهلية القديمة، وكل هذا شطط وانحراف عن شريعة الله المطهرة.

إذاً: ينسى علم الفرائض بموت العلماء وعندما تصبح الحياة جاهلية ويعرض الناس عن الشريعة الإسلامية فلا يتعلمون الفرائض ولا يعملون بها.

أيها الإخوة: كنا عند جملة قول النبي عليه الصلاة والسلام: (فإنه -يعني: علم الفرائض- نصف العلم) وقلت: كون علم الفرائض يعدل نصف العلم لأئمتنا في بيان هذه الجملة المباركة عدة أقوال تحمل عدة معاني:

أولها: نصف العلم من حيث الثواب، فيعطي الله ثواباً عظيماً وأجراً جزيلاً لمن تعلم علم الفرائض بحيث يعدل أجر علم الفرائض أجور سائر العلوم الأخرى، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

فالعلوم كلها نصف من حيث الثواب والأجر، وعلم الفرائض نصف من حيث الثواب والأجر، فمن تعلم علم الفرائض كمن تعلم سائر العلوم بالنسبة للثواب والأجر، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس في هذا -كما يفهم بعض الناس- تزهيداً عن تلك العلوم وعدم ترغيب فيها، إنما هذا فقط ترغيب في تحصيل علم الفرائض ،كما أن سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن وليس معنى هذا أن الإنسان يقرؤها ويهجر القرآن، لكن يعتني بها أكثر من غيرها، وهنا علم الفرائض يحصله وحتماً يحصل العلوم الأخرى، لكن له أجرٌ كبير لو حصل هذا العلم، لو قلنا مثلاً علماً من العلوم علم التفسير دون الفرائض، علم الحديث دون الفرائض، علم الفقه دون الفرائض لكان أجره أقل بكثير مما لو حصَّل علم الفرائض وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، كما أن الإنسان إذا صلى في بيت الله الحرام تضاعف صلاته إلى مائة ألف ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.

وهنا كذلك: علم الفرائض يعتبر نصف العلم من حيث الثواب والأجر، فالعلوم الأخرى كلها نصف وعلم الفرائض نصف فإنه نصف العلم من حيث الثواب.

المعنى الثاني: وهو معتبر أيضاً وقال به عددٌ من أئمتنا الكرام: أن علم الفرائض نصف العلم باعتبار أن للإنسان حالتين: حالة حياة، وحالة موت، فما يتعلق بحياته نصف العلم، وما يتعلق بموته نصف العلم، والعلم الذي يتعلق بموت الإنسان هو علم الفرائض أو علم الميراث، فصار علم الفرائض نصف العلم بهذا الاعتبار، فهو يتعلق بإحدى حالتي الإنسان حياة وموتاً، فما يتعلق بحياتك يكون نصف العلم وما يتعلق بمماتك يكون نصف العلم، والأحكام التي تتعلق بموتك تؤخذ من علم الفرائض فهي نصف العلم بهذا الاعتبار.

المعنى الثالث: وذهب إليه عددٌ من أئمتنا منهم شيخ الإسلام الإمام ابن الصلاح قال: المراد من النصف: الجزء والبعض والقسم دون النصف المساوي للنصف الثاني، وعليه فإنه نصف العلم، أي: قسمٌ من العلم.. جانبٌ من العلم، جزء من العلم ولا يعني أنه يعدل العلوم الأخرى. وهذا تأويل معتبرٌ أيضاً.

المعنى الرابع: حكاه الحافظ في الفتح في كتاب الفرائض عن الإمام ابن عيينة في فتح الباري (2/5) عن أبي محمد سفيان بن عيينة قال: إنه نصف العلم؛ لأنه يبتلى به كل الناس. وقوله: يبتلى به كل الناس، لعله يقصد والعلم عند الله: أن الناس سيموتون ويطرأ عليهم الموت، وإذا كان كذلك فكل الناس سيحتاجون إلى علم الفرائض كل الناس يحتاجون إليه، وعليه فهذا القول الرابع يمكن أن يعود إلى القول الثاني أن الإنسان له حالتان. وهذا تحليل من عندي وليس هو تحليل من قبل قائله ولا من قبل ناقله الحافظ .

إذاً: كل الناس سيموتون، فهم بحاجة إليه فرجع القول الرابع إلى القول الثاني: بأن للإنسان حالتان.

ويمكن أن يقال والعلم عند الله أيضاً: أن هذا العلم يبتلى به كل الناس أي: يحتاجه كل الناس، وبعض العلوم لا يحتاجها كثيرٌ من الناس، أما هذا لابد من الاحتياج إليه من قبل كل أحد، أما بعض العلوم لو لم يتعلمها الإنسان لا يحتاجها، فعلم الزكاة مثلاً إذا كان الإنسان فقيراً لا يجب عليه أن يتعلم أحكام الزكاة، وأما هذا، فسيتعرض له فيموت هو أو أحد أقربائه فلابد من معرفة حكم الله في هؤلاء الموتى، كيف توزع تركتهم وأموالهم، وكيف يجهزون وعلى من تجهيزهم. هذا كله يتعلق به علم الفرائض.

المعنى الخامس: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن علم الفرائض نصف العلم) قالوا: الأدلة التي تؤخذ منها الأحكام تنقسم إلى قسمين: نصوص، وقياس، وأما الإجماع فهو دليل بُني على نصٍ في الأصل، وأما القياس فاجتهاد ألحقنا ما لا نص فيه بما فيه نص، وعلم الفرائض هذا من العلوم التي تبنى على النصوص فلا دخل للاجتهاد فيها فهو نصف العلم. أي: علم مبني على الأثر والنقل والنص ولم يبن على الاجتهاد والاستنباط، وسيأتينا إن شاء الله في علم الفرائض. يعني: الزوج له حالتان في الفرائض لا يخرج عنهما على الإطلاق: نصف، أو ربع، ليس هناك اجتهاد ولا اختلاف في هذه القضية، نصف إذا لم يكن هناك فرع وارث، وربع إذا كان هناك فرعٌ وارث، وهذه القضية لا اختلاف فيها، فهي ليست كمسألة الجهر بالبسملة في الصلاة، وهل نجهر أو لا، والخلافات ومآخذ ذلك والترجيح، هنا ليس كذلك فالنصوص قطعية.

إذاً: علم الفرائض بُني على نصوصٍ سمعية لا على اجتهادات نظرية ولا دخل للاجتهاد فيه، وعليه فهو نصف العلم من حيث أنه بُني على أدلة معينة وهي الأدلة النقلية لا الأدلة الاجتهادية النظرية، والعلم عند الله جل وعلا.




استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة اسٌتمع
فقه المواريث - الحجب [1] 3821 استماع
فقه المواريث - الرد على الزوجين [1] 3588 استماع
فقه المواريث - ميراث الخنثى [1] 3535 استماع
فقه المواريث - توريث ذوي الأرحام 3482 استماع
فقه المواريث - المسألة المشتركة 3437 استماع
فقه المواريث - أدلة عدم توريث ذوي الأرحام 3346 استماع
فقه المواريث - متى يسقط الجدات ومن يحجبهن 3307 استماع
فقه المواريث - أصحاب الفروض 3257 استماع
فقه المواريث - الجد والإخوة [7] 3223 استماع
فقه المواريث - تكملة مبحث التصحيح 3126 استماع