فلسفة النسيان - إحسان مغزاوي
مدة
قراءة المادة :
3 دقائق
.
ما أكثر الأكاذيب في أفكارنا، وما أكثر المغالطات في فلسفاتنا، مصطلحاتنا تعاني تكلف العقول عليها وتحميلها ما لا طاقة لها به، وما لا يمكنها احتضانه من المعاني والمرادات، لم ذلك يا ترى؟! أهو فرار من واقع لن يكون كما نريده فنقوم برسم ملامح له في التجريدات واللا محسوس؟ أم أن الأمر تقتضيه الطبيعة البشرية الجانحة دائمًا إلى ما هو مثالي، وما لا نقص فيه؟!بحثت عن إجابات لما اعترضتني من الإشكالات المشابهة فلم أهتد إلا إلى كوننا نعيش ضمن تشوه فكري نحن صانعوه، ولا يهم إن كنا فعلنا ذلك عن دراية تامة به وما يتفرع عنه من تتبعات أو فعلناه هكذا بسذاجة، من يظن نفسه في أعلى سلم التراتبية العلمية نحن البشر هكذا دائمًا نعتقد أن ما انبثق عن أفهامنا وما تولد من رحم عقولنا، سيما ذلك الذي انتشر بين الناس وسلموا به "خاصة، وعامة"، لا يمكن أن يتطرق إليه التشكيك ولو بقدر -أو هذا ما يؤمن به الكثير على الأقل- وسواء صدر هذا التشكيك من عالم أو متعالم
فتعترضنا في كل لحظة حياتية وفي محطة وجودية أشياء كنا نعدها من المسلمات، التي لا نغفر لمن يخالفها أو يهدم بنيان تصورنا إليها، لكن بمجرد اصطدامنا بمطب يستدعي تطبيق ما نظرناه نكتشف أننا كنا أغبى مما اعتقدناه، إذ لا نجد أنفسنا قادرين حتى على ضبط المفاهيم وفقًا للواقع لا كما تمليه التنظيرات.
فمثلًا جميعنا ذاهب في ذهنه أن النسيان منضبط الحد، راسخ المضمون، وكلنا يمارسه بكل بساطة.
كم نحن مغفلين، فهل سمعنا مثلًا بشخص نسي ذاته أو نسي ذاته الأخرى التي عشقها، أو نسي المطبات المهمة في صباه؟! وهل؟! وهل؟! وهل؟!
نعتقد أنه وببساطة يمكننا كنس ما يؤثث ذاكرتنا من الأشياء السيئة، أو حتى تلك الجميلة والحال غير ذلك، ويكذب من قال بأن طول الزمان وامتداد الأيام قادران على العبث بذاكرتنا وغربلتها مما لا نريده، أو حتى ذلك الذي نريده، كنا نظن أن النسيان قرار، وهل يقرر الإنسان جنونه؟ فلا نسيان إلا بالالتحاق بركب المجانين؟ وحتى إن صرنا كذلك! هل سننسى فعلاً؟