القدس المنسية لماذا يستعجلونها يهودية؟ - عبد العزيز مصطفى كامل
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
بحسب الأسباب المادية المجردة؛ فإن الهوية الإسلامية لمدينة القدس وما بها من مقدسات؛ قد دخلت مرحلة الخطر الوجودي الشديد، فاليهود الذين يتسارعون في تهويدها بلا هوادة، ويحرقون المراحل في إفسادها وتدنيسها بلا توقف؛ ينتهزون انشغال العالم بنزاعات وأزمات إقليمية متسارعة،، يهدف أكثرها في النهاية لغاية واحدة وإن كانت تتردد بصيغ وألفاظ متعددة؛ وهي: «ضمان أمن إسرائيل»! تلك العبارة التي تعني في حقيقتها: تأمين اليهود المغتصبين لفلسطين حتى يتمكنوا من تنفيذ خططهم العالمية الدينية المستقبلية، للوصول إلى الصيغة الإقليمية، وهي تحقيق مشروع «مملكة داود» التوراتية من النيل إلى الفرات.ليس في هذا الأمر أي مبالغة، فما يحدث في المنطقة منذ عقود؛ من بغداد إلى دمشق، مروراً بفلسطين ووصولاً إلى مصر ؛ يؤول في النهاية - أو يُراد له - أن يصب في حساب ذلك الأمن الموقوت، الذي قُدر على اليهود أن يُحرموا منه، ويعيشو ا في الذلة إلا بحبل من الله وحبل من الناس، وفي معمعة الأحداث الكبيرة التي تتابع تداعياتها في العالمين العربي والإسلامي؛ غفل عوام المسلمين وتغافل أكثر خواصهم؛ عن أخطار تنفيذ مخططات الإجرام التي تتحقق بانتظام في القدس وما حولها؛ لضمان أمن اليهود، بمكر كبير من هذا العدو الأكبر والأحقر..
ومن معهم من أوليائهم المتنفذين، الذين يديرون الأزمات ويوجهونها بما يضمن تحقيق هذا الهدف الملخص في عبارة «ضمان أمن إسرائيل»، التي تتكرر كثيراً على ألسنة الزعماء والساسة بكل سلاسة، دون أن يعي معناها ومرماها عشرات الملايين من المستمعين لها في النشرات والمطلعين عليها في التحليلات والنشرات.
من تأمل في تطورات الأحداث وتداعياتها بالمنطقة منذ مئة وعشرين عاما، أي منذ عام 1897 الذي وضعت فيه بذرة المشروع الصهيوني؛ سيجد أن تمكين شياطين اليهود من فلسطين كلها - والقدس في قلبها - وعموم الشام من حولها؛ بل وما حول الشام في أرض الفرات من شرقها، وأراضي النيل من غربها؛ سيخرج بحقيقة لا يمكن المراء فيها أو التهوين من شأنها؛ وهي أن مشروع «إسرائيل الكبرى» كان يجري - ولا يزال - على درب التنفيذ وعلى خرائط الواقع، ليس على الصيغة الجغرافية والديموغرافية التقليدية - فليس ذلك هو المراد - ولكن على صورة الهيمنة السياسية، والسيطرة الاقتصادية، والتحكمات العسكرية.
من أجل «ضمان أمن إسرائيل» بعد إقامة «دولتها الدينية» المحلية في فلسطين؛ هُدمت دولة الخلافة الإسلامية العالمية في تركيا، لتنشأ على أنقاضها دولة أتاتورك «اللادينية»، بتعاون وثيق بين أركان الصليبية الدولية، ولتقوم على أنقاضها فروع الكيانات العلمانية العربية بحدود «سايكس-بيكو»، التي اشترط «المجتمع الدولي» لاستمرار الاعتراف بـ«سيادة» كل منها أن تعترف ظاهرا او باطنا بـ«سيادة» واستقلال دولة اليهود، مع تعهد معلن أو غير معلن بأمنها، سواء كان هذا التعهد بالاعتراف الرسمي بها، أو المهادنة الدائمة لها، أو المداهنة والتمييع في شأن التطبيع مع كيانها.ومن أجل «ضمان أمن إسرائيل» المتضمن في جوهره الحقيقي تهويد القدس وهدم الأقصى؛ جرت - ولا تزال تجري - محاولات تغيير قناعات الشعوب العربية والإسلامية، وتوجيه مسارات خطط الأقليات الدينية والمذهبية، وتسيير خطى التغرير في الأجيال باسم «التطوير» في المناهج الدراسية، وفي تثبيت أو إطاحة الأنظمة الشمولية.
وتحقيقاً للوصول للمقصد المأمول في تأمين اليهود؛ يتم توظيف وسائل التضليل الإعلامية في توصيف وتصنيف ومعاملة كل التجمعات والاتجاهات الإسلامية، بحسب مدى تأثيرها في عرقلة المسارات الصهيونية..
و «ضمان أمن إسرائيل» - عند التأمل - يفسر أكثر التفاعلات والتغيرات المتتابعة في المنطقة؛ حيث تقبع خلفها تلك الرغبة العارمة الصارمة لتحقيق «أمن» هذه «الإسرائيل» بأي سبيل، مهما كانت صادمة! وآخر ذلك تأكيد دونالد ترمب على «يهودية» القدس، من خلال تعهده المتكرر بتنفيذ قرار الكونغرس الأمريكي المؤجل منذ التسعينات؛ بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس!.
في صميم «ضمان أمن إسرائيل» يأتي تأمين مستقبل مركز قيادتها في عاصمتها المفترضة «القدس»..
التي لا قدسية لها عند مَنْ ظفر بها إلا بمركز العبادة التاريخي العريق الذي أقيم بوسطها، وهو المعروف عند المسلمين بـ«المسجد الأقصى»، وعند أهل الكتاب بـ«هيكل سليمان»، لذلك شاعت مقولة كبراء اليهود المعاصرين: «لا قيمة لإسرائيل بدون القدس، ولا قيمة للقدس بدون الهيكل»
(ملاحظة)..منقول بنصه من افتتاحية لي بمجلة البيان بتاريخ 2017 /25 /5...وهو موجود بتمامه على موقع المجلة صوتياً