أرشيف المقالات

الجمع بين المصالح أولى من الترجيح

مدة قراءة المادة : 4 دقائق .
من القواعد المهمة في الشريعة الإسلامية قاعدة: "الجمع بين المصلحتين أولى من إبطال إحداهما" (فتح القدير:6 /223)، قال الدهلوي: "مبْنى الشَّرَائِع على التَّوَسُّط بَين المنزلتين، وَالْجمع بَين المصلحتين" (حجة الله البالغة:2/296).

وقال العز بن عبد السلام: "مَنْ قَدَرَ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَ دَرْءِ أَعْظَمِ الْفِعْلَيْنِ مَفْسَدَةٌ وَدَرْءُ أَدْنَاهُمَا مَفْسَدَةُ جَمْعٍ بَيْنَهُمَا" (قواعد الأحكام:1 /126)، أي إذا تعارضت المصالح الشرعية فيكون الجمع بينهما أولى من الترجيح، وهذا هو الأولى، ومن أدلة مشروعيتها: "جواز الجمع بين الحج والتجارة، والجمع بين إرادتهما" (تيسير العلام شرح عمدة الأحكام:752).

ونزل في ذلك قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن ْتَبْتَغُوافَضْلًا مِن ْرَبِّكُمْ} [البقرة من الآية:198].
وجه الدلالة: جواز الجمع بين التجارة والحج، على أن يكون المقصد الأصلي هو الحج والتجارة تابعة (الجامع لأحكام القرآن:2/413).

قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن:16]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «دعوني ما تركتكم، إنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم» (صحيح البخاري :9/94، رقم الحديث:7288).

وجه الدلالة: أي افعلوا من الأعمال الصالحة بقدر استطاعتكم (فتح الباري، ابن حجر:13/262)، والجمع بينها أفضل من الاقتصار على عمل دون آخر.

ومن تطبيقاتها:
يجب على المؤمن أن ينصح الناس بفعل معروفين معًا، أو ينهى عن منكرين في نفس الوقت بكلمة واحدة -إن استطاع-، كمن يجد رجلاً يقتل شخصًا، وآخر يسرق إنسانًا فيقول لهم: كفا عن هذا (قواعد الأحكام:1/128).

وإن استطاع فيجب عليه الجمع بينهما، كمن يقول لمجموعة من الناس: قوموا إلى الصلاة، فقد جمع بينهم في الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف (قواعد الأحكام:1/128)، إن اجتمعت صلاة الجنازة مع صلاة الجمعة فيمكن أن نصلي الجمعة ثم نصلي الجنازة، وإن خفنا تغير الميت صلينا عليه ويدفن ثم نصلي الجمعة (قواعد الأحكام:1/128).

قال العز بن عبد السلام: "تقديم إنقاذ الغرقى المعصومين على أداء الصلوات؛ لأن إنقاذ الغرقى المعصومين عند الله أفضل من أداء الصلاة، والجمع بين المصلحتين ممكن بأن ينقذ الغريق ثم يقضي الصلاة، ومعلوم أن ما فاته من مصلحة أداء الصلاة لا يقارب إنقاذ نفس مسلمة من الهلاك" (قواعد الأحكام:1/128).

إذا قام مصل للصلاة ووجد حريقًا فإنه يقوم بتقديم إطفاء الحريق على أداء الصلاة، وكذلك كقطع الصلاة للضرورة كمصل بجوارك يقع نتيجة مرض أو صرع أثناء تأدية الصلاة..

إذا كان الرهن حيوانًا يحتاج إلى نفقة فعلى المرتهن أن ينتفع بالركوب والحلب مقابل النفقة عليه، ونكون قد جمعنا بين المصلحتين (مجموع الفتاوى :20/560)

 
د.
ياسر محمد عبد الرحمن
 

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢