أرشيف المقالات

تفسير آية: { قد أفلح المؤمنون }

مدة قراءة المادة : 7 دقائق .
تفسير آية: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ*...

 
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ [المؤمنون: 1 - 11].
 
الغَرَض الذي سِيقَتْ له هذه الآيات: بيان أفعال الخير المورثة للفردوس.
 
مناسبتها لما قبلها: أنه لما أمر في ختام السورة السابقة ببعض أفعال الخير المورثة للفلاح - وعلى رأسها الصلاة - ذكر في أول هذه السورة أفعال الخير المورثة للفردوس وبدأها بالصلاة، فقال: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾.
 
و﴿ قَدْ ﴾ في قوله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ﴾ للتحقيق وإفادة ثبوت ما كان يتوقع ثبوته من قبل.
 
ومعنى ﴿ أَفْلَحَ ﴾ فاز ونجا وسلم.
 
ومعنى: ﴿ خَاشِعُونَ ﴾؛ أي: متواضعون خائفون ساكنون، غاضُّو الأبصار، واجفو القلوب.
 
وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ﴾؛ أي: والذين هم مُنصرفون عما لا يجلب لهم خيرًا في دينهم أو دنياهم، واللغو: الباطل.
 
قال بعض العلماء: وهو يشمل الشرك.
وقال بعضهم: المراد باللغو هنا المعاصي.
 
وقال آخرون: المراد باللغو هنا كل ما كان حرامًا أو مكروهًا أو مباحًا لم تدع إليه ضرورة ولا حاجة من الكلام وغيره؛ كاللعب والهزل وما يُخل بالمروءة.
 
وقد اختلف العلماء في معنى قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ ﴾:
فذكر أكثر أهل العلم أن المراد بالزكاة هنا زكاة المال، وإن كانت هذه الآية مكية، وإنما فرضت الزكاة بالمدينة في سنة اثنتين من الهجرة، لكن هؤلاء الأكثرين يقولون: إن أصل الزكاة كان واجبًا بمكة قبل الهجرة، بدليل قوله تعالى في سورة الأنعام - وهي مكية -: ﴿ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ ﴾ [الأنعام: 141]، فالذي فرض بالمدينة هي الزكاة ذات الأنصبة والمقادير الخاصة.
 
وقال بعض أهل العلم: المراد بالزكاة هنا زكاة النفس من الشرك والدنس؛ كقوله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 9، 10]، وكقوله تعالى: ﴿ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ * الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ﴾ [فصلت: 6، 7؛ على أحد القولين في تفسيرها.
 
قال ابنُ كثير رحمه الله: وقد يحتمل أن يكون كلا الأمرين مرادًا، وهو زكاة النفوس وزكاة الأموال، فإنه مِن جملة زكاة النفوس، والمؤمن الكامل هو الذي يفعل هذا وهذا.
 
قوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾؛ أي: والذين هم صائنون لفروجهم عن كل محرم، ولا يتناولون بها إلا ما أذن الله لهم فيه من زوجة أو سرية؛ إذ قد أبيح لهم التمتع بأزواجهم وسراريهم.
 
فمن تناول بفرجه غير زوج أو سرية وطلب منكحًا خلاف ذلك، فأولئك هم المتجاوزون الحد، المستحقون للعقوبة.
 
وقوله: ﴿ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾ لا يشمل تمتع المرأة بمملوكها بالإجماع.
 
وقد ذكر ابن جرير رحمه الله - بسند غريب منقطع من طريق قتادة - أن امرأة اتخذت مملوكها، وقالت: تأولت آية من كتاب الله: ﴿ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ ﴾، فأتى بها عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقال له ناسٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: تأولت آية من كتاب الله عز وجل على غير وجهها، قال: فضرب عمر العبد وجزَّ رأسه، وقال للمرأة: أنت بعده حرام على كل مسلم.
 
وقد استدل الشافعي وغيره على تحريم استمناء الرجل بيدِه بهذه الآيات الكريمة، وقالوا: هذا الصنيع خارج عن هذين القسمين.
 
وقوله تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾؛ أي: والذين هم لكل ما يوثقون عليه، ويوضع بين أيديهم ويعهد إليهم به ويعقد معهم فيه - سواء كان بينهم وبين الله أو بينهم وبين الناس أو بينهم وبين أنفسهم - فهم يحافظون عليه ولا يخونون فيه.
 
وهذه الآية تشمل جميع الصلات بين الخلائق بعضها مع بعض، كما تشمل جميع صلات العبد بربه، فهي تنتظم مصالح الدنيا والآخرة.
 
وقوله: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ ﴾؛ أي: يؤدونها في مواقيتها، ويحافظون على تمام ركوعها وسجودها، وقد افتتح أفعال الخير هذه بالصلاة واختتمها بالصلاة؛ لأنها عماد الدين وأول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة.
 
وقوله تعالى: ﴿ أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾؛ أي: أولئك المتَّصِفون بهذه الصفات هم المستحقون للفردوس، وهو أعلى الجنة وأوسطها، وسقفه عرش الرحمن؛ كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سألتم الله الجنة فاسألوه الفردوس؛ فإنه أعلى الجنة، وأوسط الجنة، ومنه تفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن)).
 
الأحكام:
1 - استحباب الخضوع في الصلاة.
2 - كراهة الحركات فيها لا سيما التي لا داعي لها.
3 - كراهة دخول الإنسان فيما لا يَعنيه.
4 - وجوب إيتاء الزكاة.
5 - وجوب صيانة الفروج عن غير زوج أو أَمَة.
6 - وجوب حفظ الأمانات وتحريم الخيانة.
7 - تحريم الغدر.
8 - تحريم نكث العهد.
9 - وجوب المحافظة على مواقيت الصلاة وركوعها وسجودها.
10 - استحباب المحافظة على هيئة الصلاة.

شارك الخبر

فهرس موضوعات القرآن