معنى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}
مدة
قراءة المادة :
10 دقائق
.
سؤال: قال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ}، فما هي تلك الحقوق المتبادلة؟ ثم قال تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ}.. فما هي تلك الدرجة وما معنى الآية؟الإجابة:جاء في تفسير الحاوي:يقول تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة:228]، وحول آخر الآية يقول ابن كثير رحمه الله: أي ولهن على الرجال من الحق مثل ما للرجال عليهن، فليؤد كل واحد منهما إلى الآخر ما يجب عليه بالمعروف لحديث مسلم عن جابر أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الوداع: «فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ؛ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ، فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ، وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» (صحيح مسلم [1218]).ولحديث بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة القشيري عن أبيه عن جده قال: يا رسول الله، ما حق زوجة أحدنا عليه؟ قال: «أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوِ اكْتَسَبْتَ، وَلَا تَضْرِبِ الْوَجْهَ، وَلَا تُقَبِّحْ، وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ» (سنن أبي داود [2138]).وقوله تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} أي في الانفاق والقيام بالمصالح والقوامة وفروق الخلقة، كما قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [النساء من الآية:34].فها هو الحافظ ابن كثير يستدل بالقرآن لتفسير القرآن وهو أصح التفسير؛ أن يفسر القرآن بالقرآن، فقد بدأ القرآن بحق المرأة أولًا فقال: {وَلَهُنَّ}، ثم ثنى بحق الرجال وقال: {عَلَيْهِنَّ} ومع التساوي في الحقوق والواجبات والتساوي في الخضوع لأحكام رب الأرض والسماوات، يبقى التقرير الإلهي: وللرجال عليهن درجة، وقوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} فلا بد من وجود هذه الدرجة لا لتستمر المعركة بين الرجل والمرأة، ولا لتحقيق مكاسب لصالح طرف؛ وإنما لصالح النفس الإنسانية بشقيها الرجل والمرأة على السواء، وهذه الدرجة للرجال ليست من كسبهم وإنما هي من عطاءات الله لهم لعلمه سبحانه بهم وبما يصلح من شأنهم وشأن من تولوا أمرهم. للرجل على المرأة درجة:وإليك أيها الكريم شيئًا من تفاصيل هذه الدرجة، كما قال ابن كثير أي في الفضيلة والخلق والخلق والمنزلة وطاعة الأمر والإنفاق.أولًا في الفضيلة: فقد اختار الله سبحانه وتعالى أنبياءه من الرجال ليحملوا كلامه ورسالاته إلى الناس، ولم يختر رسلًا من النساء كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ۗ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} [يوسف:109]، يقول ابن كثير في تفسيره إنما أرسل رسله من الرجال لا من النساء، وهذا قول جمهور العلماء، وأن الله تعالى لم يوحِ إلى امرأة من بنات آدم، وحي تشريع، والذي عليه أهل السنة والجماعة أنه ليس في النساء نبيةٌ وإنما فيهن صِدِّيقات، كما قال تعالى: {مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ ۖ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة من الآية:75] فوصفها في أشرف مقاماتها بالصديقية، فلو كانت نبية لذكر ذلك في مقام التشريف والإعظام، فهي صديقة بنص القرآن.ويقول ابن حجر باب {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ} [آل عمران من الآية:42]: "ليس بصريح أنها نبية ولا يمنع وصفها بأنها صديقة، فقد وصف يوسف بذلك".ونقل النووي أن إمام الحرمين نقل الإجماع على أن مريم ليست نبية، وعن الحسن: "ليس في النساء نبية ولا في الجن".
انتهى بتصرف. ثانيًا: للرجال درجة في الخَلْق والخُلُق:فالذي خَلَق هو الذي لم يجعل النوعين شيئًا واحدًا، فقد قال تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىٰ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَىٰ ۖ وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:36]، ومن الأسرار العجيبة أن كلمة وضعتُ قرئت بالضمة في التاء من قراءة ابن عامر فيكون من جملة كلام امرأة عمران وهي التي تشهد وتقول: ليس الذكر كالأنثى، وعلى قراءة الجمهور بسكون التاء يكون تقرير رب العالمين: ليس الذكر كالأنثى لا في الخلق ولا التكوين ولا الاستعداد الفطري، فقد زودت المرأة بالرقة والعطف وسرعة الانفعال، والاستجابة العاجلة لمطالب الطفولة بغير وعي ولا سابق تفكير بل بغير إرادة أحيانًا، وهذه ليست خصائص سطحية وإنما هي غائرة في التكوين العضوي والعصبي للمرأة وفي كل خلية من خلاياها، وزود الرجل بالخشونة والصلابة وبطء الانفعال والاستجابة واستخدام الوعي والتفكير قبل الحركة، لأن وظائفه كلها تحتاج إلى قدر من التروي قبل الإقدام.كذلك ليس الذكر كالأنثى في التركيب البدني والهرموني والدماغي ليس الذكر كالأنثى في فرض بعض الأمور الشرعية مثل الجهاد، فإنه لم يُفرض على النساء ولله تعالى الحكمة في ذلك؛ لأن المرأة هي التي تلد الرجال الذين يجاهدون، وهي مهيأة لولادة الرجال بكل تكوينها العضوي والنفسي ومهيأة لإعدادهم للجهاد وللحياة على حد سواء، فالحرب حين تحصد الرجال وتستبقي الإناث تدع للأمة مراكز إنتاج الذرية، فرجل واحد مع أربع نساء يعوض الأمة الكثير من الرجال، ولكن ألف رجل لا يملكون أن يجعلوا امرأة واحدة تنتج أكثر مما تنتج من رجل واحد، فهذا باب من أبواب حكمة الله التي لم تجعل الذكر كالأنثى وأعفت المرأة من فريضة الجهاد إلا في حالات الضرورة القصوى. ثالثًا: للرجال درجة في المنزلة والتقديم:فهو إمامها في الصلاة ولم يعرف التاريخ الإسلامي منذ فجره أن امرأةً مهما بلغ علمها وحفظها لكتاب الله تعالى وفقهها أن المسلمين قدموها لتصلي بهم، ولا طلبت المرأة هذا.
والكل يحفظ حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عند مسلم عن أبي مسعود الأنصاري قال: قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا، وَلَا يَؤُمَّنَّ الرَّجُلُ الرَّجُلَ فِي سُلْطَانِهِ، وَلَا يَقْعُدُ فِي بَيْتِهِ عَلَى تَكْرِمَتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ» (صحيح مسلم [673]).أليس هذا فضلا ودرجةً من قبيل تفضيل الرسول صلى الله عليه وسلم الأقرأ من الرجال وتقديمه وإن كان في القوم من هو أقرأ منه من النساء وأفقه؟! رابعًا: هو رئيسها والحاكم عليها وليس العكس:لقوله تعالى: {بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ} [النساء من الآية:34] يقول ابن كثير في تفسيره: "لأن الرجال أفضل من النساء والرجل خير من المرأة، ولهذا كانت النبوة مختصة بالرجال، وكذلك الملك الأعظم لقوله صلى الله عليه وسلم: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» (صحيح البخاري [4425]).وكذا منصب القضاء، فالرجل أفضل من المرأة في نفسه وله الفضل عليها والإفضال، فناسب أن يكون قيمًا عليها كما قال تعالى: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} [البقرة من الآية:228] وعن ابن عباس: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ} [النساء من الآية:34].
يعني: أمراء عليهن".أقول: وأكبر شاهد على عدم الفلاح الوارد في حديث البخاري: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمُ امْرَأَةً» ما ذكره القرآن من شأن ملكة سبأ: {إِنِّي وَجَدتُّ امْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ .
وَجَدتُّهَا وَقَوْمَهَا يَسْجُدُونَ لِلشَّمْسِ مِن دُونِ اللَّهِ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لَا يَهْتَدُونَ} [النمل:23-24]، فهو يحكمها ولا تحكمه ويسوسها ولا تسوسه، فهل عرفنا {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الروم من الآية:30].
والحمد لله رب العالمين.
أ.هـ.