ضوابط في التمذهب والاجتهاد والتقليد
مدة
قراءة المادة :
5 دقائق
.
ضوابط في التمذهب والاجتهاد والتقليدلخَّصها العبد الفقير: أبو يعقوب نشأت بن كمال المصري عفا الله عنه من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.
• الأئمة الأربعة ومَن قبلهم وبعدهم مِن سلف الأمة كانوا يُصلُّون خلفَ مَن يوافقهم على مذهبهم ومَنْ يخالفهم فيه.
• وإنما تنازع العلماء في مسائل: مثل إذا فعل الإمام ما يبطل الصلاة في مذهب المأموم دون مذهب الإمام.
• والصحيح الذي عليه جمهور الفقهاء أن صلاة المأموم صحيحة؛ لأن ما فعله الإمام إن كان صوابًا فقد أحسن، وإن كان خطأً فقد غفر الله له خطأه.
• وما زال الصحابة والسلف يُصلِّي بعضُهم خلف بعض مع تنازُعِهم في المذاهب.
• ومن التزم بعض مذاهب الأئمة المشهورين كمذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فهذا إذا فعل ما يسوغ له لم يكن له أن ينكر على غيره إذا فعل أيضًا ما يسوغ له، فإنه لم يقل أحد من المسلمين: إنه يجب على الأُمَّة كلها اتِّباع واحد بعينه من هؤلاء الأربعة ولا من غيرهم.
• وقد اتفقوا على أنه لا يجب طاعة أحد في كل شيء إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو الذي فرض الله على الخلق اتِّباعه وطاعته مطلقًا، فعليهم تصديقه في كل ما أخبر به عن الله، وطاعته في كل ما يأمر به.
• وأما العلماء رضي الله عنهم فتجب طاعتُهم فيما يأمرون به من طاعة الله ورسوله.
• وعلى الجاهل أن يسألهم ويتعلَّم منهم ويرجع إليهم في دينه، وله أن يسأل هذا العالم وهذا العالم، ليس عليه أن يقتصر في السؤال والاستفتاء في جميع الدين على واحد بعينه.
• وقد تنازع الناس: هل على العامي أن يلتزم مذهبًا واحدًا بعينه من مذاهب الأئمة المشهورين، بحيث يأخذ بعزائمه ورخصه، والمشهور الذي عليه الأكثرون وجمهور أهل العلم أنه لا يجب ذلك في كل شيء.
• ولا يجوز لأحد أن يعتقد جواز الشيء إذا كان الحق له ويعتقد تحريمه ومنعه إذا كان عليه كما يفعله الظالمون أهل الأهواء، يتبعون في المسألة الواحدة هواهم، فيوافقون هذا القول تارةً وهذا أخرى متابعةً للهوى لا مراعاةً للتقوى.
• وجماهير العلماء لا يوجبون على أحد أن يلتزم قول شخص بعينه غير الرسول في كل شيء؛ إذ في ذلك تنزيل ذلك الشخص منزلة الرسول، وليس لأحد أن ينزل أحدًا منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
• فالرجل إذا اتَّبَع قول بعض الأئمة في مسألة، وقول آخر في مسألة أخرى، إما لظهور دليل ذلك له، وإما لترجيح بعض العلماء، لم يكن على فاعل ذلك ملامٌ.
• وجمهور من اتَّبَع الواحد من الأئمة مطلقًا إنما اتَّبَعه من جهة دين العادة، لا من جهة دين العبادة، فإن الرجل ينشأ على مذهب أبيه أو أهل مدينته ونحو ذلك، ثم يحب ذلك وينتصر له تارةً بعلم وتارةً بلا علم، وتارةً مع حسن النية وتارةً مع فسادها، ومن المعلوم أن الله قد ذمَّ في القرآن مَنْ يتبع دين الآباء ويدع دين ما أنزل الله على الرسول.
• ومن لا يحسن غير التقليد، فالمفضل له أن يقلد من يثق بعلمه ودينه، وهذا أقوى من التقليد العام المتضمن لفضل شخص مطلقًا.
• فمن عُلِم أنه أعلم وأدين كانت الثقة بأقواله أقوى، وتقليد الأعلم والأدين إما واجب وإما مستحب.
• وجماع هذا الأصل أن الله تعالى يقول: ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، فمن كان من أهل الإيمان واجتهد في طاعة الله ورسوله علمًا وعملًا فلا ملامَ عليه؛ بل يغفر الله له خطأه، ويُثيبه على صوابه.
• ولكن هل يلزم كل أحد تقليد واحد من المذاهب الأربعة؟
• هذا قول طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد؛ لكن الجمهور على خلافه، فإن هذا لا يجب على كل أحد.
• ومن قال: «أنا متقيِّدٌ بالكتاب والسُّنَّة» لم يجز لأحد أن يقول له: أنت مارق، ومن قال له ذلك أُدِّب على ذلك.
• فمن تَقيَّد بالكتاب والسُّنَّة كان متبعًا لا مبتدعًا، ومطيعًا لا عاصيًا، ثم الكتاب والسُّنَّة يوجبان عليه طاعة الله ورسوله في كل وقت وحين، ومن أطاع الله ورسوله دائمًا بحسب استطاعته كان من أولياء الله المتقين.
• وقول القائل: «أنا لا أتقيَّد بأحد هذه المذاهب الأربعة» إذا أراد بذلك أي: لا أتقيد بواحد بعينه دون الباقين، فقد أحسن في هذا الكلام، بل هذا هو الصواب، وإذا أراد: أني لا أتقيَّد بها كلها بل أخالفها، فهذا هو مخطئ في الغالب قطعًا؛ إذ الحق لا يخرج عن هذه المذاهب الأربعة في عامة الشريعة.