الاستفتاء في مَلك الحجاز
مدة
قراءة المادة :
47 دقائق
.
موقفه الحاضر. سلطته، ومحالفته دولة مسيحية على أن تحمي الحجاز وتمتاز فيه على المسلمين، ضربه الضرائب على الحجاج، ومصادرة أموالهم، ومنعه من شاء أن يحج بيت الله.
صفات سلطته، خدعة استقلاله.
صفته الحقيقية وحكم الشرع فيها.
الوحدة العربية.
ما يجب على المسلمين في أمر الحجاز. استفتينا في هذه المسائل قولاً وكتابة في الجرائد كما استُفتِيَ غيرُنا فوجب علينا أن نجيب بما نعلم فيها؛ إذ لم نر أحدًا أجاب عنها كلها، وقلما يوجد من أحاط بما أحطنا به منها، فنقول: موقفه الحاضر: أسرف حسين بن علي المتغلب على الحجاز في استبداده، وفي احتقاره للعالم الإسلامي كله كاحتقاره لأهل الحجاز المستضعفين، وحَسِبَ أن حرمَ الله تعالى وحرم رسوله صلى الله عليه وسلم مِلكٌ له يتصرف فيهما كما يشاء، ويستغلهما كيفما أراد، وأنه متى نال تعضيد الدولة البريطانية وحمايتها، لا يبالي بأحد من دونها، بل هو يعد الحجاز وسائر بلاد العرب جزءًا من إمبراطوريتها.
ورضي أن يكون هو وولداه فيصل وعبد الله من عمالها، بدليل أنه طلب منها مرارًا أن تولي غيره، وتختار له ولأولاده مكانًا آخر يقيمون فيه، ونشر ذلك في جريدته (القبلة) وسيجيء نص عبارته في ذلك (وإن سبق نشره في المنار) . والأصل في هذا عنده ما يسميه (مقررات النهضة) وهي ما اشترطه على الإنجليز للقيام بالثورة والخروج على الدولة، ومنها حماية الإنجليز للبلاد في داخلها وخارجها، حتى في حال الفتن الداخلية بين أهلها.
ومنها الاعتراف بجعل الأمة العربية في حكم القاصر في حجر الدولة البريطانية.
وقد كان يكتم هذه المقررات حتى نشرها ولده فيصل في دمشق والشام، فلما رأى أنه لم ينكرها عليه أحد من المسلمين غير صاحب المنار، توهم أن العالم الإسلامي لا يهتم بأمر الحجاز، أو لا يتجرأ على إنكار شيء تتفق عليه الجلالة الهاشمية مع العظمة البريطانية (هذا تعبيره) حتى بدا له في هذه الأيام ما لم يكن في الحسبان. تلك (المقررات) كانت قد دارت في شأنها مكاتبات بينه وبين المستر هنري مكماهون الذي كان يسجل عليه كل ما اعترف به من الحقوق للدولة البريطانية ويتحفظ من التصريح له بما طلب لنفسه من توليته على جميع البلاد العربية في ظل الوصاية البريطانية، فاستثنى منها معظم سورية الشمالية وكليكية، واحتفظ بحقوق بريطانية في العراق (إلى آخر ما هنالك) وقد نشرنا هذه المكتوبات بنصها في مجلد المنار الثالث والعشرين.
وسنذكر بعضها هنا، ونرى أنه لولا السكوت فيها عن استثناء فلسطين من الدخول في المملكة العربية التي وعد بها لنفذت تلك المقررات الموبقات، ولكن رغبة الإنجليز في حمل الملك حسين على الاعتراف لهم بفلسطين وما يلزمه من إقرار وعدهم لليهود بجعلها وطنًا قوميًّا لهم، هي التي دعتهم إلى وضع معاهدة بينهم وبينه يعترف لهم فيها بفلسطين كالعراق وشرق الأردن، ويلطفون فيها ما يذكر بشأن حماية البلاد العربية كلها، فلا يكون صريحًا كمقررات النهضة المحتفظ بها. طال أمد المراجعة والمناقشة في هذه المعاهدة؛ إذ كانت توضع بصيغة فاضحة مفضوحة ليس للملك حسين فيها ما يرضاه ثمنًا لخزي ما يعترف به، حتى أتيح للإنجليز أن يضعوا مع سمساره الدكتور ناجي الأصيل الصيغة الراضية المرضية عنده التي أقام لها الاحتفالات في بلاده وأعلن الرضا بها واتخذ يوم الاعتراف بها عيدًا قوميًّا وقبل التهاني عليها، ولقب بملك البلاد العربية ومؤسسها! ! وأراد خداع أهل فلسطين بأنه أنقذهم بها من اليهود كما أنقذ الحجاز وسائر البلاد العربية من الترك لأجل إخماد الحركة الوطنية فيها، وهددهم بإلقاء المسئولية عليهم إذا حصل ما يوجبها في البلاد، فنشرت السلطة البريطانية الحاكمة في فلسطين خلاصة المعاهدة فكان هذا سببًا لإطلاع الناس كافة على سر المعاهدة المكتوم، فماذا كان من تأثيره؟ هبَّ أهل فلسطين فعقدوا مؤتمرًا عامًّا احتجوا فيه على المعاهدة وقرروا أنه ليس للملك حسين أن يعقد معاهدة يتقرر فيها شيء في أمر بلادهم بدون رأيهم ولا رضاهم، وهب مسلمو مصر وغيرها من الأقطار ينكرون على الرجل أن يكون له حق في عقد معاهدة تجعل الحرمين الشريفين تحت حماية دولة نصرانية أو تجعل لرعاياها أدنى امتياز في الحجاز، فما فعل المعتدي المُفْتَات؟ كتب إلى الفلسطينيين يرجوهم أن يحسنوا الظن به ويفوضوا الأمر إليه وهزئ وتهكم بإنكار المصريين عليه فرد عليهم في جريدته (القبلة) معبرًا عنهم بكلمة (أخو ثومها وبصلها) فلما اشتد الإنكار والاحتجاج منهم بغيرة الدين أصدر منشورًا رسميًّا جمع فيه بين تجهيلهم والتهكم بهم، وبين التعريض برميهم بالكفر بما وضعوا من الدستور لحكومتهم، كما كفَّر الترك وحكومتهم من قبل بمثل ذلك.
ولكن أكثر المصريين لم يفهموا مراده هذا من منشوره لفساد لغته، وعدم علمهم برأيه في القوانين والعاملين بها.
فاشتغلوا بالتهكم بعبارته كما تهكم بهم بالإشارة إلى قول الشاعر: سوف ترى إذا انجلى الغبار ...
أفرس تحتك أم حمار ذلك بأن جريدة القبلة كانت قد نشرت مقالة في تكفير الدولة العثمانية في أول العهد بالثورة الحجازية؛ لتكون من حجج أمير مكة العثماني بالخروج على دولته. ثم أعادت نشرها في أوائل هذا العام الهجري عندما اشتد النزاع بين الحكومة التركية الجديدة والحكومة البريطانية؛ انتصارًا من الملك الحجازي لدولته الحامية له، واستدلت على كفر الترك بوضعهم للقانون الأساسي وبين أيديهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والله تعالى يقول: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاًّ مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} (النساء: 65) بل زعمت أنه لا يمكن لمن يزعم أنه يؤمن بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم التردد في حصول الحرج مما قضاه (في الذين ألفوا القانون الأساسي وسنوا أحكامه ورضوه وارتضوه وجعلوه دستوراً للأعمال والأحكام.
ولا مشاحة والحالة هذه في أنهم لا غاية ولا قصد لهم من اعتنائهم بجمعه وتنسيقه إلا دعوى أن هنالك نقصًا أو خطأً - والعياذ بالله تعالى - في كتاب الله وسنة رسوله صلوات الله عليه وسلامه فأرادوا إكمالهما وتعديلهما وإلا فلماذا؟) . هذا أحد نصوص جريدة القبلة في تكفير الترك بوضع الدستور، وهو يتضمن تكفير من لم يكفرهم به.
ثم استدلت أيضًا بعدم إقامتهم لحدود الزنا والسرقة للقصاص الشرعي ومن شاء فليراجع العددين 617 و 624 من جريدة القبلة أو المقالات التي رد عليها بها (السيد العلوي) ونشرت في جريدة الأخبار المصرية في شهري صفر وربيع الأول من هذا العام ومنه يعلم مغزى استفتاء تهكم بلاغة عسلطته [1] الهاشمية (ويا للأسف) في قوله: (تأليف الدستور - وبين أيديهم كتاب الله وسنة رسوله) . وبعد أن بيَّن للمصريين مكانتهم من الدين عنده أراد أن يبين لهم مكانة حكومتهم لدى جلاله، وقدر استقلالها في جنب استقلاله، فعارضها في إرسال بعثة طبية من الحجيج المصري تنقص من استقلاله، وكان يقدر أنها تخضع لعزة سلطانه كما خضعت في مسألة الحجر الصحي، ولم يخطر بباله أن تفعل ما فعلت، أما وقد فعلت فكل شيء أسهل عليه من الرجوع عن قول قاله أو رأي أرتاه وعرف عنه، لذلك أقدم على المشاكسة التي أدت إلى حرمان ركب المحمل الرسمي مع بَعْثِهِ الطبي من أداء فريضة الحج وحرمان أهل الحجاز مما كانوا يربحونه منهم بغير مبالاة بسوء العاقبة وقبح الأحدوثة. فهذا ملخص موقف الرجل في الحجاز: إصرار على عقد المحالفة مع الإنجليز وتعجيل بما أباحته له من ضرب الضرائب على كل من يريد الحج إلى بيت الله الحرام قبل دخول الحجاز، ومصادرة لأموالهم بعد دخوله، واستبداد في أمر صحتهم، ومنع لمن شاء من الحج لأسباب سياسية أو مالية أو وهمية، كما منع أهل نجد عدة سنين. صفات سلطته في الحجاز: وأما سلطته فلها أربع صفات: (الأولى) صفته عند الإنجليز ومن اعترف بحكومته من الإفرنج، وهو أنه ملك مطلق ذو حكومة شخصية مستبدة، فكل ما يعقدونه معه من اتفاق أو عهد أو امتياز يكون نافذًا، ولهم أن يطالبوا به مَن بعده وإن تغير شكل الحكومة الحجازية، وهم في هذا مخطئون. (الثانية) : صفته في نظر جمهور العالم الإسلامي، وهو أنه خارجي متغلب خرج على سلطانه وخليفته كما يخرج البغاة وسيأتي بيان حكم الشرع في ذلك. (الثالثة) : صفته في نظر أهل الحجاز، وهو أنه ملك مستبد قاهر أزال سلطة حكومتهم السابقة فاضطروا إلى مبايعته ولكنهم اشترطوا فيها شرطًا عاهدوه عليه فنكث، فهم الآن في حل من مبايعته شرعًا، ولكنه متغلب عليهم بالقهر، وإن سمى نفسه (منقذًا) ويتمنون أن يقيض لهم الله تعالى من ينقذهم من هذا (المنقذ) . وإننا نعيد هنا نص المبايعة الرسمية له كما وضعت في العريضة التي كتبها قاضي القضاة وقرأت في حفلة المبايعة في غرة المحرم سنة 1335 منقولة عن جريدة القبلة التي صدرت في 3 المحرم من ذلك العام وهو: (وإننا نبايع سيدنا ومولانا الحسين بن علي ملكًا لنا نحن العرب يعمل بيننا بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ونقسم له على ذلك يمين الطاعة والإخلاص في السر والعلانية، كما أننا نعتبره مرجعًا دينيًّا لنا أجمعنا عليه ريثما يقر قرار العالم الإسلامي على رأي يجمعون عليه في شأن الخلافة الإسلامية. نبايعك على هذا يا صاحب الجلالة ونقسم لك بالله العظيم على طاعتك والرضا بك والانقياد إليك في السر والعلانية.
ولك علينا في ذلك عهد الله وميثاقه ما أقمت الدين، واجتهدت فيما فيه صلاح العرب والمسلمين {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} (الفتح: 10) ا.
هـ ومن البديهي أنه ما أقام الدين ولا يستطيع أن يقيمه؛ لأنه جاهل به وبلغته التي يتوقف فهمه عليها بدليل فساد لغة مكتوباته واشتمالها على الأحاديث التي لا أصل لها وعلى تحريف القرآن - والعمل يتوقف على العلم - ولأنه مستبد، والدين قيَّد الحكام بالشرع وبالشورى.
ولأنه جعل لغير المسلمين في الحجاز نفوذًا وامتيازات مخالفة لأحكامه ولوصية الرسول صلى الله عليه وسلم في مرض موته؛ ولأنه ضرب المكوس على الحجاج بدون مسوغ شرعي كما تقدم، إلى غير ذلك من مظالمه واستبداده. (الرابعة) صفته عند ولده الأمير عبد الله وبعض رجال حكومته وهي أنه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين، ولديه هو في هذا صحيفة معلقة في ديوانه الهاشمي فيها أسماء مئات من أحياء السوريين وأمواتهم قد بايعوه فيها بالخلافة جاءه بها أحد سماسرته في أيام مشاركة الجيش الحجازي لجيوش الحلفاء في احتلال سورية، وقد أخبرنا بعض ثقات الدمشقيين الذين رأوها أنها مزورة.
على أننا نعلم أن ولده فيصلاً كان قد أخذ له البيعة على كثير من أهل سورية في ذلك العهد، وأمثال هذه المبايعات لا قيمة لها؛ لأنها ليست من أهل الحل والعقد، ولا مراعى فيها سائر أحكام الشرع. مثال ذلك: أنهم بايعوه مع وجود خليفة قبله في الآستانة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا بُويِعَ لخليفتين فاقتلوا الآخر) رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري. (يقولون) : إن خلافة ذلك التركي غير صحيحة؛ لأنه غير قرشي (ونقول) : إن خلافة صاحبكم غير صحيحة؛ لأنه فاقد لما هو أهم من شرط القرشية كشروط العلم الاجتهادي والعدالة والمنعة، ولعدم مبايعة أهل الحل والعقد له، ولذلك بنى سلطته على حماية دولة نصرانية يعد ملكها حامي الإيمان المسيحي ودعاة النصرانية. (يقولون) : إن خليفة الآستانة كانت هذه الدولة وغيرها قد احتللن عاصمته وفقد الاستقلال والمنعة، ثم خلعه قومه وأسسوا لأنفسهم حكومة جمهورية وسموا أحد أفرادهم خليفة ولكن لم يجعلوا له أمرًا ولا نهيًا، فلا يناط به إقامة أحكام الشرع وحدوده، ولا حفظ البلاد الإسلامية من الأعداء، وقد اعترفوا بعد ذلك باستقلال بلاد الحجاز وبالحالة الحاضرة في سائر البلاد العربية حتى المحتلة منها، فوجب علينا أن لا نعطل حكم الخلافة الإسلامية في مهد الإسلام. (ونقول) : إن لديكم في البلاد العربية المجاورة لكم إمامًا قرشيًّا علويًّا عالمًا مجتهدًا عادلاً ذا منعة قاتل الإنجليز مع الترك ولم يتغلب على بلاده أجنبي غير مسلم، بل أصبحت حكومته الآن أقدم حكومة إسلامية مستقلة تسلسلت فيها الإمامة الإسلامية من القرن الثالث للهجرة كما صرح به شيخ الإسلام الحافظ ابن حجر في شرحه لصحيح البخاري في سياق حديث: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان) وجعلهم مصداقًا للحديث. فإن كنتم صادقين في زعمكم أنكم غير طامعين في الملك والرياسة كما أذاع رئيسكم مرارًا في جريدة القبلة فلماذا لم تضموا الحجاز إلى اليمن وتبايعوا إمامها الذي عقدت إمامته منذ عشرات من السنين، وحينئذ يضطر صاحبا نجد وعسير إلى الارتباط بهذه القوة والاتحاد بها، ولا سيما إذا دعيا إلى بناء قواعد الوحدة العربية على أساس اللامركزية التي يستحيل جمع الكلمة في هذا العصر بدونها، ومتى تمت الوحدة في الجزيرة كان ذلك تمهيدًا لتحقيقها في غيرها، مع الاستقلال المطلق من قيود النفوذ الأجنبي بله الحماية وخزيها.
ولكنكم أناس لا تطلبون إلا الرياسة والعظمة الصورية لأنفسكم؛ وإذ كنتم عاجزين عن الوصول إليها بقوتكم توسلتم إليها بالأجنبي، وفضلتم أن تبيعوه استقلال الأمة العربية بتيجان يتوجكم بها في ظل إمبراطوريته على حفظ هذا الاستقلال لها بالحق. خدعة الاستقلال: يخدع أهل هذا البيت أقوامهم بأنهم أنقذوهم وجعلوهم أمة مستقلة، ولا يزالون يهذون بكلمة الاستقلال التي ابتذلت وامتُهِنَتْ بإطلاقها على شر ضروب الاستعمار والاستعباد.
ولو لم تنشر (مقررات النهضة) التي أشرنا إليها، وبعض مكتوبات الملك حسين للإنجليز التي صرح فيها بأنه عامل من عمالهم - لكان لنا أن ننخدع بأنه مستقل في بلاد الحجاز، وإن كان الإنجليز يعدونها من مستعمراتهم، وقد أنشأوا لها محافظة سرية سموها محافظة البحر الأحمر.
وإننا نعيد في هذا المقال الوجيز نبذة من كتاب (الملك المستقل العظيم) وبرقية من برقياته الدالة على كنه استقلاله (وكنا نشرناها من قبل) . كتب إلى نائب ملك الإنجليز بمصر كتابًا نشرته جريدة القبلة مرارًا متبجحة به زاعمة (أن الأمم تتباهى بالجزئية مما احتواه تحرير مولاه المنقذ) ؟ وتمثلت بقول الله عز وجل من غير حياء منه تعالى ولا وَجل: {لِمِثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ} (الصافات: 61) . أعني ذلك الكتاب الذي تضرع فيه (صاحب الجلالة الهاشمية) لنائب ملك الإنجليز بأن لا تعدِّل حكومته (مقررات النهضة) التي أشرنا إليها آنفًا الناطقة بتأسيس المُلك العربي له في ظل ذل الوصاية وخزيها، الذي يقول فيه ما نصه السقيم: (فإن كان ولا بد (؟) من التعديل فلا لي (؟) سوى الاعتزال والانسحاب، ولا أشتبه في مجد بريطانيا أن يتلقى هذا منا إلا أنه أمر (؟) يتعلق بالحياة لا لقصد عرضي، ولا لفكر غرضي، وأنها لا ترتاب في أني وأولادي أصدقاؤها الذين لا تغيرهم الطوارئ والأهواء، ثم تعينوا البلاد التي تستحسن إقامتنا فيها بالسفر إليها في أول فرصة (؟) (وإن رأت ذلك ولكن مشاكل الحرب الحاضرة تقتضي بتأجيله إلى ختامها، فحقوق الوفاء والجميل يفرض علينا الثبات أمام ما سيتضاعف علينا من التهمات ونحوه من العموم (؟) مما لا مقاومة لدينا أمامها إلا حسن النية - فالأمر إليها) . (وأما عطف الأمر وتعليقه بمؤتمر الصلح، فالجواب عليه من الآن بأنه لا علاقة لنا به ولا مناسبة بيننا وإياه حتى ننتظر منه سلبًا أو إيجابًا، ولو قرر المؤتمر المذكور إضعاف مقرراتنا وكان ذلك من غير وساطتكم وقبلناها فنكن (؟) من المطرودين من رحمة الباري جل شأنه الرقيب على قولي هذا) .
اهـ المراد منه. وقد عزز الملك المتبجح بالاستقلال هذا الطلب الناطق بأنه موظف بريطاني ببرقية بمعناه أرسلها إلى جريدة التيمس، وهذا نصها منقولا عن العدد 553 من جريدة القبلة: المدير العمومي لصحيفة التيمس (اطلعت على عددكم المشتمل الرد والقدح باتحاد العرب والتزامكم أحد أمرائهم، ولزيادة إقناع حكومة جلالة الملك وإيضاح الحقيقة لعموم الشعب النجيب البريطاني أكرر بهذا طلبي بواسطتكم من حكومة جلالته تأكيد تعيين الأمير المذكور، أو من تراه ليستلم البلاد، فإن غايتي الراحة العمومية وخدمتها كما يعلم من أساسات قيامي وشرائطه يؤيده طلبي هذا المثبت للحقيقة من سائر وجهاتها) الأمير المشار إليه في البرقية عدوه سلطان نجد، وقوله: (أساسات قيامي وشرائطه) يعني به (مقررات النهضة) الخمس التي سبقت الإشارة إليها. صفته الحقيقية وحكم الشرع فيها: قد صرح بعض علماء الأزهر بما قلنا أنه صفة ملك الحجاز في نظر جمهور المسلمين، وهو أنه من البغاة المتغلبين، وأحكام البغاة مفصَّلَة في كتب الفقه، وهي مبنية على وجود دار العدل التي يقيم الشرع فيها إمام المسلمين الحق وجماعتهم، والإمام الحق هو المستجمِع لشروط الخلافة كلها، المبايَع من جماعة أهل الحل والعقد باختيارها، في حال عدم وجود إمام آخر قد بويع قبله بها.
ولهم مع الإمام والجماعة أحوال أشبهها بحال هذا الرجل ما يعلم حكمه من قول العلامة الماوردي في (الأحكام السلطانية) قال: (وإن امتنعت الطائفة الباغية من طاعة الإمام ومنعوا ما عليهم من الحقوق وتفردوا باجتباء الأموال وتنفيذ الأحكام - فإن فعلوا ذلك ولم ينصبوا لأنفسهم إمامًا ولا قدموا عليهم زعيمًا: كان ما اجتبوه من الأموال غصبًا لا تبرأ منه ذمة، وما نفذوه من الأحكام مردودًا لا يثبت به حق) . (وإن فعلوا ذلك وقد نصبوا لأنفسهم إمامًا اجتبوا بقوله الأموال، ونفذوا بأمره الأحكام: لم يتعرض لأحكامهم بالرد إلا لما اجتبوه بالمطالبة، وحُورِبُوا في الحالين على سواء؛ لينزعوا عن المباينة، ويفيئوا إلى الطاعة، ثم بيَّن أن قتال هؤلاء يخالف قتال المرتدين والمشركين من ثمانية أوجه) . فإذا قلنا: إن الحال الأخير هي عين نازلة متغلب الحجاز وأنه يجب قتاله على إمام المسلمين الأعظم (الخليفة) المؤيد بجماعتهم، فهذا الإمام هو الذي يجب عليه أن يدعوه إلى الطاعة والاعتصام بالجماعة، ويقاتله على الإصرار على البغي وعدم الإجابة، فأين هذا الإمام؟ ولماذا لم يفعل؟ وأين جماعة أهل الحل والعقد الذين هم أهل الشورى عنده، والممثلين لسلطة الأمة في مراقبته وتأييده إذا استقام على الطريقة، وتقويمه إذا زاع عنها، الذين حكمهم الخليفة الأول في ذلك على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قد بينا في مباحث الخلافة تفرق المسلمين ونصب أئمة وسلاطين وأمراء كثيرين لهم في بلاد العرب والعجم، ولكن لا نرى أحدًا منهم يتصدى الآن للقيام بأعباء الإمامة العظمى العامة ويدعو جميع المسلمين إلى مؤازرته على ذلك بنظام يرجى تنفيذه في مهد الإسلام وموطن مشاعره وأداء شعائره، فنطالبه بأن يلزم هذا الباغي الملحد في الحرم الطاعة له ويقاتله على ذلك إن لم يستجب. أما خليفة الآستانة فلم يبلغ درجة المتغلب بالقوة؛ إذ لم يعط من حقوق الخلافة شيئًا، فلا حكم له ولا أمر ولا نهي ولا جيش ولا أسطول، وحكومة جمهورية أنقرة الناصبة له قد أقرت الحالة الحاضرة في الحجاز في مؤتمر الصلح مع الحلفاء فهي لا تبذل في إنقاذ الحجاز درهمًا ولا دينارًا، ولا تجرد له جيشًا ولا أسطولاً، أعني أنها لا تريد، وإذا أرادت لا تقدر.
ولكن يرجى أن تشترك مع غيرها من الحكومات الإسلامية في تنفيذ ما يقرره مؤتمر إسلامي عام في مسألة الحجاز. وأما إمام اليمن فهو قادر على إنقاذ الحجاز من هذا المتغلب وكذا سلطان نجد ولا سيما بعد اتفاق هذا مع السيد الإدريسي ولكن هؤلاء يعلمون أن تصديهم لهذا الأمر يحمل حسين بن علي على الاستعانة عليهم بمواليه وحلفائه الإنجليز الذين بنى (مقررات نهضته) على حمايتهم له في داخل بلاده وخارجها فيكون في التصدي له فتنة يرونها أرجح من مفسدة إقراره على سلطته العارضة، وهي مفسدة احتلال الإنجليز لبلاد الحجاز، ولو بجيش يسمى مسلمًا، وقد بيَّنا من قبل أن خوفه من جيرانه هو الذي حمله على جعل الحجاز تحت حماية الإنجليز. وهاك ما جاء في نص المادة الثانية من (مقررات النهضة) التي أشرنا إليها من قبل: (تتعهد بريطانيا العظمى بالمحافظة على هذه الحكومة وصيانتها من أي مداخلة كانت بأي صورة كانت في داخليتها وسلامة حدودها البرية والبحرية من أي تعدٍّ بأي شكل يكون حتى لو وقع قيام داخلي من دسائس الأعداء أو من حسد بعض الأمراء فهي تساعد الحكومة المذكورة (أي العربية الهاشمية) مادة ومعنى على رفع ذلك القيام لحين اندفاعه) . قلنا: إن كلاًّ من إمام اليمن وسلطان نجد قادر على إنقاذ الحجاز من هذا الرجل فكيف إذا اجتمعا، ولكن الأول لا مطمع له في غير ملك اليمن، وكذلك كان سلفه؛ ولذلك لم تتوجه همتهم إلى اتخاذ الوسائل لتعميم سلطة إمامتهم، على اعتقادهم أن الإمامة الحق محصورة فيهم، ولعمر الحق إنهم كانوا أولى بها من العباسيين والعبيديين (الفاطميين) لأنهم حافظوا على العلم الاستقلالي والعدالة وسائر الشروط الشرعية على صراحة نسبهم، وسبب ذلك أو أهم أسبابه اعتمادهم على عصبية الزيدية دون غيرهم، وما زالت عصبية المذاهب ضارة حتى فيما يظن أصحابها أنها مفيدة فيه. وأما الثاني فأكثر الناس يعتقدون أن المانع له من الاستيلاء على الحجاز اصطناع الإنجليز له بالمال وتخويفهم إياه من تأليب الحجاز والعراق وعرب فلسطين عليه إذا خالف رأيهم في ذلك، ويقولون: إنهم هم الذين صرفوه عن الاستيلاء على مكة يوم سحق أكبر قوة أمكن للشريف جمعها وسوقها عليه بقيادة ولده الأمير عبد الله عقب هدنة الحرب العامة وجلاء الترك عن المدينة المنورة. ويقول بعض النجديين من بطانة سلطانهم وثقات رجاله: إن المانع الحقيقي له من ذلك حبه للسلم وكراهته القتل مطلقًا؛ ولذلك أخضع آل الرشيد بالحصار الطويل الذي كلفه أعظم النفقات في أشد أيام العسرة والغلاء، وكان قادرًا على إخضاعهم بالمُنَاجَزَة بنفقة قليلة.
وقال بعضهم: إننا ألححنا عليه عند سحق قوة الشريف في طربة بأن يستولي على مكة المكرمة فلم يقبل وتحرَّجَ أن يدخلها فاتحًا مع قول النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح من الحديث الصحيح المشهور: (وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة) . وأقول: إن هذه المسألة تدخل في مسائل الاستفتاء عما يجب على المسلمين من إنقاذ الحرمين فيجب أن نبين أقوال أئمة الشرع فيها. قال الحافظ ابن حجر فى الكلام على هذا الحديث من شرحه لصحيح البخاري: واستُدل به على تحريم القتل والقتال في الحرم.
وبعد أن ذكر الخلاف في مسألة القتل حتى إقامة الحد الشرعي في الحرم قال: (وأما القتال فقال الماوردي: من خصائص مكة أن لا يُحَارَبَ أهلها، فلو بغوا على أهل العدل فإن أمكن ردهم بغير قتال لم يجز (أي قتالهم) وإن لم يمكن إلا بالقتال، فقال الجمهور: يقاتَلُون؛ لأن قتال البغاة من حقوق الله تعالى فلا يجوز إضاعتها، وقال الآخرون: لا يجوز قتالهم بل يُضَيَّقُ عليهم إلى أن يرجعوا إلى الطاعة.
قال النووي: والأول نص عليه الشافعي.
وأجاب أصحابه عن الحديث بحمله على تحريم نصب القتال بما يعم أذاه كالمنجنيق ونحوه بخلاف ما لو تحصن الكفار في بلد، فإنه يجوز قتالهم على كل وجه.
وعن الشافعي قول آخر بالتحريم اختاره القفال وجزم به في شرح التلخيص، وبه قال جماعة من علماء الشافعية والمالكية) . (قال الطبراني: من أتى حدًّا في الحل واستجار بالحرم فللإمام إلجاؤه إلي الخروج منه، وليس للإمام أن ينصب عليه الحرب بل يحاصره ويضيق عليه حتى يذعن للطاعة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (وإنما أحلت لي ساعة من نهار وقد عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس) فعلم أنها لا تحل لأحد بعده بالمعنى الذي حلت له به وهو محاربة أهلها والقتل فيها، ومال ابن العربي إلى هذا.
وقال ابن المنير: قد أكد النبي صلى الله عليه وسلم التحريم بقوله: (حرمه الله) ثم قال: (فهو حرام بحرمة الله) ثم قال: (ولم تحل لي إلا ساعة من نهار) وكان إذا أراد التأكيد ذكر الشيء ثلاثًا قال: فهذا نص لا يحتمل التأويل) . (وقال القرطبي: ظاهر الحديث يقتضي تخصيصه صلى الله عليه وسلم بالقتال لاعتذاره عما أبيح له من ذلك مع أن أهل مكة كانوا إذ ذاك مستحقين للقتل والقتال لصدهم عن المسجد الحرام وإخراجهم أهله منه وكفرهم، وهذا الذي فهمه أبو شريح كما تقدم، وقال به غير واحد من أهل العلم.
وقال ابن دقيق العيد: يتأكد القول بالتحريم بأن الحديث دال على أن المأذون للنبي صلى الله عليه وسلم فيه لم يؤذن لغيره فيه، والذي وقع له إنما هو مطلق القتال لا القتال الخاص بما يعم المنجنيق فكيف يسوغ التأويل المذكور؟ وأيضًا فسياق الحديث يدل على أن التحريم لإظهار حرمة البقعة بتحريم سفك الدماء فيها؛ وذلك لا يختص بما يستأصل) .
اهـ ما لخصه الحافظ من أقول العلماء في المسألة. فعلم منه أن التحقيق أن الحديث على ظاهره فكل من القتل والقتال محرم في أرض الحرم، وإذا كان قتل الطير والحيوان والحشرات - ما عدا الفواسق الخمس - محرمًا فيه، فهل يكون قتل الإنسان مباحًا؟ وما الفرق بينه وبين غيره إذن؟ ولكن الملك حسينًا قاتل الترك ولا يزال يقتل من يستحل قتله في نفس مكة إذا كان يعد قتله حدًّا شرعيًّا بحسب رأيه، كما قطع يد من هرب من سجنه ورجله مدعيًا أنه داخل في حكم المحاربين لله ورسوله والساعين في الأرض بالفساد ونحوه، وأمر بصلب رجل في المدينة؛ لأنه أنكر على الخطيب تعظيمه له بما هو مأمور به من الألقاب والنعوت، لهذه الشبهة. فإن قيل: إن ترجيح هذا القول يستلزم جواز جعل الحرم الشريف الذي عظَّم الله شأنه مأوى للقتلة واللصوص ومرتكبي الفواحش، وأنه إذا تغلب عليه الكفار لا يُقاتلون لإخراجهم منه، وهو يؤدي إلى ضد ما أراد الله تعالى من تعظيمه وتكريمه وتأمينه لإقامة شعائره وعبادته فيه. فالجواب أن الوسيلة إلى ذلك قريبة المنال، وهي إلجاء أفراد الجناة أو جماعة البغاة إلى الخروج منه بالإحاطة بهم في شقة الحرم الضيقة، وبالدخول على جماعة البغاة بالقوة الكافية من غير قتال، فإن بدءوا هم بقتال أهل العدل فيه قُتِلُوا كما يقتل من قتل فيه وانتهك حرمته من أفراد المجرمين عملاً بقول ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى: {وَلاَ تُقَاتِلُوَهُمْ عِندَ المَسْجِدِ الحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِن قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوَهُمْ} (البقرة: 191) . وجملة القول في هذه المسألة أن القتال الشرعي ليس محرمًا في كل أرض الحجاز، بل بقعة الحرم منها، وهي معروفة الحدود، فإذا أمكن لقوة عسكرية الوصول إليها فهي لا تصل إلا بعد الإحاطة بكل قوة يمكن لحكومة الحجاز تجهيزها للدفاع عنها.
ولكن في تصدي بعض جيران الحجاز لذلك مفاسد غير ما أشرنا إليه من تدخل الأجانب على أن كلاًّ منهم يضن بهذا المكان أن يدخل في سلطان الآخر، وإن كانوا مجمعين على أن كلاًّ منهم خير من هذا الرجل الذي رضي أن يكون هو وبيت الله وحرم رسوله تحت وصاية دولة طامعة في إزالة ملك الإسلام واستعباد المسلمين أو تنصيرهم، ولن يرضى أحد منهم بمثل ذلك لأي بلد إسلامي - بله الحرمين الشريفين - فليس من المصلحة إذًا أن يأخذ أحد منهم الحجاز بالقوة. الوحدة العربية: لو أن الملك حسينًا يريد الوحدة العربية التي يدعيها مع الاستقلال الصحيح للعرب لما وُجدت هذه المسألة الحجازية التي هي أعظم مشكلة إسلامية ستشغل جميع شعوب المسلمين إلى أن تُحَلُّ على وجه يرضيهم. إن الطريقة المثلى أو الوحيدة للوحدة العربية هي أن يعقد حلف بين أمراء الجزيرة في الحجاز وعسير واليمن ونجد أساسه استقلال كل حكومة ثابتة في إدارة بلادها مع اتفاق الجميع على صيانة البلاد كلها من كل عدوان أو نفوذ خارجي والتعاون على إنقاذ البلاد العربية التي احتلها الأجانب بالطرق الممكنة.
وأن يكون لهم مجلس حلفي تقرر فيه جميع المسائل العامة المتعلقة بحفظ استقلال البلاد وترقيتها … اقترحنا نحن وغيرنا هذا على الشريف حسين فأباه؛ لأنه يريد أن يكون ملكًا لجميع هذه البلاد وخليفة للمسلمين بقوة الإنجليز لا بقوة العرب ولا غيرهم من المسلمين، ولو قبل ذلك وسعى إليه وتم على يديه وثبت بالعمل أنه يرجح المصلحة العامة للعرب والمسلمين على حب السيادة والملك - لرُجِيَ أن يكون هو رئيس مجلس الحلف العربي؛ إذ لا يعقل أن يعقد هذا المجلس في غير مكة المكرمة، وهذه الرياسة أفضل وأحسن عاقبة مما هو عليه الآن، ولو لم يكن فيه تحت وصاية دولة أجنبية نصرانية، ولكنه فضَّل هذه الوصاية وأصر عليها وهو يتوقع أن يسود البلاد العربية كلها بعد استقرار سلطته وسلطة ولديه بمقتضى المحالفة الجديدة في العراق وشرق الأردن- بل فلسطين كلها على ما فَهم أو زَعم- وكذا سائر سورية كما وُعد أو أُوهم. فثبت بهذا أنه الخصم الأكبر للعرب والوحدة العربية واستقلال العرب كما أنه الخصم الأكبر للإسلام بوجوده في الحجاز، ولكن جريدة مُذَبْذَبَةٌ لمأجور غير مسلم يقول: إنه لا زعيم للعرب ولا أهل للخلافة الإسلامية إلا هذا الرجل، ولا يزال في مسلمي سورية من يرضى بهذه الزعامة مهما تكن صفتها وعواقبها؛ لتألمهم من السلطة الفرنسية وتوهمهم أنه مع الإنجليز ينقذونهم منها (؟ ؟) . *** (ما يجب على المسلمين في أمر الحجاز) مكانة الحجاز والحرم الشريف فيه: ليس شأن الحجاز كشأن غيره من البلاد، فيقال: إن حكومته التغلب فيها كغيرها، فالحجاز مهد الإسلام الأول ومهبط الوحي الأكمل، ومحل الشعائر الدينية التي لا توجد في غيره، ومعهد إقامة الركن الاجتماعي العام من أركان الإسلام، الممتاز عن غيره من الأركان.
وهو مأرزه الذي يأوي إليه وينصره في آخر الزمان. وقال أحد الأعلام في صفة مكة: دار النسك، ومُتَعَبَّد الخلق، وحرم الرب تعالى الذي {جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج: 25) والمسجد الحرام هنا المراد به الحرم كله.
وقوله سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَسْجِدِ الحَرَامِ إِلَى المَسْجِدِ الأَقْصَى} (الإسراء: 1) وفي الصحيح أنه أُسْرِيَ به من بيت أم هانئ. وقال تعالى: {ذَلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي المَسْجِدِ الحَرَامِ} (البقرة: 196) وليس المراد به حضور موضع الصلاة اتفاقًا، وإنما هو حضور الحرم والقرب منه، وسياق آية (الحج) يدل على ذلك، فإنه قال: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} (الحج: 25) وهذا لا يختص بمقام الصلاة قطعًا بل المراد به الحرم كله، والذي جعله للناس كلهم سواء العاكف فيه والبادي، هو الذي توعد من صد عنه ومن أراد الإلحاد بالظلم فيه. (فالحرم ومشاعره كالصفا والمروة والمسعى ومنى والمزدلفة لا يختص بها أحد دون أحد بل هي مشتركة بين الناس؛ إذ هي محل نسكهم ومتعبدهم - فهي مسجد من الله وقفه ووضعه لخلقه، ولهذا امتنع النبي صلى الله عليه وسلم أن يُبْنَى له بيتٌ بمنى يظله من الشمس وقال: (مِنَى مناخ من سبق) . (ولهذا ذهب جمهور الأئمة من السلف والخلف إلى أنه لا يجوز بيع أراضي مكة ولا إجارة بيوتها.
هذا مذهب مجاهد وعطاء من أهل مكة ومالك من أهل المدينة وأبي حنيفة من أهل العراق وسفيان الثوري والإمام أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم) . (وروى الإمام أحمد رحمه الله عن علقمة بن نضلة أنه قال: كانت رباع مكة تدعى السوائب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر: من احتاج سكن ومن استغنى أسكن.
وروي أيضًا عن عبد الله بن عمر (من أكل أجور بيوت مكة فإنما يأكل في بطنه نار جهنم) رواه الدارقطني مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفيه: (إن الله حرم مكة فحرام بيع رباعها وأكل ثمنها) . وبعد أن أطال في أدلة هذا المذهب ذكر أدلة القائلين بجواز بيع بيوت مكة وإجارتها كالشافعية الذين أجازوا القتل والقتال الشرعيين في الحرم، وأن التحقيق الجمع بين القولين وهو أن المباني تملك دون الأرض، كمن يبني في سائر الأراضي الموقوفة. وقال إمام المفسرين ابن عباس رضي الله عنه في تفسير: {وَالْمَسْجِدِ الحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً العَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ} (الحج: 25) : المسجد الحرام الحرم كله خلق الله فيه سواء.
وفي رواية أخرى عنه: (سواء) يعني شرعًا واحدًا {العَاكِفُ فِيهِ} (الحج: 25) أي أهل مكة في مكة أيام الحج {وَالْبَادِ} (الحج: 25) من كان من غير أهلها ممن يعتكف فيه من أهل الآفاق (قال) : هم في منازل مكة سواء؛ فينبغي لأهل مكة أن يوسعوا لهم حتى يقضوا مناسكهم.
وفي رواية ثالثة: البادي وأهل مكة سواء في الحرم.
وقال قتادة: سواء في جواره وأمنه وحرمته، العاكف فيه أهل مكة، والبادي من يعتكفه من أهل الآفاق.
فعلى هذا لا يجوز التفرقة هنالك بين المسلمين بأن هذا وطني من رعايا الحكومة الهاشمية، وهذا غير وطني من مسلمي الممالك الأجنبية.
بل لا يمتاز هنالك ملك ولا سُوقَة فكل المسلمين فيه سواء. هذا وإن الله قد امتن على هذه الأمة بتأمين هذا الحرم الشريف في آيات من كتابه كقوله: {وَإِذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً} (البقرة: 125) وقوله: {وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً} (آل عمران: 97) وقوله: {أَوَ لَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ} (العنكبوت: 67) فيجب أن يظل هذا الحرم الشريف في أكمل درجات الأمن والحرية لجميع المسلمين في أنفسهم وأموالهم وأقوالهم وأفعالهم ما لم تكن معصية لله تعالى.
وهو أحق بهذا من (لندن) عاصمة الإنجليز التي يضرب المثل بحرية ساكنيها، وإن كانوا أعدى أعداء حكومتها وأشدهم طعنًا فيها.
وإذا منع الله تعالى فيه تنفير الصيد وترويع الحيوان الأعجم والاعتداء على النبات بقلع أو قطع، فهل يحل أن يكون فيه ملك ذو جبروت يضرب على حجاجه المكوس فلا يبيح لأحد أن يدخل حرم الله تعالى لعبادته إلا إذا أعطاه كذا من النقد باسم التوقيع على جواز السفر أو الحجر الصحي أو بغير ذلك من الأسماء؟ ثم تصادر أمواله إن كانت من الفضة؛ لأن هذا الملك أوجب أن يكون سعر الفضة النسبي دون سعر الذهب، ثم تحيط به الجواسيس فإن رأى ظلمًا أو منكرًا من أعمال الملك أو حكومته فأنكره لما فرض الله من النهي عن المنكر قبض عليه ووضع في سجن شر من سجن الحجاج وعذب أقبح العذاب كما هو الواقع الآن، بل مما يروي الثقات أن مِن الناس مَن يُعذب في ذلك السجن بمجرد التهمة، كالرجل المغربي الذي كان رفيق الشريف شرف عدنان باشا، ومنهم من يعذب لمذهبه حتى يموت صبرًا كالشيخ أبي بكر خوقير السلفي الحنبلي رحمه الله تعالى، وقد كان السلف الصالح يعدون شتم الخادم في الحرم من الإلحاد فيه، وفي الحديث (احتكار الطعام بمكة إلحاد) رواه الطبراني في الأوسط، وقال ابن عباس: تجارة الأمير بمكة إلحاد. ذلك وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ ويأرز بين المسجدين كما تأرز الحية في جحرها) رواه مسلم من حديث ابن عمر، والترمذي من حديث عمرو بن عوف بلفظ: (إن الإسلام ليأرز إلى الحجاز كما تأرز الحية إلى جحرها، وليعقلن الدين من الحجاز معقل الأروية من الجبل، إن الدين بدأ غريبًا وسيعود كما بدأ) وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم قبيل وفاته بأن لا يبقى في جزيرة العرب دينان، ونص على إخراج اليهود والنصارى من جزيرة العرب على تسامحه مع أهل الكتاب في سائر ما يدخل في ملك أمته من البلاد، وأكثر ما تساهل به بعض العلماء أن خصوا ذلك بالحجاز. وحكمة هذه الوصية أن الله تعالى أعلم رسوله بما سيعاقب به أمته على ترك ما شرعه لهم من إقامة العدل والحق من تداعي الأمم عليهم، والإدالة لهم منهم، فأوصاهم بأن لا يدعوا لغيرهم سبيلاً إلى مهبط دينهم ومنشأ شريعتهم، ليبقى ملجأ حرًّا لهم، لا يكون لغيرهم فيه نفوذ ولا وجود، ليجدد فيه الدين، ويكون مصدرًا لإصلاح ما أفسد الناس منه - فهل يجوز أن يكون فيه ملك مستبد بالاستناد على سلطة دولة غير مسلمة جعلها وصية عليه وعلى حرم الله ورسوله - على ما يعرف الناس كافة عنها من طمعها في بلاد الإسلام والعناية بتنصير المسلمين - فيسلب المسلمين فيه ما وهب الله تعالى لهم، ويهب لغيرهم فيه ما سلب الله تعالى منهم؟ ما يجب على المسلمين في أمر الحجاز: أيها المسلمون إن الله تعالى قد جعل أمر مصالحكم العامة لكم، فما يزعم أهل القوانين الوضعية من أن نظرية سلطة الأمة هي من إحداثهم زعم باطل، إنها أصل من أصول الإصلاح الإسلامي التي أنزلها الله تعالى في كتابه ونفذها خاتم رسله صلى الله عليه وآله وسلم وخلفاؤه الراشدون ومن اهتدى بهديهم ممن بعدهم وصرح بها العلماء المحققون كما بيناه في كتاب مباحث الخلافة، ومن شواهد القرآن المجيد في ذلك مخاطبة جماعة المسلمين بالأحكام العامة كقوله: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (النساء: 58) وقوله: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ} (الحجرات: 9) فجماعة الأمة هي التي تنصب الخلفاء وهي التي تعزلهم، ودرء المفاسد العامة والقيام بالمصالح العامة من فروض الكفاية على الأمة. فيجب عليكم بما فرض الله عليكم من الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن تقوموا بما يمكن من الوسائل لإنقاذ حرم ربكم وحرم رسولكم صلى الله عليه وسلم من الظلم والاستبداد والسيطرة الأجنبية.
ولتقرير الأمن فيهما لأهلهما، ولكل مسلم يدخل في حماهما، بحيث يكون حرًّا آمنًا لا يخاف أحدًا إلا الله تعالى، ولا يؤاخذ بشيء إلا بحكم شرعي من محكمة إسلامية مستقلة أتم الاستقلال في أحكامها، لا سيطرة لملك ولا لغيره عليها، تتألف من علماء جميع الشعوب الإسلامية - ولمنع الفتن والدسائس السياسية والنفوذ الأجنبي أن تسري إليهما، وإلى جعل الحجاز قطرًا سلميًّا على الحياد لا يحارب أحدًا ولا يحاربه أحد بحيث تعترف بذلك جميع الحكومات الإسلامية وغيرها، وإلى كفاية أهله الحاجة وإغناء أعرابه عن التعدي على الحجاج وغيرهم بتأمين معايشهم ونشر العلم والدين فيهم، ثم إلى جعل الحرمين الأشرفين مثابة للناس في تلقي العلوم والمعارف، كما أنهما مثابة لهم في العبادة وأداء المناسك… فكر أخوكم كاتب هذا المقال في هذه المسألة منذ سنين واقترح هذا الإصلاح في المنار (ج 3 م 22 الذي صدر في 30 جمادى الأولى سنة 1339) وصرَّح برجائه في الملك حسين أن يقبله ويبادر إلى تنفيذه برأي كبار الشرفاء والعلماء في مكة بأن يضعوا له نظامًا ينشر في جريدة القبلة، وترسل نسخ منه مطبوعة إلى المدن الإسلامية الكبرى في الشرق والغرب والجنوب والشمال لأخذ رأي أهل العلم والخبرة فيه، ويضرب موسم الحج القابل من ذلك العام موعدًا لتنفيذه، بعد جمع الآراء وتمحيصها فيه بعرضها على لجنة تؤلف من خيار حجاج الأقطار علمًا ورأيًا، فيكون هذا مؤتمرًا إسلاميًّا يقرر ما يراه من تعاون المسلمين على عمران الحجاز وتسهيل طرقه، وتكثير موارده، ونشر العلم فيه وغير ذلك من المصالح والمنافع إننا أعذرنا إلى ملك الحجاز بتفويض أمر هذا الاقتراح إليه قبل كل أحد، وأثبتنا بهذا أننا نود لو يكون هذا الإصلاح على يديه على سوء ظننا فيه، ونأسف الآن أن صدق ظننا فيه من كل وجه، فهو لم يرفع لهذا الاقتراح رأسًا، ولم يدرك أنه أضمن لعظمته وجاهه من الحماية البريطانية، بتلك الاتفاقات السرية الشائنة، والمعاهدات الجهرية الخادعة، ولولا أنه يفضل لذة الاستبداد الشخصي والإلحاد في الحرم على كل إصلاح يشاركه فيه المسلمون لبادر إلى تنفيذه. على أننا في ذلك الوقت قد وضعنا نظامًا لمشروع جمعية إسلامية تقوم بالسعي لهذا الإصلاح الإسلامي العام على ما وصل إليه علمنا ورأي من أطلعناه على هذا المشروع في مصر، وأرسلنا نُسَخًا من هذا النظام إلى أنقرة فاستُحْسِنَ فيها وظهر أثر استحسانه في الجرائد بتصريح في معناه نطق به مصطفى كمال باشا، وما منعنا من إظهار المشروع وتأليف الجمعية بالفعل إلا العلم بأن السلطة العرفية البريطانية تشدد في مقاومته.
ثم أعدنا نشر الاقتراح بما أودعناه في (الكتاب المفتوح) الموجه من روح الإسلام والجامعة العربية إلى الحكومة البريطانية والشعب الإنجليزي، إنذارًا لهما بأن لا يعتمدا على الملك حسين فيما تطمع فيه تلك الحكومة من الحجاز وبلاد العرب وأن لا يُصِرَّا على ترجيح صداقته على صداقة العالم الإسلامي والأمة العربية. أما وقد خابت المساعي وفشلت جميع الوسائل لإقناع هذا المتغلب على الحجاز بحفظه وصيانته من نفوذ الأجانب وحفظ سياجه من جزيرة العرب، وقد ظهر للشعوب الإسلامية كلها أمره وما فيه من الخطر على مشاعر دينهم ومأواه ومأرزه بجعله الحجاز تحت حمايتهم وتوطيده مع أولاده لنفوذهم وسلطانهم في قلب الجزيرة من حدود مصر إلى خليج فارس - فالواجب عليهم شرعًا أن يسعوا إلى إنقاذه من هذا الخطر وجعله قطرًا حرًّا حياديًّا لا سلطان عليه لغير الشرع العادل الذي أنزله الله تعالى فيه بضمان العالم الإسلامي كله. وقد بيَّنا في هذا المقال أن هذا الإنقاذ إذا صمدت له إحدى الإمارات العربية المجاورة للحجاز يخشى أن يكون إثمه أكبر من نفعه ومفاسده أرجح من المصلحة المطلوبة، وأنه لا يُرْجَى من دولة أخرى كالمصرية والتركية؛ لأن طريق البحر إليه تحت سلطان الإنجليز حماة هذا المتغلب وأنصاره على المسلمين فلا يُمَكِّنُونَ دولة أن تسوق إليه جندًا. وإذ كان الأمر كذلك تعين لإنقاذ الحجاز سعي جميع الحكومات الإسلامية المستقلة واتفاقها على الوسيلة التي تُبتغَى له وتعاونها على تنفيذها، فإن لم تتفق كلها فأقدرها وأقربها.
وإلا فالواجب على شعوب المسلمين اتخاذ الوسيلة لذلك فإن لم يفعلوا كانوا كلهم فساقًا ضالين، ولن تجتمع هذه الأمة على ضلالة، فإنقاذ الحجاز فرض ولا بد من أدائه. أما الدولة الإسلامية التي تُطََالَبُ بذلك أولاً فهي اليمنية والنجدية والمصرية والتركية والإيرانية والأفغانية، فإن لم تبدأ إحداهن بالدعوة إلى عقد مؤتمر من أعضاء مُفَوَّضِينَ من كل منهن، فليدْعُهُن إلى ذلك بعض أصحاب المكانة المحترمة كشيخ الجامع الأزهر أو جمعية تؤلف لذلك.
فإذا أجبن الدعوة فليس لأحد أن يفتات عليهن في تعيين الزمان والمكان للاجتماع، وإن كان كل أحد يعلم أن مصر أوسط بلاد الإسلام وأليقها بذلك.
ولكن لكل مسلم أن يقترح على المؤتمر ما يرى فيه الصلاح والإصلاح.
ومتى قرر مؤتمرهن شيئًا فلا يعقل أن تتصدى الدولة البريطانية لمقاومة جميع دول الإسلام في مسألة إسلامية محضة انتصارًا للشخص الذي نصبته ملكًا على مهد دينهم وقبلة صلاتهم وشعائر حجهم بل يرجى أن تغتنم هذه الدولة العاقلة فرصة اتحاد الحكومات الإسلامية المستقلة فتواتيهن وتعقد رابطة المودة معهن، ولا يخفى ما في هذا من الخير لها ولهن، وللإنسانية كلها. وأما الشعوب الإسلامية فلا يمكنها أن تعمل شيئًا إلا بتأليف جمعية منظمة، وإننا ننشر بعض المواد التي كنا وضعناها مع بعض أهل الغيرة الدينية لمثل هذه الجمعية على سبيل التذكير والوسيلة لتبادل الآراء فيها وبناء الدعوة عليها: المواد الأساسية لجمعية سلامة الحجاز: (1) تألفت في العالم الإسلامي جمعية إصلاحية باسم (جمعية سعادة الدارين في تجديد الإسلام في الحرمين الشريفين) ذات شعب وفروع في جميع الأقطار الإسلامية. (2) سيكون المركز العام الدائم لهذه الجمعية مكة المكرمة حيث الشعبة الأولى لها في المرتبة، وهو الآن حيث الشعبة الثالثة في المرتبة (وهي الأولى المؤسسة) . (3) مقصد هذه الجمعية: (1) إقامة الدين في الحجاز علمًا وعملاً وإرشادًا وتعليمًا كما شرعه الله.
(2) وتحقيق جعل الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس.
(3) ومثابة للناس وأمنًا.
(4) سواء العاكف فيه والبادي كما جعله الله. (5) منع الإلحاد والظلم فيه كما منعه الله.
(6) ليكون الحجاز مأرزًا للإسلام كما أنبأ رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(7) وتقام فيه وصيته الأخيرة عليه وعلى آله صلوات الله.
(8) ويظل آية بينة على استجابة دعاء إبراهيم الخليل عليه وعلى آله صلوات الله.
(9) فيكون قطر سلام وحياد لا يُنال بحرب ولا عدوان يغضب الله (10) وتحترمه جميع الأمم والدول كما يحب ويرضى الله ورسوله والمؤمنون. (4) تتوسل الجمعية إلى هذه المقاصد الشريفة بأنواع الوسائل المشروعة الآتية: (أ) السعي لإحصاء أوقاف الحرمين الشريفين في جميع الأقطار وضبط مواردها وجلب ريعها إلى خزينة الحرمين الشريفين وصرفها في مصارفها الشرعية التي وق