خطب ومحاضرات
فقه المواريث - المسألة المشتركة
الحلقة مفرغة
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى جميع الأنبياء والمرسلين، ورضي الله عن الصحابة الطيبين وعمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلاً، سهل علينا أمورنا وعلمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا يا أرحم الراحمين.
اللهم زدنا علماً نافعاً، وعملاً صالحاً بفضلك ورحمتك يا أكرم الأكرمين.
سبحانك اللهم وبحمدك على حلمك بعد علمك، سبحانك اللهم وبحمدك على عفو بعد قدرتك، اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد إخوتي الكرام: انتهينا من باب الحجب بقسميه: حجب عن طريق الوصف، ولا يكون إلا حجب حرمان، وحجب عن طريق الشخص وله نوعان: حجب حرمان وحجب نقصان، تقدم معنا الكلام على هذا، بقي معنا فائدة هي آخر المبحث أذكرها ثم نتدارس الأبيات التي ذكرها الإمام الرحبي عليه رحمة الله فيما يتعلق بالحجب، ثم ننتقل بعون الله جل وعلا إلى المسألة المشركة.
أما الفائدة التي ذكرناها آخر باب الحجب فقلت: من حجب بالشخص حجب حرمان لا يحجب غيره حرماناً بل نقصاناً، إذا حجب وارث بوارث حجب حرمان فهذا المحجوب لا يحجب غيره حرماناً، بل يحجبه نقصاناً، فمثلاً: الإخوة لأم إذا حجبوا بالجد يحجبون الأم من الثلث إلى السدس، فلو مات وترك جداً وأماً وإخوة للأم، فالأم لها السدس لوجود جمع من الإخوة، والإخوة لأم محجوبون حجب حرمان بالشخص، وحجبوا غيرهم حجب نقصان.
هذه القاعدة إخوتي الكرم مسلمة في الفرائض، وهي أن المحجوب حجب حرمان بالشخص لا يحجب غيره حجب حرمان، إنما يحجبه حجب نقصان، والسبب في ذلك -كما قال أئمتنا الكرام- أن الذي يحجب غيره حجب حرمان سيأخذ ميراثه، وهو كما قلنا محجوب، وأما الذي يحجب غيره حجب نقصان قد يأخذ نصيبه وميراثه وقد لا يأخذه، أما من حجب غيره حجب حرمان فينبغي أن يأخذ نصيب من حجبه، أما أن يحجبه ثم لا يستفيد من حجبه شيئاً هذا لا يوجد في الفرائض؛ لأن الوراثة خلافة، والورثة بعضهم أقرب من بعض، فالأقرب يحجب الأبعد، إذاً يأخذ نصيب الأبعد، والأقوى يحجب الأضعف، فيأخذ نصيب الأضعف بحيث لولا الأقوى ولولا الأقرب لأخذ الأبعد والأضعف هذا الإرث.
يعني: ابن الابن لولا الابن لورث، فإذاً حجب ابن الابن بالابن فالابن أخذ الميراث، فهذه القاعدة لأن الوراثة خلافة، ينوب بعضهم عن بعض، والورثة يتفاوتون، فالبعيد يحجب بالقريب، والضعيف يحجب بالقوي، فإذا حجب البعيد والضعيف بالقريب والقوي لابد من أن يكون القوي وارثاً، أما إذا كان هو في الأصل محجوباً ثم يأتي يحجب غيره حجب حرمان فهذا لا يوجد في الفرائض؛ لأنه بما أنه حجبه حجب حرمان سيأخذ إرثه، أما في حجب النقصان فقد يرث وقد لا يرث، هذه القاعدة مسلمة في الفرائض، يرد عليها مسألة فقط هي التي شذت عن هذه القاعدة، فانتبهوا لهذه المسألة ولقضاء أئمتنا البررة فيها.
هذه المسألة هي: لو مات إنسان وترك أباً وأم أب وأم أم أم، إذاً: مات وترك أباً، وجدة التي هي أم أب، وجدة أخرى هي أم أم أم، هذه المسألة عند بعض المذاهب الأربعة ستخرج عن هذه القاعدة فانتبه لها.
تقدم معنا إخوتي الكرام! أن الجدة القريبة تسقط البعيدة من أي جهة كانت عند الحنفية، أوليس كذلك؟ وعند الإمام أحمد يسقطها أيضاً.. المالكية والشافعية خالفوا، وتقدم معنا خلاف المذاهب الأربعة.
هذه المسألة خرجت عن هذه القاعدة عند الحنفية، أم الأب محجوبة بالأب عند المذاهب الثلاثة، فالجدة المدلية بأب، والجدة المدلية بالجد تحجب بوجود ابنها وما خالف في هذا إلا الحنفية، وأما حجب الجدة التي هي من قبل الأم وإن كانت بعيدة بالجدة التي من قبل الأب ففيها قولان للعلماء، إنما الآن هنا: أم الأب محجوبة بالأب لأنها تدلي به، وقلنا: من أدلى بوارث يحجب عند وجوده، وقلنا: هذه مطردة إلا في الإخوة لأم مع الأم وفي الجدة من قبل الأب مع الأب والجدة من قبل الجد مع الجد عند الحنابلة فقط، أما عند الجمهور فمحجوبة.
فإذاً: أم الأب محجوبة بالأب، يأتي الحنفية ويطبقون القاعدة يقولون: وأم أم الأم محجوبة بأم الأب، والمال كله للأب؛ هذا قضاء الحنفية في هذه المسألة، فهي محجوبة حجب حرمان وحجبت غيرها حجب حرمان، هذه المسألة هي التي خرجت عن هذه القاعدة، عند الحنفية.
إذاً نقول هنا: الأبعد وهي أم الأب محجوبة بالأب، وأم أم الأم محجوبة بأم الأب، فليس لإحدى الجدتين شيء والمال كله للأب.
أما عند الحنابلة فالإمام أحمد وافق أبا حنيفة في أن القربى من الجدات تسقط البعدى من أي جهة كانت.
وقلنا: إذا كانت الجدات من جهة واحدة فالقريبة تسقط البعيدة بالاتفاق، وإذا اختلفت الجهات فالقريبة من جهة الأم تسقط البعيدة من جهة الأب بالاتفاق، وإن كانت بالعكس فعند أبي حنيفة والإمام أحمد : القربى تسقط البعدى وإن كانت القربى من جهة الأب والبعدى من جهة الأم، وعند الشافعية والمالكية: البعدى من جهة الأم لا تسقط بالقربى من جهة الأب.
فالآن عندنا هنا على قضاء الإمام أحمد انظر كيف سيكون، عنده الآن هذه لا تسقط بالأب، بل الجدة المدلية بجدة تسقط، والبعدى تسقط بالقربى، وعليه السدس لأم الأب، والأب له الباقي، وهذه محجوبة، فالمسألة من ستة: واحد للجدة التي هي أم أب، وخمسة من ستة للأب، وأم أم الأم سقطت، فعند الإمام أحمد حجبت لكن هي ليست محجوبة، يعني: ما خرج عن القاعدة المتقدمة من أن المحجوب حجب حرمان بالشخص لا يحجب غيره حجب حرمان إلا على قول أبي حنيفة فقط في المسألة الأولى.
بقي معنا الشافعية والمالكية لهم قضاء ثالث في هذه المسألة، المالكية -كما تقدم معنا- والشافعية يحجبون أم الأب بالأب، وأم أم الأم لا تسقط عند المالكية والشافعية بالقربى من جهة الأب، فهي وارثة لها السدس والباقي للأب، المسألة من ستة؛ لكن السدس هنا لأم أم الأم والباقي للأب. انظر القضاء كيف اختلف في هذه المسألة:
فعند أبي حنيفة : لا ترث واحدة من الجدات شيئاً والمال كله للأب.
وعند الإمام أحمد : التي ترث هي أم الأب، وأم أم الأم سقطت لبعدها.
وعند المالكية والشافعية: أم الأب سقطت بالأب، لكن بقيت أم أم الأم وارثة، فلها السدس كاملاً؛ لأنه عندهم لا تسقط البعدى من جهة الأم بالقربى من جهة الأب.
فإذاً على قول الحنفية فقط -وهو القضاء الأول من الأقضية الثلاثة- انخرمت معنا القاعدة وهي: أن المحجوب حجب حرمان بالشخص لا يحجب غيره حجب حرمان إلا في هذه المسألة فقط، ما لها مسألة أخرى في الفرائض، وهي في هذه المسألة على مذهب الحنفية، فهذه أيضاً نضبطها لأنها من النوادر، والنوادر تضبط حتى لا يتعثر بها إنسان، لأنه سيأتيك بعض الناس يورد عليك هذه الجزئية يقول: المحجوب حجب حرمان بالشخص لا يحجب غيره حجب حرمان، طيب كيف تقضي في هذه المسألة؟ كما قلت: قضاء أئمتنا فيها على هذه الشاكلة، فيها ثلاثة أقضية:
القضاء الأول قول أبي حنيفة : إسقاط الجدات، أم الأب سقطت بالأب، وأم أم الأم سقطت بأم الأب.
عند الحنابلة انتبه! عند الحنابلة أم أم الأم سقطت بأم الأب، وأم الأب وارثة، لأنها لا تسقط بمن أدلت به كما تقدم معنا، وعليه فالسدس لأم الأب.
وعند المالكية والشافعية: أم الأب سقطت بالأب؛ لأن من أدلى بوارث حجب به، بقيت معنا أم أم الأم، وهي عندهم لا تسقط بأم الأب، فبقي السدس لأم أم الأم.
يعني: السدس ستأخذه أم الأب على مذهب الحنابلة، وعلى مذهب الشافعية والمالكية تأخذ السدس أم أم الأم، وعلى مذهب الحنفية لن يأخذ مع الأب جدة من الجدتين، والمال كله للأب.
قال الناظم رحمه الله تعالى:
والجد محجوب عن الميراث بالأب في أحواله الثلاث
الأحوال الثلاث التي للجد أن له السدس فقط إذا كان الفرع الوارث ذكراً، والسدس مع التعصيب إذا كان الفرع الوارث أنثى لأننا ننزله منزلة الأب، والتعصيب المحض بلا فرض إذا لم يكن هناك فرع وارث، هذه الأحوال الثلاثة للجد يحجب عنها ويمنع منها بوجود الأب، فإذا وجد الأب فليس للجد السدس ولا سدس وتعصيب ولا تعصيب.
الجد لا يخرج عن ثلاثة أحوال في الفرائض: السدس المحض إذا كان معه فرع وارث ذكر، يعني: لو مات وترك ابناً وجداً، فالابن عصبة والجد له السدس كما لو ترك ابناً وأباً، وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ [النساء:11].
فإن كان هذا الولد أنثى يصبح حالة ثانية: للجد سدس وتعصيب؛ لأنه أولى العصبات، فترك بنتاً وجداً، البنت لها النصف، والجد السدس والتعصيب، فيأخذ النصف بعد ذلك، سدس عن طريق الفرضية والباقي عن طريق التعصيب.
وإذا لم يترك صاحب فرض كأن ترك مثلاً جدة وجداً، الجدة لها السدس والباقي للجد.
إذاً: الجد عاصب لأنه أقوى العصبات، والجدة لها السدس.
ترك زوجة وجداً، الزوجة لها الربع والجد التعصيب ثلاثة أرباع.
هذه الأحوال الثلاثة للجد يحجب عنها ويمنع منها لوجود الأب.
والجد محجوب عن الميراث بالأب في أحواله الثلاث
الأحوال الثلاثة التي هي للأب ثابتة للجد، فإذا وجد الأب منع الجد عنها؛ وقلنا: تقدم معنا سبب المنع وهي القاعدة الأولى: من أدلى بوارث حجب به عند وجوده، وهذا موجود، وهذه قلنا إحدى الدعامتين والقاعدتين في حجب الحرمان، هنا الآن عندنا إدلاء، فمن أدلى بوارث حجب به عند وجوده، فالجد يدلي بالأب فيسقط عند وجود الأب.
وتسقط الجدات من كل جهة بالأم فافهمه وقس ما أشبهه
نفس القاعدة.
قوله: (قس ما أشبهه) يعني: قس بعد ذلك ما يشبه هذا من سقوط أم أم الأم بأم الأم، يعني: تسقط البعدى بالقربى، وهكذا أبو الجد بالجد، فتنزل بعد ذلك هؤلاء الأجداد كما تنزل الأب مع الأجداد، فالقريب يسقط البعيد، والجدة القريبة تسقط البعيد.
فافمه وقس ما أشبهه
يعني: هكذا الجدات، فإذا كان عندنا أم أم وأم أم الأم نقول: البعدى سقطت بالقربى.
وهكذا ابن الابن بالابن فلا تبغ عن الحكم الصحيح معدلا
نفس القاعدة: من أدلى بوارث حجب به عند وجوده، ابن الابن يسقط بالابن، فلا تبعد عن الحكم الصحيح.
وتسقط الإخوة بالبنينا
الآن لا يوجد إدلاء إنما يوجد قرب الجهة، الجهة اختلفت، هنا بنوة وهنا أخوة فتقدم البنوة كما تقدم معنا القاعدة الثانية في الحجب، قلنا: كل من سيحجب إما لأنه أدلى بوارث حجب به عند وجوده، وإما لوجود جهة أقوى منه حجبته.
وتسقط الإخوة بالبنينا
وهو خصوص الولد الذكر من ابن وابن ابن مهما نزل.
وتسقط الإخوة بالبنينا وبالأب الأدنى
وهو أبوك الحقيقي الذي انفصلت منه وأنت من صلبه، لا بالأب الأبعد الذي هو الجد، ذاك سيأتينا في مبحث خاص كما تقدم معنا، قلنا: أبو حنيفة جعله أباً وأسقط الإخوة كلهم به، والجمهور على خلاف ذلك، وسيأتينا إن شاء الله تفصيل هذا بعد المسألة المشركة حيث سندخل في مبحث الجد والإخوة إن شاء الله.
إذاً:
وتسقط الإخوة بالبنينا وبالأب الأدنى
يعني: الأقرب الذي هو أبوك حقيقة وانفصلت من صلبه.
وبالأب الأدنى كما روينا
أي: روي لنا ونقل لنا وثبت عن أئمتنا.
أو ببني البنينا
يعني: الإخوة يسقطون بالأب، ويسقطون بالفرع الوارث الذكر مهما ابتعد من ابن وابن ابن.
أو ببني البني كيف كانوا سيان فيه الجمع والوحدان
يعني: ببني البنين مهما نزلوا سواء كان واحداً أو أكثر، وتقدم معنا من يسقط الإخوة على اختلاف مراتبهم، قلنا: يسقطون بالأب ويسقطون بالفرع الوارث الذكر مهما نزل.
ويفضل ابن الأم الإسقاط
وهو الأخ لأم، يعني: الإخوة مطلقاً يسقطون بالأب، ويسقطون بالفرع الوارث الذكر، ويزيد الأخ لأم أنه يسقط بالجد بالإجماع.
ويفضل ابن الأم بالإسقاط
أي: بالحجب.
بالجد فافهمه على احتياط
يعني: الأخ لأم يحجب بالجد، وهذا كل إجماع، وأما الأخ الذي هو شقيق أو لأب فهذا محل اختلاف سيأتينا الكلام فيه إن شاء الله.
انتبه أيضاً لأي شيء يزيد، فالأخ لأم يحجب بالجد وبالبنات، يعني: الفرع الوارث الأنثى يحجبه، وتقدم معنا أنه يحجب بالأصل الوارث من الذكور وبالفرع الوارث مطلقاً ذكراً كان أو أنثى.
وبالبنات وبنات الابن جمعا ووحدنا فقل لي زدني
يعني: سواء واحد أو أكثر، تعددوا أو جهة واحدة، من بنات الابن، أو من الأبناء، كل هؤلاء يحجبون الإخوة لأم.
ثم بنات الابن يسقطن متى حاز البنات الثلثين يا فتى
إذا استوفى البنات الثلثين سقط بنات الابن، إلا في حالة واحدة:
إلا إذا عصبهن الذكر من ولد الابن على ما ذكروا
يعني: إن وجد ابن ابن معهن من أخ أو ابن عم، في درجتهن أو أنزل منهن كما تقدم معنا بالتفصيل.
إلا إذا عصبهن الذكر من ولد الابن على ما ذكروا
ومثلهن الأخوات اللاتي يدلين بالقرب من الجهات
عندنا أخت لأب وأختان شقيقتان أو أخوات شقيقات أخذن الثلثين، فالأخوات لأب مع الأخوات الشقيقات كبنات الابن مع البنات، فإذا استوفى الشقيقات الثلثين سقطت الأخوات لأب إلا في حالة واحدة: إذا وجد معهن أخ لأب، ولا يمكن أن يكون غيره.
إذاً:
ومثلهن الأخوات اللاتي يدلين بالقرب من الجهات
إذا أخذن فرضهن وافيا أسقطن أولاد الأب البواكيا
وإن يكن أخ لهن حاضرا
وهو لأخ لأب.
عصبهن باطنا وظاهرا
وليس ابن الأخ بالمعصب من مثله أو فوقه في النسب
تقدمت معنا وقلنا: الأنثى تصبح عصبة بأخيها أو بابن عمها الذي في درجتها أو أنزل منها إذا كانت وارثة، أما إذا لم تكن وارثة فلا يعصبها أخوها، مثل بنت البنت.
ولا يدخل في هذا أولاً الإخوة، يعني: لو مات وترك ابن أخ شقيق وبنت أخ شقيق: المال كله لابن الأخ الشقيق، وهذا نبهتكم عليه وقلت: كثير من الإخوة يغلطون فيها ويخطئون، فيظن أن ابن الأخ يعصب أخته كما أن الأخ يعصب أخته، وليس كذلك؛ لأن الأخت وارثة وبنت الأخت ليست وارثة، وهنا كذلك فانتبه لهذا! يعني: مات وترك ابن ابن وبنت بنت، فالمال كله لابن الابن، فالبنت ليست وارثة، فهنا الأنثى تصبح عصبة بالذكر الذي هو أخوها أو ابن عمها في درجتها أو أنزل بشرط أن تكون وارثة، ولذلك قال:
وليس ابن الأخ بالمعصب من مثله
يعني: بنت الأخ وهي أخته
أو فوقه في النسب
ولا يعصب أيضاً عمته وإن كان هو دونها، لا يعصب إلا الأنثى التي هي وارثة. ندخل في المسألة المشتركة إن شاء الله.
أسماء المسألة المشتركة
أما بالفتح المشرَّكة: فلأنه حصل التشريك فيها، فهي مشرَّك فيها.
وأما بالكسر مشرِّكة: فأسند التشريك إلى المسألة لوقوع التشريك فيها، إنما هي في الأصل مشركة، حصل الاشتراك فيها، ويسند التشريك إليها، مشترَكة، مشترِكة، مشرَّكة مشرِّكة.
ويقال لها: الحمارية، وهي نسبة إلى الحمار؛ لأن بعض الورثة قال لـعمر رضي الله عنهم أجمعين: هب أن أبانا حمار ما زادنا الأب إلا قربى، فقيل لها: الحمارية.
ويقال لها: الحجرية؛ لأن بعض الورثة قال لـعمر أيضاً: هب أن أبانا حجر ملقى في اليم، ما زادنا الأب إلا قربى.
ويقال لها اليمية، وهي نسبة إلى اليم، وهو البحر.
إذاً: مشترَكة مشترِكة مشرَّكة مشرِّكة، حمارية، حجرية، يمية، وإن شئت سمها بحرية!
اختلاف قضاء عمر بن الخطاب في المشتركة
وخلاصة القصة: أنه عرض على سيدنا عمر رضي الله عنه هذه المسألة في عامين مختلفين فقضى فيها بقضاءين مختلفين:
القضاء الأول وهذا في العام الأول: ماتت عن زوج وأم وأخوين لأم وأخت شقيق، فكان القضاء من قبل سيدنا عمر رضي الله عنه في السنة الأولى والعام الأول على حسب القواعد المطردة عندنا في الفرائض: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر).
الزوج له النصف لعدم الفرع الوارث، والأم السدس لوجود جمع من الإخوة، والإخوة لأم الثلث للتعدد الذي فيهم ولا يوجد من يحجبهم من أصل وارث من الذكور ولا فرع وارث، والأخ الشقيق ليس محجوباً، بل عاصب، وهو هو أولى العصبات، والعصبة قلنا عند الانفراد يأخذ كل المال، وإذا وجد مع أصحاب الفروض يأخذ ما أبقته الفروض، وإذا لم يبق له شيء سقط.
المسألة من ستة: نصفها ثلاثة، سدسها واحد، ثلثها اثنان، ما بقي شيء للأخ الشقيق، وهذا هو قياس قواعد الفرائض المطردة، وهذا قضاء عمر ، وهذا المذهب هو الذي أخذ به الإمام أبو حنيفة وبعده الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله.
هذا قضاء في هذه المسألة: أن أصحاب الفروض يأخذون فروضهم والأخ الشقيق عاصب، فإن بقي له شيء أخذه وإلا سقط.
المسألة بعينها وقعت في العام الذي بعده في عهد سيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين فقضى بهذا القضاء، فراجعه زيد بن ثابت كما في المستدرك وسنن البيهقي .
قال زيد : يا أمير المؤمنين! هب أن أباهم حمار ما زادهم الأب إلا قرباً، فإذا لم تنفعهم قوة القرابة من جهتين فلا تضرهم، أمهم واحدة، الآن الميت هو الزوجة، نفرض أنها فاطمة، فالأشقاء والإخوة لأم كلهم أمهم واحدة، لو قلنا زيد أخ شقيق، ومحمد أخ لأم، وأحمد أخ لأم، أخ شقيق يعني أنه يقرب فاطمة من أبيها وأمها.
والإنسان له أم واحدة، إذاً: ومحمد وأحمد من أمه، يعني الأم هي هي، يعني: أم فاطمة هي أم زيد ومحمد وأحمد، لكن زيداً له صلة قوية بفاطمة، فهو أخوها من أمها وأخوها أيضاً من أبيها، وأما هؤلاء فلهم أب آخر، فمن أقرب إلى فاطمة؟ زيد.
فوقعت المسألة بعينها في العام الذي بعده، (ولعل بعضكم أن يكون أبلغ في حجته من بعض)، ولحن القول هذا مطلوب، (وإن من البيان لسحراً)، فقال زيد بن ثابت ما قال وقال بعض الورثة ما قال: هب أن أبانا حجر ملقى في اليم، هب أنه حمار ما زادنا الأب إلا قرباً، أي: إذا لم ينفع فلا يضر، فأنت إذا لم تورثنا من جهة الأب فأمنا واحدة، كيف تورث إخوتنا الذين يدلون إلى أختنا بأمنا ولا نرث نحن وأمنا واحدة؟
فتأمل عمر رضي الله عنه هذه المسألة وقال: أصبتم، وغير القضاء، وقال: القرابة التي من جهة الأب تلغى، يرث الآن جميع الإخوة على أنهم إخوة لأم، فنشرك بينهم في الثلث، وهذا على القضاء الثاني هو مذهب الشافعية والمالكية.
إذاً: هذا الثلث -كما قلنا- اثنان، فيكون للأخ لأم وأخ لأم وأخ شقيق، والرءوس ثلاثة فلا تنقسم، فنصحح المسألة: ثلاثة في ستة ثمانية عشر، وثلاثة في ثلاثة تسعة، للزوج ثلاثة في ثلاثة، وللأم ثلاثة، وللإخوة: ستة، كل واحد له اثنان، انتهت المسألة.
هذا قضاء عمر الثاني وهو الذي أخذ به الشافعية والمالكية، فالمذاهب الأربعة على قولين على قضاء عمر الأول وقضائه الثاني.
فقيل لـعمر رضي الله عنه بعد أن قضى في هذه المسألة: إنك قضيت في العام الماضي بغير ذلك، قال: ذاك على ما قضينا به وهذا على ما قضينا به.
ويشير بذلك إلى قاعدة مقررة أن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد، بما أنه لا يوجد نص في القضية، ونحن نجتهد إلى وصول مراد الله في هذه المسألة فلا ينقض اجتهاد باجتهاد، ذاك حق وهذا حق، وكما قلت: كل من الاجتهادين أخذ به المذاهب الأربعة، فـأبو حنيفة والإمام أحمد على قضاء عمر الأول وسأذكر الأدلة عليه إن شاء الله، والشافعي ومالك على القضاء الثاني، وسأذكر الأدلة عليه عندهم وكيف رجحوا هذا القضاء وذاك القضاء بإذن الله.
وسيأتينا رد الإمام ابن تيمية على مذهب المالكية، قال: هذا الكلام كله مردود ولو أقره عمر ، وكلمة (هب أن أبانا حمارا) لو كان أبوهم حماراً لكانت أمهم أتاناً، وهذا الكلام سيأتينا.
المسألة المشتركة، ويقال لها: المشتركة والمشرَّكة والمشرِّكة.
أما بالفتح المشرَّكة: فلأنه حصل التشريك فيها، فهي مشرَّك فيها.
وأما بالكسر مشرِّكة: فأسند التشريك إلى المسألة لوقوع التشريك فيها، إنما هي في الأصل مشركة، حصل الاشتراك فيها، ويسند التشريك إليها، مشترَكة، مشترِكة، مشرَّكة مشرِّكة.
ويقال لها: الحمارية، وهي نسبة إلى الحمار؛ لأن بعض الورثة قال لـعمر رضي الله عنهم أجمعين: هب أن أبانا حمار ما زادنا الأب إلا قربى، فقيل لها: الحمارية.
ويقال لها: الحجرية؛ لأن بعض الورثة قال لـعمر أيضاً: هب أن أبانا حجر ملقى في اليم، ما زادنا الأب إلا قربى.
ويقال لها اليمية، وهي نسبة إلى اليم، وهو البحر.
إذاً: مشترَكة مشترِكة مشرَّكة مشرِّكة، حمارية، حجرية، يمية، وإن شئت سمها بحرية!
هذه أول ما وقعت في عهد سيدنا عمر رضي الله عنه، ثبت ذلك في مستدرك الحاكم بسند صحيح وفي سنن البيهقي، انظروا الأثر في المستدرك (4/337)، وانظروه في سنن البيهقي الكبرى (6/255)، والأثر مروي في غير ذلك من المصنفات، لكن كما قلت ثابت ثبوت صحة في المستدرك وفي سنن البيهقي .
وخلاصة القصة: أنه عرض على سيدنا عمر رضي الله عنه هذه المسألة في عامين مختلفين فقضى فيها بقضاءين مختلفين:
القضاء الأول وهذا في العام الأول: ماتت عن زوج وأم وأخوين لأم وأخت شقيق، فكان القضاء من قبل سيدنا عمر رضي الله عنه في السنة الأولى والعام الأول على حسب القواعد المطردة عندنا في الفرائض: (ألحقوا الفرائض بأهلها، فما بقي فلأولى رجل ذكر).
الزوج له النصف لعدم الفرع الوارث، والأم السدس لوجود جمع من الإخوة، والإخوة لأم الثلث للتعدد الذي فيهم ولا يوجد من يحجبهم من أصل وارث من الذكور ولا فرع وارث، والأخ الشقيق ليس محجوباً، بل عاصب، وهو هو أولى العصبات، والعصبة قلنا عند الانفراد يأخذ كل المال، وإذا وجد مع أصحاب الفروض يأخذ ما أبقته الفروض، وإذا لم يبق له شيء سقط.
المسألة من ستة: نصفها ثلاثة، سدسها واحد، ثلثها اثنان، ما بقي شيء للأخ الشقيق، وهذا هو قياس قواعد الفرائض المطردة، وهذا قضاء عمر ، وهذا المذهب هو الذي أخذ به الإمام أبو حنيفة وبعده الإمام أحمد عليهم جميعاً رحمة الله.
هذا قضاء في هذه المسألة: أن أصحاب الفروض يأخذون فروضهم والأخ الشقيق عاصب، فإن بقي له شيء أخذه وإلا سقط.
المسألة بعينها وقعت في العام الذي بعده في عهد سيدنا عمر رضي الله عنهم أجمعين فقضى بهذا القضاء، فراجعه زيد بن ثابت كما في المستدرك وسنن البيهقي .
قال زيد : يا أمير المؤمنين! هب أن أباهم حمار ما زادهم الأب إلا قرباً، فإذا لم تنفعهم قوة القرابة من جهتين فلا تضرهم، أمهم واحدة، الآن الميت هو الزوجة، نفرض أنها فاطمة، فالأشقاء والإخوة لأم كلهم أمهم واحدة، لو قلنا زيد أخ شقيق، ومحمد أخ لأم، وأحمد أخ لأم، أخ شقيق يعني أنه يقرب فاطمة من أبيها وأمها.
والإنسان له أم واحدة، إذاً: ومحمد وأحمد من أمه، يعني الأم هي هي، يعني: أم فاطمة هي أم زيد ومحمد وأحمد، لكن زيداً له صلة قوية بفاطمة، فهو أخوها من أمها وأخوها أيضاً من أبيها، وأما هؤلاء فلهم أب آخر، فمن أقرب إلى فاطمة؟ زيد.
فوقعت المسألة بعينها في العام الذي بعده، (ولعل بعضكم أن يكون أبلغ في حجته من بعض)، ولحن القول هذا مطلوب، (وإن من البيان لسحراً)، فقال زيد بن ثابت ما قال وقال بعض الورثة ما قال: هب أن أبانا حجر ملقى في اليم، هب أنه حمار ما زادنا الأب إلا قرباً، أي: إذا لم ينفع فلا يضر، فأنت إذا لم تورثنا من جهة الأب فأمنا واحدة، كيف تورث إخوتنا الذين يدلون إلى أختنا بأمنا ولا نرث نحن وأمنا واحدة؟
فتأمل عمر رضي الله عنه هذه المسألة وقال: أصبتم، وغير القضاء، وقال: القرابة التي من جهة الأب تلغى، يرث الآن جميع الإخوة على أنهم إخوة لأم، فنشرك بينهم في الثلث، وهذا على القضاء الثاني هو مذهب الشافعية والمالكية.
إذاً: هذا الثلث -كما قلنا- اثنان، فيكون للأخ لأم وأخ لأم وأخ شقيق، والرءوس ثلاثة فلا تنقسم، فنصحح المسألة: ثلاثة في ستة ثمانية عشر، وثلاثة في ثلاثة تسعة، للزوج ثلاثة في ثلاثة، وللأم ثلاثة، وللإخوة: ستة، كل واحد له اثنان، انتهت المسألة.
هذا قضاء عمر الثاني وهو الذي أخذ به الشافعية والمالكية، فالمذاهب الأربعة على قولين على قضاء عمر الأول وقضائه الثاني.
فقيل لـعمر رضي الله عنه بعد أن قضى في هذه المسألة: إنك قضيت في العام الماضي بغير ذلك، قال: ذاك على ما قضينا به وهذا على ما قضينا به.
ويشير بذلك إلى قاعدة مقررة أن الاجتهاد لا ينقض باجتهاد، بما أنه لا يوجد نص في القضية، ونحن نجتهد إلى وصول مراد الله في هذه المسألة فلا ينقض اجتهاد باجتهاد، ذاك حق وهذا حق، وكما قلت: كل من الاجتهادين أخذ به المذاهب الأربعة، فـأبو حنيفة والإمام أحمد على قضاء عمر الأول وسأذكر الأدلة عليه إن شاء الله، والشافعي ومالك على القضاء الثاني، وسأذكر الأدلة عليه عندهم وكيف رجحوا هذا القضاء وذاك القضاء بإذن الله.
وسيأتينا رد الإمام ابن تيمية على مذهب المالكية، قال: هذا الكلام كله مردود ولو أقره عمر ، وكلمة (هب أن أبانا حمارا) لو كان أبوهم حماراً لكانت أمهم أتاناً، وهذا الكلام سيأتينا.
استمع المزيد من الشيخ عبد الرحيم الطحان - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
فقه المواريث - الحجب [1] | 3822 استماع |
فقه المواريث - الرد على الزوجين [1] | 3588 استماع |
فقه المواريث - حقوق تتعلق بالميت | 3573 استماع |
فقه المواريث - ميراث الخنثى [1] | 3539 استماع |
فقه المواريث - توريث ذوي الأرحام | 3484 استماع |
فقه المواريث - أدلة عدم توريث ذوي الأرحام | 3346 استماع |
فقه المواريث - متى يسقط الجدات ومن يحجبهن | 3307 استماع |
فقه المواريث - أصحاب الفروض | 3258 استماع |
فقه المواريث - الجد والإخوة [7] | 3225 استماع |
فقه المواريث - تكملة مبحث التصحيح | 3127 استماع |