أرشيف المقالات

من خصائص السجود للرب المعبود

مدة قراءة المادة : 18 دقائق .
من خصائص السجود للرب المعبود


السجود للرب المعبود جل وعلا عمل تعبُّدي جليل، يحظى بمرتبة متقدمة ومنزلة سامية ضمن مراتب ومنازل الأعمال التي يحبها الله رب العالمين؛ وذلك لما له من خصائص ينفرد ببعضها، وتشترك معه في بعضها أعمال تعبُّدية أخرى، وفيما يلي شيء من خصائصه:
أ ـ السجود للرب المعبود عملٌ تعبُّدي كوني:
• فإن الكون كله يعبر عن عبوديته وخضوعه وافتقاره لخالقه العظيم جل وعلا، بالسجود له، كل الخلائق على اختلافها وتعددها وتفاوت أجناسها وأحجامها وأشكالها وأوزانها وأقدارها تسجد وتسبح لخالقها سبحانه، وفق ما يسَّر وهيَّأ لها من كيفية وطريقة، قال الحق جل جلاله: ﴿ تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا ﴾ [الإسراء: 44]، وقال عز وجل: ﴿ مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ ﴾ [النحل: 48]، وقال سبحانه: ﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ﴾ [الحج: 18].
 
• فحين يسجد الإنسان لربه جل وعلا يكون موافقًا لسير الكون وحركته، ومشاركًا له في تعبيره عن معاني العبودية الاختيارية للرب المعبود سبحانه، ويكون ضمن جموع الموحِّدين العابدين، وفي رحاب موكب الساجدين، فيستشعر الأُنْس والقُرْب والأمن والاطمئنان.
 
• أما من يترك السجود للرب المعبود، فإنه قد شذَّ عن الفطرة السوية التي فطر الله الخلق عليها، وخالف نظام الكون وضادَّ حركته، فلا يجد من ثم إلا الوحشة والقلق والتوتر والاضطراب، والخوف والشقاء والعذاب، قال المولى جل وعلا: ﴿ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ ﴾ وقال: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا ﴾ [طه: 124].

ب ـ السجود للرب المعبود عملٌ تعبُّدي ملائكي نوراني:
• فقد أخبر الله سبحانه عن ملائكته الكرام أنهم يتعبدونه ويتقربون إليه بالسجود له، قال جل وعلا: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206].
 
• وإن الإنسان إذ يحقق السجود للرب المعبود سبحانه، فإنه ينال شرف المشاركة للملائكة الكرام في التعبد لله تعالى بهذا العمل العظيم، فتسمو روحه عبر معراج السجود إلى ذلك المقام السامي، حيث الأجواء النورانية الطاهرة الزكية، فيقتبس منها نورًا يستنير به قلبُه، ثم ينعكس على وجهه إشراقًا وحسنًا ونضارةً، ويكتسب تلك "السيما" المميزة لوجوه الساجدين التي ذكرها الله تعالى في قوله: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾[الفتح: 29].
 
• عن ابن عباس قال في معنى (سيماهم): يعني السمت الحسن، وعن مجاهد قال: الخشوع، وقال السدي: الصلاة تحسن وجوههم، وقال بعض السلف: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار، وقال بعضهم: إن للحسنة نورًا في القلب وضياء في الوجه وسَعة في الرزق ومحبة في قلوب الناس، وقال أمير المؤمنين عثمان رضي الله عنه: ما أسرَّ أحدٌ سريرة إلا أبداها الله تعالى على صفحات وجهه وفلتات لسانه، والغرض أن الشيء الكامن في النفس يظهر على صفحات الوجه، فالمؤمن إذا كانت سريرته صحيحة مع الله تعالى أصلح الله عز وجل ظاهره للناس، كما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: "من أصلح سريرته أصلح الله تعالى علانيته..."[1].
 
• سيماهم في وجوههم من الوضاءة والإشراق والصفاء والشفافية، ومن ذبول العبادة الحي الوضيء اللطيف، وليست هذه السيما هي النكتة المعروفة في الوجه كما يتبادر إلى الذهن عند سماع قوله:﴿ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾، فالمقصود بأثر السجود هو أثر العبادة، واختار لفظ السجود؛ لأنه يمثل حالة الخشوع والخضوع والعبودية لله في أكمل صورها، فهو أثر هذا الخشوع؛ أثره في ملامح الوجه، حيث تتوارى الخيلاء والكبرياء والفراهة، ويحل مكانها التواضع النبيل، والشفافية الصافية، والوضاءة الهادئة، والذبول الخفيف الذي يزيد وجه المؤمن وضاءة وصباحة ونبلًا.
 
• وذلك النور الذي يكسبه العبد من سجوده لربه الأعلى، يلازمه في الدنيا ما دام من أهل السجود، ثم يُبعث به يوم القيامة، فيكون له شامة تميزه عن الخلائق، ويعرفه به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الحديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أمتي أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة"، قالوا: وكيف تعرفهم يا رسول الله في كثرة الخلائق؟ قال: "أرأيت لو دخلت صيرة فيها خيلٌ دُهمٌ، بهمٌ، وفيها فرس أغر مُحجَّلٌ؛ أما كنت تعرفه منها؟"، قالوا: بلى، قال: "فإن أمتي يومئذٍ غُرٌّ من السجود، مُحجَّلون من الوضوء"[2].
 
الصيرة: حظيرة تُتخذ للدواب من الحجارة وأغصان الشجر.

فرس مُحجَّل: هو الذي يرتفع البياض في قوائمه إلى موضع القيد، ويجاوز الأرساغ، ولا يجاوز الركبتين.

غر: من الغرة؛ وهي بياض الوجه.

ج ـ السجود للرب المعبود عملٌ تعبُّدي يقترن بمقام الشفاعة العظمى:
• إن من أسمى مشاهد السجود: مشهد سجود نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة، تحت عرش الرحمن، في مقام الشفاعة العظمى التي خصَّه الله تعالى بها من بين سائر الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
 
• ففي ذلك اليوم الرهيب المهيب، يأتي الناس آدم ونوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى، يسألونهم الشفاعة عند الملك سبحانه، فيعتذر جميع الأنبياء، ويقول كل واحد منهم: نفسي نفسي! اذهبوا إلى غيري...! ثم يأتون خاتم الأنبياء وسيد المرسلين محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيقع ساجدًا لربه، فيقبل شفاعته فيهم، ويعطيه سؤله، قال عليه الصلاة والسلام: "...فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم، فيقولون: يا محمد، أنت رسول الله، وخاتم الأنبياء، وقد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فأنطلق فآتي تحت العرش، فأقع ساجدًا لربي عز وجل، ثم يفتح الله عليَّ من محامده وحُسْن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه على أحد قبلي، ثم يقال: يا محمد، ارفع رأسك، سلْ تُعطه، اشفع تُشفَّع، فأرفع رأسي، فأقول: أمتي يا رب، أمتي يا رب، فيقال: يا محمد، أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب..."[3].
 
• وهكذا فإن نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم لما تفضل عليه ربه، وأذن له أن يقوم ذلك المقام العظيم؛ مقام الشفاعة العظمى، اختار أفضل ما يليق بهذا المقام من هيئات؛ ألا وهو السجود.
 
د ـ السجود للرب المعبود إعلانٌ للهُوية والانتماء:
• إن سجود العبد بين يدي ربه الكريم هو إعلانٌ عن هويته وانتمائه، فالناس صنفان: أهل إيمان وإحسان، وأهل كفر وعصيان، وفي الآخرة فريق في الجنة، وفريق في السعير.
 
• فحين يكون العبد من الساجدين لله تعالى يكون قد أعلن هويته وانتماءه، وحدد وجهته وغايته، واختار صحبته ورفقته، فأما هويته وانتماؤه فهو دين التوحيد وعبادة الله الواحد الأحد، وأمَّا وجهته وغايته فطاعة الله تعالى ونيل مرضاته، وأما صحبته ورفقته فهم عباد الله الساجدون، الذين أثنى عليهم الباري جل وعلا فقال: ﴿ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [التوبة: 112] وقال: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 64]، وقال: ﴿ الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ ﴾ [الشعراء: 218، 219]، وأمرنا أن نكون منهم، فقال: ﴿ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ ﴾ [الحجر: 98].
 
هـ ـ السجودُ للرب المعبود رفعةٌ وعزةٌ، وتركُه حسرةٌ وذلةٌ:
• السجود عمل تعبُّدي، يُظهر به العبد تواضعه وافتقاره وخضوعه بين يدي ربه الأعلى، وهو سبحانه يحب أن يرى ذلك من عبده، فيجازيه جزاء من جنس عمله، فيرفعه ويعزه ويقربه، قال جل وعلا: ﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 19]، وفي الحديث أن نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم قال: "عليك بكثرة السجود لله؛ فإنك لا تسجد لله سجدةً إلا رفعك الله بها درجةً، وحَطَّ عنك بها خطيئةً"[4]، وقال عليه الصلاة والسلام: "أقربُ ما يكون العبدُ إلى ربه وهو ساجد، فأكثروا الدعاء"[5]، وقال: "ألا وإني نُهيتُ أن أقرأ القرآن راكعًا، أو ساجدًا، فأما الركوع فعظِّموا فيه الرب عز وجل، وأمَّا السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمِنٌ أن يُستجاب لكم"[6] (قمِن؛ أي: جدير وحقيق).

• وحين يسجد العبد لربه؛ فإنه يجد حلاوة القرب والوصال، ويذوق طعم الأُنْس والمناجاة، وتلك- والله- جنة الدنيا، يتمتع بنعيمها الساجدون قبل فوزهم بالنعيم المقيم في جنة الآخرة!
 
• ومن ذاق حرَّكه الاشتياق، فإذا به لا يطيب له بالليل نوم ولا فراش وثير، ولا يسكن ولا يهدأ، حتى يخِرَّ بين يدي حبيبه ساجدًا يدعوه ويناجيه! وكان ممَّن أثنى عليهم ربنا جل وعلا في قوله: ﴿ إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ * تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [السجدة: 15 - 17].
 
• أما من ترك السجود لله تعالى تكبُّرًا وإعراضًا، أو غفلةً وتهاونًا، أو إنما كان يسجد سمعةً ورياءً؛ فإنه من المحرومين، ومن الأشقياء المبعدين، ويوم القيامة يجد ألم الحسرة، ويذوق وبال إعراضه، قال الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ * خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ﴾ [القلم:42، 43].
 
• جاء عن مجاهد، في قول الله تعالى: ﴿ يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ﴾ قال: شدة الأمر، وعن ابن عباس: هي أشد ساعة تكون في يوم القيامة، وعنه أيضًا: هو الأمر الشديد الفظيع من الهول يوم القيامة"[7]، وعن ابن كثير في قوله تعالى: ﴿ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ﴾؛ أي: في الدار الآخرة بإجرامهم وتكبُّرهم في الدنيا، فعوقبوا بنقيض ما كانوا عليه في الآخرة إذا تجلَّى الرب عز وجل فسجد له المؤمنون، ولا يستطيع أحدٌ من الكافرين ولا المنافقين أن يسجد؛ بل يعود ظهر أحدهم طبقًا واحدًا كلما أراد أحدهم أن يسجد خَرَّ لقفاه عكس السجود كما كانوا في الدنيا بخلاف ما عليه المؤمنون".
وقال الشيخ السعدي: "أي: إذا كان يوم القيامة، وانكشف فيه من القلاقل والزلازل والأهوال، ما لا يدخل تحت الوهم، وأتى الباري لفصل القضاء بين عباده، ومجازاتهم، فكشف عن ساقه الكريمة التي لا يشبهها شيء، ورأى الخلائق من جلال الله وعظمته ما لا يمكن التعبير عنه، فحينئذٍ يُدعون إلى السجود لله، فيسجد المؤمنون الذين كانوا يسجدون لله طوعًا واختيارًا، ويذهب الفجار والمنافقون ليسجدوا فلا يقدرون على السجود، وتكون ظهورهم كصياصي البقر، لا يستطيعون الانحناء، وهذا الجزاء من جنس عملهم، فإنهم كانوا يدعون في الدنيا إلى السجود لله، وتوحيده وعبادته، وهم سالمون، لا علة فيهم، فيستكبرون عن ذلك ويأبون، فلا تسأل يومئذٍ عن حالهم، وسوء مآلهم، فإن الله قد سخط عليهم، وحقت عليهم كلمة العذاب، وتقطعت أسبابهم ولا تنفعهم الندامة والاعتذار يوم القيامة".
 
• وفي الحديث عن أبي سعيد الخُدْري رضي الله عنه قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "يكشف ربنا عن ساقه فيسجد له كل مؤمنة ومؤمنة، ويبقى من كان يسجد في الدنيا رياءً وسمعةً، فيذهب ليسجد فيعود ظهرُه طبقًا واحدًا"[8].
 
و ـ السجود للرب المعبود يوجب رفقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة:
• عن أبي فراس، ربيعة بن كعب الأسلمي- خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم- ومن أهل الصفة- رضي الله عنه- قال: كنت أبيت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فآتيه بوضوئه وحاجته، فقال: "سلني"، فقلت: أسألك مرافقتك في الجنة، فقال: "أو غير ذلك؟"، قلت: هو ذاك، قال: "فأعني على نفسك بكثرة السجود"[9].
 
"وكثرة السجود تستلزم كثرة الركوع، وكثرة الركوع تستلزم كثرة القيام، وذكر السجود دون غيره؛ لأن السجود أفضل هيئة للمصلي؛ فإن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، وإن كان المصلي قريبًا من الله قائمًا كان أو راكعًا أو ساجدًا أو قاعدًا؛ لكن أقرب ما يكون من ربه وهو ساجد"[10].
 
خاتمة:
• السجود للرب المعبود سبحانه معراج للعبد الساجد، لا يزال يرقى عبر مدارجه ويقترب؛ جزاءً وفاقًا لقول الحق سبحانه: ﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾ [العلق: 19].
 
• وكلما ازداد سجودًا، ازداد اقترابًا؛ فصار أسمى منزلةً وأرفع مقامًا، وتهيَّأ لتلقي الفتوحات الربانية والفيوضات الرحمانية، قال الشيخ فريد الأنصاري رحمه الله: "فيا أيها الشارد عن قافلة السراة السالكين إلى الرحمن، ذق سجدةً واحدةً لله الواحد القهار؛ ترَ مقدار ما أنت فيه من حرمان وضلال، ومقدار ما عليه الساجدون من نعيم وجمال، ألا تنظر إلى نفسك كيف تدب في الأرض على أربع؟ ويحك، ذق مواجيد السجود! تُورق أغصانك المنحنية إلى الثرى ريشًا جميلًا، فتطير مع أسراب العابدين، أخف وأنشط لتنال من نعيم الله! فيا أيها العبد المحب، دع عنك عذل العاذلين، ولذع الساخرين، وزجر الطغاة المتكبرين، وانصرف بوجهك كاملًا إلى مولاك، وافتح باب سجودك، فإن لك فيه مقامًا من وصله عرف الله حقًّا وصِدْقًا، وشاهد تجليات الإحسان أنوارًا، بما لا يصفه لسان، إلا إشارات لا تغني في البيان عن ذوق بالجنان"[11].



[1] تفسير القرآن العظيم للإمام الحافظ إسماعيل بن كثير، ج:7، ص:242، مكتبة الصفا، القاهرة.
ط:1(1425هـ / 2004م).


[2] صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها، محمد ناصر الدين الألباني، ص129 ـ 130، مكتبة المعارف للنشر والتوزيع، الرياض، ط: 3 (1424هـ / 2004م).


[3] صحيح البخاري، رقم الحديث: 4712.


[4] صحيح مسلم، رقم الحديث: 225/ 488.


[5] صحيح مسلم، رقم الحديث: 215/ 482.


[6] صحيح مسلم، رقم الحديث: 207/ 479.


[7] تفسير القرآن العظيم، ج8، ص127.


[8] صحيح البخاري، رقم الحديث:4919.


[9] صحيح مسلم، رقم الحديث: 226/ 489.


[10] شرح رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، باب في المجاهدة، ج1، ص:358 / 359، المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع، عين شمس الشرقية، مصر، ط1 ـ 1423هـ/ 2002م.


[11] قناديل الصلاة: مشاهدات في منازل الجمال، أ.د.
فريد الأنصاري، ص: 75 ـ 77 بتصرف، دار الكلمة للنشر والتوزيع، ط1 (1422هـ / 2002م).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٢