أرشيف المقالات

اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب


عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة سكت هنية قبل أن يقرأ، فقلت: يا رسول الله، بأبي أنت وأمي، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: ((أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّنْي من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد))؛ متفق عليه[1].
 
يتعلق بهذا الحديث فوائد:
الفائدة الأولى: السنَّة في الركعة الأولى أن يقرأ المصلي دعاء الاستفتاح، سواء أكان إمامًا أم مأمومًا أم منفردًا، وفي الحديث بيانٌ لأحد أنواع أدعية الاستفتاح، وهو أصحها؛ قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: حديث أبي هريرة أصح ما ورد في ذلك؛ اهـ[2]، وقال ابن الهمام رحمه الله تعالى: وهو أصح من الكل؛ لأنه متفق عليه، مع هذا لم يقُلْ بسنيَّتِه عينًا أحدٌ من الأربعة؛ اهـ[3]، ومن استفتح بغيره مما ورد فلا بأس بذلك، ومن حفظ أكثر من دعاء للاستفتاح، فالأفضل أن ينوع بينها، فيقول هذا في صلاة وذاك في صلاة، ولا يجمع بينها، ومن نسي الاستفتاح أو تركه عمدًا، فصلاته صحيحةٌ.
 
الفائدة الثانية: إذا أتى المسبوق والإمام راكع أو قائم بعد الركوع، أو ساجد أو جالس، فلا يشرع له دعاء الاستفتاح في هذه المواضع؛ لأنها ليست موضعًا للاستفتاح، قال شيخنا العلامة ابن باز - رحمه الله تعالى -: إذا دخل المسلم المسجد والإمام راكع، فإنه يشرع له الدخول معه في ذلك مكبرًا تكبيرتين، التكبيرة الأولى للإحرام وهو واقفٌ، والثانية للركوع عند انحنائه للركوع، ولا يشرع في هذه الحالة دعاء الاستفتاح ولا قراءة الفاتحة، من أجل ضيق الوقت؛ اهـ[4]، وإذا دخل المسبوق والإمام يقرأ الفاتحة، فإنه ينصت لقراءة الإمام، وإذا كانت الصلاة سرية، فإن خشي ركوع الإمام قبل أن يقرأ الفاتحة لم يستفتح، بل يقرأ الفاتحة؛ لأنها أهم، وسئل شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله تعالى: إذا دخلت في الصلاة قبيل الركوع بقليل، فهل أشرع في قراءة الفاتحة أو أقرأ دعاء الاستفتاح؟ وإذا ركع الإمام قبل إتمام الفاتحة فماذا أفعل؟ فأجاب - رحمه الله -: قراءة الاستفتاح سنة، وقراءة الفاتحة فرضٌ على المأموم، على الصحيح من أقوال أهل العلم، فإذا خشيت أن تفوت الفاتحة فابدأ بها، ومتى ركع الإمام قبل أن تكملها فاركع معه، ويسقط عنك باقيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنما جعل الإمام ليؤتمَّ به، فلا تختلفوا عليه، فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا)) الحديث متفق عليه؛ اهـ[5].
 
الفائدة الثالثة: الاستفتاح سنَّة في جميع الصلوات المفروضة والنافلة، وصلاة العيد والاستسقاء والكسوف وغيرها، حتى في صلاة الليل والتراويح يسن له أن يستفتح في كل تسليمة، ويستثنى من ذلك صلاة الجنازة؛ فالأولى فيها عدم الاستفتاح، قال شيخنا العلامة ابن باز رحمه الله تعالى في صفة الصلاة على الميت: أما الاستفتاح فلا بأس بفعله ولا بأس بتركه، وتركه أفضل؛ أخذًا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أسرعوا بالجنازة)) الحديث؛ اهـ[6].



[1] رواه البخاري في كتاب صفة الصلاة، باب ما يقول بعد التكبير 1/ 259 (711)، ومسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة 1/ 419 (598)، وهذا لفظه.



[2] فتح الباري 2/ 230.



[3] فتح القدير 1/ 289.


[4] مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 11/ 135.


[5] مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 11/ 136.


[6] مجموع فتاوى ومقالات ابن باز 13/ 68، وقال النووي في المجموع شرح المهذب 3/ 264: فيه وجهان: أصحهما عند الأصحاب: لا يُشرع فيها دعاء الاستفتاح؛ لأنها مبنية على الاختصار؛ اهـ ملخصًا.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣