أرشيف المقالات

صفة حشر الكفار

مدة قراءة المادة : 8 دقائق .
صفة حشر الكفار
 
بعدما خلص الناس من الميزان، بان من هو المنسوب للجنة في نعيم الرحمن، من أهل النار، أهل الضلال والخسران.
 
وما أجملها من لحظة حينما تنتهي من الميزان تتأهب للدخول إلى الجنان، ويا شقاوة من كان من أهل النيران، ولك أن تتصور معي ذلك الموقف، وقد خلصت من الميزان، وجاء الآن وقت الحشر إلى الجنة، أو النار.
 
فإلى أين يا ترى سيذهب بك؟ - فيا ربِّ استعملنا في طاعتك؛ لنكون من أهل جنتك حيث الحشر إلى دار القرار، والنعيم الأبدي -، أسوق لك أخي القارئ صورة حشر العباد، فتأملها جعلك الله من أهل الجنان:
 
حشر الكفار:
في نهاية هذا اليوم العصيب، تأتي النتيجة بعد المرور على هذه الأهوال، والمواقف المهيبة، والمثول أمام الجبار جل جلاله والمحاسبة بين يديه، وبعدما تنقل كتابك، وتعرض نفسك على الميزان أنت، وأعمالك، وصحفك، تظهر نتيجة هذه المحاسبة، فيطلب من كل أمة أن تتبع الإله التي كانت تعبده، فالذي كان يعبد الشمس يتبع الشمس، ومن كان يعبد القمر يتبعه، ومن كان يعبد الأصنام تصور لهم آلهتهم ثم تسير أمامهم فيتبعونها، وكذا من كان يعبد فرعون يتبعه فيتساقطون في النار مع آلهتهم.
 
قال الله تعالى عن فرعون: ﴿ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ ﴾ [هود:98].
 
فلا يبقى بعد ذلك إلا المؤمنون، والمنافقون وبقايا من أهل الكتاب، ثم تبدأ التصفية لأهل الكتاب؛ لأن كفرهم ظاهر، بخلاف المنافقين فهم مع أن الله أعرف بحالهم، لكن يريد الله تعالى أن يقيم عليهم الحجة، ثم يلقيهم في جهنم، وهذا من تمام عدله - جل في علاه -، فتبدأ التصفية لأهل الكتاب اليهود، والنصارى فيقيم عليهم الحجة، ثم يلقيهم في نـار جهـنم.
 
ففي الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَال رَسُول اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "يَجْمَعُ الله النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
فَيَقُولُ: مَنْ كَانَ يَعْبُدُ شَيْئًا فَلْيَتَّبِعْهُ؛ فَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الشَّمْسَ الشَّمْسَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الْقَمَرَ الْقَمَرَ، وَيَتَّبِعُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ الطَّواغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هٰذِهِ الأُمَّةُ فِيهَا مُنَافِقُوهَا، فَيَأْتِيهِمُ الله، تَبَارَكَ وَتَعَالَى..."[1].
 
وفي الصحيحين أيضاً؛ من حديث أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه، قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ: لِيَتَّبِعْ كُلُّ أُمَّةٍ مَا كَانَتْ تَعْبُدُ.
فَلاَ يَبْقَىٰ أَحَدٌ، كَانَ يَعبُدُ غَيْرَ الله سُبْحَانَهُ مِنَ الأَصْنَامِ وَالأَنْصَابِ، إِلاَّ يَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ.
حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ إِلاَّ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللّهَ مِنْ بَرٍّ وَفَاجِرٍ.
وَغُبَّرِ أَهْلِ الْكِتَابِ.
فَيُدْعَى الْيَهُودُ، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ عُزَيْرَ ابْنَ اللّهِ.
فَيُقَالَ: كَذَبْتُمْ مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ.
فَمَاذَا تَبْغُونَ؟ قَالُوا: عَطِشْنَا.
يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا.
فَيُشَارُ إِلَيْهِمْ: أَلاَ تَردُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى النَّارِ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا.
فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ.
ثُمَّ يُدْعَىٰ النَّصَارَى.
فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَعْبُدُ الْمَسِيحَ بْنَ اللّهِ.
فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ.
مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ.
فَيُقَالُ لَهُمْ: كَذَبْتُمْ.
مَا اتَّخَذَ اللّهُ مِنْ صَاحِبَةٍ وَلاَ وَلَدٍ.
فَيُقَالَ لَهُمْ: مَاذَا تَبْغُونَ؟ فَيَقُولُونَ: عَطِشْنَا.
يَا رَبَّنَا فَاسْقِنَا.
قَالَ فَيُشَارُ إِلَيَهِمْ: أَلاَّ تَرِدُونَ؟ فَيُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ كَأَنَّهَا سَرَابٌ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضَا، فَيَتَسَاقَطُونَ فِي النَّارِ....
الحديث وفيه: "ثُمَّ يُضْرَبُ الْجِسْرُ عَلَى جَهَنَّمَ"[2].
 
وهذا فيه دلالة على أن الجسر الذي هو الصراط لا يُنصب، إلا بعد أن يدخل الكفار النار، وبناءً عليه الكفار لن يمروا بالصراط، وإنما يتساقطون في جهنم قبل أن يوضع، فيتحصل أن المرور على الصراط إنما هو خاص بالمؤمنين، والمنافقين -كما سيأتي -.
 
كيفية حشر الكفار إلى النار:
ورد في النصوص كيفية معينة لحشر الكفار إلى النار، على أوصاف معينة؛ وهي كما يلي:
1- أنهم يحشرون جماعات، جماعات.
قال الله تعالى: ﴿ وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إلى جَهَنَّمَ زُمَرًا ﴾ [الزمر: 71]، وقال: ﴿ وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاء اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴾ [فصلت: 19]، ومعنى يوزعون أي: يجمعون، تجمعهم الزبانية.
 
2- أنهم يحشرون إلى النار على وجوههم.
فهم لا يحشرون مشيًا على الأقدام، كما في الدنيا بل على وجوههم، قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 34].
 
وربما تعجبت، وقلت: كيف يمشون على أقدامهم؟ فيجيبك النَّبي صلى الله عليه وسلم، كما روى البخاري، ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه:" أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يُحْشَرُ الْكَافِرُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟ قَالَ: "أَلَيْسَ الَّذِي أَمْشَاهُ عَلَى رِجْلَيْهِ فِي الدُّنْيَا، قَادِرًا عَلَى أَنْ يُمْشِيَهُ عَلَى وَجْهِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ؟" قَالَ قَتَادَةُ: بَلَى، وَعِزَّةِ رَبِّنَا"[3].
 
3- وهم مع هذا يحشرون عميا لا يرون، وبكما لا يتكلمون، وصما لا يسمعون.
قال الله تعالى: ﴿ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَّأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَـاهُمْ سَعِيرًا ﴾ [الإسراء: 97].
 
فما أذلهم، وأهونهم في ذلك اليوم، فهم مغلوبون، قال الله تعالى: ﴿ قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ﴾ [آل عمران: 12].
 
4- ويحشرون أيضاً مع آلهتهم الباطلة وأعوانهم وأتباعهم.
قال الله تعالى: ﴿ احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ * مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ ﴾ [الصافات: 22، 23].
 
5- وقبل أن يصلوا إلى النار تصك مسامعهم أصواتها التي تملأ قلوبهم رعبًا، وهلعًا: ﴿ إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا ﴾ [الفرقان: 12].
 
6- وعندما يبلغون النار ويعاينون أهوالها يندمون ويتمنون العودة إلى الدنيا كي يؤمنوا: ﴿ وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الأنعام: 27].
 
ولكنَّهم لا يجدون من النار مفرًا: ﴿ وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا ﴾ [الكهف: 53].
 
7- وسيحشرون مع الشياطين أيضاً على صورة مهينة، جاثين على الركب من الذل، والفزع.
 
قال الله تعالى: ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا ﴾ [مريم: 68][4].
 
مستلة من: "فقه الانتقال من دار الفرار إلى دار القرار"

[1] رواه البخاري برقم (6573)، رواه مسلم برقم (182).

[2] رواه البخاري برقم (4581)، رواه مسلم برقم (183).

[3] رواه البخاري برقم (6523)، رواه مسلم برقم (2806).

[4] انظر: القيامة الكبرى للأشقر بتصرف (ص 258).

شارك الخبر

ساهم - قرآن ٣