خطب ومحاضرات
خطورة المتاجرة بكلمة الحق
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء:1] ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا[الأحزاب:70-71].
أما بعد:
فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.
عباد الله!
إن الله سبحانه وتعالى يتعرف إلى عباده بما يسديه إليهم من النعم، ويتعرف إليهم كذلك بالبلاء الذي هو من المحن، وقد قال تعالى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ[الأنبياء:35] ، فمن شكر نعمة الله تعهد الله له بالمزيد، ومن صبر على بلاء الله تعهد الله له برفع البلاء ورفع الدرجة في الآخرة، وقد قال الله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ[إبراهيم:7] ، وقال تعالى: إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ[الزمر:10] ، فلذلك لابد -يا إخواني- أن نعلم أن كل ما يأتينا إنما هو من عند الله سبحانه وتعالى، وقد أنعم علينا بأنواع النعم التي لا نستطيع إحصاءها، قال تعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا[إبراهيم:34] ، وقال تعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ * ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ[النحل:53-54].
لابد -يا إخواني- أن نعرف نعمة الله علينا، وأن نقر بها ونبوء بها لله عز وجل؛ ليزيدنا من فضله، فإن ما عند الله تعالى غير محصور، وإنه سبحانه وتعالى قد قال فيما روى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي الصحيح: (يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وأنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل واحد منهم مسألته، ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)، وإن الإنسان إذا تعامل مع الله تعالى عرف نعمته عليه في ماضي حياته، فكم من مأزق قد دخله ثم فرج الله عنه، وكم من أمر قد ضاق عليه ثم وسع الله له فيه، وقد قال أحد العلماء: حسن الظن بمن عودك كل إحسان، وقوى أودك، إن رباً كان يكفيك الذي كان بالأمس سيكفيك غداً.
إن التوكل على الله سبحانه وتعالى هو مفتاح الفرج، وهو الذي يقتضي من الإنسان تحقيق الإيمان والانتماء لله تعالى، ولذلك فإن رسل الله قد حققوا ذلك جميعاً، وقد قال نوح لأصحابه: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلا تُنْظِرُونِ[يونس:71] ، وقال هود لقومه حين كذبوه: إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[هود:56] ، وقال إبراهيم عليه السلام لقومه حين رموه في النار: حسبي الله ونعم الوكيل، فقال الله: يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ * وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الأَخْسَرِينَ[الأنبياء:69-70]، وقالها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه حين قال لهم الناس: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ[آل عمران:173-174]، أنعم الله عليهم فهداهم للتوكل عليه، وأرشدهم إلى سلوك طريقه، فامتن الله عليهم بهذه النعمة الجسيمة العظيمة، وكل المؤمنين عرضة لذلك إذا توكلوا على الله، فقد قال الله تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا * ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ[الطلاق:4-5]، فعلينا -يا إخواني- أن نتوكل على الله سبحانه وتعالى وهو حسبنا ونعم الوكيل، وأن نحسن العلاقة به، وأن نتوب إليه من كل ما فرطنا في جنبه، وأن نعلم أنه غني عنا ونحن فقراء إليه، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ[فاطر:15-17]، وأنه تعالى غني عن عذابنا، وغني عن إلحاق الأذى بنا، ولكنه يمتحننا ويبتلينا، فعلينا -يا إخواني- أن ننجح في هذا الامتحان بين يدي الله، وأن نحسن علاقتنا به، وأن نفتح صفحة جديدة وعمراً جديداً، فقد أتيحت الفرصة لكثير منا بالإحسان والتوبة والرجوع إلى الله سبحانه وتعالى.
علينا أن نعلم عباد الله! أن ما عند الله خير وأبقى، وأن أهل الأرض لا يملكون لأحد منا نفعاً ولا ضراً، ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ * مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ[الحج:73-74].
إن الله سبحانه وتعالى هو ديان السماوات والأرض، وقد قال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ[الأنعام:17] ، وقال تعالى: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ[يونس:107] ، وقال تعالى: مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ[فاطر:2] ، الأمر كله إليه أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ[الشورى:53] ، السماوات السبع والأرضون السبع في قبضة يمينه، وقلوب العباد بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء.
وما يخافه الإنسان من العباد لا يساوي شيئاً مما عند الله، فالإنسان الذي ترهبه أو تخاف منه أو تخاف مكره أو بطشه، يمكن أن يموت في نفس اللحظة التي تخافه فيها، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لرسولي كسرى : (أرسلكما كسرى؟ قالا: نعم. قال: قتله ابنه البارحة)، فالذي أتعبكما قد قتله ابنه البارحة.
ولذلك لابد -يا إخواني- أن نعلم أن الأمر كله بيد الله، وأن المخلوقين لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم شيئاً من هذا الأمر، ليس شيء في أيديهم، لا يستطيعون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً فكيف بمن سواهم؟!
لابد أن نوحد الله تعالى وأن نخلص له، ولابد أن نعلم جميعاً أن الرزق من عند الله، وأن الخير بيد الله، وأن الثواب والعقاب كلاهما بيد الله، لا يملك أحد لأحد ثواباً ولا عقاباً إلا الله عز وجل.
ويعجب الإنسان إذا سمع أن مخلوقاً ضعيفاً محتاجاً إلى الله تعالى في كل أحواله، يحاول أن يناد الله ويحاده في ملكه، فيأمر بما يخالف أمر الله، ويسعى لإظهار الباطل وإزهاق الحق بلسانه الذي هو من خلق الله، لا يستطيع أن يتحرك حركة لا يميناً ولا شمالاً، ولا يستطيع أن يلفظ بقول إلا بأمر الله سبحانه وتعالى، وهو مع هذا يحاول أن يفتري على الله كذباً، ويحاول أن يأمر الآخرين بذلك، وقد قال الله تعالى: أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى * عَبْدًا إِذَا صَلَّى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ عَلَى الْهُدَى * أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى * أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى * أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى * كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ * نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ * فَلْيَدْعُ نَادِيَه * سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ * كَلَّا لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ[العلق:9-19].
وعلى عباد الله إذا تعارض أمر الله سبحانه مع أمر غيره أن يقدموا أمر الله؛ لأنه: (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) ، وأن يعلموا أن الله سبحانه وتعالى لديه من الضغوط ما ليس لدى المخلوقين، فالضغوط سببها إما خوف أو طمع، والله سبحانه وتعالى هو الذي لديه ما يخاف منه، ولديه ما يرغب فيه ويطمع، ومن سواه لا يملك ذلك لأحد.
لذلك لابد -يا إخواني- أن نتحرر من القيود ومن الضغوط، وأن نعلم أن المخلوقين ليس لهم أن يأمروا أحداً بخلاف أمر الشارع، وليس لأحد أن يطيعهم في ذلك، ومن فعل فقد عبدهم من دون الله، وقد قال الله تعالى: اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ[التوبة:31]، وقال تعالى: وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[النحل:36]، وقال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[البينة:5].
إن كثيراً من الناس يظن أنه بسلطانه في هذه الحياة الدنيا، أو بمكانته أو بوظيفته يستطيع أن يضغط على الآخرين، وأن يؤثر فيهم، حتى يغيروا مواقفهم، أو حتى يعدلوا عن الحق الواضح الذي لا لبس فيه، وهذا إنما هو ضرب في حديد بارد، وتخيل في غير موضعه، ولذلك لابد أن يثبت المؤمنون على الإيمان، وأن يعلموا أن الصراط الدنيوي الذي جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم هو تمثيل للصراط الأخروي، الذي هو جسر منصوب على متن جهنم، وجاء وصفه في الحديث: (أدق من الشعر، وأحد من السيف، وعليه كلابيب كشوك السعدان، يتفاوت الناس عليه بحسب أعمالهم: فمنهم من يمر كالبرق الخاطف، ومنهم من يمر كالريح المرسلة، ومنهم من يمر كأجاويد الخيل والإبل، ومنهم من يمر كالرجل يشتد عدواً، ومنهم من يزحف على مقعدته، فناج مسلم، ومخدوش مرسل، ومكردس على وجهه في نار جهنم) .
وبقدر استقامة الإنسان على هذا الصراط الدنيوي تكون استقامته على الصراط الأخروي، فلذلك لابد أن نعلم أن كل هذه الضغوط، وكل هذه الأوامر والنواهي التي هي في غير موضعها، صادرة ممن لا يستحق أن يأمر ولا أن ينهى، ولا يملك لنفسه شيئاً، لو شرق من ريقه لما استطاع أن يزيل ذلك، ولو احتبس نفسه في رئته لما استطاع أن يخرجه، ولو احتبس أي شيء من قاذورات بدنه لما استطاع أن يخرجه من بدنه، ومن كان هكذا لا يمكن أن يخافه عاقل ولا أن يطمع فيه، لابد -يا إخواني- أن ننزل البشر منزلتهم، وأن نعلم أن حقوق الإلهية مختصة بالله جل جلاله، لا يملكها أحد ممن دونه.
إن الإنسان إذا اعتقد هذه العقيدة وآمن بهذا الإيمان، فهو مؤمن عبد لله، حر من الأحرار، ليس لأحد عليه سلطان، ولا لأحد ولا عليه ضغط، وهو بذلك متصل بالله جل جلاله، وقوته مستمدة من قوة الله الجبار جل جلاله، ولا يمكن أن يضعف أمام أي سلطان، ولا أمام أي ضغط من الضغوط، ولذلك قال الله تعالى: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ * الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ[الحج:39-41]، انظروا إلى الفرق الشاسع بين هؤلاء الذين وصفهم الله بهذا الوصف الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ[الحج:41]، وبين آخرين إذا مكن لأحدهم في الأرض، ولو كان تمكيناً ناقصاً أمروا بالمنكر ونهوا عن المعروف، وأرادوا أن يغيروا حكم الله سبحانه وتعالى، وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده، ويتجاسرون على الله تعالى في ذلك، وهم في هذا يعلمون أن ما هم فيه زائل، وأن الكراسي التي يشغلونها قد شغلها من هو أطول منهم عمراً ومن سبقهم، وقد قيل قديماً: (لو دامت لغيرك لما وصلت إليك)، ويعلمون أنهم غير مخلدين فيها، وأن لهم يوماً يذهبون عنها ويقفون بين يدي الله سبحانه وتعالى، ليس مع أحد منهم شفيع، ولا يغني عنه نسبه ولا حسبه، ليس له حينئذ إلا ما جنت يداه، يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ[النحل:111] حينئذ يعرضون على الله تعالى، كما قال تعالى: يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ[الحاقة:18]، حينئذ يجازون عند الملك الديان بما يستحقون، ولا يمكن حينئذ أن يراعى فيهم نسب ولا حسب فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ * فَمَا لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ * كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ * فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ[المدثر:48-51].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.
الحمد لله على إحسانه، والشكر له على تفضله وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وإخوانه.
عباد الله! إن الطغيان له أسباب كثيرة، فيطغى الإنسان إذا أحس بالغنى، كما قال الله تعالى: كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى[العلق:6-7].
ويطغى إذا أحس كذلك بالقوة بأي وجه من أوجهها، ويطغى إذا أحس بالإمهال من عند الله سبحانه وتعالى، ويطغى إذا اقترف كبيرة من الكبائر فلم يؤاخذ بها، ويطغى كذلك إذا رأى غيره ينصره على ما هو عليه من الباطل، وكل هذه الأسباب تؤدي بكثير من الناس إلى الطغيان ونسيان الآخرة، ومن العجب الذي لا يمكن أن يتصور إنسان قدره ولا مستواه، عندما يصل الطغيان إلى أقصاه في بلاد الإسلام وبين المسلمين! وينادى به على رءوس الأشهاد ولا يستنكره أحد، فهذا من العجائب العجيبة، التي لا يمكن أن يتصورها المسلم، الذي هو على هذه المحجة البيضاء، التي تركنا عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
يعجب الإنسان إذا سمع أن أئمة المساجد جميعاً يؤمرون بأن يقولوا الباطل وأن يسكتوا عن الحق! يعجب أن يسمع مثل هذا النوع من التوجيه الذي هو صريح في مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى! وهو يعلم أن المساجد ليس عليها سلطان للبشر، وأن الله تعالى نسبها لنفسه وقال: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ[الجن:18] ، فحررها الله سبحانه وتعالى من سلطة العباد، وجعلها خالصة لله سبحانه وتعالى، فليس فيها سلطان إلا للقرآن، ما أمر الله به فيها لابد من أن ينفذ، وما نهى عنه لابد أن يجتنب، وهي بيوت الله من أرضه، ولابد من احترامها على أن تتخذ للدعايات المغرضة، والأباطيل والأراجيف الكاذبة، لابد أن تطهر من هذا النوع، وقد قال الله تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا[الأنعام:21] ، أي: لا أحد أظلم ممن افترى على الله كذباً، وبين الله سبحانه وتعالى أن الافتراء سبب لأخذ الله السريع، فقد قال في نذارة موسى عليه السلام: وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى[طه:61] ، وقد قال الله تعالى في تعطيل المساجد: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[البقرة:114] .
تعهد الله لهم بأمرين:
الأمر الأول: الخزي في الدنيا.
والأمر الثاني: العذاب في الآخرة، نسأل الله السلامة من خزي الدنيا وعذاب الآخرة.
إن هذا الضغط لا يمكن أن يستجيب له عاقل ولا مؤمن؛ لأنه يعلم أن الله تعالى يأمر بخلاف ما يأمر به هؤلاء العباد الفقراء الضعفاء، الذين لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم حياة ولا موتاً ولا نشوراً، وأن ما يأمرون به مخالف لرضوان الله سبحانه وتعالى، والله ينظر إليهم عند أمرهم، ويستمع إلى ما يقولون ويبيتون وهو معهم أينما كانوا، ولا يستطيعون كتمان شيء من ذلك، وسيأتون فيعيدون الكلام بحضرة الملأ بين يدي الملك الديان، وبحضرة الأنبياء والملائكة جميعاً، وتشهد عليهم جوارحهم به، عندما يختم على ألسنتهم، فتتكلم جوارحهم وتشهد عليهم بما فعلوا من الزور والبهتان، والظلم العظيم.
إن هذا النوع من الأوامر لابد أن يستنكر، فهو من المنكرات الكبيرة العظيمة التي يجب إنكارها وتغييرها، ومن لم يستطع تغييرها بيده وجب عليه إنكارها بلسانه، فقد أخرج مسلم في الصحيح، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان).
لا ينبغي للعاقل أن يصرف دينه ومروءته من أجل أن يحصل على المنصب
إن علينا يا عباد الله! أن نعلم أن الحرص على المناصب أو الوظائف لا ينبغي أن يصل بالعاقل إلى هذا المستوى من الدناءة ونقص المروءة، إن لم يكن للإنسان دين يمنعه من مثل هذا، فعلى الأقل تمنعه منه مروءته في أوقات الحاجة إليه، وهو يعلم أن الناس تنتظر منه قول الحق، وتنتظر منه نصرة دين الله عز وجل، وتنتظر منه بما أنعم الله عليه أن يقول ما قال موسى: قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ[القصص:17] ، إن ظهير المجرم لابد أن يسلط عليه المجرم يوماً من الأيام، وقد جاء ذلك في الصحيح، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من أعان ظالماً سلط عليه)، فلابد أن يسلط عليه ذلك الظالم الذي أعانه وتزلف إليه بما يعلم هو في قرارة نفسه أنه باطل وكذب مفترى، فلابد أن يسلط عليه ذلك الظالم إن لم يتب، والله سبحانه وتعالى قد فتح باب التوبة أمام الجميع، وأذن للجميع إذا أخطئوا واستجرهم الشيطان إلى الباطل أن يعودوا إلى الحق.
وقد كتب عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري : (ولا يمنعنك قضاء قضيت فيه بالأمس فراجعت فيه نفسك فهديت فيه إلى رشدك أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم لا ينقضه شيء، وإن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل) والتمادي في الباطل لا يكون إلا من شأن الذين تبرأ الله منهم، فأولئك هم الذين يقعون في الباطل ثم يستمرون عليه ويستمرئونه.
أما أهل الحق فإن الشيطان يستزلهم للوقوع في المنكر ثم يتوبون ويرجعون إلى الله، كما قال الله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ[الأعراف:201-202].
وبالأخص إذا كان الإنسان في شعب مسلم مسالم شأنه شأن شعبنا هذا المسلم، فإنه يعلم أن أهل الحق حتى من بيته وأسرته سيلومونه على مخالفة الحق، ومن لم يلمه على ذلك كان شريكاً له كما قال الشاعر:
لو لم تكن غطفان لا ذنوب لها إذاً للام ذوو أحسابها عمر
ففي ذلك لابد أن يستحي الإنسان على الأقل على مروءته إن لم يستح على دينه، من مثل هذا النوع من الأباطيل التي هي من منكرات آخر الزمان التي لابد من إنكارها.
استشعار أئمة المساجد ما استئمنوا عليه من الوحي
لابد كذلك أن يعلم أئمة المساجد أنهم أمنا الله على الوحي، وأن الله اختارهم لمكان سامق رفيع، وأنهم إذا كانوا يخضعون لمثل هذا النوع من السفاهات فقد احتلوا مكاناً لا يستحقونه، فهذا الوحي هو أشرف ما في الأرض، ولا يمكن أن يؤتمن عليه السفهاء، ولا أن يؤتمن عليه الذين خربت هممهم، ولا يمكن أن يؤتمن على وحي الله إلا من كان أهلاً لذلك، ولهذا فإن من ائتمنه الله على وحيه فقد تحمل أعباء عظيمة، وتحمل أمانة قد عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان، ولا يمكن أن يكون الإنسان متحملاً لذلك إلا إذا كان مستعداً لتبعاته وما يترتب عليه، وقد قال الله تعالى: إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا[الأحزاب:72] ، فلابد أن يتحملوا مسئوليتهم، وأن يقوموا لله بالحق الذي عليهم، وألا يبالوا بمثل هذا النوع، فإن سحرة فرعون في أول إسلامهم قد نبذوا هذه الضغوط كلها، وعندما خاطبهم فرعون بقوته وسلطانه، وهددهم بأن يقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، وأن يصلبهم في جذوع النخل، فماذا كان منهم؟ لم يكن منهم إلا أن قالوا له: قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى * إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيهَا وَلا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى[طه:72-76] .
ظهور الحق مع قوة الباطل وطغيانه
والغريب أن يغتر الإنسان بسلطانه فيظن أنه سيكمم أفواه الخلائق جميعاً، وقد قال الله تعالى: فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ[الأنعام:89]، أيظن أنه يستطيع أن يكمم أفواه الملائكة؟! أيظن أنه يستطيع أن يكمم أفواه الرياح؟!
إن الحق إذا لم ينطق به البشر نطقت به الملائكة ونطقت به الرياح، وقد قال الله تعالى: وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِنَ الأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لا يُوقِنُونَ[النمل:82]، إذا لم يقم به أهل الأرض قام به أهل السماء، ولذلك لا تظنوا أن الحق سيخنس أبداً، بل لابد أن يقوم به قائمون لله تعالى لا يخافون في الله لومة لائم، وقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ * وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ[المائدة:54-56].
أسمعتم هذه الصفات التي بين الله تعالى، والتي لم تجدوا فيها الذين يكممون أفواه الناس عن الحق، والذين يوزعون الأوامر في القرى والأمصار ألا يتكلم بالحق على المنابر، والذين يوزعون الأوامر في القرى والأمصار أن يعتقل كل من قال الحق، هل تجدون هذا الوصف في هذه الآيات؟ أبداً، إنما جاءت على خلافه وتكذيبه، وإبطال ما يدعيه أصحابه، فأولئك لا خلاق لهم، وإنما سلطهم الله على أنفسهم بذلك، ولا يضرون إلا أنفسهم، ولا يضرون الله ولا رسوله ولا دينه شيئاً، وسيندم من عاش منهم غاية الندم، أما من مات منهم على ذلك قبل توبته فسيعجل له عقابه، نسأل الله السلامة والعافية.
عباد الله! إن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه، وثنى فيه بملائكته، وثلث بكم معاشر المؤمنين، فقال جل من قائل كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[الأحزاب:56]، اللهم صل وزد وبارك على نبينا محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، وأوهن كيد الكافرين، وانصرنا عليهم أجمعين، اللهم أظهر دينك وكتابك على الدين كله ولو كره المشركون، اللهم من أراد المسلمين أو الإسلام بسوء فأشغله بنفسه، واجعل تدبيره تدميره، واجعل دائرة السوء عليه، وأدخله في ردغة الخبال، وسل عليه سيف الذل والوبال، وأرنا فيه عجائب قدرتك، وأنزل به المثلات، وأنزل به بأسك الذي لا يرد على القوم المجرمين، وائته من حيث لا يحتسب، وسلط عليه ما لا يستطيع الخلاص منه، اللهم شل أركانه، وهدّم سلطانه، وأخرس لسانه، وشتت أعوانه، وأبدلنا خيراً منه مكانه.
اللهم فرج همنا، ونفس كربنا، اللهم عجل الفرج لنا أجمعين، اللهم عجل فرجنا وعجل مخرجنا، وانتقم لنا ممن ظلمنا وممن أعان على ظلمنا.
اللهم فرق رأيهم، وشتت شملهم، واجعل كيدهم في تضليل، وأرنا فيهم عاجل انتقامك يا قوي! يا عزيز!
اللهم كن للمستضعفين من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، اللهم كن للمسلمين في فلسطين وفي العراق وفي كشمير وفي الشيشان وفي أفغانستان، اللهم ارفع عنهم البلاء، اللهم انصرهم على أعدائهم، اللهم أنزل بأسك ورجزك وسخطك وعذابك على كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك، ويصدون عن سبيلك، ويكذبون رسلك، اللهم أنزل بهم المثلات، اللهم اهزمهم شر هزيمة، وأخرجهم من بلاد المسلمين صاغرين مهزومين يا ذا القوة المتين! اللهم إنهم قد طغوا وبغوا وبذلوا ما يستطيعون من الفساد في الأرض، اللهم اضربهم بسوط عذاب من عندك، ترينا به عاجل عقوبتك وسريع أخذك فيهم يا قوي! يا عزيز!
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى، اللهم اغفر لنا حوبنا وسيئاتنا كلها يا قوي! يا رحمان! يا رحيم! اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين، اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقض الدين عن المدينين، وفك أسرنا وأسر المأسورين من المسلمين أجمعين.
اللهم إننا نسألك أن تجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً سخاءً وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين! اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا والمحن، وجميع الفتن ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا أرحم الراحمين!
اللهم ول أمورنا خيارنا، ولا تول أمورنا شرارنا، واجعل المال في أيدي أسخيائنا، اللهم اجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك، وأقام منهجك، ولم تأخذه فيك لومة لائم، اللهم اختم بالصالحات أعمالنا، واختم بالحسنات آجالنا، واجعل خير أيامنا يوم نلقاك.
عباد الله! إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه شكراً حقيقياً يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون، يغفر الله لنا ولكم.
استمع المزيد من الشيخ محمد الحسن الددو الشنقيطي - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
بشائر النصر | 4291 استماع |
أسئلة عامة [2] | 4135 استماع |
المسؤولية في الإسلام | 4063 استماع |
كيف نستقبل رمضان [1] | 4004 استماع |
نواقض الإيمان [2] | 3950 استماع |
عداوة الشيطان | 3937 استماع |
اللغة العربية | 3933 استماع |
المسابقة إلى الخيرات | 3909 استماع |
القضاء في الإسلام | 3899 استماع |
أسماء الله الحسنى [2] | 3876 استماع |