خطب ومحاضرات
حديث الهجرة
الحلقة مفرغة
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده، ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أيها الأحبة الكرام: هذه الكلمة، تنعقد في الجامع الكبير بـينبع في هذه الليلة -ليلة الثلاثاء- الثالث والعشرين من شهر الله المحرم من سنة 1414هـ وهي بعنوان حديث الهجرة.
أيها الإخوة: جئت إليكم تحفزني الأشواق إلى اللقاء بكم واللقاء بأهل هذا البلد الكريم شيوخاً، وشباباً، والتمتع برؤيتهم، ومجالستهم، ومؤانستهم، والحديث إليهم، لم آتكم متحدثاً أيها الأحبة، ولا لأقول لكم كلاماً تسمعونه لأول مرة، فإن ما عندي بضاعة مزجاة، ولكنني أتيت معبراً عن أطيب المشاعر تجاهكم.
إنها ليلة من الأنس فاضت بمعاني الإخاء بين القلوب |
والتقت أعين على غير ميعاد كلقيا الحبيب وجه الحبيب |
فلكم أجمل التحية مني وسلام لكل عبد منيب |
ينبع المجد من عيون تروي ظمأ الأرض بالندى والطيوب |
إن حديثي إليكم ينتظم عدة موضوعات.
هذا الموكب المتواضع، الذي لا يزيد على ثلاثة أفراد، أحدهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والثاني صاحبه في الغار، الذي خلد الله ذكره، ورفع قدره، فأشار إليه في القرآن إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ [التوبة:40].
والثالث: دليلهم عبد الله بن أريقط، هذا الموكب المتواضع، قد وقف التاريخ كله مشدوهاً، متجهاً، قبالة هذا الموكب، يرقبه، وينظره، ويسجل أحداثه لحظة فلحظة، وساعة فساعة، إنه موكب كبير مهيب، لقد نسي الناس كل الأحداث الكبرى، والمعاصرة لذلك الحدث، فنسوا المعارك الطاحنة، ونسوا الدول الكبيرة، ونسوا التغيرات الجذرية التي طرأت على أمم الأرض، وحضارتها، ليرقبوا ويدوّنوا ويسجّلوا في ذاكرتهم هذا الحدث، وهذا الخبر، خبر ذلك الشريد الطريد الذي غادر مكة فغير التاريخ بإذن الله العزيز الحكيم.
يا طريداً ملأ الدنيا اسمه وغدا لحناً على كل الشفاه |
وغدت سيرته أنشودة يتلقاها رواة عن رواه |
ليت شعري هل درى من طاردوا عابدو اللات وأتباع مناه |
هل درت من طاردته أنها أمة معبودها شاهت وشاه |
طاردت في الغار من بوأها سؤدداً لا يبلغ النجم مداه |
طاردت في البيد من شاد لها دينه في الأرض جاهاً أي جاه |
سؤدد عالي الذرا ما ساده قيصر يوماً ولا كسرى بناه |
إن حديث القرآن عن الهجرة، جاء على لب القصة وأصلها، واستوعب أحداثها بهذه الكلمات اليسيرة، وهذه الآية التي ذكرت خبره صلى الله عليه وسلم منذ أن آذن الله تعالى بنصره، فأخرجه الذين كفروا، نعم أخرجوه لينصره الله عز وجل إلى أن أوى إلى الذين آووه ونصروه، فقالوا: تعال يا رسول الله إلى حيث العزة والمنعة.
رواية الإمام البخاري لحادث الهجرة
لقد رجعت قريش خطوة واحدة إلى الوراء، وقالوا: نقبل الآن مضطرين أن يسلم أبو بكر، وأن يظل مقيماً في قريش، ولكننا لا نريده أن يدعو إلى دينه، ولا أن يستعلن به، والخوف ما هو؟ الفتنة (نخشى أن يفتن نساءنا، وأبناءنا) فقال ذلك ابن الدغنة لـأبي بكر رضى الله عنه {فلبث
قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة: {فبينما نحن يوماً جلوس في بيت
وهنا يقول ابن إسحاق: قالت عائشة رضي الله عنها: {فوالله ما علمت أن أحداً كان يبكي من غلبة الفرح إلا يومئذٍ} فإن أبا بكر رضي الله عنه بكى من غلبة الفرح عليه بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرح لأنه سوف يصحبه في رحلة المخاطر حيث العالم كله يحاربهم، ويرميهم عن قوس واحدة، وحيث تضع قريش جائزة ضخمة لمن يأتي برءوسهم، أو يأتي بهم أحياءً أو أمواتاً.
{الصحبة يا رسول الله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم. قال
وكل روايات السيرة النبوية، وأحداثها، وقصصها، لا تعدو أن تكون تفصيلاً لما أجمل في القرآن الكريم، ولهذا فلا حرج علي وأنا أحدثكم اليوم خبر ذلك الموكب الكريم العظيم، لنقف ملياً عند دروسه، وعبره، وأحداثه، فلنستمع إلى رواية واحدة فقط -رواية الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في صحيحه لهذا الحدث: {عن
لقد رجعت قريش خطوة واحدة إلى الوراء، وقالوا: نقبل الآن مضطرين أن يسلم أبو بكر، وأن يظل مقيماً في قريش، ولكننا لا نريده أن يدعو إلى دينه، ولا أن يستعلن به، والخوف ما هو؟ الفتنة (نخشى أن يفتن نساءنا، وأبناءنا) فقال ذلك ابن الدغنة لـأبي بكر رضى الله عنه {فلبث
قال ابن شهاب قال عروة قالت عائشة: {فبينما نحن يوماً جلوس في بيت
وهنا يقول ابن إسحاق: قالت عائشة رضي الله عنها: {فوالله ما علمت أن أحداً كان يبكي من غلبة الفرح إلا يومئذٍ} فإن أبا بكر رضي الله عنه بكى من غلبة الفرح عليه بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يفرح لأنه سوف يصحبه في رحلة المخاطر حيث العالم كله يحاربهم، ويرميهم عن قوس واحدة، وحيث تضع قريش جائزة ضخمة لمن يأتي برءوسهم، أو يأتي بهم أحياءً أو أمواتاً.
{الصحبة يا رسول الله؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: نعم. قال
لقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة البلد التي نشأ فيها، وأحبها، وعرف فضلها، ولذلك خرج عليه الصلاة والسلام وقلبه يلتفت إلى تلك البقاع الطيبة الطاهرة، فلما غادرها وقف بـالحزورة، وهو مكان قريب من البيت العتيق، ثم التفت إلى مكة، وقال: {والله إنك لخير بلاد الله، وأحب البلاد إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت} والحديث رواه الترمذي والحاكم وغيرهما عن عبد الله بن عدي بن الحمراء، وقد جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه وهو حديث صحيح.
يخرج النبي صلى الله عليه وسلم فيطيب الرب عز وجل قلبه، ويدله على أنه خرج من مكة اليوم شريداً طريداً، وسوف يعود إليها غداً فاتحاً منصوراً مظفراً: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص:85] قال المفسرون: في هذه الآية بشارة للنبي صلى الله عليه وسلم أنه سوف يعود إلى مكة قاهراً لأعدائه، منتصراً عليهم، وهذا قول الأكثرين كما قال القرطبي: وهو مذهب جابر، وابن عباس، ومجاهد، ومقاتل، وغيرهم من المفسرين إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص:85] أي: مرجعك إلى مكة مرة أخرى، كما خرجت منها، وقيل المعنى: لرادك إلى الجنة، وقيل المعنى: لمتوفيك بعدما تستوفي عمرك في هذه الدنيا.
خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة مكرهاً، بسبب الحصار على دعوته، وبسبب المضايقة لأصحابه، وعاد إليها بعد ثمان سنوات فحسب، عاد إليها في كتيبة خضراء من المهاجرين والأنصار، لا يرى منهم إلا حدق العيون، يُفَدُّون رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنفسهم، وآبائهم، وأمهاتهم:
كذبتم وبيت الله نُبزى محمداً ولما نقاتل دونه ونناضل |
ونسلمه حتى نصرع دونه ونذهل عن أبنائنا والحلائل |
نعم جاء نصر الله والفتح، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس يدخلون في دين الله أفواجاً، كما وعد ربه عز وجل... وفي هذا وقفة:
صمود الإسلام أمام المحن
وهاهو الإسلام اليوم في قلب أوروبا، يقض مضاجع الغربيين، فيتواطئون ضد حفنة من أبناء الإسلام في أرض البوسنة، ويسلمونهم إلى عدوهم بلا سلاح، على رغم أن وسائل الإعلام الغربية كلها: مسموعها، ومرئيها، تعرض صباح مساء، لتلك الجرائم البشعة، وهذه المآسي المفجعة، وهذه الوجوه التي قد أمضتها الجراح والآلام، مآسي الكبار، مآسي العجزة، والشيوخ، والنساء، والأطفال، مآسي الجوع، والفقر، والمرض، ومع ذلك كله يتواطأ هؤلاء ضد حفنة من أبناء الإسلام، وأوليائه، لماذ1؟!
إنهم لا يتآمرون ويتحالفون إلا على الأقوياء، أما الضعاف فيمكن هزيمتهم بأقل من ذلك، نعم يكفي قوة للإسلام أن بلداً نائياً كذلك البلد، لم يكن جمهور الناس يعرفون أن فيها مسلمين أصلاً، ولا يدرون أن فيها مساجد تاريخية أعمارها أحياناً تزيد على ستمائة أو سبعمائة سنة، وأن فيها ملايين من أهل لا إله إلا الله، وإن كان حيل بينهم وبين معرفة حقيقتها في كثير من الوقت.
يكفي في قوة الإسلام أن قوماً كهؤلاء عزلاً من كل سلاح، يظلون على ما يزيد على عشرين شهراً يقاومون رابع جيش في العالم، مدججاً بأقوى الأسلحة، وهم يواجهون الرصاص بصدور عارية، ويصبرون على رغم اللأواء التي لم يكن أحد يتوقع أن يصبروا عليها شهراً، أو بضعة أسابيع.
الإسلام في الجمهوريات السوفيتية
نعم. لقد حفظت تلك الحجرات للشباب إيمانهم، وعقيدتهم، بل ولغتهم، والبارحة كان معي أحد الشباب من مدينة سمرقند، فإذا به يتكلم العربية بطلاقة، وهو حديث عهد بهذه البلاد، فسألته كيف عرفت اللغة العربية؟ قال: تعرفتها وتعلمتها من شيخي الذي كان يدرسني في الحجرات، وكم لبثت في الحجرات؟ قال: أكثر من ثلاث سنوات.
نعم. لقد درس العقيدة الصحيحة، من كتب السلف، ودرس الفقه، ودرس اللغة العربية، ودرس أصول الإسلام، في الحجرات، التي ربما يظل الطالب فيها ثلاث سنوات، دون انقطاع وسط ركام من المخاوف، من أجهزة المخابرات الـ k.g.b التي تملك أكثر من ثلاثة ملايين عنصر من أولئك الرجال، الذين دربوا على أنه لا كرامة لأحد، وأنهم مستعدون أن يبطشوا بأقرب قريب، ومع ذلك ظل الإسلام يتأبى على محاولات الصهر والإزالة والسحق، فإذا أتيحت له أية فرصة ظهر من جديد أقوى ما كان.
عمر الدعوات الباطلة
أما الرأسمالية وريثة الشيوعية، والتي أخذت تركتها من بعدها، والتي تهيمن على العالم الغربي، فهي تعاني اليوم من الأزمات والأعراض نفسها، أزمات الاقتصاد التي سقطت بسببها الشيوعية، تنتقل اليوم إلى الغرب، في أمريكا، وبريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، والصين، واليابان، وغيرها، فهي تعاني من أعراض الكساد، والتضخم، والبطالة، وغير ذلك من الأمراض التي تفتك بها، وتوشك أن تكشف عوارها.
فكل الدعوات البشرية العلمانية، والشيوعية، والرأسمالية، والقومية، والاشتراكية، كلها دعوات بشرية لا تملك أنبياء، ولا تملك أولياء، ولا تملك عمراً، تقاتل عشر سنوات، أو عشرين، أو أقل من مائة سنة، ولكنها بعد ذلك تنتهي، وتنمحي، وتنقل إلى مزبلة التاريخ.
عمر الإسلام
وسفير ألمانيا في بلاد المغرب، خير مثال على ذلك (هوفمان) الذي أخرج كتابه الجديد الشهير: الإسلام هو البديل، والذي تكلم فيه عن انهيار الحضارة الغربية، وقدم فيها النموذج الإسلامي، كبديل عن تلك الحضارة الزائلة الآيلة للانهيار.
ومثله عدد من سفراء الدول الغربية، وعدد من رجالتها، وساستها، وعلمائها، وخبرائها، يعلنون دخولهم في هذا الدين، إذ أن هذا الدين هو دين الله عز وجل وهذا سر المعجزة، فهو يصلح للأعرابي في صحرائه، كما يصلح للطبيب في مختبره أو عيادته، كما يصلح للسياسي في أروقته، كما يصلح للرجل في معمله، كما يصلح للمرأة في عقر دارها، إنه الدين الذي يلائم عقول الجميع ونظراتهم، ويلبي كل مطالبهم الفطرية الجبلية.
إن أولئك الفتية الذين تخرجوا على يد النبي صلى الله عليه وسلم، وخرجوا من صحرائهم لأول مرة، لا يزالون معلماً تتخرج على ضوئه الأجيال بعد الأجيال، لقد جعل منهم الوحي رجالاً خير من عرف الناس، ومشى الدين فيهم مشي العافية في المريض المضنى المقعد، وفي لمحة بصر تحولوا من رعاة الشاء والغنم، إلى قادة العصور وسادة الأمم، تحولوا إلى فرسان النهار رهبان الليل، تسمع بالليل بكاءهم بالقرآن كدوي النحل، وتسمع بالنهار صليل سيوفهم، كما قال الشاعر:
مشى الوحي فيهم مشية البرء في الضنى فأي فتى من سحره غير طافح |
فطاروا إلى الدنيا بدين محمد وقد فتحوا الدنيا كلمحة لامح |
كأن الرياح الذاريات مطيهم يلفون وجه الأرض لف الوشائح |
تجوز بهم رمضاء كل تنوفة سوابح خيل تهتدي بسوابح |
ففي كل بر منهم زحفُ زاحفِ وفي كل يمٍّ منهم سبحُ سابح |
كأن دوي النحل مثل دويهم إذا ارتفعت أصواتهم بالفواتح |
يجول بهم إسلامهم كل جولة ويلقي بهم إيمانهم في الطوائح |
فما الموت في الإيمان مرٌ مذاقه ولا الحتف في الإسلام صعب الجوائح |
فقادوا على أرماحهم كل مصعب وراضوا على أسيافهم كل جامح |
فلا قيصر يزهو على الشام تاجه ولا تاج كسرى كالنجوم اللوامح |
تناثرت التيجان تحت خيولهم وأهوى على أقدامهم كل طامع |
فأين عيون الحق تشهد أمة تئن أنين الطير من كل ذابح |
تعالت فطاحت فاستكانت فأصبحت لإذلالها يلهو بها كل مازح |
فلا ملكها في الأرض مشتبك العرى ولا عيشها في الناس عيش الصحائح |
على مثلها من ذلة بعد عزة تفيض جفون بالدموع السوافح |
فهل صيحة في العرب تبعث ملكهم ألا ربما هبوا لصيحة صائح |
إن هذه المسافة التاريخية الهائلة التي قطعها الإسلام وهو يكتسب في كل يوم مواقع جديدة، وانتصارات جديدة، على رغم الضعف الذي ألم بأهله، وحملته، إن ذلك كفيل بأن يطمئن القلوب، ويهدئ النفوس، ويقطع للناس جميعاً أن المستقبل لهذا الدين اليوم، كما كان له المستقبل بالأمس، وأن كلمة الله تعالى ماضية على الناس في هذا الزمان، كما هي ماضية في كل زمان، وأن الله تعالى قال في محكم التنـزيل: وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ [النور:55].
قصة سراقة بن مالك في الهجرة ودلالتها
إنها الثقة بالله عز وجل ووعده بمستقبل هذا الدين في غمرة الأحداث، وفي أشد الأوقات، وأعظم الأزمات، فقد كان الناس يعتقدون أنه ربما يقبض على هذا النبي الكريم في أي مكان، وينتهي تاريخ الدين، ولكن الأمر عند الله تعالى كان على غير ذلك.
بشائر النصر تبرق يوم الأحزاب
وهنا تأتي البشارة من الرسول صلى الله عليه وسلم، فلما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم الصخرة، وبرقت قال: أضيئت لي قصور بصرى، وقصور صنعاء، فأخبر أصحابه أن آية النصر تتجلى في هذا الموقف الذي تحالف الناس فيه ضد الدعوة، إنهم لم يتحالفوا ضدها إلا لأنها تملك القوة، وتملك التهديد، وتملك المستقبل، ثم جاء الوعد من الرب عز وجل: وَلَمَّا رَأى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَاناً وَتَسْلِيماً [الأحزاب:22].
إن الحاجة ماسة في أوقات الضعف -ضعف المسلمين- وتكالب أعدائهم عليهم، ووجود ألوان مما يظنه الناس هزائم تعانيها الأمة الإسلامية في أكثر من موقع، إنهم أحوج ما يكونون إلى تأكيد ثقتهم بوعد ربهم، ويكفي أن تتلى عليهم آيات الله عز وجل: وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى [طه:132] إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ [هود:49] وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ [الحج:40-41] وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ * وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ [الصافات:171-173].
إن دعوة الإسلام دعوة تاريخية، عمرها طويل، ولم يكن انتصارها ذلك الانتصار الموقوت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، بل انتصار الأبد وانتصار الدهر، وعلى رغم مضي ما يزيد على ألف وأربعمائة سنة على دعوة الإسلام، على دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم، إلا أنها تظل طيلة هذه السنين قائمة، قوية، تصارع العوادي، وتقاوم الأحداث.
وهاهو الإسلام اليوم في قلب أوروبا، يقض مضاجع الغربيين، فيتواطئون ضد حفنة من أبناء الإسلام في أرض البوسنة، ويسلمونهم إلى عدوهم بلا سلاح، على رغم أن وسائل الإعلام الغربية كلها: مسموعها، ومرئيها، تعرض صباح مساء، لتلك الجرائم البشعة، وهذه المآسي المفجعة، وهذه الوجوه التي قد أمضتها الجراح والآلام، مآسي الكبار، مآسي العجزة، والشيوخ، والنساء، والأطفال، مآسي الجوع، والفقر، والمرض، ومع ذلك كله يتواطأ هؤلاء ضد حفنة من أبناء الإسلام، وأوليائه، لماذ1؟!
إنهم لا يتآمرون ويتحالفون إلا على الأقوياء، أما الضعاف فيمكن هزيمتهم بأقل من ذلك، نعم يكفي قوة للإسلام أن بلداً نائياً كذلك البلد، لم يكن جمهور الناس يعرفون أن فيها مسلمين أصلاً، ولا يدرون أن فيها مساجد تاريخية أعمارها أحياناً تزيد على ستمائة أو سبعمائة سنة، وأن فيها ملايين من أهل لا إله إلا الله، وإن كان حيل بينهم وبين معرفة حقيقتها في كثير من الوقت.
يكفي في قوة الإسلام أن قوماً كهؤلاء عزلاً من كل سلاح، يظلون على ما يزيد على عشرين شهراً يقاومون رابع جيش في العالم، مدججاً بأقوى الأسلحة، وهم يواجهون الرصاص بصدور عارية، ويصبرون على رغم اللأواء التي لم يكن أحد يتوقع أن يصبروا عليها شهراً، أو بضعة أسابيع.
استمع المزيد من الشيخ سلمان العودة - عنوان الحلقة | اسٌتمع |
---|---|
أحاديث موضوعة متداولة | 5225 استماع |
تلك الرسل | 4162 استماع |
الصومال الجريح | 4153 استماع |
مصير المترفين | 4131 استماع |
تعرف على الله في الرخاء يعرفك في الشدة | 4059 استماع |
وقفات مع سورة ق | 3992 استماع |
مقياس الربح والخسارة | 3934 استماع |
نظرة في مستقبل الدعوة الإسلامية | 3880 استماع |
التخريج بواسطة المعجم المفهرس | 3841 استماع |
العالم الشرعي بين الواقع والمثال | 3840 استماع |