التخريج بواسطة المعجم المفهرس


الحلقة مفرغة

الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

سبق أن تحدثنا عن الطريقة الأولى من طرق التخريج، وهي التخريج عن طريق معرفة صحابي في الحديث، وطرف من لفظه، وتتم بواسطة كتاب تحفة الأشراف في معرفة الأطراف للإمام الحافظ المتقن أبي الحجاج يوسف بن عبد الرحمن بن يوسف المزي المتوفى سنة 742هـ، والذي قام بتحقيقه وبذل فيه جهداً مشكوراً الأستاذ الشيخ/ عبد الصمد شرف الدين.

وسنتحدث عن الطريقة الثانية، وهي طريقة التخريج بواسطة كتاب المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي وقد اشتغل في هذا المعجم قرابة ثلاثين من المستشرقين، وقضوا فيه أوقاتاً طويلة، وكان يساعدهم في ذلك الشيخ الأستاذ/ محمد فؤاد عبد الباقي رحمة الله تعالى عليه، ويدل على مدى الجهد والوقت الذي بذل في جمع مادة هذا الكتاب وترتيبها، أن طباعته استغرقت قرابة ثلاثة وثلاثين عاماً؛ فقد طبع المجلد الأول منه سنة (1936م)، وطبع المجلد الأخير سنة (1969م)، فهذه ثلاثة وثلاثون عاماً، هذا فضلاً عن الجهود التي قاموا بها قبل طباعة المجلد الأول.

وقبل أن أدخل في هذا المعجم وطريقة ترتيبه، والكتب التي فهرسها، وطريقة الاستفادة منه، أحب أن أشير إلى أن هناك من يشكك في دقة هذا المعجم، ويزعم أن هؤلاء المستشرقين قصدوا من وضعه التضليل، فأقول -كما قال المثل-: ما هكذا يا سعد تورد الإبل، فليس صحيحاً أن كل ما يقوم به المستشرقون لا بد أن يبرز فيه الدس والتشويه، فالمستشرقون يعرفون من أين تؤكل الكتف، ويعرفون كيف يدسون ويشوهون الإسلام، والتاريخ الإسلامي، والرسول صلى الله عليه وسلم والقرآن.

وأما هذا الكتاب فليس فيه مجال للدس، لأنه أشبه ما يكون بالعمليات الحسابية الدقيقة، التي يمكن اكتشاف أي خطأ مهما كان بسيطاً فيه.

أما دافعهم إلى القيام بهذا الجهد، فأولاً: نحن لا ننكر أنه يوجد من بينهم من يكون له شغف وعناية عظيمة، وجلد في البحث والتنقيب، في أي لون من ألوان المعرفة، وهذا أمر لا شك فيه، وليس له علاقة في موقفهم من الإسلام، وحقدهم عليه.

الأمر الآخر: أننا لا نستبعد أن يكون هؤلاء المستشرقون ألفوا هذا الكتاب وقصدوا فيه تسهيل مهماتهم الخاصة، بمعنى أنهم حينما وضعوا هذا المعجم قصدوا أن يستفيدوا هم ومن على شاكلتهم منه، في معرفة الإسلام، وأحكام الإسلام، وتاريخ الإسلام وغير ذلك، وهو ولا شك يخدمهم كما يخدم غيرهم، وربما حرصوا على أن يبقى هذا الكتاب غير متداول بين أيدي الناس، ولكن لم يتحقق لهم ما أرادوا، بل سرعان ما صور الكتاب وتدوِّل في أيدي طلاب العلم، واستفاد منه الخاص والعام.

أما عن الكتب التي فهرسها هذا الكتاب، فهي الكتب التالية:-

البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجة والموطأ ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمي.

أما عن رموز هذا الكتاب:

فأولاً: هي موجودة في أسفل كل صفحتين من الكتاب، فلا داعي لسردها، إنما أشير إلى بعض الأشياء التي قد لا تكون ظاهرة في هذه الرموز، فأشير أولاً: إلى أن رمز كل من ابن ماجة القزويني والإمام أحمد تغير في آخر هذا الكتاب عنه في أوله، وبالذات في العشرين أو الأربع والعشرين صفحة الأولى من المجلد الأول، نجد في هذه الصفحات أنهم كانوا يرمزون لـابن ماجة بالقاف، أي ابن ماجة، ويرمزون للإمام أحمد بالحاء مع اللام، وقد تغير هذا الرمز فصار في بقية الكتاب الجيم مع الهاء لـابن ماجة، والحاء مع الميم للإمام أحمد،كما أن هناك رمزاً آخر إن صح تسميته رمزاً، وهو وضع النجمتين في بعض الإحالات، ووضع النجمتين يدل على تكرار اللفظ الموجود في نفس الموضع المحال إليه أكثر من مرة.

أما فيما يتعلق بطريقتهم في ترتيب مواد الكتاب، فهي كما يلي:-

رتبوا المواد بشكل إجمالي بحسب التركيب الهجائي، وتجد على كعب كل مجلد من مجلدات المعجم المطبوع، ذكر لفعلين ثلاثيين، هذا الموجود على كعب المجلد؛ يعني أن المادة التي يحتوي عليها هذا المجلد؛ هي المحصورة ما بين الفعلين الموجودين.

فمثلاً في المجلد الثالث: مكتوب على ظهر الغلاف على كعب المجلد، مكتوب فعل (سنم) ثم (شرطة) ثم: (سنم - طعم) إذاً فعل (سنم) أو (طعم) موجود في هذا المجلد، وفعل (طعم) موجود في هذا المجلد، وما بينهما من المواد هي -أيضاً- موجودة في هذا المجلد، فمثلاً: (شرب) لا بد أن تكون في هذا المجلد، لأنها بين السين (سنم) وبين الطاء (طعم) فالشين بعد السين، الصاد كذلك (صبر، صام، صاد) -أيضاً- لا بد أن تكون موجودة في هذا المجلد، فالأفعال الموجودة على غلاف المجلد تشير إلى أول المواد الموجودة، وآخر المواد الموجودة، ويقول لك ما بين هذه المواد فهو موجود في هذا المجلد، وهكذا بقية المجلدات، فرتبوا المواد من حيث الجملة بحسب حروف الهجاء.

إذاً: من البديهي أن يكون الفعل (أكل) مثلاً باعتباره مبدوءاً بحرف الهمزة موجوداً في المجلد الأول، ومن الطبيعي أن الفعل (يبس) مثلاً موجود في المجلد الأخير؛ لأنه مبدوء بحرف الياء، وهكذا، فلننتبه -إذاً- إلى أن ننظر إلى الفعل الذي بين أيدينا، والذي نريد أن نبحث عن الحديث عن طريقه -كما سيتضح أكثر من خلال ذكر طريقة البحث- بأن يكون هذا الفعل إما أحد الأفعال المذكورة على الغلاف، أو أن يكون فيما بينها، بمعنى أنهم لا يكتبون جميع المواد على الغلاف التي في المجلد، إنما يذكرون أول مادة وآخر مادة، ويعلم أن ما بينهما موجود في نفس المجلد، ثم داخل المادة الواحدة: افترض أنك وجدت بغيتك وهي مادة (طعم)، هنا بإمكان الباحث أن يستعرض المادة كلها، حتى يصل إلى الحديث الذي يريد أن يطلع على مخارجه، وعلى الإحالات التي أحالوا إليها.

ولكن قد تكون المادة طويلة، وقد تطول جداً، بحيث يكون فيه بعض الصعوبة أن يستعرض الباحث المادة كلها، فمن المفيد هنا أن نشير إلى طريقتهم في تركيب المادة الواحدة.

فهم أولاً: يبدءون بالأفعال، ثم بالأسماء، ثم بالمشتقات، فهذا التقسيم كلي وينبغي أن يكون واضحاً في الأذهان، وداخل كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة لهم تقسيمات أخر -أيضاً-.

طريقة ترتيب الأفعال في المعجم

فأولاً: فيما يتعلق بالأفعال، يبدءون بالفعل الماضي، الذي هو أساس المادة عندهم، وأساس كل مادة عندهم هو الفعل الماضي، فيبدءون بالفعل الماضي المجرد ثم المزيد، والمبني للمعلوم، ثم المبني للمجهول.

إذاً المزيد يأتي بعد المجرد، والمبني للمجهول يأتي بعد المعلوم، فمثلاً عندنا الفعل (صَبَرَ) هذا الفعل ماضي مجرد، يأتي أولاً، ثم يأتي بعده (بعد ما تنتهي مادة (صبر) وما يتعلق بها) تأتي مادة (صَابَرَ) لأنه مزيد، فالألف التي بعد الصاد هي مزيدة على الفعل.

فلو افترض أنك تريد أن تبحث عن مادة (صابر): اقفز مادة (صبر) وما يتعلق بها كلها، ثم انتقل إلى (صابر) المزيد بحرف، وتجد بغيتك فيه، وعندنا (صَبَرَ وصُبِرَ) تأتي مادة (صَبر) المبنية للمعلوم قبل مادة (صُبر) المبنية للمجهول، فبعد ما ينتهي الفعل الماضي بكامله وبأنواعه، مجرده ومزيده، معلومه ومجهوله، ينتقلون للفعل المضارع بنفس الطريقة: المجرد ثم المزيد، والمبني للمعلوم، ثم المبني للمجهول، فمثلاً: الفعل المضارع (يصبر) يأتي قبل الفعل المضارع (يُصَابِرُ) لأن الأول مجرد والثاني مزيد، والفعل المضارع (يَصْبِر) يأتي قبل الفعل المضارع (يُصْبَرُ) لأن الأول مبني للمعلوم، والثاني مبني للمجهول.

وبعدما ينتهون من الفعل المضارع بكامله وبأنواعه: مجرده ومزيده، معلومه ومجهوله، ينتقلون لفعل الأمر مجرده ثم مزيده، فمثلاً: (اصْبِرْ) تأتي عندهم قبل (صَابِر) لأن (اصْبِرْ) مشتقة من الفعل (صَبَرَ) أو أن (اصْبِرْ) ليس فيها المزيد الموجود في (صابر) وهي الألف التي بعد الصاد.

إذاً، فيما يتعلق بالأفعال يبدءون بالماضي، ثم المضارع، ثم الأمر، وفي داخل كل فعل من هذه الأفعال يقدمون المجرد على المزيد، ويقدمون المبني للمعلوم على المبني للمجهول، ويقدمون ما ليس له متعلق على ما كان له متعلق، فإذا كان الفعل سالماً من المُتعلِقَات، مثلاً لم يأت بعده لا فاعل، ولا مفعول، ولا ما أشبه ذلك، يأتي قبل الفعل الذي جاء بعده فاعل أو مفعول، فمثلاً (صَبَرَ) تأتي قبل (صبر على الأذى) لأن (صبر) الأولى: ليس لها متعلقات، أما الثانية: فقد تعلق بها جار ومجرور، هذا ما يتعلق بالأفعال، وهي التي تأتي أولاً.

طريقة ترتيب الأسماء في المعجم

يأتي بعد الأفعال: الأسماء، والأسماء: هي الأخرى مقسمة عندهم إلى ثلاثة أقسام، بحسب الحركة التي على الاسم، فيأتي الأول المرفوع، ثم المجرور، ثم المنصوب، وهنا ننتبه أن بعض الناس قد يتوهم أنهم يذكرون المرفوع، ثم المنصوب، لا بل يذكرون المرفوع ثم المجرور، ويذكرون المنصوب أخيراً.

المرفوع أو المنصوب أو المجرور، كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة يرتبونه -أيضاً- داخل التقسيم الجزئي، فالاسم المرفوع، يقدمون الاسم المرفوع المنون، فإذا انتهى الاسم المرفوع المنون قدموا الاسم المرفوع السالم من التنوين ومن اللواحق، فإذا انتهى قدموا الاسم المرفوع مع اللواحق، فالاسم المرفوع المنون يأتي -أولاً- ثم يأتي السالم من التنوين ومن اللواحق، ثم يأتي الاسم المرفوع مع اللواحق.

ثم ينتقلون إلى الاسم المجرور، فيقدمون الاسم المجرور بالإضافة منوناً، ثم الاسم السالم من التنوين ومن اللواحق، ثم الاسم السالم من التنوين مع اللواحق، ثم بعدما ينتهون من المجرور بالإضافة، ينتقلون إلى المجرور بحرف الجر.

فإذا انتهوا من المجرور؛ قدموا المنصوب المنون، ثم السالم من التنوين ومن اللواحق، ثم الاسم المنصوب مع اللواحق.

المقصود باللواحق في المعجم

وهنا قد يسأل سائل: ما المقصود باللواحق؟

فأقول: إنهم أشاروا إلى ذلك في مقدمتهم، فأشاروا إلى ذكر اللواحق، وأشاروا إلى هذا التفصيل، وقد بذلت جهدي في معرفة مقصودهم في اللواحق، فوجدت بعض مشايخنا ذكروا أن المقصود باللواحق ما يسمى بالمتعلقات، أي أن يكون له لاحق إما مفعول أو ما أشبه ذلك.

ولكني من خلال بحثي في المعجم وتتبعي لطريقتهم، ظهر لي -والله أعلم- أن مقصودهم باللواحق: العلامات، أي كعلامات التأنيث والضمائر وما أشبهها، فمثلاً: الفعل السالم من اللواحق عندهم يقدم على الفعل الذي له لواحق، فالفعل (ضَرَبَ) يقدم على الفعل (ضربتُ) لأن (ضربت) فيه لاحق وهو تاء الفاعل المتكلم.

كذلك الاسم السالم من اللواحق يقدم على الاسم الذي معه لواحق، فمثلاً: عندنا اسم (يوم) مثلاً، (يوم) يقدم على ما لو لحقه ضمير، فصار (يومه، أو يومها، أو يومكم) والله أعلم.

وأشير إلى أنه في الأسماء، يقدمون المفرد على المثنى، ويقدمون المثنى على الجمع، ويقدمون المذكر على المؤنث، فيراعون مجمل هذه الأشياء، وعلى كل حال يبقى الفرق بسيطاً، فأنت حيث تبحث في دائرة الأسماء، أي تستبعد الأفعال، وتبحث في دائرة الأسماء، ثم تستبعد -مثلاً- إذا كان الاسم الذي معك مرفوعاً، فتستبعد المنصوب والمجرور، فتبحث في دائرة الاسم المرفوع فحسب، تبقى الدائرة ضيقة حتى لو لم يحصل وضوح تام في دقة الترتيب.

طريقة ترتيب المشتقات في المعجم

بعد ما ينتهون من الأسماء ينتقلون إلى المشتقات، ويقصد بالمشتقات: الأسماء المشتقة من الفعل، أو من المصدر، فمثلاً: اسم الفاعل كـ(ضارب) واسم المفعول كـ(مضروب) والصفة المشبهة كـ(حسن وجهه) وأفعل التفضيل (هذا أفضل من هذا أو أكبر) ثم المصدر، ويأتي المصدر عندهم في الآخر.

لأنه كما أشرت من قبل: أصل المشتقات عندهم، هو الفعل الماضي المجرد، فمثلاً: لو افترضنا أن عندنا في الحديث الذي نبحث فيه مصدر، مثل (الصبر) لأن (الصبر) مصدر، فهنا نبحث عنه في آخر المادة.

والحقيقة أن الباحث في هذا الكتاب يلحظ أنه قد لا يجد الاضطراد الكامل في هذه المواد -كما أشرنا- ولعل هذا ليس ناتجاً -والله أعلم- عن خلل في الترتيب بقدر ما هو ناتج عن عدم وضوح في طريقة ترتيبهم للمواد، ولا شك أن عندهم مقدمة مهمة ومفيدة جداً لهذا الكتاب، لكنها لم تطبع، ولا زالت في طي الكتمان، لم يطلع عليها الباحثون، ولم يعرفوا بالضبط ما هو تقسيمهم، وما هي طريقتهم في الترتيب، إلى غير ذلك من الاصطلاحات التي تمس الحاجة إلى معرفتها.

وهناك مواد حذفوها، ولم يدخلوها ضمن ترتيبها، فما على الباحث إلا أن يستبعدها فلا ينظر إليها في الحديث ألبتة، وذلك مثل حروف الجر وما أشبهها، ومثل أسماء الأماكن والبلدان، ومثل الأعلام المحضة، مثل: فلان وفلان، ومثل المواد التي يكثر دورانها على الألسنة، مثل كلمة (قالَ) استبعدوا هذه الأشياء، فأنت حين تبحث في الحديث، وتريد أن تختار كلمة لتبحث عنه من خلالها في المعجم، استبعد الحروف، وأسماء الأماكن، والبلدان، والأعلام، والأفعال التي يكثر دورانها على الألسنة، ثم اختر إما فعلاً أو اسماً أو مشتقاً، وابحث عنه من خلالها، كما سيتضح إن شاء الله في طريقة البحث.

فأولاً: فيما يتعلق بالأفعال، يبدءون بالفعل الماضي، الذي هو أساس المادة عندهم، وأساس كل مادة عندهم هو الفعل الماضي، فيبدءون بالفعل الماضي المجرد ثم المزيد، والمبني للمعلوم، ثم المبني للمجهول.

إذاً المزيد يأتي بعد المجرد، والمبني للمجهول يأتي بعد المعلوم، فمثلاً عندنا الفعل (صَبَرَ) هذا الفعل ماضي مجرد، يأتي أولاً، ثم يأتي بعده (بعد ما تنتهي مادة (صبر) وما يتعلق بها) تأتي مادة (صَابَرَ) لأنه مزيد، فالألف التي بعد الصاد هي مزيدة على الفعل.

فلو افترض أنك تريد أن تبحث عن مادة (صابر): اقفز مادة (صبر) وما يتعلق بها كلها، ثم انتقل إلى (صابر) المزيد بحرف، وتجد بغيتك فيه، وعندنا (صَبَرَ وصُبِرَ) تأتي مادة (صَبر) المبنية للمعلوم قبل مادة (صُبر) المبنية للمجهول، فبعد ما ينتهي الفعل الماضي بكامله وبأنواعه، مجرده ومزيده، معلومه ومجهوله، ينتقلون للفعل المضارع بنفس الطريقة: المجرد ثم المزيد، والمبني للمعلوم، ثم المبني للمجهول، فمثلاً: الفعل المضارع (يصبر) يأتي قبل الفعل المضارع (يُصَابِرُ) لأن الأول مجرد والثاني مزيد، والفعل المضارع (يَصْبِر) يأتي قبل الفعل المضارع (يُصْبَرُ) لأن الأول مبني للمعلوم، والثاني مبني للمجهول.

وبعدما ينتهون من الفعل المضارع بكامله وبأنواعه: مجرده ومزيده، معلومه ومجهوله، ينتقلون لفعل الأمر مجرده ثم مزيده، فمثلاً: (اصْبِرْ) تأتي عندهم قبل (صَابِر) لأن (اصْبِرْ) مشتقة من الفعل (صَبَرَ) أو أن (اصْبِرْ) ليس فيها المزيد الموجود في (صابر) وهي الألف التي بعد الصاد.

إذاً، فيما يتعلق بالأفعال يبدءون بالماضي، ثم المضارع، ثم الأمر، وفي داخل كل فعل من هذه الأفعال يقدمون المجرد على المزيد، ويقدمون المبني للمعلوم على المبني للمجهول، ويقدمون ما ليس له متعلق على ما كان له متعلق، فإذا كان الفعل سالماً من المُتعلِقَات، مثلاً لم يأت بعده لا فاعل، ولا مفعول، ولا ما أشبه ذلك، يأتي قبل الفعل الذي جاء بعده فاعل أو مفعول، فمثلاً (صَبَرَ) تأتي قبل (صبر على الأذى) لأن (صبر) الأولى: ليس لها متعلقات، أما الثانية: فقد تعلق بها جار ومجرور، هذا ما يتعلق بالأفعال، وهي التي تأتي أولاً.

يأتي بعد الأفعال: الأسماء، والأسماء: هي الأخرى مقسمة عندهم إلى ثلاثة أقسام، بحسب الحركة التي على الاسم، فيأتي الأول المرفوع، ثم المجرور، ثم المنصوب، وهنا ننتبه أن بعض الناس قد يتوهم أنهم يذكرون المرفوع، ثم المنصوب، لا بل يذكرون المرفوع ثم المجرور، ويذكرون المنصوب أخيراً.

المرفوع أو المنصوب أو المجرور، كل قسم من هذه الأقسام الثلاثة يرتبونه -أيضاً- داخل التقسيم الجزئي، فالاسم المرفوع، يقدمون الاسم المرفوع المنون، فإذا انتهى الاسم المرفوع المنون قدموا الاسم المرفوع السالم من التنوين ومن اللواحق، فإذا انتهى قدموا الاسم المرفوع مع اللواحق، فالاسم المرفوع المنون يأتي -أولاً- ثم يأتي السالم من التنوين ومن اللواحق، ثم يأتي الاسم المرفوع مع اللواحق.

ثم ينتقلون إلى الاسم المجرور، فيقدمون الاسم المجرور بالإضافة منوناً، ثم الاسم السالم من التنوين ومن اللواحق، ثم الاسم السالم من التنوين مع اللواحق، ثم بعدما ينتهون من المجرور بالإضافة، ينتقلون إلى المجرور بحرف الجر.

فإذا انتهوا من المجرور؛ قدموا المنصوب المنون، ثم السالم من التنوين ومن اللواحق، ثم الاسم المنصوب مع اللواحق.

وهنا قد يسأل سائل: ما المقصود باللواحق؟

فأقول: إنهم أشاروا إلى ذلك في مقدمتهم، فأشاروا إلى ذكر اللواحق، وأشاروا إلى هذا التفصيل، وقد بذلت جهدي في معرفة مقصودهم في اللواحق، فوجدت بعض مشايخنا ذكروا أن المقصود باللواحق ما يسمى بالمتعلقات، أي أن يكون له لاحق إما مفعول أو ما أشبه ذلك.

ولكني من خلال بحثي في المعجم وتتبعي لطريقتهم، ظهر لي -والله أعلم- أن مقصودهم باللواحق: العلامات، أي كعلامات التأنيث والضمائر وما أشبهها، فمثلاً: الفعل السالم من اللواحق عندهم يقدم على الفعل الذي له لواحق، فالفعل (ضَرَبَ) يقدم على الفعل (ضربتُ) لأن (ضربت) فيه لاحق وهو تاء الفاعل المتكلم.

كذلك الاسم السالم من اللواحق يقدم على الاسم الذي معه لواحق، فمثلاً: عندنا اسم (يوم) مثلاً، (يوم) يقدم على ما لو لحقه ضمير، فصار (يومه، أو يومها، أو يومكم) والله أعلم.

وأشير إلى أنه في الأسماء، يقدمون المفرد على المثنى، ويقدمون المثنى على الجمع، ويقدمون المذكر على المؤنث، فيراعون مجمل هذه الأشياء، وعلى كل حال يبقى الفرق بسيطاً، فأنت حيث تبحث في دائرة الأسماء، أي تستبعد الأفعال، وتبحث في دائرة الأسماء، ثم تستبعد -مثلاً- إذا كان الاسم الذي معك مرفوعاً، فتستبعد المنصوب والمجرور، فتبحث في دائرة الاسم المرفوع فحسب، تبقى الدائرة ضيقة حتى لو لم يحصل وضوح تام في دقة الترتيب.

بعد ما ينتهون من الأسماء ينتقلون إلى المشتقات، ويقصد بالمشتقات: الأسماء المشتقة من الفعل، أو من المصدر، فمثلاً: اسم الفاعل كـ(ضارب) واسم المفعول كـ(مضروب) والصفة المشبهة كـ(حسن وجهه) وأفعل التفضيل (هذا أفضل من هذا أو أكبر) ثم المصدر، ويأتي المصدر عندهم في الآخر.

لأنه كما أشرت من قبل: أصل المشتقات عندهم، هو الفعل الماضي المجرد، فمثلاً: لو افترضنا أن عندنا في الحديث الذي نبحث فيه مصدر، مثل (الصبر) لأن (الصبر) مصدر، فهنا نبحث عنه في آخر المادة.

والحقيقة أن الباحث في هذا الكتاب يلحظ أنه قد لا يجد الاضطراد الكامل في هذه المواد -كما أشرنا- ولعل هذا ليس ناتجاً -والله أعلم- عن خلل في الترتيب بقدر ما هو ناتج عن عدم وضوح في طريقة ترتيبهم للمواد، ولا شك أن عندهم مقدمة مهمة ومفيدة جداً لهذا الكتاب، لكنها لم تطبع، ولا زالت في طي الكتمان، لم يطلع عليها الباحثون، ولم يعرفوا بالضبط ما هو تقسيمهم، وما هي طريقتهم في الترتيب، إلى غير ذلك من الاصطلاحات التي تمس الحاجة إلى معرفتها.

وهناك مواد حذفوها، ولم يدخلوها ضمن ترتيبها، فما على الباحث إلا أن يستبعدها فلا ينظر إليها في الحديث ألبتة، وذلك مثل حروف الجر وما أشبهها، ومثل أسماء الأماكن والبلدان، ومثل الأعلام المحضة، مثل: فلان وفلان، ومثل المواد التي يكثر دورانها على الألسنة، مثل كلمة (قالَ) استبعدوا هذه الأشياء، فأنت حين تبحث في الحديث، وتريد أن تختار كلمة لتبحث عنه من خلالها في المعجم، استبعد الحروف، وأسماء الأماكن، والبلدان، والأعلام، والأفعال التي يكثر دورانها على الألسنة، ثم اختر إما فعلاً أو اسماً أو مشتقاً، وابحث عنه من خلالها، كما سيتضح إن شاء الله في طريقة البحث.

وهنا قد يسأل سائل: هل شمل عمل المستشرقين جميع الأحاديث، أو جميع المواد الموجودة في الكتب التي عملوا هذا المعجم عليها؟

فالجواب: أولاً: استبعد المستشرقون في هذه الكتب ما كان إسناداً فقط، وذلك كما نجده كثيراً في صحيح مسلم، فهو يكثر من سوق الأسانيد للمتن الواحد، فهم استبعدوا ذلك ولم يفهرسوا إلا المتون فحسب.

كذلك استبعدوا كثيراً من المواد، لئلا يتضخم حجم الكتاب، ولئلا يكون ثمة صعوبة على الباحث في التنقيب عما يريد، وأشاروا هم إلى ذلك، واكتفوا هم بالإحالة في بعض المواد على مواد أخرى، فأنت تجدهم في صدر كل مادة يقولون: انظر مادة كذا وكذا وكذا، ويذكرون العديد من المواد التي حذفوها واكتفوا بالإشارة إليها، ولكن يبقى أنهم استغرقوا -إن لم نقل كل المتون الموجودة في هذه الكتب- معظم المتون إلى حدٍ بعيد.

وهناك قضية مهمة جداً في طريقة المعجم لا بد من الإحاطة بها، وإتقانها، لئلا يقع الباحث في لَبْس، وهي إلى ماذا يشير هؤلاء في المصادر التي يذكرونها؟

يذكرون البخاري، فماذا يذكرون من البخاري؟ ويذكرون مسلمـاً، فماذا يذكرون من مسلم؟ وهكذا، فأذكر هذا الآن بالتسلسل، ولا بد من فهمه، وحفظه، وإتقانه جيداً لئلا يقع الباحث في لبس -كما أشرت-.

فبالنسبة للبخاري والترمذي وأبي داود والنسائي وابن ماجة والدارمي، فإنهم يذكرون اسم الكتاب، ثم رقم الباب، في هذه الكتب، وهي أولاً: البخاري، ثانياً: الترمذي، ثالثاً: أبو داود، رابعاً: النسائي،خامساً: ابن ماجة، سادساً: الدارمي، فيذكرون اسم الكتاب، صراحة ويذكرون رقم الباب.

فقد يقول لك مثلاً: (خ رقاق 7) إذاً ترجمت هذا الرمز: رواه البخاري في كتاب الرقاق، الباب رقم سبعة، هذا فيما يتعلق بهذه الكتب من حيث الجملة، وقد يحصل استثناءات في بعض الأبواب، كما ذكرنا في كتاب التفسير من صحيح البخاري.

فهم في كتاب التفسير بعدما يذكرون اسم الكتاب، يشيرون إلى رقم السورة، فيقول مثلاً: [خ تفسير سورة 54] فمعنى ذلك أن البخاري روى هذا الحديث في كتاب التفسير، في السورة الرابعة والخمسين،أما الباب فلا يشيرون إليه؛ وعلى الباحث أن يبحث عن الحديث في السورة التي أشاروا إليها.

أما فيما يتعلق بـمسند الإمام أحمد، فإن طريقة المسند معروفة، وهي أنه يذكر أحاديث الصحابي الواحد بعضها بجوار بعض، دون مراعاة الموضوع ولا غيره، ولذلك فإن إحالتهم إلى المسند هي على رقم الجزء والصفحة، فإذا قالوا: [ح م 5/54] فمعنى ذلك أن هذا الحديث في مسند الإمام أحمد جزء 5، صفحة 54، وعليك أن تستعرض الصفحة حتى تجد الحديث، ونادراً ما تجده في الصفحة التي قبلها، أو في الصفحة التي بعدها.

بقي عندنا كتابان وهما: صحيح مسلم، وموطأ الإمام مالك، فيا ترى إلى ماذا يشيرون في هذين الكتابين؟

يشيرون في هذين الكتابين إلى اسم الكتاب، ثم رقم الحديث في الكتاب، فمثلاً: لو قال: [م مسافرين، 45] فمعنى ذلك أن الحديث موجود في صحيح مسلم، كتاب صلاة المسافرين رقم الحديث داخل هذا الكتاب الخاص [45].

وهنا ننتبه إلى أن صحيح مسلم المطبوع بترقيم محمد فؤاد عبد الباقي رحمه الله، له ترقيمان:

منها ترقيم للأحاديث في الكتاب كله، من أوله إلى آخره، أي من أول صحيح مسلم إلى آخره، فهذا الترقيم ليس هو المطلوب الآن، إنما المطلوب الآن ترقيم آخر وهو ترقيم الحديث داخل الباب، وهو عادة يكون رقم أقل، باستثناء الأحاديث الأولى فقد يشترك الرقم، أما فيما عدا ذلك فمن الطبيعي أن يكون الرقم الذي داخل الكتاب المحدود، يعني كتاب الصلاة، كتاب الزكاة، يكون أقل من الرقم الكلي، الذي يبدأ من أول الكتاب ولا ينتهي إلا في آخره، فالمطلوب عادة هو الرقم الصغير، هذا في صحيح مسلم.

كذلك نفس الطريقة سلكوها في الموطأ، فهم يشيرون إلى اسم الكتاب داخل الموطأ، ثم إلى رقم الحديث داخل الكتاب، فمثلاً: لما يقولون: [العتق:5] معناه أن هذا الحديث هو الحديث الخامس من كتاب العتق في موطأ الإمام مالك.