عنوان الفتوى : هل ينقص القيراطان من جميع سكان البيت الذي فيه كلب؟ وهل يطاع الأب في إطعامه؟
أخي اشترى كلبًا، ثم بعد مدة اشترى كلبة إضافة إلى الكلب، وهما موجودان في الكراج، ثم عرفنا إثم تربية الكلاب، وعندما صارحت أبي، وبعد بحث قال: إنهما للحراسة.
ورغم أننا في منطقة معزولة، ويمكن اقتحام منزلنا بسهولة، بسبب أعمال البناء، إلا أن هذه الكلاب مقيدة، ولن تستطيع فعل شيء، وجبانة أيضًا، وقد حاولت إقناع أبي أكثر من مرة، لكنه لا يريد التخلّص منهما؛ لأنه تعلّق بهما، فهل ما يقوله أبي صحيح؟ وهل إبقاؤهما للحراسة عذر كافٍ، رغم أني لا أظن أن أحدًا سيقتحم، ولو حصل؛ فالكلاب غير مدربة على الحراسة، ويمكن لأي سارق أن يسرقهما بقطعة لحم؟ وهل كل أهل الدار ينقص منهم قيراطان، أم أبي فقط، أو أخي الذي أحضرهما، ولا يعيش معنا؟ وهل يجب أن أطيع أبي عندما يأمرني أن آخذ لهما طعامًا، أم إن في هذا معصيةً لله؟ والأهم: هل هناك طريقة لاسترجاع الأجر الذي ضاع؟ فالكلاب تعيش في الكراج منذ أكثر من عام.
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فاتخاذ الكلاب لحراسة البيوت وحفظها محل خلاف بين أهل العلم -إن وجدت الحاجة الحقيقية لها-.
وأما مع انتفاء الحاجة؛ فلا يشرع ذلك، على الراجح من قول جمهور الفقهاء، كما سبق بيانه في الفتوى: 294331.
وأما نقصان قيراطي الأجر؛ فهو متعلق بمن اتّخذ الكلب، أو جاء به، لا بجميع أهل البيت؛ فكل نفس بما كسبت رهينة، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطبته في حجة الوداع: ألا لا يجني جانٍ إلا على نفسه، ولا يجني والد على ولده، ولا ولد على والده. رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح. وابن ماجه، وحسنه الألباني.
ويتأكّد هذا في حق من أنكر وجود الكلب، ونهى عنه، قال تقي الدين السبكي في «قضاء الأرب في أسئلة حلب»: قوله: "نقص من عمله" حكم على الفاعل المقتني. وقوله: "كل يوم قيراط" بيان للنقص، ووقته .. ولم يذكر وقت الاقتناء، فلولا المعنى لكان اللفظ يقتضي أن من اقتنى كلبًا، في أي وقت كان، نقص من عمله دائمًا كل يوم قيراط، سواء خرج عن اقتنائه أم لا! هذا وضع اللفظ، إلا أن المعنى اقتضى التخصيص، والمعنى استفدناه من ترتيب الحكم -وهو النقص- على الوصف -وهو الاقتناء-، وترتيب الحكم على الوصف يشعر بالعِلِّيّة، والحكم يدور على علّته وجودًا وعدمًا، فمن اقتنى؛ نقص من عمله -ما دام مقتنيًا- كل يوم قيراط؛ عملًا باللفظ، وبالعلّة، فإذا زال الاقتناء؛ زال النقص؛ لأن العلّة تقتضي زوال المعلول. والحديث اقتضى العِلّيّة -كما بيناه-؛ فهو يقتضي الزوال عند الزوال بواسطة، فإذا عاد اقتناؤه لذلك الكلب أو لغيره مما نهى عنه؛ عاد النقص؛ عملًا بالحديث، والعلّة. اهـ.
وأما طاعة الوالد في إطعام الكلاب، فلا نرى فيها حرجًا على السائل؛ وذلك لسببين:
الأول: وجود الخلاف في حكم اتخاذ الكلب، فمن أهل العلم من قال بالكراهة دون التحريم، قال الحافظ ابن عبد البر في «التمهيد»: وفي معنى هذا الحديث تدخل عندي إباحة اقتناء الكلاب للمنافع كلها، ودفع المضار، إذا احتاج الإنسان إلى ذلك، إلا أنه مكروه اقتناؤها في غير الوجوه المذكور في هذه الآثار؛ لنقصان أجر مقتنيها ... وفي قوله -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: "نقص من عمله، أو من أجره" يريد من أجر عمله "كل يوم قيراطان" دليل على أن اتخاذها ليس بمحرم؛ لأن ما كان محرّمًا اتخاذه؛ لم يجز اتخاذه، ولا اقتناؤه على حال، نقص من الأجر، أو لم ينقص، وليس هذا سبيل النهي عن المحرمات، أن يقال فيها: من فعل كذا، ولكن هذا اللفظ يدلّ -والله أعلم- على كراهية، لا على تحريم. اهـ.
والثاني: أن الإطعام ذاته ليس بمحرم، بل هو مما يجري فيه الأجر، فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئرًا، فنزل فيها، فشرب، ثم خرج؛ فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني! فنزل البئر، فملأ خفّه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رقي، فسقى الكلب؛ فشكر الله له، فغفر له. قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في هذه البهائم لأجرًا؟ فقال: في كل كبد رطبة أجر. رواه مسلم.
ومع ذلك؛ فينبغي تكرار نصيحة الوالد بالاستغناء عن هذه الكلاب، طالما لم تظهر الحاجة إليها، وحثّه على ذلك بأسلوب يناسب مقام الأبوة.
وأما طريقة استرجاع الأجر الذي ضاع، فلم نقف على شيء في ذلك، لكن لا يخفى أن الأعمال الصالحة من شأنها أنها تمحو السيئات، فقد قال تعالى: وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ {هود:114}، وقال تعالى: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا {الفرقان:70}.
والله أعلم.