أرشيف المقالات

شروط حد القذف في الإسلام

مدة قراءة المادة : 5 دقائق .
شروط حد القذف في الإسلام


هناك شروط تتعلَّق بالقاذف، وأخرى تتعلق بالمقذوف، وثالثة تتعلق بصيغة القذف، وبيان ذلك فيما يلي:
أولاً: شروط القاذف:
يشترَط في القاذف أن يكون بالغًا عاقلاً، مختارًا عالمًا بالتحريم، وزاد الشافعية: "ألا يأذن له المقذوف بقذفه؛ فإن أذن له بقذفه لم يحد، واشترطوا كذلك أن يكون القاذف ملتزمًا بأحكام الشريعة[1]، وأما لو قذفه الحربي فإنه لا يحد؛ لأنه غير ملتزم بأحكام الشريعة.
 
ولا فرق في ذلك بين كون القاذف رجلاً أو امرأة.
 
كما اشترط الحنفية: النطق بالقذف، فلا تكفي إشارة الأخرس لوجود الشبهة، واشترطوا كذلك الإقامة في دار العدل، فلو قذفه في دار الحرب لم يحد، والراجح أنه يؤخر حتى يرجع إلى دار الإسلام فيقام عليه الحد.
 
ثانيًا: شروط المقذوف:
اشترط الفقهاء في إقامة الحد على القاذف أن يكون المقذوف مُحصَّنًا؛ لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [النور: 23].
 
وقد ذهب جمهور العلماء: "إلى أن الإحصان المقصود في الآية هو ما اجتمع فيه خمسة شروط وهي: العقل، والبلوغ، والحرية، والإسلام، والعفة عن الزنى.
وبناءً على ذلك إذا رمي صبيًّا، أو مجنونًا، أو عبدًا، أو كافرًا، أو مَن لا عفة له، فلا يحد بهذا القذف، بينما ذهب ابن حزم إلى أن معنى الإحصان: "المنع"، فهم محصنون عن الزنى.
 
وعلى ذلك فيمكن القول بأن الفقهاء جميعًا اتفقوا على أنه يشترط أن يكون المقذوف عفيفًا عن الزنى، ولكنهم اختلفوا في بقية الشروط: وهي البلوغ والعقل والإسلام والحرية، فيرى الجمهور اشتراطها، ويرى ابن حزم عدم اشتراطها، وقول ابن حزم: عندي أقوى؛ إذ لا دليل على إطلاق اللسان في أعراض الناس، ورُبَّ عبد خُيِّر من حر، وأتقى لله منه، فكيف يُجعَل عِرضه فكاهة يسيء إليه مَن شاء دون رادع يردعه، أو زاجر يزجره.
 
تنبيه:
اشترط جمهور الفقهاء ألا يكون القاذف أصلاً للمقذوف، فلو قذف الأب ابنه، أو الجد حفيده فلا حد عليه، قالوا: "لأنه ليس من البر أن يُقيم الولد حد القذف على أبيه، وقد قال تعالى: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]، ولأن الوالد لا يقتص منه في جنايته على ابنه، فكذلك لا يُحد بقذفه.
 
وذهب بعض العلماء، وهم الظاهرية وقولٌ عند المالكية وهو مذهب عمر بن عبدالعزيز: "إلى أن الأب يُحد بقذف ابنه لعموم الآية: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ﴾ [النور: 23]، دون تخصيص، ولأن الله أوجب الشهادة بالقسط على النفس والأقربين، فدخل في ذلك في باب الحدود.
 
ثالثًا - شروط تتعلق بالقذف:
يشترط في القذف أن يكون بصريح الزنى، كأن يقول: يا زانية، أو يا زان...
أو نحو هذه العبارات التي يفهم منها التصريح بالزنى.
وهذا لا خلاف فيه بين العلماء.
 
واختلفوا إذا قذف بلفظ غير صريح كالتعريض أو الكناية، فالكناية كقوله: "يا قحبة"؛ لأنه قد يقصد بها المرأة العجوز، وتطلق على السعال، وتطلق على الزانية.
وهذا ما قرره الفقهاء، لكن رجح الشيخ ابن عثيمين: "أن العرف الآن في زماننا أنها صريحة، وليست كناية".
 
ومثال التعريض أن يقول في المشاتمة: "أنا لست بزان"؛ أي: يعرض بصاحبه أنه زان، والذي يترجح أن يُحدَّ مَن عرَّض إذا فُهم منه القذف فهمًا واضحًا لا لَبس فيه، وربما كان التعريض أنكى في القذف من التصريح، وهذا ما ثبت عن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهما، فروى عبدالرزاق أن رجلاً في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: "ما أمي بزانية، ولا أبي بزان"، قال عمر: ماذا تريدون؟ قالوا: رجل مدح نفسه، قال: "بل انظروا فإن كان بالآخر بأس فقد مدح نفسه، وإن لم يكن به بأس فلم قالها؟ فوالله لأحدَّنَّه"، فحدَّه.
(أخرجه الدارقطني وعبد الرزاق وابن أبي شعبة).
 
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن عمر كان يحدُّ في التعريض بالفاحشة"؛ (رواه عبدالرزاق والبيهقي)، (تمام المنَّة لأبي عبدالرحمن عادل بن يوسف العزازي - حفظه الله -: 4/ 508-511).



[1] الملتزم بأحكام الشريعة هو: المسلم، والذمي، والمستأمن، والمعاهد.

شارك الخبر

ساهم - قرآن ١