واسم الجلالة؛ قيل: إنه اسم جامد غير مشتق؛ لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها، واسمه تعالى قديم، والقديم لا مادة له، فهو كسائر الأعلام المحضة، التي لا تتضمن صفات تقوم بمسمياتها. والصحيح أنه مشتق.
واختلف في مبدأ اشتقاقه، فقيل: من أله يأله ألوهة وإلاهة وألوهية؛ بمعنى: عبد عبادة.
وقيل: من أله - بكسر اللام - يأله - بفتحها - ألها؛ إذا تحير.
والصحيح الأول، فهو إله؛ بمعنى مألوه؛ أي: معبود. [1]
قال ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى: (زعم السهيلي وشيخه أبو بكر بن العربي: أن اسم الله غير مشتق؛ لأن الاشتقاق يستلزم مادة يشتق منها، واسمه تعالى قديم، والقديم لا مادة له، فيستحيل الاشتقاق. ولا ريب أنه إن أريد بالاشتقاق هذا المعنى، وأنه مستمد من أصل آخر، فهو باطل.
ولكن الذين قالوا بالاشتقاق، لم يريدوا هذا المعنى، ولا ألَمَّ بقلوبهم، وإنما أرادوا: أنه دال على صفة له تعالى، وهي الإلهية، كسائر أسمائه الحسنى، كالعليم والقدير، والغفور والرحيم، والسميع والبصير.
فإن هذه الأسماء مشتقة من مصادرها بلا ريب، وهي قديمة، والقديم لا مادة له، فما كان جوابكم عن هذه الأسماء؛ فهو جواب القائلين باشتقاق اسمه: (الله) .
ثم الجواب عن الجميع: أنَّا لا نعني بالاشتقاق إلا أنها ملاقية لمصادرها في اللفظ والمعنى، لا أنها متولدة منها تولد الفرع من أصله. وتسمية النحاة للمصدر والمشتق منه: (أصلا وفرعا) ليس معناه أن أحدهما تولد من الآخر، وإنما هو باعتبار أن أحدهما يتضمن الآخر وزيادة.
وقول سيبويه: (إن الفعل أمثلة أخِذت من لفظ أحداث الأسماء) ؛ هو بهذا الاعتبار، لا أن العرب تكلموا بالأسماء أولا، ثم اشتقوا منها الأفعال، فإن التخاطب بالأفعال ضروري، كالتخاطب بالأسماء، لا فرق بينهما، فالاشتقاق هنا ليس هو اشتقاق مادي، وإنما هو اشتقاق تلازم، سُمي المتضمِّن - بالكسر: مشتقا، والمتضمَّن - بالفتح: مشتقا منه، ولا محذور في اشتقاق أسماء الله تعالى بهذا المعنى) [2] .
و (الرحمن الرحيم: اسمان كريمان من أسمائه الحسنى، دالان على اتصافه تعالى بصفة الرحمة، وهي صفة حقيقية له سبحانه، على ما يليق بجلاله، ولا يجوز القول بأن المراد بها لازمها؛ كإرادة الإحسان ونحوه؛ كما يزعم المعطلة.
واختلف في الجمع بينهما:
(1) شرح العقيدة الواسطية، ويليه ملحق الواسطية/ الشيخ محمد بن خليل حسن هرّاس (المتوفى 1395 هـ) ، ضبط نصه وخرَّج أحاديثه ووضع الملحق/ الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف، الناشر: دار الهجرة للنشر والتوزيع - الخبر، الطبعة الثالثة، 1415 هـ، ص 45 - 47.
(2) بدائع الفوائد/ العلامة محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى 751 هـ) ، تحقيق علي بن محمد العمران، الناشر دار عالم الفوائد - مكة المكرمة، الطبعة الأولى، 1425 هـ، 1/ 39 - 40.