(ففي آية الكرسي ذكر الحياة التي هي أصل جميع الصفات وذكر معها قيوميته المقتضية لذاته وبقائه وانتفاء الآفات جميعها عنه من النوم والسنة والعجز وغيرها ثم ذكر كمال ملكه ثم عقبه بذكر وحدانيته في ملكه وأنه لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ثم ذكر سعة علمه وإحاطته ثم عقبه بأنه لا سبيل للخلق إلى علم شيء من الأشياء إلا بعد مشيئته لهم أن يعلموه ثم ذكر سعة كرسيه منبها به على سعته سبحانه وعظمته وعلوه وذلك توطئة بين يدي ذكر علوه وعظمته ثم أخبر عن كمال اقتداره وحفظه للعالم العلوي والسفلي من غير اكتراث ولا مشقة ولا تعب ثم ختم الآية بهذين الاسمين الجليلين الدالين على علو ذاته وعظمته في نفسه) . [1]
سميت ب (آية الكرسي) ، لأن فيها ذكر الكرسي.
معنى كلمة (الكرسي)
كلمة (كرسي) من جهة اللغة مأخوذة من الكَرْسِ، والكَرْسِ هو الجمع في اللغة، ويقال للكرسي المعروف إنه كرسي لأجل أنَّ أعواده تُجمَعْ على هيئة ما.
فالكرسي يختلف عن المقعد الآخر بأنَّهُ أعواد مجموعة في اللغة، ومنه سُمِّيَ العلماء أيضاً كَرَاسِي لأجل أنهم جَمَعُوا العلم، لأجل معنى الجمع، وكذلك قيل للوَرَقْ المجموع على نحوٍ ما كُرَّاسة لأنها أوراق جُمِعَتْ.
فمادة الجمع مادة الكَرْسْ تعود إلى الجمع، ويقال تَكَرَّسَ فلان بالشيء إذا جَمَعَهُ أو تكرَّس فلان الشيء إذا جمعه إلى صدره أو جمعه إليه. فإذاً مادة الكرسي مأخوذة من الجمع. [2]
أما الكرسي الذي أضافه الله سبحانه وتعالى إلى نفسه فهو: موضع قدميه سبحانه وتعالى، قال ابن عباس رضي الله عنهما: (الكرسي موضع القدمين، والعرش لا يقدر قدره إلا الله عزّ وجل) . [3]
وقوله سبحانه وتعالى: (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ) ، الاضافة هنا على سبيل التشريف والتعظيم، كون الكرسي مخلوق من مخلوقات الله تعالى، ولا شك أن المضاف إلى الله يكتسب شرفا وعظمة.
والمضاف إلى الله تعالى:
(1) : الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة/ العلامة محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى 751 هـ) ، تحقيق علي بن محمد الدخيل الله، الناشر دار العاصمة، الرياض، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، 1408 هـ،4/ 1371.
(2) إتحاف السائل بما في الطحاوية من مسائل/ الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، المكتبة الشاملة، الاصدار 3.48. وانظر غير مأمور: لسان العرب لابن منظور وتاج العروس للزبيدي.
(3) قال الشيخ الالباني في مختصر العلو/75: وإسناده موقوف صحيح.