)) [1] . و قال المُحسن الجشمي المعتزلي: (( الرزق ماله أن ينتفع به و ليس لأحد منعه، و لا يكون إلا حلالا، و الحرام لا يكون رزقا ) ) [2] .
و قال محمود الزمخشري: (( ما مُكِّنَ الحي من الانتفاع به، وحظر على غيره أن يمنعه منه، ولذلك لم يسم مال الغاصب رزقا؛ لأن الله تعالى منعه من الانتفاع به ودعا غيره إلى منعه منه، ولو كان الحرام رزقا؛ لجاز أن ينفق منه الغاصب، وبالإجماع لا يجوز، بل يجب الرد ) ) [3] . و (( فإن قلت: أفتقولون فيمن أكل طول عمره من الحرام: ما أكل من رزق الله؛ لأنه لم يأكل مما أباحه له؟ قلت: ما نقول: إن الله رزقه من الحرام؛ ولا نقول: ما رزقه الله، بل قد رزقه حيث مكنه من التوصل إلى المنافع بالطرق المباحة، لكنه خالف عنها إلى غيرها ) ) [4] .
و أقول: موقفهم هذا لا يصح، أقاموه على خطئهم في موقفهم من إرادة الله الكونية، و إرادته الشرعية كما سبق أن بيناه. فظنوا أن الله تعالى لا يؤيد إلا ما يُحبه و هذا خطأ. لأن الصواب هو أن الله تعالى يريد ما يحبه و ما لا يُحبه؛ و لا يكون في مُلكه إلا ما يُريده، لكن يوجد فيه ما لا يُحبه و لا يرضاه. و إذا وُجد شيء في مُلكه فهو سبحانه قد أراده بالضرورة، و إلا لن يُوجد. و عليه فإن الله تعالى هو الرزاق الوحيد و لا رازق سواه، لكنه يرزق كل البشر بالرزق العام الذي يشمل كل بني آدم، يرزقهم بالشمس و الأمطار، و الحيوانات و النباتات، و الهواء الضوء. و هناك أرزاق أخرى مرتبطة بأعمال البشر الشرعية و غير الشرعية سواء المتعلقة بالمؤمنين أو بالكفار، فهنا هو الرزاق لهم أيضا حسب أعمالهم، و هم المسئولون عنها، و سيُحاسبهم عليها من جهة طريقة حصولهم عليها، و فيما أنفقوها، و لما أنفقوها، و من أين تحصّلوا عليها.
و الشاهد على ذلك هو أن الله تعالى نص صراحة على أنه يُعطي الدنيا بما فيها من أرزاق لمن يُحب و لمن لا يُحب من البشر. و لاشك أن كثيرا من أعمال هؤلاء أو أكثرها هي مخالفة للشرع، اكتسب بها أصحابها أرزاقا من حرام. قال تعالى: فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ
(1) الأشعري: مقالات الإسلاميين، ج 1 ص: 322.
(2) المحسن الجشمي: تحكيم العقول في تصح الأصول، ص: 125.
(3) الزمخشري: المنهاج في أصول الدين، ص: 25.
(4) نفسه، ص: 25