حماقة زائدة. لأنه إن كان شك في الحديث أو وجد فيه ما يُنكر، و ما لا يصح فليُبين ذلك بالدليل الصحيح و يُثبت بطلان الحديث. و في هذه الحالة يكون قد أنكر الحديث من دون ربطه بالنبي -عليه الصلاة- لأنه بالضرورة في هذه الحالة أنه لا يكون النبي قد قاله. لكن هذا الرجل المريض لغروره و قلة عقله كذّب الحديث، ثم انتقل إلى النبي- عليه الصلاة و السلام- و كذّبه إن كان قال الحديث، و أنه مُصر على موقفه. و هذا لا يصح و فيه تناقضان: الأول إن كان الحديث ليس صحيحا فلا يُمكن أن يقوله الرسول، لكن الرجل أنكره حتى و إن كان قاله ... و هذا لا يصح افتراضه لأن الحديث بما أنه غير صحيح لا يصح افتراض أن النبي- صلى الله عليه و سلم- قد قاله، و إن كان قاله فلابد أن يكون صحيحا، و لا يكون باطلا. و التناقض الثاني هو أن الرجل افترض إن كان قاله رسول الله، فهو -مع ذلك- يُكذّبه- و مُصر على موقفه، و هذا لا يصح، لأن وصفه للنبي بأنه رسول الله يُبطل زعمه، و إلا ما كان محمد رسول الله. لأنه يصح لا شرعا و لا عقلا الاعتقاد بأنه رسول الله من جهة، ثم الاعتراض عليه و رفض كلامه من جهة أخرى. فهذا الرجل لم يتبع الشرع و لا العقل، و إنما اتبع ظنونه و هواه، و ليس عنده من التفكير العلمي الصحيح إلا القليل، بل افتقده كلية في كلامه هذا!!.
و ثالثا إن هذا الرجل أقام الدليل الدامغ على تقديمه و أصحابه لآرائهم و أهوائهم على الشرع من جهة، و على عدم احترام الشرع و الإصرار على مخالفته إن خالف هواهم من جهة ثانية. و دلت الحادثة على قلة فهم الرجل، لأن الحديث صحيح و قد سبقت إلى ذلك. و الحديث ليس مستحيلا، فهو ممكن من جهة القدرة الإلهية، و قد رواه رسول الله تعالى من جهة ثالثة. و الرجل لا يعرف مصلحته، و لا كان ذكيا في الإجابة، فكان يكفيه أن يُصر على موقفه بأن الحديث غير صحيح، و بهذا يكون قد رد الحديث و لم يتعمد مخالفة الشرع و لا أصر على مخالفته من جهة رابعة. و لا ركب رأسه و هواه , و أظهر عناده و غروره و مسارعته إلى العصيان و التكذيب بلا مُبرر من جهة خامسة. فأين العقل و الفهم و الذكاء، الذي يتظاهر به المعتزلة.
و الشاهد الرابع يتضمن شعرا في مدح العقل للمعتزلي بشر بن المعتمر (ق: 3 هـ) يقول فيه [1] :
(1) الجاحظ: كتاب الحيوان، ج 7 ص: 87.