فهذا الصنف من أهل البدع والهوى، أعمل عقله ونظره وهواه في كتاب الله تعالى، فصار يفسره بهواه ويضرب الآيات بعضها ببعض، ورد الصحيح من السنة وأنكرها، وخالف إجماع الأمة.
فصار كمن قال الله تعالى فيهم (( إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) ) [1]
قال ابن كثير رحمه الله:
وقوله تعالى: (( إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم ) )أي يدفعون الحق بالباطل، ويردون الحجج الصحيحة بالشبه الفاسدة بلا برهان ولا حجة من الله.
(( إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه ) )أي ما في صدورهم إلا كبر على اتباع الحق، واحتقار لمن جاءهم به، وليس ما يرومونه من إخماد الحق وإعلاء الباطل بحاصل لهم، بل الحق هو المرفوع وقولهم وقصدهم هو الموضوع.
(( فاستعذ بالله ) )أي من حال مثل هؤلاء أو من شر مثل هؤلاء المجادلين في آيات الله بغير سلطان. [2]
وقال سبحانه (( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ، وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللَّهُ، وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ أمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ ) ) [3]
قال ابن كثير رحمه الله:
يخبر تعالى أن في القرآن آيات محكمات هن أم الكتاب أي بينات واضحات الدلالة لا التباس فيها على أحد ومنه آيات أخر فيها اشتباه في الدلالة على كثير من الناس أو بعضهم، فمن رد ما اشتبه إلى الواضح منه وحكم مُحْكَمَهُ على متشابهة عنده فقد اهتدى ومن عكس انعكس.
وقال رحمه الله:
ولهذا قال الله تعالى (( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) )أي ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل
(( فيتبعون ما تشابه منه ) )أي إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها لاحتمال لفظه لما يصرفونه، فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه، لأنه دافع لهم
(1) سورة غافر الآية 56
(2) تفسير لبن كثير (4/ 86) .
(3) سورة آل عمران الآية 7.