واعلم أن الطرد من رحمة الله نوعان: ـ
* الأول: طرد من عموم الرحمة وأصلها. وهذا خاص بالكافرين والمنافقين، كقوله تعالى ... {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً} وقوله {ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلاً} .
* الثاني: طرد من تمام رحمة الله أو من نوع من أنواعها. وهذا يقع لجملة من أهل التوحيد ممن وقع في موجِبِ اللعن كمن لعن والديه، كما جاء في حديث علي المذكور.
والفرق بين النوعين، أن الأول يستوجب إقصاء صاحبه عن الرحمة أبداً، فتحرم عليه الجنة ويخلد في جهنم. وأما الثاني فمآله إلى الجنة، وإن أُبعد عنها وقتاً إن شاء الله سبحانه، وإن شاء غفر له وتجاوز عنه، رحمة منه وغفراناً.
قوله [كلمات] تطلق الكلمة على غير القول المفرد أيضاً، كالجمل المفيدة ومنه قوله تعالى {كلا إنها كلمة} إشارة إلى قوله {رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً فيما تركت} ومنه كذلك الكلمات الأربع في حديث الباب.
قوله [لعن الله من ذبح لغير الله] أي: طرده من عموم رحمته لأن الذبح عبادة وصرفها لغير الله شرك أكبر. واعلم أن الذبح لغير الله له صفتان: ـ
* الأولى: أن يتقرب بالذبيحة لغير الله، ويقصده بها. فهذا شرك في العبادة، لأنه تألَّه بالذبح غير الله، وصرفه له، ولو ذكر اسم الله عليها.
* الثانية: أن يقصد بالذبيحة وجه الله، ولكنه ذكر غير اسم الله عليها، كأن يقول: بسم الجني فلان، أو بسم المسيح عيسى، ونحو ذلك، فهذا شرك في الربوبية، وبيانه أن الباء في (بسم) للاستعانة، وهي لا تصلح إلا لله هنا. فإشراك غير الله معه فيها شرك في باب الاستعانة، والاستعانة من معاني ربوبيته سبحانه.
قوله [لعن الله من لعن والديه] الوالدان: هما من ينسب وينتسب إليهما الابن. وقيل: بل هما أباه وأمه وإن عليا، وللعن الوالدين صورتين حقيقية وحكمية: ــ
فأما الحقيقية: فهي مباشرة الابن سب ولعن والديه بنفسه. وهذه الصورة هي ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم - (لعن الله من لعن والديه) .
وأما الحكمية: فما أخرجه الشيخان في صحيحيهما عن ابن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (من الكبائر شتم الرجل والديه. قالوا: يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه؟ قال نعم، يسب أبا الرجل فيسب أباه، ويسب أمه فيسب أمه) .