باب
قوله تعالى {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً يحبونهم كحب الله}
أراد المصنف من ذكر هذا الباب أن يبين وقوع الشرك في عمل من أعمال القلوب، ألا وهو المحبة، إذ إن المصنف رحمه الله شرع من قبل في شركيات تتعلق بالجوارح وشركيات تتعلق بالقلوب ومن أعظم تلك الشركيات التي تتعلق بالقلوب شرك ا لمحبة وهو الذي قصده المصنف رحمه الله في هذا الباب.
قوله [قوله تعالى {ومن الناس من يتخذ من دون الله أنداداً ... } ] (من الناس) تبعيضية، أي: أن هناك بعضاً من الناس يفعلون هذا الشيء؛ و (من) في قوله {من يتخذ} إما أن تكون موصولية بمعنى: (الذي) ، وإما أن تكون موصوفية فيقدر لها مصدر نكرة مناسب لها، فيكون المعنى بالموصوفية (ومن الناس من يتخذ اتخاذاً، أو قوماً، أو أشخاصاً من دون الله)
قوله [ {أنداداً} ] واحدها (نِدّ) ، وقد سبق معنا مراراً الكلام عن معنى الند من حيث اللغة، وقلنا هناك إن الصحيح أن الند يأتي بمعنى النظير المناويء لا بمعنى النظير فحسب، ولا بمعنى المناويء فحسب بل لابد من اجتماعهما.
قوله [ {يحبونهم كحب الله} ] للمفسرين رحمهم الله قولان في معنى هذه الآية: ــ
القول الأول: وهو الذي عليه أكثر السلف والمفسرين ووارد عن ابن زيد وعن مجاهد فيما أخرجه ابن جرير الطبري رحمه الله في (تفسيره) ألا وهو: أن المقصود مساواة المشركين المنددين محبتهم لذلك الند بالله سبحانه وتعالى. وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن قيم الجوزية عليهما رحمات رب البرية. ومن ثَمَّ يتبين أن قوله سبحانه {يحبونهم كحب الله} أي يحب أولئك المنددون أصنامهم وما نددوا به من دون الله يحبونهم كالمحبة التي يحبون فيها الله، وفي هذا إثبات لأولئك المشركين محبة عظيمة لله ولكنهم أشركوا مع الله غيره بحيث ساوو محبته عز وجل بمحبة غيره فوقعوا في الشرك والكفر ويؤيد ذلك قوله تعالى حكاية عن المشركين {إذ نسويكم برب العالمين} وفي هذا تصريح بالتسوية في باب المحبة والتعظيم وهو المقصود هنا.
وأما القول الثاني: وهو ما ذهب إليه جمع من المفسرين أن المقصود في قوله تعالى {يحبونهم كحب الله} أي يحب أولئك المشركون أندادهم كحب المؤمنين لله، وهذا فيه دلالة على تعظيم أولئك