فهرس الكتاب
الصفحة 65 من 293

باب

من الشرك الاستعاذة بغير الله

قوله [باب من الشرك الاستعاذة بغير الله] الاستعاذة مأخوذة من مادة (عَوَذَ) 0

قال الخليل بن أحمد: الاستعاذة هي: الالتجاء. وقال الأزهري: هي الالتجاء من خوف. ولذا يقول ابن القيم في كتابه (بدائع الفوائد) حقيقة الاستعاذة الهروب من شيءٍ يُخشى إلى ما يكون مأمناً من هذا الخوف.

ومن ثم يتبين أن حقيقة الاستعاذة ما توفر فيها قيدان: ــ

* القيد الأول: الالتجاء والاعتصام.

* والثاني: أن تكون هرباً من شيءٍ مخوف وشيءٍ يخشى، فإذا توفر هذان القيدان أُطلق على الشيء أنه: استعاذة أو عُوذة ونحو ذلك، ولذا قال بعض العرب: ـ

يا من ألوذ به فيما أؤمله ... ومن أعوذ به مما أحاذره

فجعل الاستعاذة متعلقة بما يُحذر، وجعل اللياذة متعلقة بما يرغب فيه 0 فتفسير الاستعاذة باللوذ غلط. إذ إن هناك فرقاً بينهما كما هو واضح في مثل ما ذكرناه من هذا البيت 0

وفي قول المصنف رحمه الله (من الشرك الاستعاذة بغير الله) تقصير في إيراد الكلم، إذ إن الاستعاذة منها ما هو شركي ومنها ما هو مشروع مباح، فأما الشركي فهو الاستعاذة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله، فهذا من أنواع الشرك الأكبر.

وهناك شرك أصغر وهو أن يستعيذ المرءُ بغير الله مما يقدر عليه هذا المخلوق ولكنه أورد الاستعاذة بـ (واو) التسوية، وهذا من الشرك اللفظي الأصغر، كأن يقول: أستعيذ بالله وبك أن تجيرني من هذا العدو اللدود الذي قدم عليّ؛ وهذا الرجل مستطيع أن يجيره منه، ولكنه لما أورد الاستعاذة بلفظ شركي أصبح من أنوع الشرك الأصغر.

فهاتان صورتان تدخلان تحت جنس الشرك؛ الصورة الأولى من أنواع الشرك الأكبر، والصورة الثانية من أنواع الشرك الأصغر.

وقد تكون الاستعاذة غير شركية، وضابط ذلك أن يستعيذ المرء بمخلوق يقدر أن يعيذه وليست من خصائص الله عز وجل، كما مثلنا لذلك مثلاً وهو أن يأتي شخص ليستعيذ بمخلوق ليحميه ويجيره من عدو قادم عليه، وهو قادر على حمايته، وهو حاضر يسمع، فشرط جواز الاستعاذة أمران: ــ

الأول: أن لا تكون من خصائص الله عز وجل 0 والثاني: أن يكون المخلوق قادراً على ذلك.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام