فهرس الكتاب
الصفحة 48 من 112

سارت مشر‍ِّقةً وسرت مغرّباً ... شتّان بين مشرِّقٍ ومغرِّبِ

فملة إبراهيم إذاً هي طريق الدعوة الصحيحة.. التي فيها مفارقة الأحباب وقطع الرقاب.. أما غيرها من الطرائق والمناهج الملتوية والسبل المعوجة المنحرفة تلك التي يريد أصحابها إقامة دين الله دون أن يستغنوا عن المراكز والمناصب، ودون أن يغضبوا أصحاب السلطان.. أو يفقدوا القصور والنسوان والسعادة في الأهل والبيوت والأوطان، فليست من ملة إبراهيم في شيء. وإن ادعى أصحاب هذه الدعوات أنهم على منهج السلف ودعوة الأنبياء والمرسلين.. فوالله لقد رأيناهم.. رأيناهم كيف يبشون في وجوه المنافقين والظالمين بل والكفّار المحادين لله ورسوله لا لدعوتهم ورجاء هدايتهم، بل يجالسونهم مداهنةً وإقراراً لباطلهم ويصفقون لهم ويقومون لهم إكراماً يبجلونهم ويدعونهم بألقابهم.. نحو: صاحب الجلالة والملك المعظم والرئيس المؤمن وصاحب السمو بل وإمام المسلمين وأمير المؤمنين مع أنهم حرب على الإسلام والمسلمين (1)

(1) فائدة مهمة تفضح علماء الحكومات: اعلم عافانا الله وإياك من تلبيس الملبسين أن ما يفعله كثير من الجهال وإن لقبوا بالمشايخ وتمسّحوا بالسلفية من تلقيب كثير من طغاة هذا الزمان بلقب أمير المؤمنين أو إمام المسلمين.. إنما ينهجون بذلك نهج الخوارج والمعتزلة في عدم اعتبار شرط القرشية في الإمام.. راجع في ذلك صحيح البخاري: كتاب الأحكام (باب: الأمراء من قريش) ، وغيره من كتب السنة والفقه والأحكام السلطانية فإنه أمر معروف لن تجد عناء في مراجعته.. ونقل الحافظ ابن حجر في الفتح عن القاضي عياض قوله: اشتراط كون الإمام قرشياً مذهب العلماء كافة وقد عدوها في مسائل الإجماع، ولم ينقل عن أحد من السلف فيه خلاف وكذلك من بعدهم في جميع الأمصار. قال: ولا اعتداد بقول الخوارج ومن وافقهم في المعتزلة"اهـ (31/91) ."

... * ثم رأيت الشيخ عبد الله أبا بطين وهو من علماء الدعوة النجدية يرد على بعض المعارضين المنكرين لتلقيب الشيخ محمد بن عبد الوهاب وعبد العزيز بن محمد بن سعود بلقب الإمام وهما غير قرشيين.. يقول:"ومحمد بن عبد الوهاب رحمه الله ما ادعى إمامة الأمة، وإنما هو عالم دعا إلى الهدى وقاتل عليه ولم يلقب في حياته بالإمام ولا عبد العزيز بن محمد بن سعود ما كان أحد في حياته منهم يسمى إماماً، وإنما حدث تسمية من تولى إماماً بعد موتهما"أهـ. انظر الدرر جزء الجهاد ص240، فانظر إلى هذا العالم الرباني كيف يتبرأ من ذلك وينكره رغم أن المذكورين كانا من دعاة الهدى، ولا يكابر مكابرة كثير من مشايخ الحكومات في هذا الزمان الذين يصرون على تسمية طواغيتهم بالإمام وأمير المؤمنين.. فبشراهم بأنهم على نهج الخوارج سائرون.. ذلك الوصف الذي طالما رموا به طلبة العلم ودعاة الحق الذين ينابذون طواغيتهم..

ورموهمُ بغياً بما الرامي به ... أولى ليدفع عنه فعل الجاني

يرمي البريء بما جناه مباهتاً ... ... ولذاك عند الغرّ يشتبهان

وهذا كله بالنسبة لشرط القرشية، فكيف إذا انضم إلى ذلك انعدام العدالة والعلم والحكمة وغير ذلك من شروط الإمامة؟ وكيف إذا عُدم الإسلام والإيمان؟ كيف، كيف؟

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام