والمباحث وغير ذلك..
ولقد كانت مواقف السلف مع أمراء زمانهم - الذين لا تصح بحال من الأحوال مقارنتهم بهذا الطاغوت وأمثاله - مواقف حازمة واضحة نظيفة.. وأين مواقف كثير من أصحاب الدعوات في زماننا هذا منها.. مع شهرة هؤلاء وتصفيق أتباعهم لهم.. ومع أن أولئك السلف ما تخرجوا من كليات العلوم السياسية أو الحقوق، ولا كانوا يقرأون الجرائد أو المجلات النتنة بحجة التبصر بمكايد الأعداء.. مع ذلك كانوا يفرون من السلطان وأبوابه والسلطان يطلبهم ويغريهم بالأموال وغيرها.. أما المنتسبون إليهم اليوم ممن لعب الشيطان بدينهم فيطلبون صلاح دنياهم بفساد دينهم؛ فيأتون ويطلبون أبواب السلطان والسلطان يذلهم ويعرض عنهم.. وكان السلف رضوان الله عليهم ينهون عن الدخول على أمراء الجور، حتى لمن أراد أمرهم بالمعروف أو نهيهم عن المنكر، مخافة أن يفتتن بهم فيداهنهم أو يجاملهم لإكرامهم أو يسكت عن بعض باطلهم ويقره، ويرون أن البعد عنهم واعتزالهم خير براءة وإنكار لأحوالهم.. واستمع إلى سفيان الثوري وهو يكتب إلى عباد بن عباد فيقول في كتابه:"إياك والأمراء أن تدنو منهم أو تخالطهم في شيء من الأشياء، وإياك ويقال لك لتشفع وتدرأ عن مظلوم أو ترد مظلمة فإن ذلك خديعة إبليس.. وإنما اتخذها فجار القراء سلماً.."اهـ. من سير أعلام النبلاء (13/586) وجامع بيان العلم وفضله (1/179) فانظر إلى سفيان رحمه الله تعالى وهو يسمي ما يصفه دعاة اليوم بمصلحة الدعوة:"خديعة إبليس".. ولم يقل لصاحبه كما يفعل كثير من دعاة هذا الزمان الذين يضيعون أعمارهم في طلب مصلحة الدعوة ونصر الدين عند أعدائه ومحاربيه:"لا يا أخي!! اثبت وجودك وتقرب إليهم لعلك تحصل على منصب أو كرسي في مجلس الوزراء أو مجلس الأمة، ولعلك تقلل من الظلم أو تنفع إخوانك. ولا تترك هذا المنصب للعصاة والفجرة ليستغلوه.. و... و.."بل وصف ذلك بأنه سلم للدنيا عند فجار القراء وإذا كان هذا في زمانه فكيف