فالذين يصدّرون أنفسهم للدعوة في هذا الزمان بحاجة إلى تدبر هذا الأمر جيداً ومحاسبة أنفسهم عليه كثيراً، لأن دعوة تسعى لنصرة دين الله ثم تلقي بهذا الأصل الأصيل وراءها ظهرياً لا يمكن أن تكون على منهج الأنبياء والمرسلين.. وها نحن نعايش في هذا الزمان انتشار شرك التحاكم إلى الدساتير والقوانين الوضعية بين ظهرانينا، فيلزم هذه الدعوات ولا بد، التأسي بنبيها في اتباع ملة إبراهيم بتسفيه قدر هذه الدساتير وتلك القوانين وذكر نقائصها للناس وإبداء الكفر بها وإظهار وإعلان العداوة لها ودعوة الناس إلى ذلك.. وبيان تلبيس الحكومات وضحكها على الناس.. وإلا فمتى يظهر الحق، وكيف يعرف الناس دينهم حق المعرفة، ويميزون الحق من الباطل والعدو من الولي.. ولعل الغالبية يتعذرون بمصلحة الدعوة وبالفتنة.. وأي فتنة أعظم من كتمان التوحيد والتلبيس على الناس في دينهم، وأي مصلحة أعظم من إقامة ملة إبراهيم وإظهار الموالاة لدين الله والمعاداة للطواغيت التي تعبد ويدان لها من دون الله، وإذا لم يبتل المسلمون لأجل ذلك وإذا لم تقدم التضحيات في سبيله فلأي شيء إذاً يكون البلاء.. فالكفر بالطواغيت كلها واجب على كل مسلم بشطر شهادة الإسلام.. وإعلان ذلك وإبداؤه وإظهاره واجب عظيم أيضاً لا بد وأن تصدع به جماعات المسلمين أو طائفة من كل جماعة منهم على الأقل، حتى يشتهر وينتشر ويكون هو الشعار والصفة المميزة لهذه الدعوات كما كان حال النبي - صلى الله عليه وسلم -، ليس في زمن التمكين وحسب بل وفي زمن الاستضعاف، حيث كان يشار إليه بالأصابع ويحذر منه ويوصف بعداوة الآلهة وغير ذلك.. وإننا لنعجب أي دعوة هذه التي يتباكى أولئك الدعاة على مصلحتها وأي دين هذا الذي يريدون إقامته وإظهاره وأكثرهم يلهج بمدح القانون الوضعي - ويا للمصيبة - وبعضهم يثني عليه ويشهد بنزاهته وكثير منهم يقسم على احترامه والالتزام ببنوده وحدوده، عكساً للقضية والطريق فبدلاً من إظهار