إذا علمنا ذلك يجب علينا -كما فهمنا مسائل أحكام الله سبحانه وتعالى وأنواعها، والعلل التي لأجلها أمر الله جل وعلا بامتثال حكمه، وأن الله جل وعلا غني عن ذلك الامتثال، وأن مرد تلك المنافع هي للناس وللبشرية، وأن الناس يجب عليهم أن يمتثلوا لمصلحة ذاتهم، فإنهم لم يبلغوا ضر الله فيضروه سبحانه وتعالى، وإنما النفع والضر هو منهم وإليهم، فإذا خالفوا نزلت عليهم العقوبة، وإذا امتثلوا نزلت عليهم الرحمة- يجب الأخذ بعين الاعتبار في مواضع دفع البلاء، ومخالفة أمر الله سبحانه وتعالى، وذلك بأمور متعددة.
أولها: الإصلاح الذي يقي الله جل وعلا به الأمة من شر البلاء والمصائب التي تظهر من مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى. فمن الحكم الظاهرة أنه لوجود المصلحين في المجتمعات الإسلامية كوجود كثير من المصلحين في مصر، ووجود كثير من المصلحين في تونس ونحو ذلك، حمى الله جل وعلا المجتمعات من البلاء العظيم الذي لو كانوا على مظلمة على سبيل الاشتراك حكاماً ومحكومين لنزل بهم البلاء العظيم؛ فإن الله جل وعلا قد أزال حكاماً قد تمكنوا في الأرض السنة الكونية في الأغلب أنهم لا يزولون إلا بإراقة دماء عريضة، فالله جل وعلا سلم الشعوب لوجود المصلحين فيهم، وأخذ الله جل وعلا الظلمة بأعيانهم، وهذا من أعظم وجوه الاعتبار، والنظر في أن الله جل وعلا يحمي المجتمعات إذا وجد فيها المصلحون، ولو وجد فيها الظلمة الذين يأطرونهم على الباطل والبغي، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى ولطفه بالشعوب، أن الله جل وعلا قد يسلط على مجتمع من المجتمعات أو بلدة يسيرة، أو ربما على دار أو على أسرة، يسلط عليها ولي أمر يسوم الزوجة والأبناء والذرية الظلم ونحو ذلك، فإذا أقاموا العدل فيما بينهم، وأصلحوا وأنكروا فيما هم فيه، فإن الله جل وعلا لا يعمهم جميعاً بذلك العقاب.