الصفحة 10 من 33

قال الله جل وعلا في كتابه العظيم: فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ * إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:94 - 95] ، فجعل الله جل وعلا المعارضين لحكمه سبحانه وتعالى على نوعين: نوع كفروا في ذاتهم فلازموا الكفر من غير تمرد على سنن الله في الكون، ونوع قد استهزأوا فزادوا في المخالفة تمرداً، وخروجاً عن حكم الله القدري صورة، وإن انساقوا في أمر الباطل، فهؤلاء مكفيون يكفون أهل الإيمان، هؤلاء بأن الله سبحانه وتعالى لا يمكن لهم في الأرض؛ ومن نظر إلى سنن الله جل وعلا في الأمم يجد أن الله سبحانه وتعالى يمكن للأمة أو الجماعة وكذلك البلدان التي تمتثل أمر الله سبحانه وتعالى ولو ظاهراً، حتى وإن خالفت باطناً فيما بينها في الأمور المتعدية، فيجعل لها تمكيناً في الأرض بخلاف غيرها؛ ولهذا فإن الإنسان كلما نقص بامتثال حكم الله سبحانه وتعالى كان أقرب إلى لحوق العقاب به.

والناظر والمتأمل في سنن الله جل وعلا للأمم يجد أن الله سبحانه وتعالى لا يعاقب الأفراد في الدنيا عقوبة تامة إلا بمنازعة الله جل وعلا في حكمه في قضائه وقدره، ولا يعاقب الله جل وعلا الفرد بمخالفته لحكم الله جل وعلا في شرعه إذا كان ذلك لازماً له لا يتعدى إلى غيره؛ وذلك لعظم الأول وشدته، وكذلك لأن الأول يلزم منه التعدي بالمظالم، ولا يصدر بالأغلب إلا من تمكن في الأرض من أهل الترف والحكام والسلاطين، والذين يأمرون وينهون من المترفين وغير ذلك، فإنه يبدر منهم من البغي والظلم في حق الله جل وعلا وحكمه الأول ما لا يظهر في الثاني؛ فإن الثاني تابع للأول، والأول ليس بتابع للثاني كما لا يخفى؛ ولهذا ينزل الله جل وعلا عقابه على الأمم، ولو كان الظالم واحداً إذا كان الظلم قد استشرى.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام