ويظهر هذا أيضاً أن الله سبحانه وتعالى حينما يمكن لعبد من عباده في الأرض سواء كان من أهل الخير، أو كان من أهل الشر أن ذلك من أنواع الابتلاء والاختبار؛ ليميز الله جل وعلا حال الصالح في حال صلاحه هل يشكر أم يكفر؟ وحال الفاسق الخارج عن أمر الله سبحانه وتعالى إما أن يملي له ليزداد غياً في غيه، وإما أن يرجع فيما هو عليه، والعقوبة في ذلك ربما تأتيه في أول طريقه، وربما تأتيه بآخر طريقه أو في أوسطه بحسب حكمة الله سبحانه وتعالى المتعدية التي أراد الله جل وعلا بها الاعتبار المتعدي للغير، وهذا من الحكم أيضاً في مسألة الإملاء، والإمهال من الله سبحانه وتعالى، فإن الله جل وعلا يمهل العباد ولا يهملهم جل وعلا فيما يخالفون به أمره.
وأما ما ينبغي للإنسان أن يكون على بينة منه في هذين الحكمين وهما حكم الله جل وعلا القدري، وحكم الله جل وعلا الشرعي: أن يعلم أنه إذا بغى وتعدى في حكم الله الشرعي فإنه سينتهي به إلى مناقضة الله ظاهراً في حكمه القدري، فالذي يبتدئ بمعصية في مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى في أمور العبادات بالهوى ونحو ذلك، فإن هذا الأمر يتعدى إلى المكاثرة بالمعاصي والذنوب ومخالفة أمر الله سبحانه وتعالى حتى تصل إلى مرتبة التشريع من دون الله جل وعلا، فتكون تلك المعصية تشريعاً، ويكون ذلك الكفر ديناً بعد أن كان كفراً، وتكون تلك الشهوة شبهة، فإذا كانت الشهوة شبهة، فتتعدى الشبهة بعد ذلك إلى أن تكون عقيدة فهو طريق يوصل إلى الشهوات، وهذا أمر معلوم أن الشهوات طريق يوصل إلى الشبهات، وأما الشبهات فإنه لا يلزم أن توصل إلى الشهوات كما هو معلوم.