وأما الحكم الأول وهو السير على قضاء الله جل وعلا فهي تسير كغيرها من الجمادات، فامتازت على الجمادات بنوع تكليف هو العدل، اشتركت فيه مع بني آدم، فامتازت على الجماد في هذا الباب. والله سبحانه وتعالى يعدل بين البهائم يوم القيامة، ويقتص من الشاة القرناء للشاة الجماء، إلا أن الله سبحانه وتعالى لا يحاسبها على عدم قيامها بعبادات بذاتها؛ لعدم ورود التكليف، ولعدم ورود آلته من جهة الأصل. إذاً علمنا أن حكم الله سبحانه وتعالى الشرعي بنوعيه متلازم وله صلة بالحكم الأول.
إذا أردنا أن نرتب أحكام الله سبحانه وتعالى للمخلوقات بحسب أهميتها، نرتب الحكم الأول، وهو قضاء الله سبحانه وتعالى وقدره جل وعلا على غيره، فيجب على الإنسان أن يؤمن أن الله جل وعلا خلق الخلق، وهذا له صلة بربوبية الله جل وعلا، والخالق يستحق العبادة، والمخلوق لا يستحقها، فالألوهية لازمة للربوبية، والربوبية لازمة للألوهية، وبينهما تلازم ووشائج قوية؛ لهذا كان الحكم الأول أولى بالصدارة من غيره، والسعي في مخالفة الحكم الأول -ولو صورة- أعظم من مخالفة الحكم الثاني بنوعيه، وذلك أن الذي يزعم أنه يتصرف في الكون من دون الله سبحانه وتعالى أعظم جرماً ممن خالف حكم الله سبحانه وتعالى في شرعه. فمن نازع الله جل وعلا في حكمه وقضائه في الكون كحال كثير من الظلمة والطغاة الذين مكن الله جل وعلا لهم في الأرض نوع تمكين كحال فرعون وقارون، وغيرهم من بني إسرائيل، ومن سبقهم أيضاً من الأمم الغابرة، ومن جاء بعدهم أيضاً من بني إسرائيل، فإنهم إن نازعوا الله جل وعلا في أصل حكمه فإنهم يستحقون العقوبة عاجلاً.