ولقد حرم الله جل وعلا المظالم بين البشر، وأمر بأداء الحقوق، ولحكمة الله سبحانه وتعالى وتمام عدله أمر البهائم بأن تعدل فيما بينها في هذا الأمر، ولم يأمرها سبحانه وتعالى بالعبادات اللازمة، وإنما أمرها بالأمور المتعدية لأهمية ذلك على البهائم من جهة استقامة أمرها، فالله سبحانه وتعالى أمر البهائم بالعدل فيما بينها، وحرم عليها الظلم، كما حرمه الله جل وعلا على أهل العقل من الجن والإنس، وذلك أن الحياة لا تستقيم إلا بذلك، فإذا نزع ذلك الامتثال منها نزل بها عقاب الله سبحانه وتعالى؛ لهذا فإن ظلم الناس لغيرهم أقرب لعقاب الله سبحانه وتعالى من ظلم الإنسان لنفسه، فالله جل وعلا يمهل الإنسان الفرد، ولكنه لا يمهل الجماعة؛ لأن الجماعة ربما تأتي من جهة السيئة والخطيئة التي تقع بها على الفرد، ولكن الفرد لا يأتي بالسيئة التي يقع بها على الجماعة، وهذا أمر معلوم بالنظر إلى سنن الله الكونية في الأمم السابقة، وكذلك في النصوص الشرعية من كلام الله سبحانه وتعالى، وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا أمر معلوم مسلم به. يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح من حديث أبي هريرة: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها، وليقتصن الله من الشاة القرناء للشاة الجماء) ، في هذا أن الله سبحانه وتعالى يبين أنه يقتص للشاة الجماء، ومقتضى هذا القصاص أن ثمة تكليفاً، وإلا فالله جل وعلا لا يعذب أحداً بأي نوع من أنواع العذاب إلا وقد سبقه بيان قبل ذلك؛ ولهذا قال الله جل وعلا على الإطلاق: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15] ، فالله سبحانه وتعالى قد كلف البهائم بنوع تكليف، بالإنصاف والعدل فيما بينها، وما أمرها بعبادة لازمة تقوم بها.