الصفحة 24 من 33

وإنما يسلم الله جل وعلا المجتمع بحسب وجود المصلحين فيهم، والله سبحانه وتعالى لا يعاقب الأمة ما وجد فيها المصلحون؛ ولهذا قال الله جل وعلا كما تقدم: وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ [هود:117] ، فإذا وجد المصلح -ولو وجد الشر واستطار- فإن الله جل وعلا يحمي البلد من العقاب، وأما إذا وجد الصالح فدفع الصالح ولو كان أكثر صلاحاً في ذاته من المصلح في ذاته؛ لأن أمر المصلح متعدٍّ وأمر الصالح لازم، المصلح يدفع البلاء اليسير، ولكنه لا يدفع البلاء العظيم؛ لهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قالت له أم المؤمنين: (يا رسول الله! أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم) ، هل هو على الإطلاق؟ لا. قال: (إذا كثر الخبث) .إذاً: وجود الصالحين يدفع الخبث اليسير؛ والله جل وعلا يرحم أهل الدار بوجود صالح فيهم، ولو لم يكن مصلحاً، ويرحم الله جل وعلا أهل بلدة بوجود صالحين فيهم، ولكن إذا كثر فإن دفع الصالح بصلاحه لا يتعدى إلى الشر العظيم. إن وجود الإصلاح في مجتمع من المجتمعات يحمي الله سبحانه وتعالى به المجتمع، ولو كان المصلح في ذلك واحداً، لماذا؟ لأن الله جل وعلا جعل الحماية في وجود المصلح بذاته؛ لأن المراد بالإصلاح هو إصلاح العقائد كما هو إصلاح الظواهر، الإنسان حينما يكون مصلحاً ويدفع شراً يوجد في الأمة أو يدعى إليه فلا يستجيب لتلك الدعوة، فإنه من المصلحين، لماذا؟ لأن الأنبياء والمرسلين واجههم أقوامهم بحجة: إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ [الزخرف:22] ، ما هي هذه الأمة؟ على منهج وطريقة، هذه الطريقة كانت محل إجماع، أين المصلحون؟ لا يوجد مصلحون في ذلك، وإنما لو وجد مصلح واحد لما قالوا: إنا وجدنا آباءنا على أمة على منهج، لو وجد من آبائهم مصلح، ولو خالف من جهة العمل.

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام