الصفحة 25 من 33

ولهذا المصلح يمنع هذه الحجة من جيل يأتي يقول: إننا لم نكن على هذا الأمر، ولم يأت أحد بهذا الحكم إلا أنت، وذلك لأنه قد حجب في قرن من الزمن، أو في عقد من الزمن، ولجهل بعض الناس يقولون في الحق الذي يجهلون حقيقته: لا نعلم من أتى بهذا الحكم إلا أنت، أو لا نعلم من أتى بهذا الحكم وهذه الشريعة إلا فلان، أو أنتم ونحو ذلك؛ وذلك لأنه ثمة حقبة من الحقب أو بلدة من البلدان عاش فيها أولئك قد غاب عنهم المصلح، ولكن ذلك الغياب إن وجد في الأمة فإن لازمه أن المخالفة والفساد يكون باطناً وظاهراً؛ لأن كثيراً من الناس يفعل المخالفة والإفساد في الظاهر، ولكن في الباطن يقر بأن هذا من الأمور الخاطئة. وكثير من الناس يسرقون ويزنون ويشربون الخمر ويقعون في الكبائر لماذا؟ لأن هذه الفواحش وغيرها قد فتحت أبوابها لهم، ولو سئلوا في قرارة أنفسهم لقالوا: حرام، من الذي بين لهم أنه حرام؟ وجود المصلحين، ولو لم يمتثلوا ظاهراً، فالله جل وعلا يحمي الأمة من نزول هذا العقاب على أمثال هؤلاء المفسدين بوجود المصلح الذي أصلح السرائر، وإن فسدت الظواهر؛ لأن البواطن تصلح الظواهر، وأما الظواهر فلا تصلح البواطن، بل هي من علامات النفاق، ووجود المصلحين في الأمة من الأمور المهمة التي يحمي الله جل وعلا بها الأمة من نزول العقاب؛ ولهذا موسى عليه السلام قال لقومه: اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ [الأعراف:128] .

حجم الخط:
شارك الصفحة
فيسبوك واتساب تويتر تليجرام انستجرام