كثير من الأمم تخالف أمر الله سبحانه وتعالى في حكمه جل وعلا وقضائه في الأمور المتعدية، فيقعون في نوع من العقوبات المخالفة لأمر الله سبحانه وتعالى، ولكن هذه المخالفة مخالفة متعدية باستيفاء حكم الله جل وعلا وزيادة بمخالفة أمر الله جل وعلا بالزيادة بالعقوبة، ومخالفة أمر الله سبحانه وتعالى بالزيادة بالعقوبة أهون من تعطيل حكم الله جل وعلا بالكلية؛ وذلك أن الله جل وعلا ما جعل الأحكام الشرعية في العدل بين الناس إلا ليستوفيها الإنسان، وبقدر زيادة الإنسان على أحكام الشريعة كالذي يقتل مثلاً بالسرقة، أو يقتل الزاني غير المحصن ونحو ذلك، فإن هذا من العقوبات المتعدية على حكم الله جل وعلا، فهو إنزال عقوبة، ولكن زاد عن الحد الذي أمر الله جل وعلا به، والإنسان في ذلك تنزل عليه العقوبة بقدر الزيادة التي خالف فيها أمر الله، ويمنع من نزول البلاء والعقوبة العامة بحسب القدر الذي وافق أمر الله جل وعلا؛ لهذا كثير من الذين يسنون الأنظمة والقوانين توافق كثيراً أمر الله جل وعلا ظاهراً، وتخالفها باطناً، يعني: أنهم يسنون الشرائع الموافقة بإعادة الحقوق إلى أصحابها، وإن كانوا مخالفين فاستحقوا التشريع من دون الله عند أنفسهم فكفروا باطناً، إلا أن العدل بدا ظاهراً فحماهم الله جل وعلا من نزول البلاء عليهم من هذا الوجه؛ لأنهم عدلوا ظاهراً وكفروا وظلموا باطناً، فكان الكفر والظلم الباطن متعلقاً بالأفراد، وأما العدل الظاهر فهو متعلق بالجماعات، وعقاب الله سبحانه وتعالى في بغي الناس ومخالفتهم لأمر الله سبحانه وتعالى يتعلق بالأمور الظاهرة المتعدية أكثر من الأمور اللازمة للأفراد غير المتعدية، ومن نظر إلى عقاب الله جل وعلا للأمم السابقة في إنزال العقوبات في ذلك يجد هذا شبيهاً بالمطرد مع استثناءات يسيرة في ذلك، ولله جل وعلا في ذلك الحكم البالغة.