سلسلة منهاج المسلم - (65)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة، ليلة الخميس من يوم الأربعاء، ندرس كتاب منهاج المسلم.

وها نحن في الفصل الثامن في: خلق الإحسان، نحن في كتاب الأخلاق ونحن مع خلق الإحسان، فهيا بنا نتعلم ونعمل إن شاء الله.

[ المسلم ] وقد عرفتم من هو المسلم بحق وصدق، الذي أسلم قلبه ووجهه لله، فقلبه لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، ووجهه لا يقبل به راجياً ولا راغباً ولا طامعاً إلا في الله. [ لا ينظر إلى الإحسان وأنه خلق فاضل يجمل التخلق به فحسب ] لا. المسلم حقيقة الإسلام لا ينظر إلى الإحسان أنه خلق فاضل يجمل التخلق به وكفى [ بل ينظر إليه وأنه جزء من عقيدته ] جزء من عقيدة لا إله إلا الله محمد رسول الله [ وشقص كبير ] أي: قسط كبير [ من إسلامه؛ إذ الدين الإسلامي مبناه على ثلاثة أمور ] أي: على ثلاثة قواعد أو دعائم. ما هي؟ [ الإيمان، والإسلام، والإحسان ] فالإحسان إذاً جزء من العقيدة، وليس مجرد خلق. [ كما جاء ذلك في بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه السلام ] كما جاء ذلك في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم مع جبريل عليه السلام، إذ جاء جبريل ودخل المسجد وشق الصفوف، وانتهى إلى رسول الله، وجلس بين يديه وسأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، فكان الإحسان الجزء الثالث من عقيدة المسلم. [ في الحديث المتفق عليه] بين البخاري ومسلم [ لما سأله عن الإيمان والإسلام والإحسان، وقال عقب انصرافه: (هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم ) ] جاء في صورة خليفة بن دحية الكلبي ، وكان رجلاً من الأنصار ومن خيرة الرجال، حسن الوجه والقامة، فجاء جبريل في صورته، فلما سأل وانصرف قال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: ( أتدرون من هذا؟! قالوا: لا. قال: هذا جبريل أتاكم ليعلمكم أمر دينكم ) [ فسمى الثلاثة ديناً ] هذه الثلاثة هي: الإيمان، الإسلام، الإحسان، إذ قال: ( ليعلمكم دينكم ).

الأدلة على الأمر بالإحسان من الكتاب والسنة

[ وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان في غير ما موضع من كتابه الكريم ] في غير ما سورة وآية أمر الله بالإحسان، وأمر الله يجب أن يطاع [ إذ قال تعالى: وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ البقرة:195 ] ] أحسنوا في أعمالكم وأقوالكم وعباداتكم؛ فإن الله يحب المحسنين! أحسنوا إلى إخوانكم، إلى أقاربكم، إلى جيرانكم؛ فإن الله يحب المحسنين! [ وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ [ النحل:90 ] ] كما يأمر بالعدل يأمر بالإحسان [ وقال سبحانه: وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا [ البقرة:83 ] ] إذا كلمتم إخوانكم فقولوا القول الحسن، لا الشيء القبيح [ وقال: وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [ النساء:36 ] ] كل هؤلاء يجب أن نحسن إليهم، ويحرم أن نسيء إليهم، فالوالدان يجب أن نحسن إليهما، قرابتنا، اليتامى، المساكين، الجيران: الجار القريب، الجار البعيد، الصاحب بالجنب، الملازم لك كالزوجة والخادم، وابن السبيل أيضاً، وما ملكت أيمانكم من الإماء والعبيد.

ومعنى هذا: أن الإحسان واجب في كل حياتنا، إذ لا تجوز الإساءة أبداً لا مع القريب ولا مع البعيد، بل الإحسان دائماً في القول والعمل والسلوك. هذه الآيات والأحاديث بعدها، عندنا قال الله قال رسوله، فهو مصدر ديننا ومعتقدنا وعبادتنا.

[ وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ) ] عندما تقلم أظافرك أحسن في قلم أظافرك، عندما تريد أن تجلس أحسن في جلوسك، عندما تريد أن تمشي أحسن في مشيتك، عندما تريد أن تتكلم أحسن في كلامك، وهكذا..

كتب الإحسان في كل شيء، ليست الإساءة عندنا أبداً، إذا قمنا، إذا عملنا، إذا استرحنا، إذا نمنا؛ لا بد دائماً من الإحسان، فالإساءة لا تصح؛ لأنها سوء وتقود إلى السوء والعياذ بالله تعالى [ ( فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) ] إذا أردت أن تقتل كافراً فأحسن قتله، فلا تشوهه ولا تعبث به، بل أحسن قتله بقطع الرأس، (وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة) هذا يتناول ذبح البقر وذبح الحيوانات، (وليحد أحدكم شفرته) سكينه حتى يكون ماضياً نافياً، لا يأت بسكين قاس ويذبح به، فهذا حرام لا يجوز، (وليرح ذبيحته) لا يعذبها في إمساكها، لا بد أن يعرف كيف يمسكها، وكيف يسرع في ذبحها؛ رحمة بها.

إذاً: لم يبق مكان ليس فيه الإحسان، إذ كل حياتنا متطلبة الإحسان، فعجب هذا الحديث! والجاهلون بهذا يعذبون الحيوانات أشد العذاب، ويعبثون بها، وهذا شأن الجاهلين.

الإحسان في العبادات

قال: [ والإحسان في باب العبادات: أن تؤدى العبادة أياً كان نوعها من صلاة أو صيام أو حج أو غيرها أداءً صحيحاً ] الإحسان في العبادة من الوضوء والغسل إلى الصلاة والصيام: أن تؤدى أداءً صحيحاً، ويراعى فيها كميتها وزمانها ومكانها وكيفيتها، فالإحسان في العبادات يكون بأدائها على الوجه الذي شرع الله عز وجل وبين رسوله صلى الله عليه وسلم، وذلك [ باستكمال شروطها وأركانها، واستيفاء سننها وآدابها، وهذا ما لا يتم للعبد إلا إذا كان حال أدائه للعبادة يستغرق في شعور قوي بمراقبة الله عز وجل، حتى لكأنه يراه تعالى ويشاهده ] هذه فقدناه وقد بينها الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا يمكن أن تحسن عبادتك- سواء كان في الوضوء أو كان في الصيام أو الصلاة أو أية عبادة- إلا إذا كنت حال فعلك لها تراقب الله عز وجل كأنه ينظر إليك، ومن ثم لا تستطيع أن تفسد فيها شيئاً أو تقدم أو تؤخر أو تعبث؛ حتى إذا رآك الفقيه قال لك: صلاتك صحيحة، (وذلك باستكمال شروطها) الوضوء له شروط، والصلاة لها شروط والصيام وهكذا [ أو على الأقل يشعر نفسه بأن الله تعالى مطلع عليه ناظر إليه؛ فبهذا وحده يمكنه أن تحسن عبادته ويتقنها، فيأتي بها على الوجه المطلوب والصورة الكاملة لها، وهذا ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تره فإنه يراك ) ] هذا جواب الرسول صلى الله عليه وسلم لجبريل: ما الإحسان يا رسول الله؟ قال: (أن تعبد الله كأنك تراه). على سبيل المثال دائماً نقول: إذا كنت تعمل مع معلم وأنت بين يديه: هل تستطيع أن تخون أو تغش أو تخدع وأنت بين يديه تعمل؟! لا تستطيع، لكن لو غاب فإن ذلك ممكن، لكن ما دمت تراه بين يديك فستحسن عملك وتتقنه.

إذاً: المرتبة الأولى: المرتبة السامية العالية- جعلنا الله من أهلها- أن تعبد الله كأنك تراه، فإن عجزت عن هذه المرتبة- وقل من يفوز بها- فلتعبده وأنت تعلم أنه يراك، وهو والله يراك، فمن عبد الله على إحدى الصورتين أتقن عبادته وأحسنها، ومن عبد الله وهو كأنه لا يرى الله، وهو لا يعلم أن الله يراه؛ فوالله لا يتقنها ولا يحسنها أبداً، وإذا لم تحسن تنتج؟ لا. أما إذا أتقنها فإنها تنتج الحسنات، وتزكي النفس وتطهرها، وتعمل فيها العجب بطهارتها، وإذا كانت فاسدة والله لا تعمل شيئاً؛ ولهذا يصلي ويخرج يغني، يصلي ويذهب إلى البنك للربا، يخرج من الصلاة ليسكر ويقوم بالتدخين، أين آثار الصلاة؟! لم تفعل شيئاً؛ لأنه والله! ما أتقنها، ما أدى هذا الركن العظيم بها، ما كان يراقب الله تعالى في صلاته، ولا يؤمن بأن الله يراقبه وينظر إليه، فلم تنتج الحسنات؛ فعميت النفس وظلُمَت.

فالإحسان في العبادات هو أن تؤدى العبادة أياً كان نوعها من صلاة أو صيام أو حج أو غيرها، أن تؤدى أداءً صحيحاً، وذلك باستكمال شروطها وأركانها واستيفاء سننها وآدابها، وهذا كله يتوقف على العلم، فالعلم فريضة على كل مؤمن ومؤمنة، إذ كيف تؤدي العبادة بدون أن تعلم؟!

قال: [ وهذا ما لا يتم للعبد إلا إذا كان حال أدائه للعبادة يستغرق في شعور قوي بمراقبة الله عز وجل، حتى لكأنه يراه تعالى ويشاهده، أو على الأقل يشعر نفسه بأن الله تعالى مطلع عليه ناظر إليه؛ فبهذا وحده يمكنه أن يحسن عبادته ويتقنها، فيأتي بها على الوجه المطلوب والصورة الكاملة لها، وهذا ما أرشد إليه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: ( الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تره فإنه يراك )]

هذه مرتبتان أعلاها: كأنك ترى الله.

والثانية إذا عجزت عن هذه: أن تعلم أن الله يراك.

الإحسان في المعاملات

قال: [ وأما الإحسان في باب المعاملات: فهو للوالدين ببرهما الذي هو طاعتهما وإيصال الخير إليهما، وكف الأذى عنهما، والدعاء والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما ] الإحسان للوالدين يكون:

(ببرهما) أي: بفعل الخير لهما، الذي هو طاعتهما وإيصال الخير إليهما.

(وكف الأذى عنهما) ولو بالنظرة شزراً أو بالصوت العالي.

(والدعاء والاستغفار لهما) بعد موتهما.

(وإنفاذ عهدهما) إذا كان لهما عهد نفذه أنت.

(وإكرام صديقهما)، هذا يشمل بر الوالدين أحياءً وأمواتاً؛ لأن الدعاء والاستغفار وإنفاذ عهدهما وإكرام صديقهما بعد موتهما، أما إيصال الخير إليهما وكف الأذى عنهما فهو في حياتهما.

قال: [ وهو للأقارب ] بم يكون الإحسان للأقارب؟ قال: [ ببرهم ورحمتهم، والعطف والحدب عليهم، وفعل ما يجمل فعله معهم، وترك ما يسيء إليهم، أو يقبح قوله أو فعله معهم ] والأقارب غير الآباء والأمهات من الإخوان والأخوات والأعمام والعمات.

[ وهو ] أي: الإحسان [ لليتامى ] بم يكون؟ [ بالمحافظة على أموالهم، وصيانة حقوقهم، وتأديبهم وتربيتهم، وترك أذاهم وعدم قهرهم، وبالهش في وجوههم ] أي: بالابتسامة [ والمسح على رءوسهم ] كما كان رسول الله يفعل صلى الله عليه وسلم.

قال: [ وهو للمساكين ] كيف يكون؟ [ بسد جوعتهم ] إذا كان المسكين جائعاً سد جوعته، ألق له التمر أو الطعام حتى تسد جوعته [ وستر عورتهم ] إذا كانت عورته مكشوفة فاكسه ثوبك أو قميصك الذي على جسمك [ بالحث على إطعامهم وعدم المساس بكرامتهم، فلا يحتقرون ولا يزدرون ولا ينالون بسوء أو يمسون بمكروه ].

أما الإحسان لابن السبيل فقد أمر الله بالإحسان إليهم في آية النساء!

قال: [ وهو لابن السبيل: بقضاء حاجته ] ابن السبيل جاء البلد وهو لا يعرف فيها أحداً، فيكون الإحسان إليه بقضاء حاجته، إذا كان له حاجة جاء فيقضيها له [ وسد خلته ] إذا كان محتاجاً [ ورعاية ماله ] إذا كان له مال تحفظه وتصونه له [ وصيانة كرامته، وبإرشاده إن استرشد وهدايته ] إن طلب الهداية [ إن ضل ] مثلاً.

أما الخادم فقد قال: [ وهو للخادم: بإتيانه أجره قبل أن يجف عرقه ] الخادم الإحسان إليه يكون بإتيانه أجرته قبل أن يجف عرقه على الفور [ وبعدم إلزامه ما لا يلزمه ] فلا يلزم بشيء لم يتفق عليه [ أو تكليفه بما لا يطيق ] من العمل [ وبصون كرامته ] لا يهينه ولا يسخر منه [ واحترام شخصيته، فإذا كان من خدم البيت ] ممن يخدمون في البيت [ فإطعامه مما يطعم أهله، وكسوته مما يكسون، وهو لعموم الناس بالتلطف في القول لهم ومجاملتهم في المعاملة والمخاطبة بعد أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، وبإرشاد ضالهم، وتعليم جاهلهم، وبإنصافهم من النفس، والاعتراف بحقوقهم، وبكف الأذى عنهم، وبعدم ارتكاب ما يضرهم، أو فعل ما يؤذيهم ] من يقوم بهذا يرحمكم الله؟! والله لا يقوم به أحد إلا المسلمون الصادقون، لا يوجد في بلاد الكفر والشرك هذا الإحسان بحال من الأحوال، ولا يتم أيضاً إلا للمسلمين العالمين بربهم، العارفين بهذه الحقوق، القادرين على أدائها لكمال إيمانهم، أما مع الجهل فكيف يؤدى هذا؟ مستحيل!

قال: [ وهو للحيوان ] الإحسان للحيوان؟! أي نعم. ألم يقل: ( إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ) ؟! [بإطعامه إذا جاع، ومداواته إذا مرض ] فالنصارى يداوون الحيوان [وبعدم تكليفه ما لا يطيق، وحمله على ما لا يقدر، وبالرفق به إن عمل، وإراحته إذا تعب] إذا عمل يرفق به، وإذا تعب يطلب راحته ويراح.

[وهو في الأعمال البدنية] الإحسان في أعمال البدن بم يكون؟ [ بإجادة العمل، وإتقان الصنعة، وبتخليص سائر الأعمال من الغش؛ وقوفاً عند قول الرسول صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (من غشنا فليس منا)] أي: لا ينسب إلينا أبداً، وهذا الحديث له سببه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل سوق المدينة، ووجد تاجراً وضع الشعير الجاف من فوق والمبتل أسفل، فأدخل الرسول صلى الله عليه وسلم يده واستخرج المبتل وقال: لم فعلت هذا فوق هذا ؟! من غشنا فليس منا) فالذين ما عرفوا دين الله كيف لا يغشون؟!

من مظاهر الإحسان

قال: [ ومن مظاهر الإحسان ما يلي:

أولاً: لما فعل المشركون بالنبي صلى الله عليه وسلم ما فعلوا يوم أحد من قتل عمه والتمثيل به ] بـحمزة [ ومن كسر رباعيته وشج وجهه، طلب إليه أحد الأصحاب أن يدعو على المشركين الظالمين، فقال: ( اللهم! اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) ] لم يقل: اللهم استأصلهم! اللهم أبدهم! اللهم أهلكهم! اللهم بما فعلوا بنبيك، وما فعلوا بأوليائك عجل بعقوبتهم! ماذا قال؟! ( اللهم اغفر لقومي! فإنهم لا يعلمون ) فهل من الممكن أن نفعل هذا نحن؟! اللهم! اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون! حقاً والله! لو علموا ما فعلوا، فكل الذنوب والآثام والمصائب والويلات ناتجة والله عن الجهل.

ها هو ابننا الآن جاء بـ(البرنيطة) على رأسه، لو كان يعلم لما وضعها على رأسه، فلما نزعناها فرح وقال: لن ألبسها مرة أخرى، وكان من قبل لا يعلم، مع العلم العام أنه لا بد أن يكون للمسلمين زيهم الخاص، وألا يكون كزي الكافرين: ( من تشبه بقوم فهو منهم ) والأطفال في الشوارع على رءوسهم البرانيط، فالذين فعلوا هذا هل يعلمون؟ والله! لا يعلمون، وكل الذنوب الآثام والمصائب ناتجة عن جهل القلوب، ما عرفت ربها؛ حتى تخافه وترهبه وتتقرب إليه، فلا علاج إلا بالعلم فقط، لذلك صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: ( اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) لو كانوا يعلمون ما فعلوا هذا.

[ قال عمر بن عبد العزيز يوماً لجاريته ] عمر بن عبد العزيز هذا حفيد عمر بن الخطاب ، تولى خلافة المسلمين عامين، وابتداءً كان خليفة على أهل المدينة فقط، وخليفة المسلمين كان في الشام، فلما توفي تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة من بعده عامين، فهذا عمر بن عبد العزيز شبيه بجده عمر بن الخطاب ، قال عمر بن عبد العزيز لجاريته أي: خادمته: [ روحيني حتى أنام ] طلب منها أن تروح عنه حتى ينام؛ وذلك لشدة الحر في المدينة، إذ ليس هناك مكيفات ولا مراوح ولا ماء بارد، ونحن كل هذه النعم كفرناها إذ لا ننظر إليه أبداً- نعوذ بالله مما نفعل- ليس فينا من يقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، إذا شغل المروحة! [ فروحته فنام، وغلبها النوم هي فنامت، فلما انتبه أخذ المروحة يروحها- أي: يروح الخادمة- فلما انتبهت ورأته يروحها صاحت! فقال: إنما أنت بشر مثلي! أصابك من الحر ما أصابني؛ فأحببت أن أروحك كما روحتني ] هذا خليفة المسلمين! يقول: أحسنت إلي فأردت أن أحسن إليك، روحتني فأردت أن أروح عنك.

هذا عمر بن عبد العزيز في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم. فهذا مظهر من مظاهر الإحسان!

[ ثالثاً: غاظ أحد السلف غلام له غيظاً شديداً فهم بالانتقام منه ] أحد سلف الأمة الصالح غاظه غلام له في بيته غيظاً شديداً [ فهم بالانتقام منه ] عزم [ فقال الغلام: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ [ آل عمران:134 ] فقال الرجل: كظمت غيظي. فقال الغلام: وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ [ آل عمران:134 ] فقال: عفوت عنك. فقال الغلام: وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ آل عمران:134 ] ، فقال: اذهب فأنت حر لوجه الله ] الكريم.

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

اللهم! اجعلنا من المحسنين يا رب العالمين!


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4156 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4082 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3869 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3863 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3834 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3823 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3748 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3646 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3633 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3607 استماع