سلسلة منهاج المسلم - (71)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة..

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات، إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء، ندرس كتاب منهاج المسلم، الكتاب الشامل للعقيدة والآداب والأخلاق والعبادات والأحكام الشرعية، وقد انتهى بنا الدرس إلى خلق العجب والغرور، بعد أن درسنا جملة من الأخلاق السيئة: كالظلم والرياء والحسد والغش، نسأل الله أن يعافينا منها، وأن ينجينا من محنتها، وأن يطهرنا من هذه الأخلاق الهابطة.

[المسلم يحذر العجب والغرور، ويجتهد أن لا يكونا وصفاً له في حالة من الحالات] فالمسلم الحق يحذر العجب والغرور، ويجتهد أن لا يكونا وصفاً له في أي حال من الحالات [إذ هما من أكبر العوائق عن الكمال، ومن أعظم المهالك في الحال والمآل، فكم من نعمة انقلبت بهما نقمة، وكم من عز صيرّاه ذلاً، وكم من قوة أحالاها ضعفاً].

فكفى بهما داءً عضالاً، وكفى بهما على صاحبهما وبالاً] والعياذ بالله [فلذا حذرهما المسلم وخافهما، ولهذا جاء الكتاب والسنة بتحريمهما والتنفير والتحذير منهما، قال الله تعالى: وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ [الحديد:14] ، وقال: يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الانفطار:6] ، وقال: وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا [التوبة:25] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ثلاث مهلكات: شحٌ مطاع، وهوىً متبع، وإعجاب المرء بنفسه ).

وقال صلى الله عليه وسلم: ( إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوىً متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك )] أي: الزم نفسك؛ حتى لا تنتقل الفتنة إليك [وقال صلى الله عليه وسلم: ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والأحمق من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني )] فهذه آيات الله وأحاديث رسوله صلى الله عليه وسلم، تنتزع من قلوبنا مرض العجب والغرور.

أمثلة للعجب والغرور

[مثلات لذلك] ومن الأمثلة على ذلك [ أولاً: أُعجب إبليس -لعنة الله عليه- بحاله، واغتر بنفسه وأصله، فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين! فطرده الله من رحمته ] أعجب إبليس بحاله، واغتر بنفسه وأصله قائلاً: خلقتني من نار وخلقته من طين فأنا أشرف منه، فطرده الله من رحمته بهذا العجب والتكبر [ومن أنس حضرة قدسه] أي: بعدما كان في الجنة.

[ثانياً: أعجبت عاد بقوتها] وهي قبيلة معروفة كانت في جنوب الجزيرة [واغترت بسلطانها وقالوا: من أشد منا قوة! فأذاقهم الله عذاب الخزي في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

ثالثاً: غفل نبي الله سليمان -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- فقال: لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة ولداً يجاهد في سبيل الله، غفل فلم يقل: إن شاء الله] مغتراً بقوته [فحرمه الله سبحانه ذلك الولد] وولدت واحدة من نسائه طفلاً مشلولاً أي: نصف ولد؛ تأديباً له لأنه لم يقل: إن شاء الله، والعامة قلّ منهم من يقول: إن شاء الله، وهذا خطأ فاحش، إذ كان نبي الله سليمان معاقب بهذه العقوبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: (أعطيك السيف غداً، ولم يقل: إن شاء الله) عاقبه الله وأدبه قائلاً له: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24] .

[رابعاً: أعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين بكثرتهم، وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة! فأصيبوا بهزيمة مريرة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت] فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجبوا بقوتهم فأصيبوا بهزيمة من ربهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت [ثم ولوا مدبرين] أي: مهزومين، فالإعجاب ممقوت، فلا تعجب بحالك أبداً [إلى أن عادوا إلى الله فنصرهم الله].

مظاهر العجب والغرور

[ومن مظاهر الغرور ما يلي:

أولاً: في العلم، قد يعجب المرء بعلمه، ويغتر بكثرة معارفه، فيحمله ذلك على عدم الاستزادة] فلا يستزيد علماً [وعلى ترك الاستفادة، أو يحمله على احتقار غيره من أهل العلم، واستصغار سواه، وكفى بهذا هلاكاً له!] فقد يعجب المرء بعلمه، ويغتر بكثرة معارفه، فيحمله ذلك على عدم الاستزادة، وترك الاستفادة؛ فلا يستفيد أبداً، أو يحمله على احتقار غيره من أهل العلم -وهذا أسوأ- واستصغار سواه، وكفى بهذا هلاكاً له.

[ثانياً: في المال: قد يعجب المرء بوفرة ماله، ويغتر بكثرة عرضه فيبذر ويُسرف، ويتعالى على الخلق، ويغمط الحق فيهلك] فالاغترار بالمال ووفرته وبكثرة عرضه داعٍ إلى التبذير والإسراف، والتعالي على الخلق والتكبر، فلا يعترف للناس بحق من كبريائه.

[ثالثاً: في القوة: قد يعجب المرء بقوته، ويغتر بعزة سلطانه، فيعتدي ويظلم، ويقامر ويخاطر، فيكون في ذلك هلاكه ووباله] والتاريخ شاهد بهذا.

[رابعاً: في الشرف: قد يعجب المرء بشرفه، ويغتر بنسبه وأصله، فيقعد عن اكتساب المعالي، ويضعف عن طلب الكمالات] لأنه مغرور [فيبطئُ به عمله، ولم يسرع به نسبه، فيحقَّرُ ويصغَّرُ ويذلُ ويهونُ] والعياذ بالله.

[خامساً: في العبادة: قد يعجب المرء بعمله، ويغتر بكثرة طاعته، فيحمله ذلك على الإدلال على ربه] أصبح يدل على الله [والامتنان على منعمه] كأن له الفضل على الله [فيحبط عمله، ويهلك بعجبه، ويشقى باغتراره] فالاغترار في العبادة يحمل المرء على الإدلال على ربه، والامتنان على منعمه عز وجل، فيحبط عمله ويهلك بعجبه ويشقى باغتراره.

علاج العجب والغرور

[علاج] لهذا المرض [وعلاج هذا الداء] داء العجب والاغترار [في ذكر الله تعالى بالعلم بأن ما أعطاه الله اليوم من علم، أو مال، أو قوة، أو عزة، أو شرف، قد يسلبهُ غداً لو شاء ذلك] فالعلاج هو ذكر الله تعالى بالعلم بأن ما أعطاه الله من علم أو مال أو قوة أو عزة أو شرف قد يسلبه غداً لو شاء الله ذلك.

[وأن طاعة العبد للرب مهما كثرت لا تساوي بعض ما أنعم الله على عبده] ولا نعمة البصر فقط [وأن الله تعالى لا يدل عليه بشيء؛ إذ هو مصدر كل فضل وواهب كل خير، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ( لن ينجي أحد منكم عمله )] أي: الصالحات [قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ( ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته )] فلا تغتر بصلاتك وعبادتك.

[مثلات لذلك] ومن الأمثلة على ذلك [ أولاً: أُعجب إبليس -لعنة الله عليه- بحاله، واغتر بنفسه وأصله، فقال: خلقتني من نار وخلقته من طين! فطرده الله من رحمته ] أعجب إبليس بحاله، واغتر بنفسه وأصله قائلاً: خلقتني من نار وخلقته من طين فأنا أشرف منه، فطرده الله من رحمته بهذا العجب والتكبر [ومن أنس حضرة قدسه] أي: بعدما كان في الجنة.

[ثانياً: أعجبت عاد بقوتها] وهي قبيلة معروفة كانت في جنوب الجزيرة [واغترت بسلطانها وقالوا: من أشد منا قوة! فأذاقهم الله عذاب الخزي في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

ثالثاً: غفل نبي الله سليمان -عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام- فقال: لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل امرأة ولداً يجاهد في سبيل الله، غفل فلم يقل: إن شاء الله] مغتراً بقوته [فحرمه الله سبحانه ذلك الولد] وولدت واحدة من نسائه طفلاً مشلولاً أي: نصف ولد؛ تأديباً له لأنه لم يقل: إن شاء الله، والعامة قلّ منهم من يقول: إن شاء الله، وهذا خطأ فاحش، إذ كان نبي الله سليمان معاقب بهذه العقوبة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لما قال: (أعطيك السيف غداً، ولم يقل: إن شاء الله) عاقبه الله وأدبه قائلاً له: وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ [الكهف:23-24] .

[رابعاً: أعجب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حنين بكثرتهم، وقالوا: لن نغلب اليوم من قلة! فأصيبوا بهزيمة مريرة حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت] فأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أعجبوا بقوتهم فأصيبوا بهزيمة من ربهم حتى ضاقت عليهم الأرض بما رحبت [ثم ولوا مدبرين] أي: مهزومين، فالإعجاب ممقوت، فلا تعجب بحالك أبداً [إلى أن عادوا إلى الله فنصرهم الله].




استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4154 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4080 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3865 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3859 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (66) 3833 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3821 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3744 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3643 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3606 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (99) 3603 استماع