شرح زاد المستقنع - كتاب الوقف [3]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن وقف على ولده أو ولد غيره ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث بالسوية, ثم ولد بنيه دون بناته، كما لو قال: على ولد ولده وذريته لصلبه، ولو قال: على بنيه أو بني فلان اختص بذكورهم، إلا أن يكونوا قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم, والقرابة وأهل بيته وقومه يشمل الذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه، وجده وجد أبيه, وإن وجدت قرينه تقتضي إرادة الإناث أو حرمانهن عمل بها، وإذا وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم والتساوي, وإلا جاز التفضيل والاقتصار على أحدهم.

فصل: والوقف عقد لازم لا يجوز فسخه، ولا يباع إلا أن تتعطل منافعه، ويصرف ثمنه في مثله، ولو أنه مسجد وآلته، وما فضل عن حاجته جاز صرفه إلي مسجد آخر، والصدقة به على فقراء المسلمين ].

تكلمنا في الدرس السابق على شروط الواقفين، وذكرنا حكم العمل بشرط الواقف، وأن العمل بشرط الواقف واجب؛ لقول الله عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ [المائدة:1] والأمر بإيفاء العقد يتضمن إيفاء أصله ووصفه, ومن وصفه: الشرط فيه.

ولحديث عقبة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ).

والأدلة على ذلك كثيرة.

وضرب المؤلف رحمه الله أمثلة لشروط العاقدين فقال: (في جمع وتقديم وضد ذلك) فضد الجمع الإخراج، وضد التقديم التأخير، وكذلك أيضا في (ترتيب ونظر، وغير ذلك)، (واعتبار وصف عدمه).. إلى آخره، المهم أنه يجب العمل بشرط الواقف ما لم يخالف الشرع.

وتقدم لنا أيضاً ما يتعلق بانقطاع الوقف، وذكرنا أن الوقف من حيث الانقطاع وعدم الانقطاع ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: منقطع الابتداء.

والقسم الثاني: منقطع الوسط.

والقسم الثالث: منقطع الانتهاء.

وقد تكلمنا على خلاف أهل العلم رحمهم الله تعالى في منقطع الانتهاء، وأن العلماء رحمهم الله اختلفوا في ذلك على أقوال، وبينا هذه الأقوال.

وكذلك أيضاً تقدم لنا من وقف على أولاده، فقال: هذا وقف على أولادي، وذكرنا أنه يدخل تحت ذلك مسائل:

المسألة الأولى: هل هذا خاص بالموجودين، أو أنه يشمل الموجودين والحادثين؟

والمسألة الثانية: هل الوقف على الأولاد ترتيب بطن على بطن، أو أنه ترتيب أفراد؟ وأن الصواب في ذلك: أنه ليس من قبيل ترتيب البطن على البطن، وأن من مات من الأولاد فإن أولاده يقومون مقامه كما هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله.

والمسألة الثالثة: كيف يقسم الوقف؟ هل يقسم للذكر مثل حظ الأنثيين أو نقسمه بالسوية؟

بقي عندنا مسألة تتعلق فيما إذا وقف على أولاده، قال المؤلف رحمه الله: ( فهو لولده الذكور والإناث بالسوية، ثم ولد بنيه دون بناته ). هل يدخل أولاد البنات في الوقف على الأولاد؟ إذا قال: هذا وقف على أولادي فهل يدخل في ذلك أولاد البنات, أو نقول: بأن أولاد البنات لا يدخلون؟

المؤلف رحمه الله تعالى يرى أن أولاد البنات لا يدخلون، وهذا هو المشهور على مذهب الإمام أحمد ، أي: إذا قال: هذا وقف على أولادي فيكون لأولاده، ثم بعد أولاده يكون لأولاد البنين، أما أولاد البنات فإنهم لا يدخلون، وقال به الإمام مالك رحمه الله تعالى.

والرأي الثاني وهو رأي الشافعي رحمه الله: أن أولاد البنات يدخلون.

ولكل منهم دليل، فأما الذين قالوا بأنه لا يدخل أولاد البنات فاستدلوا بقول الله عز وجل: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ [النساء:11] وبالإجماع: أن أولاد البنات لا يدخلون في الميراث، فإذا كانوا لا يدخلون في الميراث فكذلك أيضاً لا يدخلون في الوقف.

ودليل آخر قالوا: بأن أولاد البنات أجانب، فكيف يدخلون والشاعر يقول:

بنونا بنو أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

فيقولون: بأنهم أجانب؛ لأنهم أولاد القبائل الأخرى فلا يدخلون.

الرأي الثاني: الذين قالوا بأنهم يدخلون استدلوا على ذلك بقول الله عز وجل: وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ [الأنعام:84] إلى أن قال: وَعِيسَى [الأنعام:85] وعيسى ولد بنت, ومع ذلك قال: وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ [الأنعام:84].

وأيضاً استدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم عن الحسن : ( إن ابني هذا سيد ) فجعل ابنه سيداً مع أنه ابن بنت.

والذي يظهر -والله أعلم- أن أولاد البنات لا يدخلون في الوقف على الأولاد، إلا كما قال العلماء رحمهم الله: إذا نص على ذلك، أو وجدت قرينة تقتضي دخولهم، مثال النص على ذلك لو قال: أولاد البنات يأخذون من الوقف، فهذا نص, أو وجدت قرينة فمثلاً قال: يقدم أولاد البنين, فإذا وجد نص أو قرينة دخلوا، أما إذا لم يوجد نص ولا قرينة فيظهر والله أعلم أنهم لا يدخلون.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (كما لو قال: على ولد ولده وذريته لصلبه).

يقول المؤلف رحمه الله: (لو قال: على ولد ولده) هل يدخل في ذلك أولاد البنات أو لا يدخلون؟ يقول المؤلف رحمه الله: بأن أولاد البنات لا يدخلون.

قوله: (وذريته لصلبه)، فيقول المؤلف رحمه الله: إذا قال: على ذريتي لصلبي؛ فهنا لا يدخل أولاد البنات.

قال رحمه الله: (ولو قال: على بنيه أو بني فلان اختص بذكورهم ).

والخلاصة إذا قال: على أولادي، فأولاد البنات لا يدخلون, وذكرنا الخلاف في هذه المسألة.

المسألة الثانية: إذا قال: على أولاد أولادي لصلبي؛ فهنا لا يدخل أولاد البنات.

المسألة الثالثة: إذا قال: على ذريتي لصلبي؛ فهنا لا يدخل أولاد البنات.

لو قال: هذا وقف على أولاد أولادي فهنا يدخل أولاد البنات؛ لأن أولاد البنات من أولاد الأولاد.

هنا مسألة أخرى، قال المؤلف رحمه الله: (ولو قال: على بنيه أو بني فلان اختص بذكورهم, إلا أن يكون قبيلة فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم).

إذا قال: هذا وقف على بني زيد أو بني عمرو أو بني هاشم ونحو ذلك فهذا ينقسم إلى قسمين:

القسم الأول: أن يكونوا قبيلة، فإذا كانوا قبيلة فإنه يدخل في ذلك الذكور والإناث، إلا أن أولاد الإناث لا يدخلون، فمثلاً لو قال: هذا وقف على بني هاشم -بني هاشم هذه قبيلة كبيرة- فيدخل في ذلك الذكور والإناث، مع أنه نص على البنين، فنقول: هنا يدخل الذكور والإناث؛ لأن اسم القبيلة يشمل الذكر والأنثى, لكن أولاد الإناث من غيرهم لا يدخلون، فمثلاً لو قال: هذا وقف على بني هاشم فهذا يشمل ذكورها وإناثها، لكن أولاد الإناث من غير بني هاشم - مثلاً لو تزوجت الهاشمية غير هاشمي، فأولاد الإناث من غير بني هاشم لا يدخلون.

القسم الثاني: أن يكون ذلك غير قبيلة، مثلاً لو قال: هذا وقف على بني زيد -وبنو زيد ليسوا قبيلة- فنقول: بأنه يختص بالذكور فقط؛ لأنه نص على الذكور دون البنات، لكن لو قال: على ولد زيد فإنه يشمل الذكر والأنثى.

وهذا ما لم يكن هناك عرف أو قرينة، فلا بد أن نفهم قاعدة وهي: أن ألفاظ الواقفين والواهبين والموصين وكذلك الناذرين والحالفين ونحو ذلك ألفاظهم تتقيد بالأعراف والعادات والقرائن الموجودة، فقد يكون هناك عرف أنه إذا قال: على ولدي أنه يقصد بذلك الذكور والإناث، وأولادهم بقصد أولاد الذكور والإناث، فنرجع إلى العرف، المهم أنه إذا كان هناك عرف فنرجع إلى العرف.

قال المؤلف رحمه الله: (والقرابة وأهل بيته وقومه يشمل الذكر والأنثى من أولاده وأولاد أبيه، وجده وجد أبيه).

إذا قال: هذا وقف على قرابتي، فالمذهب أنه يشمل الذكور والإناث من أولاده, وأيضاً الذكور والإناث من أولاد أبيه, الذين هم إخوانه.

فنقول: يشمل الذكور والإناث من أولاده, والذكور والإناث من إخوانه, وأيضاً يشمل الذكور والإناث من أعمامه.

قال: (وأولاد جده) وهم أعمامه، فيشمل أولاده وإخوانه وأعمامه.

قال رحمه الله: (وجد أبيه)، أي: أعمام أبيه، فيشمل الذكور والإناث من أولاده وإخوانه وأعمامه وأعمام أبيه، هذا المذهب، واستدلوا على ذلك فقالوا: إن النبي صلي الله عليه وسلم لم يجاوز ببني هاشم بسهم ذوي القربى، ولم يعط قرابة أمه سهم ذوي القربى، وقول الله عز وجل في الغنائم: وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى [الأنفال:41] قالوا: إن النبي صلي الله عليه وسلم ما جاوز بني هاشم، ولم يعط قرابة أمه -وهم بنو زهرة- هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله -وهو المذهب- وهو يشمل أولاده وإخوانه وأعمامه وأعمام أبيه الذكور والإناث، ودليلهم كما ذكرنا.

الرأي الثاني رأي الإمام مالك رحمه الله: وأنه يقسم هذا الوقف على الأقرب فالأقرب بالاجتهاد إن استوعبهم الوقف، وإن كانوا كثيرين يجوز التفضيل والتخصيص؛ لأنه لا يمكن أن يستوعبوا؛ ولنفرض أن الريع ألف ريال بالسنة، وهم مائة أو مائتين, فيجوز أن نخصص وأن نفضل، المهم: تقديم الأقرب فالأقرب بالاجتهاد، هذا رأي الإمام مالك رحمه الله.

والرأي الثاني: أنه يختص بولده وقرابة أبيه.

والرأي الثالث: أنه يصرف على من عرف بقرابته من جهة أبيه ومن جهة أمه.

وهذا لعله أقرب الأقوال إذا قال: هذا وقف على قرابتي، ومثله أيضاً إذا قال: هذا وقف على أهل بيتي، أو إذا قال: هذا وقف على نسبائي، وإذا قال: هذا وقف على قومي؛ فالمذهب -كما تقدم- يشمل أولاده وإخوانه وأعمامه وأعمام أبيه, والكلام في هذه المسألة كما سلف.

والحنفية عندهم إذا قال: هذا وقف على قرابتي... إلخ فيقولون: يشمل كل ذي رحم محرم منه.

وإذا وقف على أهل بيته أو وقف على آله فيدخل في ذلك الزوجات كما هو رأي شيخ الإسلام رحمه الله تعالى.

أيضاً بقي مسألة، وهي ما إذا قال: هذا وقف على ذريتي أو على نسلي أو على عقبي ونحو ذلك، هل يدخل في ذلك أولاد البنات أو لا يدخلون؟

المذهب على أنهم لا يدخلون، فإذا قال: هذا وقف على ذريتي نصرفه لذريته، لكن بالنسبة لأولاد البنات فإنهم لا يدخلون، هذا المشهور من المذهب.

ومثله أيضاً لو قال: هذا وقف على عقبي، فأولاد البنات لا يدخلون, أو نسلي، نصرفه على نسله ما نزلوا, لكن أولاد البنات لا يدخلون، أو على الذرية -العقب- ما تناسلوا, لكن بالنسبة لأولاد البنات لا يدخلون.

قال المؤلف رحمه الله: (وإن وجدت قرينة تقتضي إرادة الإناث أو حرمانهن عمل بها).

هذه القرينة لا تخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يكون ذلك في أولاد الصلب، فنقول: هنا لا عبرة بالقرينة التي تقتضي حرمان الإناث؛ لأن المشهور من المذهب أنه يجوز للشخص أن يوقف على الذكور دون الإناث، أي: يصح أن يقول: هذا وقف على أولادي الذكور أما الإناث فليس لهن شيء! هذا هو المذهب، مع أنهم في الهبة -كما سيأتينا- لا يجوز أن يهب الذكر دون الأنثى! وهو من المفردات، والجمهور أنه يجوز، لكن في المذهب يقولون: لا يجوز، فيفرقون بين باب الوقف وباب الهبة، والصحيح أنه لا فرق, وأنه لا يجوز أن يخصص الذكور بالوقف دون الإناث, ولو وجدت قرينه تقتضي حرمان الإناث فإنه لا عبرة بها.

فنقول: الأمر الأول: أن يكون ذلك في أولاد الصلب، وتوجد قرينة تقتضي حرمان الإناث، فنقول: لا عبرة بهذه القرينة؛ لأنه يجب عليه أن يسوي بين الذكور والإناث في الوقف, يجب أن يوقف على الجميع، هذا هو الصواب.

الأمر الثاني: أن يكون ذلك في غير أولاد الصلب؛ فهذا كما ذكر المؤلف, مثلاً: لو وقف على أولاد زيد فهم ليسوا أولاداً له فنقول: لا بأس، إذا وجدت قرينة تقتضي أن يدخل الإناث في الوقف دخلن، أو وجدت قرينة تقتضي حرمان الإناث من الوقف فإنهن يحرمن من الوقف.

قال المؤلف رحمه الله: (وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم والتساوي, وإلا جاز التفضيل والاقتصار على أحدهم).

هذه المسألة أشرنا إليها (إذا وقف على جماعة) مثلاً: وقف على طلبة العلم في هذا المسجد، فهذا لا يخلو من أمرين:

الأمر الأول: أن يمكن أن يعممهم، مثلاً: ولنفرض أن طلبة العلم في هذا المسجد مائة، والريع في السنة عشرة آلاف، فممكن أن يشملهم الوقف؛ إذاً: يجب أن يعممهم؛ لأن الأصل وجوب التعميم.

الأمر الثاني: ألا يمكن أن يعممهم، فهنا يجوز أن يفضل، ويجوز أن يخصص، مثلاً لو قال: هذا وقف على طلبة العلم في هذا البلد، يمكن أن يبلغوا ألف طالب، والريع عشرة آلاف، أو نقول: الريع خمسة آلاف، فنقول: يجوز أن يخصص, يخصص زيداً أو عمراً أو بكراً مثلاً، ويجوز أيضاً أن يفضل؛ يعطي هذا مائة، وهذا خمسين، فيجوز أن يخصص بأن يعطي زيداً وعمراً، ويحرم الباقين، وأن يفضل هذا فيعطيه مائة، وهذا فيعطيه خمسين، والخيار هنا خيار مصلحة, فينظر إلى ما هو الأصلح, فقد يفضل هذا الشخص، أو يخصص هذا لكونه مجتهداً، أو لكونه أشد حاجة, المهم هنا أن الخيار خيار مصلحة.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (فصل: والوقف عقد لازم).

الوقف عقد لازم بمجرد انعقاد الوقف -كما تقدم لنا في الصيغة القولية والفعلية- لا يملك أن يرجع فيه الواقف، وعلى هذا لا يثبت فيه خيار المجلس؛ لأنه ليس بيعاً، وليس في معني البيع، وهذا رأي جمهور العلماء؛ أنه عقد لازم لا يجوز الرجوع فيه.

الرأي الثاني رأي أبي حنيفة رحمه الله: أنه يجوز الرجوع في الوقف، وإبطال الوقف.

ولكل منهم دليل، أما الذين قالوا: بأنه عقد لازم فدليلهم قول النبي صلي الله عليه وسلم: ( العائد في صدقته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه ).

وأيضاً: الوقف صدقة دائمة، ولهذا قال النبي صلي الله عليه وسلم: ( لا يباع ولا يوهب ولا يورث ) وإذا كان كذلك فإن هذا يقتضي اللزوم والدوام.

وكذلك أيضاً: أنه أخرجه لله عز وجل، وما أخرجه لله عز وجل فإنه لا يجوز له أن يرجع فيه.

الرأي الثاني: رأي أبي حنيفة رحمه الله حيث استدل بحديث عبد الله بن زيد رضي الله تعالى عنه لما جاء إلى النبي صلي الله عليه وسلم فقال: ( إن حائطي هذا صدقة إلى الله ورسوله، فجاء أبواه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! كان قوام عيشنا ) أي: هذا الحائط هو الذي يقوم بعيشنا ( فرده رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ) مع أنه قال: هذا صدقة إلى الله ورسوله، وهذا الحديث أخرجه الدارقطني والبيهقي , وهو ضعيف لا يثبت.

وكذلك أيضاً استدل الحنفية بما يروى عن عمر أنه قال: "لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلي الله عليه وسلم لرددتها" وهذا أيضاً ضعيف لا يثبت.

والصحيح في ذلك: أنه عقد لازم لا يجوز الرجوع فيه، ولا يجوز إبطاله؛ لأنه أخرجه لله عز وجل، لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قال: إذا اشترط الرجوع فله أن يرجع؛ لأن المسلمين على شروطهم، وهذا فيه فائدة أيضاً، أي: كلام شيخ الإسلام , وتقدم لنا القاعدة عند شيخ الإسلام في خيار الشرط وتكلمنا عليها في الخيارات, أي: خيار الشرط بما يثبت من العقود، وأن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: خيار الشرط يثبت في كل العقود؛ لأنه كما تقدم لنا أنهم يقولون: خيار الشرط يثبت في كذا وكذا من العقود، ولا يثبت في كذا وكذا، والصواب في ذلك: أن خيار الشرط يثبت في كل العقود، وعلى هذا لو اشترط فقال: هذا وقف لكن لي أن أرجع، يقول: هذا البيت وقف، لكن لي أن أرجع، صح شرطه؛ فله أن يبطله, وهذا فيه فسحة؛ لأن بعض الناس يخشى أنه قد يحتاج إليه أو نحو ذلك، فيقول: هذا وقف لله عز وجل، فإن فاجأه الموت احتاط، وإن لم يفاجئه الموت فله أن يرجع فيه، والمسلمون على شروطهم، وعندنا قاعدة، وهي: قاعدة الرضا، وهو لم يرض بهذا الحبس وهذا الوقف إلا على هذا الوجه.

وكذلك أيضاً إذا ظهر دين على الواقف هل له أن يبطل الوقف على أن يسدد الدين أو لا؟

جمهور العلماء ليس له ذلك.

والرأي الثاني ينسب إلى شيخ الإسلام : أنه إذا ظهر عليه دين أو لحقته ديون، مثلاً: هذا الرجل وقف هذا البيت على طلاب العلم أو الفقراء والمساكين ونحو ذلك، ثم لحقته ديون؛ فينسب إلى شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أنه إذا لحقه دين أن له أن يبطل الوقف لكي يسدد الدين، ويدل لذلك: أن النبي صلي الله عليه وسلم في حديث عمران أبطل التدبير من الذي دبر رقيقه، والعتق أشد نفوذاً من الوقف! لكن الصحيح في مثل هذا أنه يرجع إلى القاضي، أو يقال برأي الجمهور؛ لأن مثل هذا قد يكون وسيلة إلى التلاعب في الأوقاف، والتحيل على إبطال الأوقاف.

قال المؤلف رحمه الله: (لا يجوز فسخه).

بإقالة ولا غيره؛ لأنه مؤبد.

قال رحمه الله: (ولا يباع إلا أن تتعطل منافعه، ويصرف ثمنه في مثله).

يقول المؤلف رحمه الله: لا يجوز أن يباع إلا أن تتعطل منافعه، ومتى يجوز أن يباع الوقف؟

هذا ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

بيع الوقف إن تعطلت منافعه

القسم الأول: أن تتعطل منافعه بالكلية، مثلاً: هذا البيت أصبح خرباً، لا منفعة فيه, أو هذا المسجد هجره أهله، وأصبحوا لا يصلون فيه، فهنا يقول المؤلف رحمه الله: في هذه الحالة يجوز أن يباع، وهذا هو المذهب، ومذهب الحنفية؛ أنه إذا تعطلت منافعه يجوز أن يباع، واستدلوا بأثر سعد رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى عمر أن بيت المال نقب، أي: سرق، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: انقلوا المسجد الذي بالتمارين، أي: المكان الذي يباع فيه التمر، واجعل بيت المال في قبلة المسجد؛ لأنه لا يزال في المسجد مصل، وهذا الأثر ضعيف، ولكن عندنا حديث عمر: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: ( تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث ).

فيؤخذ من الحديث الديمومة، وإذا كانت منافعه متعطلة فالأجر هنا منقطع.

وأيضاً في حديث أبي هريرة في مسلم : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث... أو صدقة جارية ) هنا إذا انقطعت منافعه لم تكن صدقة جارية، وخلاف قصد الموقف.

الرأي الثاني: رأي المالكية والشافعية -والشافعية هم أشد الناس في هذه المسألة- يرون بأنه لا يباع حتى لو تعطلت منافعه، فهذا البيت انهدمت فلا ينتفع فيرون أنها تترك حتى يأتي يوم وينتفع بها، واستدلوا على ذلك بحديث عمر : ( لا يباع ولا يوهب ) فقال: ( لا يباع ).

لكن الجواب عن ذلك أن نقول: المقصود بقول النبي صلي الله عليه وسلم: ( لا يباع ) أي: البيع الذي يبطل أصل الوقف، وليس كل بيع ينهى عنه، ولهذا قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا يوهب ) قرنه بالهبة والميراث الذي يبطل أصل الوقف، أما إذا كان لا يبطل أصل الوقف؛ فمثلاً: نريد أن ننقله إلى مكان آخر، فهذا لا يبطل أصل الوقف، بل هذا يؤدي إلى استمرار الوقف، وهذا القول هو الصحيح.

بيع الوقف أو إبداله إن لم تتعطل منافعه

القسم الثاني: ألا تتعطل المنافع، لكن يكون في إبداله المصلحة, فيكون إبداله أصلح، مثال ذلك: البيت في هذا المكان نؤجره في السنة بخمسة آلاف، لكن لو بعناه واشترينا في مكان آخر ربما نؤجره بعشرة آلاف، فماذا نقول هنا؟ على كلام المؤلف لا يجوز ما دام أنه ينتفع به ولو واحداً بالمائة لا ينقل إلا أن تتعطل منافعه بالكلية، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

والرأي الثاني اختيار شيخ الإسلام رحمه الله: أن هذا جائز ولا بأس به، ودليله على ذلك: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة, وبنيتها على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين وألزقته بالأرض ) هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لهدمت الكعبة) والكعبة كانت موجودة وينتفع بها، والنفع لا يزال باقياً، لكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدمها لما هو أصلح.

وأيضاً مثل ذلك: حديث جابر في قصة الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صل ها هنا ) فنقله النبي صلى الله عليه وسلم من المفضول إلى الفاضل، مما يدل أنه يجوز التغيير، وهذا القول هو الصواب في هذه المسألة.

بيع الوقف لتغييره

القسم الثالث: تغيير الوقف لغير مصلحة، فهذا محرم بالاتفاق ولا يجوز، ما لم يكن هناك مصلحة.

وكذلك تغيير هيئة الوقف، ولنفرض أن الوقف بيت، هل يجوز أن نغيره ونجعله محلات تجارية؟ هل يجوز أن نغيره ونجعله مدرسة؟ تغيير هيئة الوقف هذا يدور على المصلحة، فإذا كان هناك مصلحة فإن هذا جائز ولا بأس به.

نقل الوقف

أيضاً مسألة أخرى وهي: نقل الوقف، هل يجوز أن ننقل الوقف من محلة إلى محلة أخرى؟ ولنفرض أن الوقف بالمدينة، هل يجوز أن ننقله إلى مكة؟ أو في مكة هل يجوز أن ننقله إلى المدينة؟

نقول: لا بأس به. إن كان هناك مصلحة أن ينقل من مكان إلى مكان .. من بلد إلى بلد ما دام هناك مصلحة.

ثمن الوقف المبيع

قال المؤلف رحمه الله: (ويصرف ثمنه في مثله، ولو أنه مسجد وآلته).

أي: هذا الوقف لما بعناه كيف نصرف ثمنه؟ يقول المؤلف رحمه الله: (نصرف ثمنه في مثله) مثلاً: البيت هذا وقف على طلاب العلم، فبعناه لما هو أصلح, فنصرف ثمنه في بيت آخر على طلاب العلم؛ لأن هذا أقرب إلى غرض الواقف، والمسلمون على شروطهم.

القسم الأول: أن تتعطل منافعه بالكلية، مثلاً: هذا البيت أصبح خرباً، لا منفعة فيه, أو هذا المسجد هجره أهله، وأصبحوا لا يصلون فيه، فهنا يقول المؤلف رحمه الله: في هذه الحالة يجوز أن يباع، وهذا هو المذهب، ومذهب الحنفية؛ أنه إذا تعطلت منافعه يجوز أن يباع، واستدلوا بأثر سعد رضي الله تعالى عنه أنه كتب إلى عمر أن بيت المال نقب، أي: سرق، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: انقلوا المسجد الذي بالتمارين، أي: المكان الذي يباع فيه التمر، واجعل بيت المال في قبلة المسجد؛ لأنه لا يزال في المسجد مصل، وهذا الأثر ضعيف، ولكن عندنا حديث عمر: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال له: ( تصدق بأصله، لا يباع ولا يوهب ولا يورث ).

فيؤخذ من الحديث الديمومة، وإذا كانت منافعه متعطلة فالأجر هنا منقطع.

وأيضاً في حديث أبي هريرة في مسلم : ( إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث... أو صدقة جارية ) هنا إذا انقطعت منافعه لم تكن صدقة جارية، وخلاف قصد الموقف.

الرأي الثاني: رأي المالكية والشافعية -والشافعية هم أشد الناس في هذه المسألة- يرون بأنه لا يباع حتى لو تعطلت منافعه، فهذا البيت انهدمت فلا ينتفع فيرون أنها تترك حتى يأتي يوم وينتفع بها، واستدلوا على ذلك بحديث عمر : ( لا يباع ولا يوهب ) فقال: ( لا يباع ).

لكن الجواب عن ذلك أن نقول: المقصود بقول النبي صلي الله عليه وسلم: ( لا يباع ) أي: البيع الذي يبطل أصل الوقف، وليس كل بيع ينهى عنه، ولهذا قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ( ولا يوهب ) قرنه بالهبة والميراث الذي يبطل أصل الوقف، أما إذا كان لا يبطل أصل الوقف؛ فمثلاً: نريد أن ننقله إلى مكان آخر، فهذا لا يبطل أصل الوقف، بل هذا يؤدي إلى استمرار الوقف، وهذا القول هو الصحيح.

القسم الثاني: ألا تتعطل المنافع، لكن يكون في إبداله المصلحة, فيكون إبداله أصلح، مثال ذلك: البيت في هذا المكان نؤجره في السنة بخمسة آلاف، لكن لو بعناه واشترينا في مكان آخر ربما نؤجره بعشرة آلاف، فماذا نقول هنا؟ على كلام المؤلف لا يجوز ما دام أنه ينتفع به ولو واحداً بالمائة لا ينقل إلا أن تتعطل منافعه بالكلية، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله.

والرأي الثاني اختيار شيخ الإسلام رحمه الله: أن هذا جائز ولا بأس به، ودليله على ذلك: حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: ( لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لهدمت الكعبة, وبنيتها على قواعد إبراهيم، وجعلت لها بابين وألزقته بالأرض ) هنا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لهدمت الكعبة) والكعبة كانت موجودة وينتفع بها، والنفع لا يزال باقياً، لكن أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدمها لما هو أصلح.

وأيضاً مثل ذلك: حديث جابر في قصة الرجل الذي أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ( يا رسول الله! إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس ركعتين، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صل ها هنا ) فنقله النبي صلى الله عليه وسلم من المفضول إلى الفاضل، مما يدل أنه يجوز التغيير، وهذا القول هو الصواب في هذه المسألة.