شرح زاد المستقنع - كتاب الأيمان [2]


الحلقة مفرغة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ومن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد فعليه كفارة واحدة، وإن اختلف موجبها كظهار ويمين بالله لزماه ولم يتداخلا.

باب جامع الأيمان: يرجع في الأيمان إلى نية الحالف إذا احتملها اللفظ ، فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها، فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين، فإذا حلف لا ألبس هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة، ولبسه أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخاً، أو زوجة فلان هذه أو صديقه فلاناً، أو مملوكه سعيداً، فزالت الزوجية والملك والصداقة، ثم كلمهم، أو لا أكلت لحم هذا الحمل، فصار كبشاً، أو هذا الرطب فصار تمراً أو دبساً أو خلاً، أو هذا اللبن فصار جبناً أو كشكاً ونحوه، ثم أكله حنث في الكل إلا أن ينوي ما دام على تلك الصفة.

فصل: فإن عدم ذلك رجع إلى ما يتناوله الاسم وهو ثلاثة: شرعي وحقيقي وعرفي. فالشرعي ما له موضوع في الشرع وموضوع في اللغة، فالمطلق ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح، فإذا حلف لا يبيع أو لا ينكح فعقد عقداً فاسداً لم يحنث، وإن قيد يمينه بما يمنع الصحة كأن حلف لا يبيع الخمر أو الخنزير حنث بصورة العقد، والحقيقي هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته كاللحم، فإن حلف لا يأكل اللحم فأكل شحماً أو مخاً أو كبداً ونحوه لم يحنث، وإن حلف لا يأكل أدماً حنث بأكل البيض والتمر والزيتون ونحوه، وكل ما يصطبغ به، ولا يلبس شيئاً فلبس ثوباً أو درعاً أو جوشناً أو نعلاً حنث، وإن حلف لا يكلم إنساناً حنث بكلام كل إنسان، ولا يفعل شيئاً فوكل من فعله حنث؛ إلا أن ينوي مباشرته بنفسه.

والعرفي من اشتهر مجازه فغلب الحقيقة كالرواية والغائط ونحوهما فتتعلق اليمين بالعرف، فإذا حلف على وطء زوجته أو وطء دار تعلقت يمينه. بجماعها وبدخول الدار، وإن حلف لا يأكل شيئاً فأكله مستهلكاً في غيره كمن حلف لا يأكل سمناً فأكل خبيصاً فيه سمن لا يظهر فيه طعمه، أو لا يأكل بيضاً فأكل ناطفاً لم يحنث، وإن ظهر شيء من المحلوف عليه حنث.

فصل: وإن حلف لا يفعل شيئاً ككلام زيد ودخول دار ونحوه ففعله مكرهاً لم يحنث، وإن حلف على نفسه أو غيره ممن يقصد منعه كالزوجة والولد أن لا يفعل شيئاً ففعله ناسياً أو جاهلاً حنث في الطلاق والعتاق فقط، أو على من لا يمتنع بيمينه من سلطان وغيره ففعله حنث مطلقاً، وإن فعل هو أو غيره ممن قصد منعه بعض ما حلف على كله لم يحنث ما لم تكن له نية].

من أحكام الأيمان، وذكرنا من ذلك ما يتعلق بأقسام الأيمان، وما هي اليمين التي تدخل الكفارة، واليمين التي لا تدخل الكفارة، وأن اليمين التي يحلفها على أمر مستقبل ممكن، هي اليمين التي تدخل الكفارة، وأما اليمين الغموس فلا كفارة فيها على الصحيح، وذكرنا أن اليمين الغموس تضمن الكفارتين.

كذلك أيضاً تقدم لنا اليمين اللغو، وخلاف أهل العلم رحمهم الله تعالى في اليمين اللغو، وأن المشهور من مذهب الإمام أحمد أن لغو اليمين تحته صورتان:

الصورة الأولى: ما يجري على لسان الشخص من قوله: لا والله وبلى والله.

الصورة الثانية: أن يحلف بناء على غلبة الظن، وذكرنا أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أضاف صورة ثالثة.

ثم بعد ذلك تطرقنا لتحريم غير الزوجة، وتطرقنا أيضاً إلى كفارة اليمين.

تعدد الأيمان وموجبها واحد

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد فعليه كفارة واحدة).

أي: لا يختلف الموجب، بأن يكون الموجب هو الحنث بعد أن حلف بالله، لأن الموجب قد يكون واحداً، وقد يكون مختلفاً، فإذا اختلف الموجب هذا له حكم، وإذا اتحد الموجب هذا له حكم.

فإذا اتحد الموجب بأن تكون اليمين أو أن تكون الأيمان كلها بالله عز وجل، وإذا اختلف الموجب تكون اليمين بالله، وتكون بالظهار، وتكون بالنذر.

أما إذا اتفق موجبها، ومعنى ذلك أن ما أوجبها هو شيء واحد لم يختلف، كأن يكون الحلف بالله عز وجل، فقال المؤلف رحمه الله: (فعليه كفارة واحدة) إذا تكررت الأيمان، فإن كفر عن اليمين الأولى يجب عليه أن يكفر عن اليمين الثانية بالاتفاق.

وإذا لم يكفر عن اليمين الثانية فهل تكفي كفارة واحدة إذا كان الموجب واحداً، كأن تكون كلها بالله عز وجل، إذا لم يكفر، مثلاً قال: والله لا آكل من هذا الطعام، ثم أكل منه، والله لا أشرب من هذا الشراب، ثم شرب منه، والله لا ألبس هذا الثوب ثم لبسه، والله لا أكلم زيداً ثم كلمه، تجمعت عليه أيمان، فهل تجب عليه بكل يمين كفارة أو تجب كفارة واحدة؟ قلنا: إن كفر وجبت كفارة أخرى لليمين الثانية، وإذا لم يكفر فهل تجب كفارات أو نقول: تكفي كفارة واحدة؟

هذه المسألة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكرر اليمين على شيء واحد، يعني أن تكون اليمين واحدة، وأن يكون المحلوف عليه واحداً، فهذا لا يجب عليه إلا كفارة واحدة عند جماهير العلماء، وقد ورد ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح، مثلاً قال: والله لا أشرب هذا الشراب، والله لا أشربه، والله لا أشربه، هنا المحلوف عليه واحد وإن تكررت اليمين، خلافاً للحنفية الذين يرون أن لكل يمين كفارة.

القسم الثاني: أن يكون اليمين واحداً والمحلوف عليه متكرراً، والصورة لذلك يقول: والله لا آكل هذا الطعام، ولا أشرب هذا الشراب، ولا ألبس هذا الثوب، ولا أركب هذه السيارة، فاليمين واحدة، والمحلوف عليه متعدد، أيضاً هنا نقول: يجب كفارة واحدة، وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله أنه لا يعلم في ذلك خلافاً.

القسم الثالث: أن تكون اليمين متكررة، والمحلوف عليه متعدداً مختلفاً، مثال ذلك أن يقول: والله لا أشرب هذا الماء، والله لا آكل هذا الطعام، والله لا ألبس هذا الثوب، والله لا أركب هذه السيارة، اليوم حلف على الطعام، وغداً حلف على الشراب، وبعد غد حلف على الركوب، فالمذهب كفارة واحدة، وعلى هذا فالذي عنده أيمان كثيرة كلها بالله عز وجل، يكفيه كفارة واحدة، هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد .

والرأي الثاني: وهو رأي جماهير أهل العلماء، أنه تجب عليه كفارات؛ لأن اليمين متعددة، والمحلوف عليه مختلف، فنقول: بأنه تجب عليه كفارات، وهذا القول هو الصواب، ويدل له قول الله عز وجل: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ [المائدة:89]، وهنا في كل مرة عقد اليمين فتجب عليه كفارة.

تعدد الأيمان وموجبها مختلف

قال رحمه الله: (وإن اختلف موجبها كظهار ويمين بالله لزماه).

أي: الكفارتان، ولم يتدارك، إذا اختلف الموجب، حلف بالله عز وجل، وكذلك أيضاً عليه كفارة ظهار، وأيضاً عليه كفارة نذر، فلكل كفارة مستقلة ولا تتداخل، فكفارة الظهار وكفارة اليمين، يجب أن يخرج كفارة الظهار، ويجب أن يخرج كفارة اليمين، وأيضاً يجب عليه أن يخرج كفارة النذر ولا تتداخل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: (ومن لزمته أيمان قبل التكفير موجبها واحد فعليه كفارة واحدة).

أي: لا يختلف الموجب، بأن يكون الموجب هو الحنث بعد أن حلف بالله، لأن الموجب قد يكون واحداً، وقد يكون مختلفاً، فإذا اختلف الموجب هذا له حكم، وإذا اتحد الموجب هذا له حكم.

فإذا اتحد الموجب بأن تكون اليمين أو أن تكون الأيمان كلها بالله عز وجل، وإذا اختلف الموجب تكون اليمين بالله، وتكون بالظهار، وتكون بالنذر.

أما إذا اتفق موجبها، ومعنى ذلك أن ما أوجبها هو شيء واحد لم يختلف، كأن يكون الحلف بالله عز وجل، فقال المؤلف رحمه الله: (فعليه كفارة واحدة) إذا تكررت الأيمان، فإن كفر عن اليمين الأولى يجب عليه أن يكفر عن اليمين الثانية بالاتفاق.

وإذا لم يكفر عن اليمين الثانية فهل تكفي كفارة واحدة إذا كان الموجب واحداً، كأن تكون كلها بالله عز وجل، إذا لم يكفر، مثلاً قال: والله لا آكل من هذا الطعام، ثم أكل منه، والله لا أشرب من هذا الشراب، ثم شرب منه، والله لا ألبس هذا الثوب ثم لبسه، والله لا أكلم زيداً ثم كلمه، تجمعت عليه أيمان، فهل تجب عليه بكل يمين كفارة أو تجب كفارة واحدة؟ قلنا: إن كفر وجبت كفارة أخرى لليمين الثانية، وإذا لم يكفر فهل تجب كفارات أو نقول: تكفي كفارة واحدة؟

هذه المسألة تنقسم إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: أن يكرر اليمين على شيء واحد، يعني أن تكون اليمين واحدة، وأن يكون المحلوف عليه واحداً، فهذا لا يجب عليه إلا كفارة واحدة عند جماهير العلماء، وقد ورد ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد صحيح، مثلاً قال: والله لا أشرب هذا الشراب، والله لا أشربه، والله لا أشربه، هنا المحلوف عليه واحد وإن تكررت اليمين، خلافاً للحنفية الذين يرون أن لكل يمين كفارة.

القسم الثاني: أن يكون اليمين واحداً والمحلوف عليه متكرراً، والصورة لذلك يقول: والله لا آكل هذا الطعام، ولا أشرب هذا الشراب، ولا ألبس هذا الثوب، ولا أركب هذه السيارة، فاليمين واحدة، والمحلوف عليه متعدد، أيضاً هنا نقول: يجب كفارة واحدة، وقد ذكر ابن قدامة رحمه الله أنه لا يعلم في ذلك خلافاً.

القسم الثالث: أن تكون اليمين متكررة، والمحلوف عليه متعدداً مختلفاً، مثال ذلك أن يقول: والله لا أشرب هذا الماء، والله لا آكل هذا الطعام، والله لا ألبس هذا الثوب، والله لا أركب هذه السيارة، اليوم حلف على الطعام، وغداً حلف على الشراب، وبعد غد حلف على الركوب، فالمذهب كفارة واحدة، وعلى هذا فالذي عنده أيمان كثيرة كلها بالله عز وجل، يكفيه كفارة واحدة، هذا المشهور من مذهب الإمام أحمد .

والرأي الثاني: وهو رأي جماهير أهل العلماء، أنه تجب عليه كفارات؛ لأن اليمين متعددة، والمحلوف عليه مختلف، فنقول: بأنه تجب عليه كفارات، وهذا القول هو الصواب، ويدل له قول الله عز وجل: لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ [المائدة:89]، وهنا في كل مرة عقد اليمين فتجب عليه كفارة.

قال رحمه الله: (وإن اختلف موجبها كظهار ويمين بالله لزماه).

أي: الكفارتان، ولم يتدارك، إذا اختلف الموجب، حلف بالله عز وجل، وكذلك أيضاً عليه كفارة ظهار، وأيضاً عليه كفارة نذر، فلكل كفارة مستقلة ولا تتداخل، فكفارة الظهار وكفارة اليمين، يجب أن يخرج كفارة الظهار، ويجب أن يخرج كفارة اليمين، وأيضاً يجب عليه أن يخرج كفارة النذر ولا تتداخل.

قال رحمه الله: (باب جامع الأيمان).

أي: جامع مسائل الأيمان.

قال: (يرجع في الأيمان إلى نية الحالف إذا احتملها اللفظ، فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها).

يقول المؤلف رحمه الله: يرجع في اليمين إلى نية الحالف، ويدل لذلك قول الله عز وجل: وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ [المائدة:89] ، والعقد إنما يكون بالقلب، فدل ذلك على اعتبار النية، وأيضاً حديث عمر : (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، فنرجع إلى النية.

والرجوع في الأيمان له مراتب:

الرجوع إلى النية عند احتمال لفظ اليمين

المرتبة الأولى: نرجع إلى النية، لكن اشترط المؤلف رحمه الله أن يحتملها اللفظ، فمثلاً لو قال: والله لأنامن على الفراش، ثم نام على الأرض، قلنا: حنث، قال: لا، أنا قصدي بالفراش: الأرض، صح؛ لأن الأرض فراش، قال: والله لأنامن تحت السقف، ثم خرج إلى الفضاء ونام تحت السماء، قال: أنا قصدي بالسقف السماء، صح، ما دام أن النية يحتملها اللفظ فنرجع إلى ذلك، ولا يحنث.

قال: والله لآكلن خبزة، فأكل تفاحة، قلنا: حنث، قال: لا، أنا قصدي بالخبزة التفاحة، فهنا لا يحتمل اللفظ، لكن في الصورة الأولى يحتمل اللفظ، فهنا نقول: تحنث، كذلك لو قال: والله لآكلن هذه الساعة خبزاً، جاء وأكل تفاحة ومضت الساعة، قال: أنا قصدي الخبز التفاحة، ما يصلح، نقول هنا: لا يحتملها اللفظ فيحنث، نعم يحنث، ولهذا قال لك المؤلف: إذا احتملها اللفظ.

الرجوع إلى سبب اليمين عند انعدام النية

المرتبة الثانية: قال: (فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها).

وهذا يسميها المالكية ببساط اليمين، نرجع إلى سبب اليمين؛ لأن سبب اليمين هذا يدل على النية، وهذه أيضاً مسألة مهمة، نرجع إلى سبب اليمين وما هيجها، يعني اعتبار الأسباب في الأفعال، وما يترتب عليه، هذا مهم جداً، فمثلاً قال: والله لا أكلم زيداً اليوم ثم كلمه، نقول: حنثت، يقول: لا أنا قصدي سبب اليمين أني ما حلفت أني لا أكلم زيداً؛ لأنه لا يكلم أمه فكلم أمه، فنقول: لا يحنث، قال: والله لا أدخل بيت زيد ثم دخل، قلنا: حنثت؛ لأنك دخلت بيت زيد، قال: قصدي لأن فيه آلات لهو، هو وضع آلات لهو، الآن أخرج اللهو ودخل، فلا يحنث؟ لا يحنث، نرجع إلى سبب اليمين، ما السبب الذي هيج اليمين وبعثها؟ هو: وجود اللهو، فإذا زال اللهو فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.

ومثل ذلك لو أن شخصاً قال لزوجته: أنت طالق بناء على أنها تكلم رجلاً يظنه أجنبياً، فتبين أنه غير أجنبي وأنه من محارمها، هل تطلق أو لا تطلق؟ نقول: لا تطلق، يرجع في ذلك إلى سبب اليمين وما هيجها، ولهذا قال المؤلف: (فإن عدمت رجع إلى سبب اليمين وما هيجها) لماذا؟ لأن السبب يدل على النية.

ومن أمثلة ذلك: لو قال: والله لأعطين زيداً سيارته غداً، ثم ذهب وأعطاه اليوم، هو قال: والله لأعطيه السيارة غداً، وأخذ سيارة زيد، وقال: والله لأردها عليه غداً، ثم بعد ذلك تيسر له وردها له اليوم، فلا يحنث لأن قصده باليمين الاستعجال بالرد، فنرجع إلى سبب اليمين وما هيجها.

الرجوع إلى التعيين عند عدم معرفة سبب اليمين

قال رحمه الله: (فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين).

المرتبة الثالثة: إذا عدمنا السبب فإننا نرجع إلى التعيين؛ لأنه أبلغ من دلالة الاسم على المسمى؛ لأنه ينفي الإبهام بالكلية.

قال: (فإذا حلف لا ألبس هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه حنث).

يعني: إذا كان قصده نفس هذا القميص، ليس لكونه قميصاً، وإنما لكونه عين هذا القماش، فإنه يحنث إذا كان قصده عين هذا القماش، لا يريد أن يلبسه، إما لرداءته أو لضرره أو لغير ذلك، فإذا جعله قميصاً أو عمامة ثم لبسه حنث.

قال رحمه الله: (أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخاً).

يحنث أو لا يحنث؟ إذا كان قصده عين هذا الصبي، فكبر الصبي ثم كلمه، هو قصده العين، لكن لو كان قصده ما دام أنه صبي نرجع إلى النية، لكن هنا ما عندنا نية ولا عندنا سبب، عندنا الآن عين هذا الشخص، وقصد عين هذا الشخص، فنقول: إنه يحنث.

قال رحمه الله: (أو زوجة فلان هذه، أو صديقه فلاناً، أو مملوكه سعيداً، فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم).

في هذه المسائل كلها يحنث، قال: والله لا أكلم زوجة زيد، ثم بعد ذلك كلمها، نقول: ما دام أنه يقصد عين المرأة، سواء كانت زوجة لزيد أو لعمرو أو لبكر، أو لم تكن زوجة، فإنه يحنث، أما إذا لم يكن قصده العين، وإنما قصده ما دامت أنها زوجة لزيد، فإذا طلقها زيد فنقول: لا يحنث.

قال رحمه الله: (أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشاً، أو هذا الرطب فصار تمراً أو دبساً أو خلاً، أو هذا اللبن فصار جبناً أو كشكاً ونحوه، ثم أكله وحنث في الكل).

لأنه قصد العين، أما إذا قصد ونوى ما دام على تلك الهيئة فإنه لا يحنث.

قال رحمه الله: (إلا أن ينوي ما دام على تلك الصفة).

فتقدم النية على هذا التعيين.

إذاً عندنا مراتب: المرتبة الأولى: النية، ثم المرتبة الثانية: السبب، ثم المرتبة الثالثة: التعيين.

الرجوع إلى ما يتناوله الاسم شرعاً وحقيقة وعرفاً

المرتبة الرابعة قال: (فصل: فإن عدم ذلك رجع إلى ما يتناوله الاسم، وهو ثلاثة: شرعي، وحقيقي وعرفي، فالشرعي ما له موضوع في الشرع وموضوع في اللغة، فالمطلق ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح، فإذا حلف لا يبيع أو لا ينكح، فعقد عقداً فاسداً لم يحنث).

هذه المرتبة الرابعة وهي الرجوع إلى الدلالات الثلاث، يعني لم يكن عندنا نية ولا سبب ولا تعيين، نرجع إلى دلالة الاسم، والدلالات ثلاث: دلالة شرعية، ودلالة عرفية، ودلالة لغوية.

الدلالة الشرعية عرفها المؤلف رحمه الله تعالى بقوله: (ما له موضوع في الشرع وموضوع في اللغة).

والدلالة اللغوية هي: التي لم يغلب فيها المجاز على الحقيقة، والدلالة العرفية هي: التي غلب فيها المجاز على الحقيقة.

أي هذه الدلالات نقدم؟ هذا موضع خلاف بين العلماء رحمهم الله تعالى، والمذهب: أن تقدم الحقيقة الشرعية على الحقيقة اللغوية والعرفية.

والرأي الثاني: وهو رأي المالكية، أن نقدم الحقيقة العرفية على الحقيقة الشرعية واللغوية.

هذه مسألة مهمة، وسبق أن تعرضنا لها في أصول الفقه، وذكرنا أن الدلالات تنقسم ثلاثة أقسام: دلالة شرعية ودلالة لغوية ودلالة عرفية.

نقول: الخلاصة في ذلك أن هذا ينقسم إلى أقسام:

القسم الأول: أن يكون ذلك في باب العبادات، فهنا نقدم الدلالة الشرعية إلا إذا كان هناك عرف أو نية، فيحمل المحلوف على أقل ما سماه شرعاً.

القسم الثاني: أن يكون المحلوف عليه في باب العقود، فنقدم الدلالة الشرعية ما لم يكن عرفاً أو نية.

القسم الثالث: أن يكون المحلوف عليه في باب الأفعال أو الأقوال أو الأعيان، فنقول: نقدم الحقيقة اللغوية ما لم يكن عرفاً، هذا الكلام يختصر لك كثيراً مما يذكره الفقهاء، والفقهاء يطيلون، وأنا قرأت للحنفية ما يقرب من مائتي صفحة، إذا حلف لا يأكل سمكاً، إذا حلف لا يأكل فاكهة، إذا حلف لا يأكل خضروات، إذا حلف لا يأكل تمراً، إذا حلف لا يكلم، إذا حلف لا يكتب، إذا حلف لا يشير، إذا حلف لا يصلي، إذا حلف لا يعتكف، وهكذا، يعني بقية المذاهب كلهم يستطردون، لكن هذه الأقسام لخصت كل هذه التفريعات.

فنقول: إذا كان في باب العبادات قال: والله لا أصوم، الصيام يحتمل الصيام اللغوي: الإمساك، ويحتمل الصيام الشرعي، فنحمله على الصيام الشرعي، قال: والله لا أصوم، أو قال: والله لأصومن، نقول: ما يبر بيمينه إلا إذا أتى بأقل ما مسماه شرعاً، وأقل ما مسماه شرعاً صيام هو صيام يوم بالإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، والله لأصلين شكراً لله عز وجل، متى يبر بيمينه؟ نقول: ما يبر بيمينه إلا إذا أتى بأقل الصلاة شرعاً، فالصلاة لها موضوع في اللغة ولها موضوع في الشرع، لكن ما دام أنها في باب العبادات نحمله على الشرعي، وكذلك أيضاً إذا حلف على الزكاة وحلف على الصدقة.

القسم الثاني: إذا حلف على عقد من العقود: والله لأبيعن، متى يبر بيمينه؟ نقول: لا يبر بيمينه حتى يبيع بيعاً صحيحاً، اكتملت فيه شروط الصحة وأركان البيع، يعني لا بد أن يبيع بيعاً صحيحاً، فإذا كان في باب العقود نقدم الحقيقة الشرعية، حلف على البيع، حلف على النكاح، حلف على الوكالة، حلف على الإجارة، ما يبر إلا إذا أتى بأقل ما مسماه شرعاً صحيحاً.

القسم الثالث: إذا حلف على عين من الأعيان، على ثوب من الثياب، على فاكهة، على خضروات، نقدم الحقيقة اللغوية، فإذا قال: والله لا أكلم زيداً، متى يحنث؟ نقول: نرجع إلى الكلام عند أهل اللغة، نرجع إلى الكتابة عند أهل اللغة، نرجع إلى الفاكهة، والله لآكلن فاكهة، متى يبر بيمينه؟ نقول: نرجع إلى تفسير الفاكهة عند أهل اللغة، والله لألبسن ثوباً، متى يبر بيمينه؟ نقول: يبر بيمينه إذا لبس الثوب عند أهل اللغة، وعلى هذا فقس، وما سيذكره المؤلف رحمه الله هذا كله تفريع على ما ذكرنا، وأيضاً هناك بعض المسائل التي سيطرقها.

أمثلة على تقديم الدلالة الشرعية

قال: (فالمطلق ينصرف إلى الموضوع الشرعي الصحيح، فإذا حلف لا يبيع أو لا ينكح فعقد عقداً فاسداً لا يحنث)، كما تقدم لنا في باب العقود، يحمل على الدلالة الشرعية، (وإن قيد يمينه بما يمنع الصحة؛ كأن حلف لا يبيع الخمر أو الخنزير حنث بصورة العقد)؛ لأن بيع الخنزير لا يصح شرعاً، وكذلك أيضاً بيع الخمر.

أمثلة على تقديم الدلالة الحقيقية

قال: (والحقيقي).

يعني الدلالة الحقيقية.

قال: (هو الذي لم يغلب مجازه على حقيقته، كاللحم..).كما قلنا: إذا حلف على عين من الأعيان، أو فعل من الأفعال، أو قول من الأقوال، هذا يحمل على اللغة، إلا إذا كان هناك عرف نحمله على الحقيقة اللغوية، فإذا كان هناك عرف فإنا نقدم العرف على اللغة.

قال: (فإذا حلف لا يأكل اللحم فأكل شحماً أو مخاً أو كبداً أو نحوه لم يحنث).

لأن اللحم في اللغة المقصود به الهبر، والشحم لا يسمى لحماً لغة، والكبد أيضاً لا يسمى لحماً.

قال: (ومن حلف لا يأكل أدماً، حنث بأكل البيض والتمر والملح والخل والزيتون ونحوه، وكل ما يصطبغ به).

كالزيت والعسل والسمن؛ لأن الأدم في اللغة العربية يشتمل على هذا كله، كما تقدم لنا أنه إذا حلف على عين من الأعيان نرجع إلى الحقيقة اللغوية، ما لم يكن هناك عرف، فيحنث بكل ما يصطبغ به، من السمن والعسل والزيت والزيتون والخل والجبن، هذا كلها داخلة في الأدم، كلها يصطبغ فيها، أي: تأكلها مع الخبز.

قال: (ولا يلبس شيئاً فلبس ثوباً أو درعاً أو جوشناً أو نعلاً حنث).

لأن هذا ملبوس في الحقيقة.

قال: (وإن حلف لا يكلم إنساناً حنث بكلام كل إنسان).

لأن قوله: (إنسان) هذه نكرة في سياق النفي، قال لك: والله لا أكلم إنساناً، نكرة في سياق النفي، والنكرة في سياق النفي من صيغ العموم، فيحنث بكلام كل إنسان.

قال: (ولا يفعل شيئاً فوكل من حلفه حنث).

لو قال: والله لا أبيع هذه الأرض، ثم وكل من يبيعها، يحنث أو لا يحنث؟ يقول المؤلف رحمه الله تعالى: يحنث، إلا إذا قصد المباشرة؛ لأن البيع في اللغة العربية هو ما صدر من الشخص سواء أصالة بنفسه أو نيابة بغيره، فإذا أناب غيره فيعتبر أنه هو الذي باع، فقال: حنث، إلا أن ينوي مباشرته بنفسه، فهذه تقدم النية.

أمثلة على تقديم الدلالة العرفية

قال: (والعرفي ما اشتهر مجازه فغلب على الحقيقة، كالراوية).

الراوية كما تقدم لنا في الأعيان نقدم اللغوية ما لم يكن هناك عرف، فإذا كان هناك عرف فإننا نقدم الحقيقة العرفية، هنا مثل المؤلف: بالراوية، لو قال: والله لأبيعن راوية. والراوية في اللغة العربية هي الجمل الذي يستقى عليه، وفي العرف اسم للمزادة أو القربة التي يكون فيها الماء، ولو قال: والله لأبيعن راوية. فذهب وباع جملاً، يحنث أو لا يحنث؟ يحنث؛ لأنه وإن كانت الراوية في اللغة العربية للجمل، إلا أن العرف الآن غلب، فأصبح اسم الراوية للمزادة وليس للجمل، لو قال: والله لأشترين راوية فاشترى جملاً، نقول: يحنث، ما يبر بيمينه حتى يشتري المزادة.

قال: (والغائط).

والغائط في اللغة: اسم للمطمئن من الأرض، وفي العرف الخارج المستقذر، وهنا غلب العرف على الحقيقة اللغوية، فتقدم الحقيقة العرفية.

قال: (ونحوهما).

فتتعلق اليمين بالعرف دون الحقيقة؛ لأن الحقيقة اللغوية صارت كالمهجورة، فتتعلق اليمين بالعرف.

فرع: قال رحمه الله: (فإذا حلف على وطء زوجته، أو وطء دار، تعلقت يمينه بجماعها وبدخول الدار).

لو قال: والله لأطأن امرأتي، الوطء في اللغة العربية بالقدم، لكن في العرف الوطء: وطء الزوجة أي: الجماع، فنقول: ما تبر بيمينك حتى يحصل منك الجماع، أما لو وطأها برجله فإنه لا يبر بيمينه، أيضاً قال: والله لأطأن هذه الدار، نقول: ما يكفي أن يطأها برجله، بل لا بد أن يدخلها؛ لأن اليمين الآن تتعلق بالدخول.

المرتبة الأولى: نرجع إلى النية، لكن اشترط المؤلف رحمه الله أن يحتملها اللفظ، فمثلاً لو قال: والله لأنامن على الفراش، ثم نام على الأرض، قلنا: حنث، قال: لا، أنا قصدي بالفراش: الأرض، صح؛ لأن الأرض فراش، قال: والله لأنامن تحت السقف، ثم خرج إلى الفضاء ونام تحت السماء، قال: أنا قصدي بالسقف السماء، صح، ما دام أن النية يحتملها اللفظ فنرجع إلى ذلك، ولا يحنث.

قال: والله لآكلن خبزة، فأكل تفاحة، قلنا: حنث، قال: لا، أنا قصدي بالخبزة التفاحة، فهنا لا يحتمل اللفظ، لكن في الصورة الأولى يحتمل اللفظ، فهنا نقول: تحنث، كذلك لو قال: والله لآكلن هذه الساعة خبزاً، جاء وأكل تفاحة ومضت الساعة، قال: أنا قصدي الخبز التفاحة، ما يصلح، نقول هنا: لا يحتملها اللفظ فيحنث، نعم يحنث، ولهذا قال لك المؤلف: إذا احتملها اللفظ.

المرتبة الثانية: قال: (فإن عدمت النية رجع إلى سبب اليمين وما هيجها).

وهذا يسميها المالكية ببساط اليمين، نرجع إلى سبب اليمين؛ لأن سبب اليمين هذا يدل على النية، وهذه أيضاً مسألة مهمة، نرجع إلى سبب اليمين وما هيجها، يعني اعتبار الأسباب في الأفعال، وما يترتب عليه، هذا مهم جداً، فمثلاً قال: والله لا أكلم زيداً اليوم ثم كلمه، نقول: حنثت، يقول: لا أنا قصدي سبب اليمين أني ما حلفت أني لا أكلم زيداً؛ لأنه لا يكلم أمه فكلم أمه، فنقول: لا يحنث، قال: والله لا أدخل بيت زيد ثم دخل، قلنا: حنثت؛ لأنك دخلت بيت زيد، قال: قصدي لأن فيه آلات لهو، هو وضع آلات لهو، الآن أخرج اللهو ودخل، فلا يحنث؟ لا يحنث، نرجع إلى سبب اليمين، ما السبب الذي هيج اليمين وبعثها؟ هو: وجود اللهو، فإذا زال اللهو فإن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً.

ومثل ذلك لو أن شخصاً قال لزوجته: أنت طالق بناء على أنها تكلم رجلاً يظنه أجنبياً، فتبين أنه غير أجنبي وأنه من محارمها، هل تطلق أو لا تطلق؟ نقول: لا تطلق، يرجع في ذلك إلى سبب اليمين وما هيجها، ولهذا قال المؤلف: (فإن عدمت رجع إلى سبب اليمين وما هيجها) لماذا؟ لأن السبب يدل على النية.

ومن أمثلة ذلك: لو قال: والله لأعطين زيداً سيارته غداً، ثم ذهب وأعطاه اليوم، هو قال: والله لأعطيه السيارة غداً، وأخذ سيارة زيد، وقال: والله لأردها عليه غداً، ثم بعد ذلك تيسر له وردها له اليوم، فلا يحنث لأن قصده باليمين الاستعجال بالرد، فنرجع إلى سبب اليمين وما هيجها.

قال رحمه الله: (فإن عدم ذلك رجع إلى التعيين).

المرتبة الثالثة: إذا عدمنا السبب فإننا نرجع إلى التعيين؛ لأنه أبلغ من دلالة الاسم على المسمى؛ لأنه ينفي الإبهام بالكلية.

قال: (فإذا حلف لا ألبس هذا القميص فجعله سراويل أو رداء أو عمامة ولبسه حنث).

يعني: إذا كان قصده نفس هذا القميص، ليس لكونه قميصاً، وإنما لكونه عين هذا القماش، فإنه يحنث إذا كان قصده عين هذا القماش، لا يريد أن يلبسه، إما لرداءته أو لضرره أو لغير ذلك، فإذا جعله قميصاً أو عمامة ثم لبسه حنث.

قال رحمه الله: (أو لا كلمت هذا الصبي فصار شيخاً).

يحنث أو لا يحنث؟ إذا كان قصده عين هذا الصبي، فكبر الصبي ثم كلمه، هو قصده العين، لكن لو كان قصده ما دام أنه صبي نرجع إلى النية، لكن هنا ما عندنا نية ولا عندنا سبب، عندنا الآن عين هذا الشخص، وقصد عين هذا الشخص، فنقول: إنه يحنث.

قال رحمه الله: (أو زوجة فلان هذه، أو صديقه فلاناً، أو مملوكه سعيداً، فزالت الزوجية والملك والصداقة ثم كلمهم).

في هذه المسائل كلها يحنث، قال: والله لا أكلم زوجة زيد، ثم بعد ذلك كلمها، نقول: ما دام أنه يقصد عين المرأة، سواء كانت زوجة لزيد أو لعمرو أو لبكر، أو لم تكن زوجة، فإنه يحنث، أما إذا لم يكن قصده العين، وإنما قصده ما دامت أنها زوجة لزيد، فإذا طلقها زيد فنقول: لا يحنث.

قال رحمه الله: (أو لا أكلت لحم هذا الحمل فصار كبشاً، أو هذا الرطب فصار تمراً أو دبساً أو خلاً، أو هذا اللبن فصار جبناً أو كشكاً ونحوه، ثم أكله وحنث في الكل).

لأنه قصد العين، أما إذا قصد ونوى ما دام على تلك الهيئة فإنه لا يحنث.

قال رحمه الله: (إلا أن ينوي ما دام على تلك الصفة).

فتقدم النية على هذا التعيين.

إذاً عندنا مراتب: المرتبة الأولى: النية، ثم المرتبة الثانية: السبب، ثم المرتبة الثالثة: التعيين.