المسلم بين اليأس والأمل


الحلقة مفرغة

الحمد لله الذي هدانا للإيمان، وأكرمنا بالإسلام، ووفقنا للطاعات، وجعلنا من المسارعين إلى الخيرات، وجعل من بعد العسر يسراً، ومن بعد الشدة فرجاً، أحمده سبحانه وتعالى على عظيم نعمه، وتوالي مننه، ودوام بره، وعظيم لطفه، هو سبحانه وتعالى أهل الحمد والثناء، سبحانه لا نحصي ثناءً عليه، هو كما أثنى على نفسه، فله الحمد في الأولى والآخرة، وله الحمد على كل حال وفي كل آن، نحمده سبحانه وتعالى على آلائه ونعمه التي لا تعد ولا تحصى، حمداً كما يحب ربنا ويرضى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، جعله خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الأولين والآخرين، وأرسله كافة للناس أجمعين، وبعثه رحمة للعالمين، وأشهد أنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، فجزاه الله خير ما جازى نبياً عن أمته، ورزقنا وإياكم اتباع سنته، وحشرنا يوم القيامة في زمرته، وصلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102]، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1]. يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون!

المسلم بين اليأس والأمل؛ موضوع حديثنا اليوم نستكمل به ملامح الشخصية الإسلامية.

وإن الأمر الأول الذي يكتنفه يأس عند بعض النفوس، ويلج به قنوط على بعض القلوب: أحوال أمة الإسلام في كثير من البقاع والديار.

إن المسلم لينظر إلى الشرق والغرب، فيرى أحوال المسلمين لا تحزن عدواً ولا تسر صديقاً، فإذا بلادهم قد مزقت تمزيقاً .. وإذا وحدتهم قد قطعت تقطيعاً .. وإذا بعض ديارهم قد سلبت .. وإذا كثير من أعراضهم قد اغتصبت .. وإذا البطون قد بقرت .. وإذا العيون قد سملت .. وإذا البيوت قد هدمت .. وإذا المساجد قد دمرت .. وإذا المصاحف قد دنست .. وإذا بألوان من العناء والبلاء، وصور من المعاناة والشقاء، ونيران ودخان تحيط بأحوال كثير من المسلمين في كثير من بقاعهم وديارهم، وإذا صور أخرى ربما تكون أشد وأعظم، إذ كثير من ديار الإسلام قد نحت كتاب الله عز وجل عن تحكيمه في واقع الحياة، وكثير من ديار الإسلام قد سارت تبعاً لشرق أو غرب، وكثير من المسلمين قد لجوا في المعاصي، وخاضوا في الشهوات إلا من رحم الله.

وهنا يسري إلى النفوس بعض اليأس والقنوط، وعدم وجود الأمل في إصلاح الأحوال وتغيرها وتبدلها، وما ينبغي لمسلم أن يكون عنده يأس من روح الله: إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87].

إن الأمل في الله عظيم، وإن الخير في هذه الأمة عميم، وإن المسلم لو تمعن قليلاً .. ولو تفكر يسيراً لرأى أن من وراء هذه الظلمات نوراً يوشك أن ينشق عن فجر مشرق وضاء بإذن الله، وما ذلك على الله بعزيز، وإن أحوال الأمة اليوم هي خير بكثير مما كانت عليه في أوقات مضت، وليس ذلك محض ادعاء، ولا ذلك موافقة للعواطف والمشاعر، ولا تخديراً لمشاعر الحزن والأسى والألم في نفوس كثير من أبناء المسلمين، ولكنه أمر الأمل الذي ينبغي أن ينبعث في القلوب، والثقة التي ينبغي أن تعظم في الله عز وجل، واليقين الذي ينبغي ألا يخالطه شك في صدق وعد الله سبحانه وتعالى، وأن العاقبة للمتقين.

والنبي صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن هذا الدين عظيم: (ما من بيت مدر ولا وبر إلا ويدخله الإسلام، بعز عزيز أو بذل ذليل)، قول صادق من الرسول المصدق صلى الله عليه وسلم، وقد بشرنا بفتح القسطنطينية، وفتحت كما أخبر عليه الصلاة والسلام.

وشق البشارة الأخرى أمل في نفس كل مؤمن، ويقين في قلب كل مسلم لا يمكن أن يتزعزع أو أن يداخل مسلماً فيه شك أو ريبة بأي حال من الأحوال، والنبي صلى الله عليه وسلم قد نبأنا بما يكون في مستقبل الأيام، وقد أخبرنا بعز هذا الدين ورفعة الإسلام، والنبي صلى الله عليه وسلم فيما أخبرنا به لا يمكن أن يكون إخباراً يتطرق إليه أدنى شك بصورة من الصور، فإننا ننتظر وقوع ما أخبرنا به وحصوله، ولكن العمل هو الذي يبعث الأمل، فإن الآمال من غير أعمال إنما هي خيالات وأوهام، وإنما هي أضغاث أحلام، فينبغي للمسلم أن يعرف أن الأمل في الله ينبغي ألا ينقطع، وأن اليأس من روح الله سبحانه وتعالى ورحمته ينبغي ألا يخالط نفسه وقلبه وعقله بأي حال من الأحوال.

انظر إلى أحوال الأمة اليوم ألا ترى تضاعفاً لأعداد المصلين والساجدين؟ ألا ترى أوبة من كثير من الشاردين والمعرضين؟ ألا ترى غيرة من كثير من اللاهين والعابثين؟ ألا ترى أن أمة الإسلام كلما ازداد الضيم عليها والظلم الواقع على أبنائها، والإجرام المحيط بها، ازداد أبناؤها تشبثاً بدينهم، واستمساكاً بإسلامهم؟ ألم يقع في فترة مضت من هذا الزمان عندما احتلت ديار المسلمين، أن بعض الناس بدلوا دينهم، وغيروا أخلاقهم، والوا أعداءهم؟ انظر اليوم إلى أحوال كثير من المسلمين وهم يلاقون أشد أنواع العناء بالبوسنة والهرسك وكشمير وغيرها، ما فتنهم ذلك عن دينهم ولا تخلوا عن إسلامهم، هذه صور مشرقة، هذه آمال عريضة، فإن وراء ذلك خير عميم في فئام من المسلمين، ألا نرى اليوم صغارهم وهم يدرجون إلى المساجد في أول سنهم؟ ألا ترى اليوم فتيانهم وهم يتحلقون على كتاب ربهم؟ ألا ترى اليوم شبابهم وهم يتواصون ويعظ بعضهم بعضاً بالتمسك بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا ترى اليوم أشياخاً قد فرغوا أنفسهم لطاعة الله، وبذلوا أموالهم لنصرة دين الله؟ فما بالك أخي المسلم لا تنظر إلى عظيم فضل الله، ولا تنظر إلى عظيم منة الله؟

إن الأمر قد بدا فيه كثير من الخير والأمل:

في كل عين يقظة وبكل دمـ ع صحوة كالنشر كالطوفان

وإذا العروبة راية معقودة لله للتوحيد للفرقان

وإذا شعوب المسلمين عزيمة من سفح تطوان إلى اليابان

ألم تر اليوم مسلمين ما كنا نسمع بهم من قبل، يصلون لله في أقاصي الصين في شرق الأرض، ويصلون لله سبحانه وتعالى في أقصى بلاد الغرب؟

ألم تر مسلمين ما كنا نعرف بلادهم، ولا كنا نسمع عن أحوالهم، عاشوا دهوراً طويلة تحت حكم الشيوعية أو تحت حكم أي ذلة كفرية، ثم بعد السنوات الطوال، وبعد الاضطهاد العظيم، وبعد البلاء المتواصل خرجوا من تحت الأرض مسلمين، وانبعثوا بعد هذه السنوات مؤمنين، ولله موحدين، ولراية دينه رافعين؟ إن هذا أمل عظيم، وخير عميم، ألا ترى اليوم جهاد المسلمين قد انبعث في كثير من البقاع الإسلامية، جهاداً خالصاً لله عز وجل يرفع راية الإسلام؟ إنها آمال عريضة في أحوال الأمة ينبغي ألا تقنطنا من رحمة الله عز وجل، وينبغي أن ندرك أن وراء الشدة فرجاً، وأن بعد الضيق مخرجاً، وأن مع اليسر يسراً، ولن يغلب عسر يسرين كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم.

فليفعل أعداء الإسلام بالأمة ما شاءوا، فإن في القلوب إيماناً يستعصي على الانتزاع، وإن في النفوس يقيناً يستعصي على الشك والارتياب، وإن في الأعمال بإذن الله عز وجل مواصلة ومضاعفة، حتى يأذن الله أن تعود للأمة وحدتها من بعد فرقتها، وقوتها من بعد ضعفها، وعزها من بعد ذلها، وما ذلك على الله بعزيز.

وانظر أخي المسلم إلى التاريخ يصدقك هذه الأنباء، إن المسلمين قد مرت بهم أحوال عصيبة، وظروف رهيبة، لا تقل عما يحل بهم اليوم، ألم تسمع عن جيوش التتار الغازية البربرية الوحشية المدمرة الفتاكة التي ما تركت أخضر ولا يابساً، والتي أتت على كل معنى من معاني الإنسانية، ودمرت كل معلم من معالم الحضارة البشرية، ألا ترى تلك الأحوال؟ ألم تقرأ عن دخول التتار إلى بغداد سنة ست وخمسين وستمائة للهجرة؟

قال ابن كثير في تاريخه: إن عدة من قتلوا في بغداد في ذلك الوقت نحو ثمانمائة ألف نسمة، ويذكر في رواية أخرى أنهم يزيدون عن ألف ألف، أي عن مليون. قال: قتلوا حتى هربوا إلى بيوتهم، ثم دخلوا عليهم في بيوتهم حتى صعدوا إلى أسطح منازلهم، ثم قتلوا حتى صبت ميازيب بيوتهم من دمائهم، وبقوا أربعين يوماً يستحر فيهم القتل من أولئك التتار الكفرة الهمجيين.

ثم ماذا بعد ذلك أيها الإخوة؟! بعد عامين اثنين فقط، في الخامس والعشرين من شهر رمضان، في يوم جمعة أغر للعام الثامن والخمسين وستمائة للهجرة كانت معركة عين جالوت، عندما عادت الأمة إلى ربها وتوحدت في بعض صفوفها، وأخلصت في كثير من المعاني لربها، جاءت عين جالوت لتكون نصراً عظيماً للإسلام والمسلمين، ودحراً وكسراً للتتار المعتدين.

ثم بعد ذلك دخل التتار في دين الله أفواجاً وصاروا مسلمين، بمقياس العقل والمادة، لا يمكن لأمة هزمت مثل هذه الهزيمة وحلت بها مثل هذه المصيبة أن تقوم لها قائمة، أو أن ينشط لها أبناؤها في هذه الفترة الوجيزة من الزمان.

فينبغي ألا يكون هناك يأس، فالأمل في الله عز وجل عظيم، والأمل كما أشرت يحتاج إلى العمل، انظر أخي المسلم إلى ما قص الله عز وجل علينا من شأن الأنبياء والمرسلين المصلحين، الذين يغيرون الأحوال بأمر الله سبحانه وتعالى لما بعثهم وأرسلهم إلى أقوامهم:

نوح عليه السلام يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، ما خالطه يأس ولا فتر عن العمل، ولا انقطع منه الأمل، ولذلك حتى في الوقت الذي كان الطوفان قد بدأ ما زال عنده أمل في ابنه: (يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا [هود:42]، يناديه إلى اللحظات الأخيرة .. إلى الثواني الأخيرة!

والنبي صلى الله عليه وسلم قال الله جل وعلا له: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99]، فظل موصولاً بالله سبحانه وتعالى طول عمره، وخرج بعد أن صدت مكة عنه إلى الطائف، ثم وجد بها ما وجد من الأسى ومن المعارضة فرجع، ثم جاءه ملك الجبال مبعوثاً من الله عز وجل يقول لمحمد صلى الله عليه وسلم: (لو شئت أن أطبق عليهم الأخشبين لفعلت)، فيقول النبي الكريم عليه الصلاة والسلام، الموصول القلب بالله، العظيم الثقة بالله، العظيم الأمل في وعد الله، الذي يحب الخير للناس: (لا، ولكن لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله عز وجل)، وقد كان كما أخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

ألم نر إلى الرسول عليه الصلاة والسلام خرج من مكة مهاجراً مطارداً ثم لم يلبث أن عاد إليها بعد أعوام قليلة فاتحاً منتصراً؟

أيها الإخوة الأحبة! ينبغي أن يكون في نفوس المسلمين أمل عظيم في الله سبحانه وتعالى.

وهنا أمر آخر يقع لبعض أهل الإيمان والإسلام، ممن غلبت عليهم الشهوات، وممن غرقوا في بحار المعاصي والسيئات، وإذا بهم تأتيهم وساوس الشيطان، وأوهام النفس الأمارة بالسوء فتقول: قد تدنست بالخطايا، وغرقت في مخالفة أمر الله سبحانه وتعالى، فأنى لك النجاة؟ وكيف لك الخلاص؟ قد سدت الأبواب، وانقطعت الأسباب، ويأتي الشيطان ليقعدك وعندك ما هو أعظم من كل هذه المعاصي، عندك إيمان في قلبك، وتوحيد بالله سبحانه وتعالى، يأتي ليسد عليك الأبواب، وليدخل على قلبك اليأس من رحمة الله سبحانه وتعالى، ولتنقطع عن إخوانك المسلمين، ولئلا يكون لك دور في نصرة هذا الدين، بحجة وهمية؛ وهي أنك قد وقعت في المعاصي.

وانظر أخي المسلم! إلى الأمر الذي يبدد هذا اليأس، ويبعث الأمل قوياً موصولاً في نفسك، قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]، آية من أعظم آيات الرجاء في القرآن: (قُلْ يَا عِبَادِيَ) سماهم عباداً له؛ لأنهم موحدون.. لأنهم مؤمنون.. وإن كانوا عصاة خاطئين: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ) أي: في المعاصي والشهوات والملذات والمخالفات، (لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ) لا تقنطوا من رحمة الله مهما تعاظمت ذنوبكم! ليس ذلك دعوة لارتكاب المعاصي، وإنما دعوة لمن قد وقع ليخرج من هذه الورطة والوقعة.

(إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) ما خلا الشرك، في الحديث القدسي الصحيح عن رب العزة والجلال: (ابن آدم! لو لقيتني بقراب الأرض خطايا بملء الأرض معاصي وذنوب وخطايا، ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً، لقيتك بقرابها مغفرة)، إن هذا الأمر يحتاج منك إلى التوبة والاستغفار، ثم إلى مواصلة العمل في مرضاة الله سبحانه وتعالى.

يقول صلى الله عليه وسلم: (إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل) .. (إن الله إذا بقي الثلث الأخير من الليل ينزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من سائل فأعطيه؟ هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟)، وذلك الدهر كله (إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر)، وفي حديث آخر صحيح أيضاً: (إن الله يقبل توبة العبد ما لم تطلع الشمس من مغربها). فضل الله عظيم، والأمل في رحمته كبير!

وفي سنن النسائي وأبي داود وابن ماجة وعند الإمام أحمد بسند صححه بعض أهل العلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب)، توبوا إلى الله واستغفروه في اليوم والليلة مائة أو سبعين مرة، فقد كان ذلك فعل الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فلا يأس من روح الله، ولا يأس من رحمة الله، حتى وإن كنت من العصاة.

وأمر ثالث أيضاً يدخل به اليأس والقنوط على نفوس بعض الناس: عندما تضيق بهم الأحوال، وتقل في أيديهم الأموال، وتنسد طرق الرزق أمامهم وأمام سعيهم، فإذا بالرضا عن قضاء الله لا يلج إلى قلب أولئك، فتجدهم متكدرين معترضين ساخطين، غير متأملين في نعم الله عليهم، وغير متفائلين في الأمل الذي يمكن أن يفتحه الله عز وجل في مستقبل الأيام.

وما ينبغي أن يكون هذا حال المؤمن، فإن نعمة واحدة من نعم الله عز وجل عليك لا يكفيك عملك كله شكراً لها، فإذا وجدت شيئاً من الضيق في باب من الأبواب، فانظر إلى الصحة التي آتاك الله إياها، وانظر إلى السلامة والأمن الذي هيأه الله لك، وانظر إلى الأولاد الذين رزقهم الله إياك، وانظر إلى ما سلف من الرزق الذي أجراه الله عز وجل بين يديك، وانظر إلى القليل الذي آتاك الله عز وجل كيف بارك لك فيه، وانظر إلى غيرك ممن هو أدنى منك في أبواب الرزق؛ لتذكر نعمة الله عليك، ولتشكر الله سبحانه وتعالى، وتذكر قوله جل وعلا: وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ [الشورى:28] قد أجدبت الأرض، وأقفرت من الماء حتى لم يعد هناك أمل، فإذا الله عز وجل ينزل رحمته.

وهكذا هذا الأمر يحتاج أيضاً إلى عمل، يحتاج إلى التضرع والدعاء، يحتاج إلى الصلاة والاستسقاء، يحتاج إلى أن تتعرف على الله في الشدة والرخاء، ينبغي ألا تكون حالك كحال أهل الكفر أو أهل الغفلة والطغيان، الذين لا يلتفتون إلى رحمة الله سبحانه وتعالى، والذين يطغون بالنعم إذا جاءتهم، ويكفرون بالله عز وجل إذا سلبهم بعض النعم.

أما المؤمن فإن أمره كما أخبر النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: كله له خير؛ فإن أصابته سراء شكر، وإن أصابته ضراء صبر، فهو في كل حال من الأحوال على خير.

واعلم أن كل بلاء يحل بك أو ضيق يواجهك في حياتك إنما هو تكفير للسيئات ورفع للدرجات، وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: (حتى الشوكة يشاكها العبد المؤمن يكفر الله عز وجل بها من خطاياه)، فاحمد الله عبد الله، ولا تيأس من نعمة الله ولا من رزق الله، ألم تر فقراء من الله عليهم فجأة بسعة الرزق من إرث أو من عمل لم يكونوا يحتسبونه؟ والله عز وجل يقول: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا [الطلاق:4]، وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3] لم نضيق بما قدر الله عز وجل علينا ثم نتنكب الطريق ونريد توسعة الرزق من خلال الحرام، فنقبل الرشاوي، ونغش، وندلس، فإذا قيل: لم تفعل هذا؟ قال: لأن أبواب الرزق ضاقت ولم يكن هناك من طريق إلا هذا! فسبحان الله كيف نريد عطاء الله بمعصية الله! وكيف نريد أن يفرج الله عنا ونحن نضيق على أنفسنا ونسد الطريق بيننا وبينه سبحانه وتعالى بمثل هذه المعاصي!

وهنا مثل جاء في كتاب الله عز وجل لنأخذ منه الدرس والعبرة من غير ما تطويل كما في قصة الخليل إبراهيم عليه السلام، لما جاءته ملائكة الله، يقول الله جل وعلا: إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ * قَالُوا لا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ * قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ * قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ [الحجر:52-55].

فهذه صورة أخرى: بعض الناس يحرم الولد ويبحث هنا وهنا ثم ينقطع الأمل، والله سبحانه وتعالى قد قص علينا في قصة إبراهيم أنه كان قد بلغ من الكبر عتياً، فجاءته البشارة فلم يصدقها لأول وهلة؛ لأنه لا يعرف هؤلاء المبلغين لهذه البشارة، فلما قالوا: بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ [الحجر:55] أي: من عند الله عز وجل، لم يكن عنده أدنى شك في وعد الله عز وجل، وفي البشارة التي بلغها إياه ملائكة الله سبحانه وتعالى.

وكم ممن حرموا من الذرية عاشوا سنوات طوالاً ثم رزقهم الله عز وجل! فلا يمكن للمؤمن أن ييأس من أي أمر في هذه الحياة ما دام موصولاً بالله سبحانه وتعالى، وأكثر ما يقع اليأس عندما تحل المحن ويكثر البلاء، ويشتد كيد الأعداء، وتحيط بالمسلم أو بالمسلمين النكبات من كل مكان، هنا يقع في بعض القلوب وهن، ويسري إلى بعض النفوس يأس وقنوط، وينبغي ألا يكون ذلك ممن قلبه معمور بالإيمان، وإن الله سبحانه وتعالى قد قص علينا من قصص الأنبياء والمرسلين ما هو درس وعظة وعبرة في هذا الشأن:

فهذا موسى عليه السلام يخرج ومعه بنو إسرائيل من مصر، ويتبعه فرعون وجنوده، ثم يعترضه البحر أمامه، وفرعون بجيوشه وسيوفه وحرابه من ورائه، فإذا ببعض بني إسرائيل ممن لم يعمر الإيمان قلبه ولم تعظم ثقتهم بالله عز وجل: قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ [الشعراء:61] لا أمل لنا في النجاة مطلقاً، وجاء رد موسى عليه السلام بقدر ما كان على عظيم الأمل وكماله: قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ [الشعراء:62] لا يمكن أن تكون هذه هي النتيجة؛ لأن هناك وعداً من الله سبحانه وتعالى، ولم يكن موسى عليه السلام إذ ذاك يعلم كيف سيكون الخلاص؟ هو يعلم أن ثمة خلاصاً لكنه لا يعلم كيف يكون، ثم جاء السبب اليسير: (اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ [الشعراء:63]، فلما مر موسى ومن معه وجاء فرعون ومن معه أطبق البحر عليهم فماتوا غرقى.

والنبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الهجرة لما كان مختفياً في الغار وتتبع قصاص الأثر أثره وأثر أبي بكر حتى وقفوا على فم الغار. يقول أبو بكر : (لو نظر أحدهم إلى موضع قدمه لرآنا؛ فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟).

وانظر إلى صحابة النبي رضوان الله عليهم عندما حلت بهم بعض الهزيمة في أحد: الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173]، وانظر إليهم في الأحزاب وقد اجتمعت عليهم ظروف عصيبة ورهيبة: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا [الأحزاب:22].

هكذا كان أملهم في الله عز وجل، إنهم ينتظرون إحدى الحسنيين: إما النصر وإما الشهادة، إنهم مستقيمون على أمر الله، ثابتون على دين الله، يعلمون أن الفرج من عند الله سبحانه وتعالى، فينبغي ألا يسري اليأس إلى نفوسنا، وألا يداخل القنوط قلوبنا، فإن الأمل في الله عظيم، وإن الخير في أمة الإسلام عميم.

أسأل الله عز وجل أن يفرج هموم المسلمين، وأن ينفس كروبهم، وأن يعجل نصرهم، وأن يقرب فرجهم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أقول هذا القول وأستغفر الله العظيم لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين.

أما بعد:

أيها الإخوة المؤمنون! فأوصيكم ونفسي الخاطئة بتقوى الله، فإن تقوى الله أعظم زاد يقدم به العبد على مولاه، وإن من التقوى تعظيم الثقة بالله، وعقد الأمل في عطاء الله سبحانه وتعالى، وإن اليأس عند الشدائد -كما قلت- هو الذي يحيط بكثير من أحوال الأمة اليوم، ولنا عبرة فيما سلف من قصص الأنبياء والمرسلين وفي سير أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وإن صور الثبات التي تقع في واقع الأمة اليوم لتبعث الأمل عظيماً، فإننا نرى شدة، وإننا نرى وحشية واعتداءً وبغياً، وكل تحطيم لمعاني الكرامة الإنسانية، ومع ذلك نجد -بحمد الله عز وجل- عند كثير من إخواننا المسلمين المعذبين المضطهدين المظلومين لجوءاً إلى الله عز وجل، وعودة إلى الله سبحانه وتعالى، وانقطعت آمالهم وانقطع رجاؤهم إلا في الله سبحانه وتعالى، وهنا يحصل الأمر الذي ينبغي أن يكون وهو أن يدب اليأس لا إلى المسلمين، وإنما إلى الكافرين، أن يأتيهم اليأس أنه لا أمل في تغيير المسلمين عن إسلامهم، ولا في نزع إيمانهم، ولا في تغيير صلتهم بالله وارتباطهم، ولا في تقطع أواصرهم، فعندما ابتلي المسلمون في البوسنة أو في كشمير أو أي مكان ماذا كان قولهم؟ دعاء لله، ثم اتصال بإخوانهم المسلمين، هكذا كان الأمر، ولذلك يقول الله جل وعلا: (الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ [المائدة:3]، ما معنى هذه الآية؟

قال ابن كثير في تفسيره: أي: أن المشركين قد يئسوا أن يرجع أهل الإسلام عن إسلامهم، في أول الأمر كانت قريش تغري بالأموال، ثم بعد ذلك صارت تلهب بالسياط، ثم بعد ذلك صارت تضيق بالحصار، كل ذلك أملاً في الارتداد، وفي أن يرجع المسلمون إلى كفرهم وشركهم.

لما فشلت كل هذه المحاولات دب اليأس في قلوب الأعداء أنه لا أمل فيمن خالط الإيمان قلبه، لا أمل فيمن سجد لله سجدة إذا ثبت بإذن الله عز وجل على إيمانه، ورسخ بقدمه على طريق رضوان الله سبحانه وتعالى، وهكذا ينبغي أن يكون، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد بين ذلك في معنى آخر عندما قال: (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب، ولكن في التحريش بينهم).

وهذا الأمر ينبغي أن يكون عندنا شيء كبير من الأمل، وينبغي لك أخي المسلم ألا تكون موصوفاً باليأس؛ لأنه صفة أهل الكفر كما قال جل وعلا: وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَلِقَائِهِ أُوْلَئِكَ يَئِسُوا مِنْ رَحْمَتِي وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [العنكبوت:23].

ينبغي لك ألا تكون كحال الإنسان إذا كان مجرداً عن الإيمان مما أخبرنا به الله عز وجل في القرآن عندما قال جل وعلا: وَلَئِنْ أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ [هود:9-10]:

قال ابن كثير في تفسيره عن حال هذا الإنسان بلا إيمان: إذا وقعت له شدة بعد نعمة حصل له يأس وقنوط من الخير بالنسبة للمستقبل، وكفر وجحود بالنسبة لماضي الحال، كأنه لم ير خيراً من قبل قط، وحال الإنسان كما قال الله جل وعلا: لا يَسْأَمُ الإِنْسَانُ مِنْ دُعَاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ [فصلت:49]، يدعو الله بالمال وبالأولاد وبسعة الرزق، ويعطيه الله عز وجل ما قدره سبحانه وتعالى، فإذا أخذ منه بعض نعمه إذا هو يئوس قنوط.

ينبغي ألا يكون هذا حال المسلم، ينبغي أن تكون أخي المسلم راضياً بالقضاء، شاكراً على النعماء، صابراً على الضراء، مواظباً على الدعاء، مؤملاً في الله سبحانه وتعالى في الشدة والرخاء، ينبغي أن تكون دائم الصلة بالله عز وجل، وإن الفجر بعد الليل لا بد أن يطلع، وإن النور بعد الظلام لابد أن يسطع، حقيقة كونية لا شك فيها.

وانظر إلى قصة يوسف وأبيه يعقوب عليهما السلام، بعد أن ذهب يوسف ومرت به سنوات لا يعرفون له خبراً، ولا يأتيهم عنه ذكر من قريب ولا بعيد، ثم بعد ذلك يأتي ابنه الثاني ويقبض عليه العزيز في قصة السرقة المعروفة، ثم يرجع الأبناء وقد يئسوا، فيقول يعقوب عليه السلام: يَا بَنِيَ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الكَافِرُونَ [يوسف:87]، قبل ذلك قالوا له: (تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [يوسف:85-86]، بث شكواك إلى الله، وأصغ بما حل بك إلى الله، واترك الأمر لله، فإن الله جاعل لكل أمر ولكل ضيق مخرجاً بإذنه سبحانه وتعالى، ولكن الآمال كما أشرت تحتاج إلى الأعمال، ولا بد أن نعرف أن العاقبة للمتقين:

أخي ستبيد جيوش الظلام ويشرق في الكون فجر جديد

فأطلق لروحك إشراقها ترى الفجر يرمقنا من جديد

فالله الله في الأمل في الله، والله الله في الرجاء في الله، والله الله في الأعمال من التوبة والاستغفار، ومن التضرع والدعاء، ومن البذل والسخاء، ومن العمل لكل ما يحبه الله ويرضاه، والعمل لكل ما من شأنه رفعة هذه الأمة، ونصرة هذا الدين، حتى يعود العز المفقود، والوحدة الضائعة، والقوة المبددة، وما ذلك على الله بعزيز، وقد نصر الله عز وجل أهل الإيمان، ووعده قائم: (إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ [محمد:7]، وقاعدته التي جعلها بشرى لأهل الإيمان قاعدة مطردة لا تتخلف: إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا [الحج:38]، ولكنه جعل لذلك شروطاً وجعل له قواعد وسنناً: (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].

اللهم إنا نسألك أن تردنا إلى دينك رداً جميلاً، اللهم خذ بنواصينا إلى طريق الحق والسداد، وألهمنا الرشد والصواب، اللهم اجعلنا من العاملين بالطاعات، والمبتعدين عن المعاصي والسيئات، والمسارعين إلى الخيرات، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم إنا نسألك أن توفقنا لما تحب وترضى، وأن تصرف عنا ما لا تحب وترضى، اللهم إنا نسأل الثقة بك، والتوكل عليك، والإنابة إليك، والرجاء فيك، والخوف منك، والإخلاص لك، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم اجعلنا أغنى الأغنياء بك، وأفقر الفقراء إليك، وأغننا بفضلك عمن أغنيته عنا، ولا تجعل لنا إلى سواك حاجة يا رب العالمين! اللهم قد تبرأنا من حولنا وقوتنا إلى حولك وقوتك يا رب العالمين! اللهم فأمدنا بالإيمان واليقين، اللهم وأمدنا بالعمل لهذا الدين، اللهم ووفقنا لنصرة إخواننا المسلمين في كل مكان يا رب العالمين.

اللهم إنا نسألك أن تحسن ختامنا، وأن تثبت على طريق الحق أقدامنا، وأن تجعل الجنة مأوانا ومتقلبنا يا رب العالمين! اللهم اجعل خير أعمالنا خواتيمها، وخير أيامنا يوم نلقاك وأنت راضٍ عنا يا أرحم الراحمين!

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وارفع بفضلك كلمة الحق والدين، ونكس رايات الكفرة والملحدين، اللهم إنا نسألك أن تجعل هذا البلد آمناً مطمئناً رخاءً وسائر بلاد المسلمين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بخير فوفقه لكل خير، ومن أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بسوء فاجعل دائرة السوء عليه، واجعل تدبيره تدميراً عليه يا سميع الدعاء!

اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من عبادك الصالحين، ومن جندك المجاهدين، ومن ورثة جنة النعيم، اللهم عجل فرجنا، وقرب نصرنا، ونفس كربنا، اللهم اغفر سيآتنا، وامح زلاتنا، وأقل عثراتنا، وتقبل حسناتنا، وارفع درجاتنا، برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم عليك بسائر أعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، اللهم اجعلهم عبرة للمعتبرين، اللهم لا ترفع لهم راية، واجعلهم لمن خلفهم آية، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين يا قوي يا عزيز يا منتقم يا جبار، يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء!

اللهم رحمتك ولطفك بإخواننا المسلمين المضطهدين، والمعذبين والمشردين والمبعدين، والأسرى والمسجونين، والجرحى والمرضى، اللهم رحمتك بالصبية اليتامى، والنسوة الثكالى، والشيوخ الركع، والأطفال الرضع، اللهم امسح عبرتهم، وسكن لوعتهم، اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم خائفون فأمنهم، اللهم إنهم مشردون فسكنهم، اللهم رضهم بالقضاء، وصبرهم على البلاء، اللهم اجعل ما قضيت عليهم زيادة لهم في الإيمان واليقين، ولا تجعله فتنة لهم في الدين، اللهم رد كيد أعدائهم في نحورهم، واجعل تدبير أعدائهم تدميراً عليهم يا من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء!

عباد الله! صلوا وسلموا على رسول الله؛ استجابة لأمر الله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [الأحزاب:56]، وترضوا على الصحابة الكرام، وخصوا منهم بالذكر ذوي القدر الجلي، والمقام العلي: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، وعلى سائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وأقم الصلاة، إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.


استمع المزيد من الشيخ الدكتور علي بن عمر بادحدح - عنوان الحلقة اسٌتمع
رمضان ضيفنا المنتظر 2909 استماع
المرأة بين الحرية والعبودية 2732 استماع
فاطمة الزهراء 2699 استماع
الكلمة مسئوليتها وفاعليتها 2630 استماع
المرأة والدعوة [1] 2544 استماع
عظمة قدر النبي صلى الله عليه وسلم 2534 استماع
غزوة أحد مواقف وصور 2534 استماع
قراءة في دفاتر المذعورين 2488 استماع
خطبة عيد الفطر 2469 استماع
التوبة آثار وآفاق 2453 استماع