وسائل الخشوع في الصلاة
مدة
قراءة المادة :
52 دقائق
.
وسائل الخشوع في الصلاةالحمد لله ﴿ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا * وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا ﴾ [الفرقان: 61، 62]، والصلاة والسلام على نبينا محمدٍ الذي أرسله ربه هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا،أما بعد:
فإن للصلاة منزلةً كبيرةً في الإسلام؛ فهي أول ما يحاسب اللهُ تعالى عليه المسلمَ من العبادات يوم القيامة؛من أجلِ ذلك أحببت أن أذكر نفسي وإخواني الكرام بوسائل الخشوع في الصلاة؛ لكي تكون مقبولة عند الله تعالى، فأقول وبالله تعالى التوفيق:
بسم الله الرحمن الرحيم
تعريف الخشوع في الصلاة:
الخشوع في الصلاة: هو إقبال المسلم على الصلاة بقلبه، مستحضرًا عظمة الله تعالى، ومتدبرًا في معاني آيات القرآن الكريم، ومتفكرًا في جميع الأقوال والأفعال المشروعة في الصلاة، مع المحافظة على شروط الصلاة وأركانها، وسُننها.
قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: الخشوع محَلُّه القلب، فإذا خشَع خشعت الجوارح كلها لخشوعه؛ إذ هو ملِكُها؛ (تفسير القرطبي - جـ 12 - ص 103).
روى الشيخانِ عن النعمان بن بشيرٍ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن في الجسد مضغةً: إذا صلَحت صلَح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب))؛ (البخاري حديث: 52/ مسلم حديث: 1599).
قال الإمام ابن رحب الحنبلي - رحمه الله -: أصل الخشوع الحاصل في القلب، إنما هو من معرفة الله، ومعرفة عظَمته، وجلاله، وكماله؛ فمَن كان بالله أعرفَ، فهو له أخشَعُ؛ (الخشوع في الصلاة لابن رجب الحنبلي - صـ 13).
الخشوع من صفات عباد الرحمن:
الخشوع من الصفات المباركة التي يتزين بها عبادُ الله المخلصين في جميع أحوالهم.
قال تبارك وتعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2].
قال عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: كانوا إذا قاموا في الصلاة أقبَلوا على صلاتهم، وخفَضوا أبصارهم إلى موضع سجودهم، وعلِموا أن الله يُقبِل عليهم، فلا يلتفتون يمينًا ولا شِمالًا؛ (الدر المنثور للسيوطي - جـ 6 - صـ 84).
روى الحاكم عن عبيدالله بن أبي رافعٍ، عن علي بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: أنه سئل عن قوله عز وجل: ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 2]، قال: (الخشوع في القلب، وأن تُلِينَ كنَفَكَ (جانبَك) للمرء المسلم، وألا تلتفتَ في صلاتك)؛ (المستدرك - جـ 2 - صـ 426 - رقم: 3482).
روى ابن جرير الطبري عن ابن عباسٍ، في قوله: ﴿ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 2] يقول: (خائفون ساكنون)؛ (تفسير الطبري - جـ 19 - صـ 9).
• قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: الخشوع في الصلاة إنما يحصل بمن فرَّغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، وحينئذٍ تكون راحةً له وقرةَ عينٍ؛ (تفسير ابن كثير - جـ 5 - صـ 461).
• قال الجنيد - رحمه الله -: الخشوعُ: تذلُّل القلوب، لعلَّام الغيوب؛ (الرسالة القشيرية - عبدالكريم القشيري - جـ 1 - صـ 276).
(2) قال الله تعالى: ﴿ وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45].
روى ابن جرير الطبري عن ابن عباسٍ: ﴿ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45] يعني المُصدِّقين بما أنزل الله؛ (تفسير الطبري - جـ 1 - صـ 622).
روى ابن جرير الطبري عن مجاهد بن جبرٍ: ﴿ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45] قال: المؤمنين حقًّا؛ (تفسير الطبري - جـ 1 - صـ 622).
قال الإمام ابن جرير الطبري: يعني بقوله: ﴿ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾ [البقرة: 45] إلا على الخاضعين لطاعته، الخائفين سطَواتِه، المُصدِّقين بوَعْده ووعيده؛ (تفسير الطبري - جـ 1 - صـ 622).
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: إن الصلاة لثقيلةٌ إلا على الخاشعين، الذين يعلمون أنهم محشورون إليه يوم القيامة، مَعْروضون عليه، وأمورهم راجعةٌ إلى مشيئته، يحكُمُ فيها ما يشاء بعَدْله؛ فلهذا لما أيقنوا بالمعاد والجزاء، سهُل عليهم فِعلُ الطاعات، وتركُ المنكَرات؛ (تفسير ابن كثير - جـ 1 - صـ 157).
(3) قال سبحانه عن صفات عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 64].
روى ابن أبي حاتم عن الحسن البصري: ﴿ وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا ﴾ [الفرقان: 64]، قال: ينتصبون لله على أقدامهم، ويفترشون وجوههم سُجَّدًا لربهم، تجري دموعهم على خدودِهم؛ خوفًا مِن ربهم؛ (تفسير ابن أبي حاتم - جـ 8 - صـ 2723 - رقم: 15361).
(4) قال سبحانه: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29].
روى ابن جرير الطبري عن ابن عباسٍ، في قوله: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ ﴾ [الفتح: 29]، قال: (السَّمْتُ الحسَن)؛ (تفسير الطبري - جـ 21 - صـ 323).
روى ابن جرير الطبري، عن مجاهد: ﴿ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29]، قال: (الخشوع)؛ (تفسير الطبري - جـ 1 - صـ 324).
وسائل الخشوع في الصلاة:
يمكن أن نوجز وسائل الخشوع في الصلاة في الأمور التالية:
(1) التوسل إلى الله بالدعاء للخشوع في الصلاة:
الدعاء من أفضل الأسباب التي تجلب الخشوع في الصلاة؛فيجب على المسلم أن يتضرع إلى الله تعالى ويسأله التوفيق للخشوع الذي يحبه في الصلاة؛فالدعاء هو دأب عباد الله الصالحين، فإذا خرج الدعاء من قلب سليم، ونفس صافية، وجوارحَ خاشعة لله تعالى - وجَد إجابة كريمة مِن رب رحيم بعباده المتقين،ولقد وعدنا الله سبحانه بأن يجيب دعاءَ مَن دعاه؛ فقال سبحانه: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186].
وقال تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
وقال جل شأنه: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾ [غافر: 60].
روى الترمذيُّ عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ادعوا اللهَ وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاءً مِن قلبٍ غافلٍ لاهٍ))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي - للألباني - حديث 2766).
(2) معرفة أن الصلاةَ هي أول ما يحاسِب اللهُ العبدَ عليه يوم القيامة:
من الأسباب التي تجعل المسلم يخشع في صلاته: أن يعرفَ أن الصلاة هي أول ما يحاسبه الله تعالى عليه من العبادات يوم القيامة.
روى الترمذي عن أبي هريرة، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلَحت فقد أفلَح وأنجَح، وإن فسَدت فقد خاب وخسِر، فإن انتقص من فريضته شيءٌ، قال الرب عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوُّعٍ؟ فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك))؛ (حديث صحيح) (صحيح الترمذي - للألباني - حديث 337).
قوله: (صلاته): الفريضة.
قوله: (فإن صلَحت): صلاحها بأدائها صحيحةً، أو بوقوعها مقبولةً عند الله تعالى.
قوله: (فقد أفلح): فاز بمقصوده.
قوله: (وأنجح): حصَل له الثواب.
قوله: (وإن فسدت): بأن لم تؤدَّ، أو أُدِّيَتْ غيرَ صحيحةٍ، أو غير مقبولةٍ.
قوله: (خاب وخسر): صار محرومًا من الفوز والخلاص قبل العذاب.
قوله: (انظروا): يا ملائكتي.
قوله: (هل لعبدي من تطوعٍ؟): هل لعبدي سنَّة أو نافلة من صلاةٍ؟
قوله: (ثم يكون سائر عمله): سائر عمله من الصوم والزكاة وغيرهما.
قوله: (على ذلك): إن ترك شيئًا من المفروض يكمل له بالتطوع؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 3 - صـ 997).
(3) إسباغ الوضوء:
الوضوء شرطٌ من شروط صحة الصلاة، فإذا أحسن المسلم الوضوء، بأداء فرائضه وسننه، كان ذلك معينًا له على الخشوع في الصلاة.
روى مسلمٌ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من امرئٍ مسلمٍ تحضره صلاةٌ مكتوبةٌ فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها، إلا كانت كفارةً لِمَا قبلها من الذنوب، ما لم يُؤْتِ (يعمل) كبيرةً، وذلك الدهرَ كلَّه))؛ (مسلم حديث: 228).
قوله: (تحضُرُه صلاةٌ مكتوبةٌ)؛ أي: مفروضةٌ؛ أي: يأتي وقتها، أو يقرُبُ دخول وقتها.
قوله: (فيحسن وضوءها): بأن يأتي بفرائضه وسننه.
قوله: (وخشوعها): بإتيان كل ركنٍ على وجهٍ هو أكثر تواضعًا وإخباتًا، أو خشوعها: خشية القلب، وإلزام البصر موضع السجود، وجمع الهمة لها، والإعراض عما سواها؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 1- صـ 346).
(4) وَضْع اليد اليمنى على اليسرى على الصدر:
إنَّ وَضْعَ المصلي يدَه اليمنى على يده اليسرى على صدره من الوسائل التي تجعل المسلم يخشع في صلاته،وقد جاءت السنَّة بذلك.
روى البخاري عن أبي حازمٍ، عن سهل بن سعدٍ رضي الله عنه، قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة،قال أبو حازمٍ: لا أعلمه إلا ينمي (أي يرفع) ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ (البخاري حديث 740).
• قوله: (كان الناس يؤمرون).
قال الإمام بدر الدين العيني - رحمه الله -: هذا حُكمه الرفعُ؛ لأنه محمول على أن الآمِرَ لهم بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم؛ (عمدة القاري - بدر الدين العيني - جـ 5 - صـ 278).
سُئل الإمام أحمد بن حنبل - رحمه الله - عن المراد من وضع اليد اليمنى على اليسرى، فقال: هو ذلٌّ بين يدي عزيزٍ؛ (الخشوع في الصلاة - ابن رجب الحنبلي - صـ 21).
قال الإمام ابن حجر العسقلاني - رحمه الله -: قال العلماء: الحكمة في هذه الهيئة أنه صفة السائل الذليل، وهو أمنعُ مِن العبَث، وأقرب إلى الخشوع.
ومن اللطائف قول بعضهم: القلب موضع النية، والعادة أن مَن احترز على حفظ شيءٍ جعل يديه عليه؛ (فتح الباري - لابن حجر العسقلاني - جـ 2 - صـ 263).
قال الطِّيبي - رحمه الله -: في هذا الحديث تنبيهٌ على أن القائم بين يدي الملك الجبار ينبغي ألا يُهمِلَ شريطة الأدب، بل يضع يده على يده، ويطأطئ رأسه، كما يصنع بين يدَيِ الملوك؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 2 - صـ 658).
روى ابنُ خزيمة عن وائل بن حُجرٍ رضي الله عنه، قال: صليتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره؛ (حديث صحيح) (إرواء الغليل للألباني جـ 1 رقم 352).
(5) النظر إلى موضع السجود:
النظر إلى موضع السجود أثناء إقامة الصلاة يساعد المصلي على الخشوع في الصلاة، ومن السنَّة أن ينظر المصلي إلى موضع سجوده.
روى الحاكم عن عائشة رضي الله عنها، قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم الكعبة، ما خلَّف بصره موضعَ سجوده حتى خرج منها)؛ (حديث صحيح) (صفة صلاة النبي - للألباني - صـ 69).
(6) ثواب الصلاة يكون بمقدار الخشوع فيها:
مِن الوسائل التي تعين على الخشوع في الصلاة: أن يعلَمَ المسلم أن ثواب الصلاة يكون بمقدار الخشوع فيها.
روى أبو داود عن عمار بن ياسرٍ رضي الله عنهما، قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إن الرجل لينصرف وما كتب له إلا عُشر صلاته، تُسعها، ثُمُنها، سُبعها، سُدسها، خُمُسها، رُبعها، ثُلثها، نصفها))؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود للألباني - حديث: 796).
هذا الحديث دليلٌ على أن ثواب الصلاة يختلف باختلاف الأشخاص بحسَب الخشوع والتدبُّر فيها؛ (فيض القدير - عبدالرؤوف المناوي - جـ 2 - صـ 333).
روى أحمدُ عن أبي اليَسَر رضي الله عنه، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((منكم مَن يصلي الصلاة كاملةً، ومنكم مَن يصلي النصف، والثُّلث، والرُّبع، حتى بلغ العُشر))؛ (حديث صحيح) (مسند أحمد - جـ 24 - صـ 280 - حديث: 15522).
روى البخاريُّ عن عائشة، قالت: سألتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: ((هو اختلاسٌ يختلسه الشيطان مِن صلاة العبد))؛ (البخاري حديث: 751).
قولها: (الالتفات في الصلاة)؛ أي: الالتفات بطرف الوجه.
قوله: (اختلاسٌ)؛ أي: أخذٌ بسرعةٍ.
قوله: (يختلسه الشيطان)؛ أي: يحمل الشيطانُ المصليَ على هذا الفعل.
قوله: (من صلاة العبد)؛ أي: يظفَرُ به الشيطان من كمال صلاة العبد، أو لأجل نقصان صلاته؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 2 - صـ 781).
• قال عبدالله بن عباسٍ رضي الله عنهما: ليس لك مِن صلاتك (ثواب الصلاة) إلا ما عقَلْتَ منها؛ (مجموع فتاوى ابن تيمية - جـ 7- صـ 31).
• قال عمارُ بن ياسرٍ رضي الله عنهما: لا يُكتَبُ للرجل من صلاته ما سها عنه؛ (الزهد - لابن المبارك - صـ 459 - رقم: 1300).
(7) معرفة أن الخشوعَ هو رُوح الصلاة:
أخي المسلم الكريم، اعلَمْ أن الخشوع في الصلاة بمنزلة الروح من الجسد، فإذا فُقِدت الرُّوحُ، مات الجسد؛ فالخشوعُ رُوح الصلاة.
قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: كان الرجل من العلماء إذا أقام الصلاة وقام إليها، يهابُ الرحمنَ أن يمد بصره إلى شيءٍ، وأن يحدِّثَ نفسَه بشيءٍ من الدنيا؛ (تفسير القرطبي - جـ 12 - صـ 103).
(8) الاستعاذة بالله تعالى من الشيطان:
إن الاستعاذة بالله سبحانه من الشيطان مِن أفضل الأسباب التي تجعل المسلمَ يخشَع في صلاته.
معنى الاستعاذة:
الاستعاذة: هي الالتجاءُ إلى الله، والاعتصام به، والالتصاق بجَنابِه مِن شرِّ كل ذي شرٍّ؛ (تفسير ابن كثير - جـ 1 - صـ: 175).
قال ابنُ الأثير - رحمه الله -: الوسوسة: هي حديث النَّفْس والأفكار،والوَسواس: اسمٌ للشيطان،ووسوس: إذا تكلَّم بكلامٍ لم يُبيِّنْه؛ (النهاية في غريب الحديث - لابن الأثير - جـ 5 - صـ 186).
قال الله تعالى: ﴿ فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ﴾ [النحل: 98].
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: هذا أمرٌ من الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: إذا أرادوا قراءة القرآن أن يستعيذوا بالله مِن الشيطان الرجيم؛ (تفسير ابن كثير جـ 8 صـ : 353).
وقال تعالى: ﴿ وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [فصلت: 36].
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: شيطان الجن لا حيلة فيه إذا وسوس إلا الاستعاذة بخالقه الذي سلَّطه عليك، فإذا استعذتَ بالله ولجأت إليه، كفَّه عنك، وردَّ كيدَه؛ (تفسير ابن كثير - جـ 12- صـ : 243).
روى الشيخانِ عن أبي هريرة: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا نودي للصلاة، أدبَر الشيطانُ وله ضُراطٌ (صوت)؛ حتى لا يسمَعَ التأذينَ، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا ثُوِّبَ بالصلاة أدبر، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يَخطِرَ (يوسوس) بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لِمَا لم يكن يذكر، حتى يظلَّ الرجلُ لا يدري كم صلى))؛ (البخاري حديث 608/ مسلم حديث 389).
النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من الشيطان:
كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة يستعيذ بالله تعالى من الشيطان.
روى أبو داود عن أبي سعيدٍ الخدري، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل (أي قام إلى الصلاة)، يقول: ((أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ مِن هَمْزِه (نوع من الجنون)، ونَفْخِه (الكِبْر)، ونَفْثِه (الشِّعر المذموم)، ثم يقرأ "أي القرآن"))؛ (حديث صحيح) (صحيح أبي داود - للألباني - حديث: 701).
صفة التعوُّذ مِن شيطان الوسوسة في الصلاة:
روى مسلمٌ عن أبي العلاء: أن عثمانَ بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي، وقراءتي يلبسها علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذاك شيطانٌ، يقال له: خِنزِبٌ، فإذا أحسسته فتعوَّذْ بالله منه، واتفُلْ على يسارك ثلاثًا))، قال: ففعلت ذلك؛ فأذهَبَه اللهُ عني؛ (مسلم - حديث: 2203).
قوله: (حال بيني وبين صلاتي)؛ أي: منعني لذة صلاتي، والفراغ للخشوع فيها.
قوله: (يلبِّسها عليَّ)؛ أي: يخلِطها ويشككني فيها؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 14 - صـ 190).
قوله: (فتعوَّذْ بالله منه)؛ أي: لا خَلاصَ من وسوسته إلا بحول الله وقوته، وحفظه ومعونته لك؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 1 - صـ 146).
النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله مِن قلبٍ لا يخشع:
روى مسلمٌ عن زيد بن أرقم رضي الله عنه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع، ومن قلبٍ لا يخشع، ومن نفسٍ لا تشبع، ومن دعوةٍ لا يستجاب لها))؛ (مسلم حديث: 2722).
قوله: (علمٍ لا ينفع)؛ أي: علمٍ لا أعمل به، ولا يهذِّب الأخلاق والأقوال والأفعال، أو علمٍ لا يحتاج إليه في الدِّين، أو لا يرِدُ في تعلمه إذنٌ شرعي.
قوله: (قلبٍ لا يخشع)؛ أي: قلب لا يسكن، ولا يطمئن بذِكر الله تعالى.
قوله: (نفسٍ لا تشبع)؛ أي: نفس حريصة على جمع المال، ولا تقنَعُ بما رزقها الله تعالى؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 4 - صـ 1706).
(9) عدم النظر إلى ما يَشغَل أثناء الصلاة.
إن اجتناب المسلم النظر إلى ما يَشغَله أثناء صلاته من الأسباب التي تساعد على الخشوع في الصلاة.
روى الشيخان عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في خميصةٍ لها أعلامٌ، فنظر إلى أعلامها نظرةً، فلما انصرف قال: ((اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهمٍ، وأتوني بأَنْبِجَانيَّةِ أبي جهمٍ؛ فإنها ألهتني آنفًا عن صلاتي))؛ (البخاري حديث: 373/ مسلم حديث: 556).
قوله: (فلما انصرف): انتهى من الصلاة.
قوله: (خميصةٍ): كساء من صوف رقيق.
قوله: (أعلامٌ): خطوطٌ بألوانٍ مختلفةٍ.
قوله: (بأنبجانية): كساء لا خطوط فيه، منسوبٌ إلى مكانٍ يقال له: أنبجان.
قوله: (ألهتني): شغَلتني في صلاتي.
قوله: (وأتوني بأنبجانية أبي جهمٍ): طلب النبي صلى الله عليه وسلم أنبجانية أبي جهمٍ بدل الخميصة؛ لئلا يتأذَّى أبو جهمٍ برد النبيِّ صلى الله عليه وسلم هديتَه؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 2 - صـ 632).
فائدة مهمة:
هذا الحديث دليلٌ على وجوب اجتناب كل ما يَشغَل عن الصلاة، ويُلهي عنها، والحض على الإقبال على الصلاة والخشوع فيها؛ (طرح التثريب - للعراقي - جـ 2 - صـ 377).
(10) معرفة أن الصلاة صلةٌ بين المسلم وبين الله تعالى:
مِن وسائل الخشوع في الصلاة أن يتذكر المسلم أن الصلاة صلةٌ ولقاءٌ كريمٌ مع الله تعالى، الحي القيوم، الذي له ما في السموات وما في الأرض، فيجب أن يتميز هذا اللقاء بالخشوع والخضوع لله سبحانه.
روى مسلمٌ عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مَن صلى صلاةً لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خِداجٌ، ثلاثًا، غير تمامٍ))، فقيل لأبي هريرة: إنا نكون وراء الإمام! فقال: اقرأ بها في نفسك؛ فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((قال الله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: ﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الفاتحة: 2]، قال الله تعالى: حمِدني عبدي، وإذا قال: ﴿ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ﴾ [الفاتحة: 3]، قال الله تعالى: أثنى علَيَّ عبدي، وإذا قال: ﴿ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ [الفاتحة: 4]، قال: مجَّدني عبدي، وقال مرةً: فوَّض إليَّ عبدي، فإذا قال: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ [الفاتحة: 5]، قال: هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل، فإذا قال: ﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 6، 7]، قال: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل؛ (مسلم حديث 395).
• قال الإمام النووي - رحمه الله -: قال العلماء: قوله: (قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين)، المراد: قسمتُها من جهة المعنى؛ لأن نصفها الأول تحميدٌ لله تعالى، وتمجيدٌ وثناءٌ عليه، وتفويضٌ إليه، والنصف الثاني سؤالٌ وطلبٌ، وتضرعٌ وافتقارٌ؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 4- صـ 103).
روى الشيخانِ عن أنس بن مالكٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربَّه))؛ (البخاري حديث: 405/ مسلم حديث: 51).
قوله: (فإنه يناجي ربه): إشارة إلى إخلاص القلب، وحضوره، وتفريغه لذِكر الله تعالى وتمجيده، وتلاوة كتابه وتدبره؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 5 - صـ 40).
(11) التفكُّر في معاني آيات القرآن الكريم:
إن التفكُّر في معاني آيات القرآن الكريم التي يقرؤها المسلم في صلاته أو يسمعها من الإمام في صلاة الجماعة الجهرية له أثرٌ عظيمٌ في الخشوع في الصلاة؛ مِن أجل ذلك حثنا الله تعالى على التدبر عند تلاوة القرآن.
قال تعالى: ﴿ وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204].
قال الإمام ابن جرير الطبري - رحمه الله -: يقول تعالى ذكره: إذا قُرِئ القرآن عليكم أيها المؤمنون، فأصغوا له سمعكم؛ لتتفهَّموا آياته، وتعتبروا بمواعظه، وأنصتوا إليه؛ لتعقِلوه وتتدبروه، ولا تَلْغَوْا فيه فلا تعقِلوه؛ ﴿ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ﴾ [الأعراف: 204]، يقول: ليرحمكم ربُّكم باتعاظِكم بمواعظه، واعتباركم بعِبَرِه، واستعمالكم ما بيَّنه لكم ربكم مِن فرائضه في آيِه؛ (تفسير الطبري - جـ 10 - صـ 658).
ولقد ذمَّ اللهُ تعالى الكافرين لعدم تدبُّرِهم لآياتِ القرآن الكريم؛قال سبحانه: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].
(12) تذكَّرْ أن الموتَ يأتي فجأة:
يجب علينا جميعًا أن نتذكر أن الموت يأتي بغتةً، ولا يدري أحدٌ مِن الناس متى وأين وكيف سينتهي أجَلُه.
قال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34].
إن تذكُّر الموت وسكراته من الأسباب المعينة على الخشوع في الصلاة،فإذا دخل المسلم في صلاته وخشي أن تكون هذه الصلاة هي آخرَ صلاةٍ يصليها، فإنه سيخشع في صلاته، ولا شك في ذلك.
روى ابن ماجه عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه، قال: جاء رجلٌ إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله، علِّمْني، وأوجز، قال: ((إذا قمت في صلاتك فصلِّ صلاةَ مُودِّعٍ، ولا تَكلَّمْ بكلامٍ تعتذر منه، وأجمِعِ اليأسَ عما في أيدي الناس))؛ (حديث حسن) (صحيح ابن ماجه - للألباني - حديث: 4171).
روى الديلمي عن أنس بن مالكٍ رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذكُرِ الموتَ في صلاتك؛ فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحريٌّ أن يحسن صلاته، وصلِّ صلاة رجلٍ لا يظن أنه يصلي صلاةً غيرها، وإياك وكل أمرٍ يُعتَذَر منه))؛ (حديث حسن) (السلسلة الصحيحة - للألباني - جـ 3 - صـ 408 - حديث: 1421).
(13) معرفة أن الخشوع في الصلاة من أسباب مغفرة الذنوب:
مِن الأسباب التي تجعل المسلم يخشع في صلاته أن يعلم أن خشوعه في صلاته هو سبب مغفرة ذنوبه، وحصوله على مرضاة الله تعالى في الدنيا والآخرة.
قال الله تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ [المؤمنون: 1، 2]، قال ابن عباسٍ: خاشعون خائفون ساكنون.
وقال عليُّ بن أبي طالبٍ رضي الله عنه: الخشوعُ خشوعُ القلب.
وقال الحسن البصري - رحمه الله -: كان خشوعُهم في قلوبهم، فغَضُّوا بذلك أبصارَهم، وخفَضوا الجَناحَ؛ (تفسير ابن كثير - جـ 5 - صـ 402).
روى الشيخانِ عن أبي هريرة: أنه سمع رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((أرأيتم لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مراتٍ، هل يبقى من درنه شيءٌ؟))، قالوا: لا يبقى من درنه شيءٌ، قال: ((فذلك مَثَل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا))؛ (البخاري - حديث 528/ مسلم - حديث 667).
روى مسلمٌ عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصلاة الخمس، والجمعة إلى الجمعة - كفارةٌ لما بينهن ما لم تُغْشَ الكبائرُ))؛ (مسلم حديث 233).
روى الطبراني عن عبدالله بن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن العبد إذا قام يصلي، أُتِيَ بذنوبه فجعلت على رأسه وعاتقيه، كلما ركع وسجد تساقطَتْ عنه))؛ (حديث صحيح) (صحيح الجامع - للألباني - حديث 1671).
لقد أرشد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الرجل المسيء في صلاته إلى وجوب الاطمئنان في الصلاة؛ لأن ذلك هو سبيل الخشوع في الصلاة، وقبولها عند الله تعالى.
روى الشيخان عن أبي هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد، فدخل رجلٌ، فصلى، ثم جاء، فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليه السلام، فقال: ((ارجِعْ فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ))، فصلى، ثم جاء، فسلَّم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ارجِعْ فصلِّ؛ فإنك لم تصلِّ)) ثلاثًا، فقال: والذي بعثك بالحق، فما أحسن غيره، فعلِّمْني، قال: ((إذا قمت إلى الصلاة، فكبِّرْ، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعًا، ثم ارفع حتى تعتدل قائمًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم ارفع حتى تطمئن جالسًا، ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها))؛ (البخاري حديث: 793/ مسلم حديث: 397).
(14) متابعة نبينا صلى الله عليه وسلم عند إقامة الصلاة:
إن معرفة المسلم لأفعال نبينا صلى الله عليه وسلم وأقواله أثناء إقامة الصلاة من أفضل الوسائل التي تساعد المسلم على الخشوع في الصلاة،وقد أمرنا الله تعالى بالاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم؛فقال سبحانه: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: هذه الآية الكريمة أصلٌ كبيرٌ في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقوالِه وأفعاله وأحواله؛ (تفسير ابن كثير - جـ 6 - صـ 350).
وقال سبحانه: ﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [آل عمران: 31].
وقال تعالى: ﴿ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7].
• قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -:
أي: مهما أمركم به فافعَلوه، ومهما نهاكم عنه فاجتنبوه؛ فإنه إنما يأمر بخيرٍ، وإنما ينهى عن شر؛ (تفسير ابن كثير - جـ 8 - صـ 67).
روى البخاري عن مالك بن الحويرث، قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: ((صلُّوا كما رأيتموني أُصلِّي))؛ (البخاري - حديث: 631).
(15) التفكُّر في معاني أفعال وأقوال الصلاة:
إن تفكُّر المصلي وتدبُّره في المعاني العظيمة للأفعال والأقوال المشروعة في الصلاة، له أثرٌ عظيمٌ في خشوعه في صلاته.
أولًا: القيام في الصلاة:
قال الله تعالى: ﴿ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238].
قال الإمام ابن كثير - رحمه الله -: قوله تعالى: ﴿ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ﴾ [البقرة: 238]؛ أي: خاشعين، ذَلِيلين، مُستكينين بين يديه؛ (تفسير ابن كثير - جـ 1 - صـ 496).
يجبُ على المصلي أن يتذكَّرَ وقوفَه بين يديِ الله تعالى يوم القيامة للحساب.
قال ذو النون المصري - رحمه الله - (في وصف صلاة عباد الرحمن): لو رأيتَ أحدهم وقد قام إلى صلاته وقراءته، فلما وقف في محرابه واستفتح كلام سيده، خطر على قلبه أن ذلك المقام هو المقام الذي يقوم فيه الناس لرب العالمين؛ فانخلَع قلبُه، وذهل عقله؛فقلوبهم في ملكوت السموات معلَّقةٌ، وأبدانهم بين أيدي الخلائق عاريةٌ، وهمومهم بالفكر دائمةٌ؛ (حلية الأولياء - أبو نعيم الأصبهاني - جـ 9 - صـ 339).
ثانيًا: الركوع والسجود:
روى مسلمٌ عن علي بن أبي طالبٍ: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع، قال: ((اللهم لك ركعتُ، وبك آمنتُ، ولك أسلمتُ، خشَع لك سمعي، وبصَري، ومُخِّي، وعَظْمي، وعصَبي)) (مسلم حديث: 771).
ينبغي عليك - أيها المسلم - أن تجدِّدَ عند الركوع والسجود ذِكر كبرياء الله سبحانه، وترفع يديك مستجيرًا بعفو الله عز وجل من عقابه، ثم تستأنف له ذلًّا وتواضعًا بركوعك، وتجتهد في ترقيق قلبك، فتسبح ربك، وتشهد له بالعظَمة، وأنه أعظم من كل شيءٍ عظيمٍ،ثم ترتفع من ركوعك مؤكدًا للرجاء في نفسك بقولك: (سمع الله لِمَن حمده)؛ أي: أجاب لِمَن شكره، ثم تردف ذلك بالشكر المتقاضي للمزيد، فتقول: (ربنا لك الحمد)، وتُكثر الحمد بقولك: (ملء السموات وملء الأرض)، ثم تهوي إلى السجود، وهو أعلى درجات الاستكانة، فتُمكِّن أعز أعضائك، وهو الوجه، مِن أذل الأشياء، وهو التراب، فعند هذا جدِّد على قلبك عظمةَ الله وقل: (سبحان ربي الأعلى)، وأكده بالتكرار، ثم ارفع رأسك مكبرًا، وسائلًا حاجتك، وقائلًا: (ربِّ، اغفر لي)، ثم أكد التواضع بالتكرار، فعُدْ إلى السجود ثانيًا كذلك.
ثالثًا: التشهد:
أيها المسلم الكريم، إذا جلست للتشهد، فاجلس متأدبًا ومعترفًا بأن جميع ما تقوم من الصلوات والطيبات؛ أي: من الأخلاق الطاهرة - لله، وكذلك الملك لله، وهو معنى التحيات، واستحضر في قلبك النبي صلى الله عليه وسلم وقل: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته)، ثم تسلم على نفسك، وعلى عباد الله الصالحين، ثم تشهد له تعالى بالوحدانية، (ولمحمدٍ) نبيه صلى الله عليه وسلم بالرسالة، مجددًا عهد الله سبحانه بإعادة كلمتي الشهادة، ومستأنفًا للتحصن بها، ثم ادعُ في آخرِ صلاتك بالدعاء المأثور، مع التواضع والخشوع والضراعة والابتهال، وصدق الرجاء بالإجابة،واستشعر شكر الله سبحانه على توفيقه لك لإتمام هذه الطاعة، ثم أشعِرْ قلبك الوجل والحياء من التقصير في الصلاة، وخَفْ ألا تُقبَل صلاتك، وأن تكون ممقوتًا بذنبٍ ظاهرٍ أو باطنٍ، فترد صلاتك في وجهك، وترجو مع ذلك أن يقبلها بكرمه وفضله؛ (موعظة المؤمنين - جمال الدين القاسمي - صـ 41: 40).
(16) اجتناب العبث بالثياب أو بأعضاء الجسم أثناء الصلاة.
انشغال المصلي بالعبث بثيابه أو بأعضاء جسمه يصرفه عن الخشوع في الصلاة، فيجب على المسلم أن يتجنب ذلك؛ لأن الطمأنينةَ مِن أركان الصلاة.
روى عبدالرزاق، عن معمرٍ، عن أبان قال: رأى ابنُ المسيَّب رجلًا يعبث بلحيته في الصلاة، فقال: (إني لأرى هذا لو خشع قلبه، خشعت جوارحه)؛ (مصنف عبدالرزاق - جـ 2 - صـ 266 - رقم: 3308).
قال عطاء بن أبي رباح - رحمه الله -: الخشوع: هو ألا يعبث بشيءٍ من جسده في الصلاة؛ (تفسير القرطبي - جـ 12 - صـ 103).
قال ابن عثيمين - رحمه الله -: يكره عبث المصلي، وهو تشاغله بما لا تدعو الحاجة إليه؛ وذلك لأن العبَثَ فيه مفاسد:
المفسدة الأولى: انشغال القلب؛ فإن حركة البدن تكون بحركة القلب، ولا يمكن أن تكون حركة البدن بغير حركة القلب، فإذا تحرك البدن لزم من ذلك أن يكون القلب متحركًا، وفي هذا انشغال عن الصلاة.
المفسدة الثانية: أنه على اسمه عبثٌ ولغو، وهو ينافي الجدية المطلوبة من الإنسان في حال الصلاة.
المفسدة الثالثة: أنه حركة بالجوارح، دخيلةٌ على الصلاة؛ لأن الصلاة لها حركات معينة مِن قيام وقعود، وركوع وسجود؛ (الشرح الممتع على زاد المستقنع - لابن عثيمين - جـ 3 - صـ 232).
(17) المحافظة على السنن الرواتب قبل الفريضة وبعدها:
إن المحافظة على السنن الرواتب التي قبل صلاة الفريضة تساعد القلب على الخشوع في الفريضة، والمحافظة على السنن الرواتب التي بعد الصلاة تجبُرُ النقصَ والخلل في الخشوع أثناء إقامة الصلاة المفروضة.
(18) إزالة ما يَشغَل المسلم أثناء الصلاة:
يجب على المسلم أن يلقي أمور الدنيا وهمومها خلف ظهره قبل الدخول في الصلاة، ويحاول أن يتخلص مما يجعله ينشغل في صلاته، فإذا كان جائعًا، فعليه أن يتناول طعامه، وإن كان محتاجًا لدخول دورة المياه، فعليه أن يقضي حاجته أولًا، وقد جاءت سنَّة نبينا صلى الله عليه وسلم بذلك.
روى مسلمٌ عن عائشة رضي الله عنها، قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا صلاة بحضرة الطعام، ولا هو (أي المصلي) يدافعه الأخبثانِ))؛ (مسلم حديث 560).
قوله: (بحضرة الطعام)؛ أي: بحضور طعامٍ يريد أكله.
قوله: (الأخبثان)؛ أي: البول والغائط، وفي معناه: الرِّيح والقيء؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 3 - صـ 835).
قال الإمام النووي - رحمه الله -: هذا الحديث دليلٌ على كراهة الصلاة بحضرة الطعام الذي يريد أكله؛ لِمَا فيه من اشتغال القلب به، وذهاب كمال الخشوع، وكراهتها مع مدافعة الأخبثين، وهما البول والغائط، ويلحق بهذا ما كان في معناه مما يَشغَل القلب، ويُذهِب كمال الخشوع؛ (مسلم بشرح النووي - جـ 5 - صـ 46).
روى مسلمٌ عن أنس بن مالكٍ، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إذا حضر العَشاء، وأقيمت الصلاة، فابدؤوا بالعَشاء))؛ (مسلم حديث: 557).
قال الإمام ابن قدامة - رحمه الله -: إذا حضر العَشاء في وقت الصلاة، فالمستحبأن يبدأ بالعَشاءقبل الصلاة؛ ليكون أفرغ لقلبه، وأحضر لباله، ولا يستحب أن يعجل عن عَشائه أو غَدائه؛ (المغني - لابن قدامة - جـ 1 - صـ 450).
نبينا هو القدوة الحسنة في الخشوع:
(1) روى الشيخانِ عن عائشة رضي الله عنها: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر (تتشقق) قدماه، فقالت عائشة: لِمَ تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم مِن ذنبك وما تأخر؟! قال: ((أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا!))، فلما كثر لحمه صلى جالسًا، فإذا أراد أن يركع قام فقرأ ثم ركع؛ (البخاري حديث 4837/ مسلم حديث 2820).
(2) روى مسلمٌ عن حذيفة، قال: صليتُ مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلةٍ، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى، فقلت: يُصلي بها في ركعةٍ، فمضى، فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلًا، إذا مر بآيةٍ فيها تسبيحٌ سبَّح، وإذا مر بسؤالٍ سأل، وإذا مرَّ بتعوُّذٍ تعوَّذ، ثم ركع، فجعل يقول: ((سبحان ربي العظيم))، فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال: ((سمع الله لِمَن حمده))، ثم قام طويلًا قريبًا مما ركع، ثم سجد فقال: ((سبحان ربي الأعلى))، فكان سجوده قريبًا مِن قيامه؛ (مسلم حديث 772).
(3) روى النسائي عن عبدالله بن الشِّخِّير قال: أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي، ولجوفه أَزِيزٌ (صوتٌ) كأَزِيز المِرْجَل، يعني: يبكي؛ (حديث صحيح) (صحيح سنن النسائي - للألباني - جـ 1 - صـ 391 - حديث: 1213).
قوله: (كأزيز المِرْجَلِ)؛ أي: كصوت القِدْرِ عند غلَيانه؛ (مرقاة المفاتيح - علي الهروي - جـ 2 - صـ 791).
صورٌ مشرقة لصلاة السلف الصالح:
سوف نذكر بعض الصور لصفة صلاة سلفنا الصالح، ولا نزكي على الله تعالى أحدًا.
(1) قال عبدالله بن شدادٍ: سمعت نشيج عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأنا في آخر الصفوف، يقرأ: ﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ ﴾ [يوسف: 86].
• النَّشِيج: صوتٌ معه توجُّعٌ،كما يردِّد الصبي بكاءَه في صدره؛ (شرح السنة - للبغوي - جـ 3 - صـ 245).
(2) كان عليُّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب إذا توضأ اصفَرَّ لونُه، فيقول له أهلُه: ما هذا الذي يعتادك عند الوضوء؟! فيقول: تدرون بين يدَيْ مَن أريد أن أقوم؟ (تاريخ دمشق - لابن عساكر - جـ 41 - صـ 378).
(3) قال ثابتٌ البُنانيُّ: كنت أمرُّ بابن الزبير وهو خلف المقام يصلي كأنه خشبةٌ منصوبةٌ لا تتحرَّكُ؛ (سير أعلام النبلاء - للذهبي - جـ 3 - صـ 369).
(4) كان عاصمُ بن أبي النَّجُود إذا صلى ينتصب كأنه عُودٌ؛ (سير أعلام النبلاء - للذهبي - جـ 5 - صـ 259).
(5) قال عبدالله بن مسلم: ما رأيتُ سعيدَ بن جبيرٍ قط يصلي إلا كأنه وَتِدٌ؛ (الطبقات الكبرى - لابن سعد - جـ 6 - صـ 276).
• قال القاسم بن أبي أيوب: سمعت سعيد بن جبيرٍ يردِّدُ هذه الآية في الصلاة بضعًا وعشرين مرةً: ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]؛ (الزهد - أحمد بن حنبل - صـ 300 - رقم: 2165).
(6) قال ميمون بن حيان: ما رأيتُ مسلم بن يسارٍ ملتفتًا في صلاته قط خفيفةً ولا طويلةً، ولقد انهدمَتْ ناحيةٌ من المسجد ففزِعَ أهل السوق لهَدْمه، وإنه لفي المسجد في الصلاة فما التفَتَ؛ (حلية الأولياء - أبو نعيم الأصبهاني - جـ 2 - صـ 290).
• قال ابن عونٍ: رأيتُ مسلم بن يسارٍ يصلي كأنه وَتِدٌ، لا يتروح على رِجْلٍ مرةً وعلى رِجْلٍ مرةً، ولا يحرك له ثوبًا؛ (الطبقات الكبرى - لابن سعد - جـ 7 - صـ 139).
(7) قال الحسين المجاشعي: قيل لعامر بن عبدقيسٍ: أتحدِّثُ نفسَك في الصلاة؟ قال: أحدِّثُها بالوقوف بين يدي الله، ومنصرفي؛ (سير أعلام النبلاء - للذهبي - جـ 4 - صـ 17).
(8) قال معمرٌ مؤذن سليمان التيمي: صلى إلى جنبي سليمان التيمي بعد العِشاء الآخِرة، وسمعته يقرأ: ﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ﴾ [الملك: 1]، قال: فلما أتى على هذه الآية: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الملك: 27]، جعل يردِّدها حتى خف أهل المسجد فانصرفوا، قال: فخرجت وتركتُه، قال: وغدوت لأذان الفجر، فنظرتُ فإذا هو في مقامه، قال: فسمعتُ، فإذا هو فيها لم يجزها، وهو يقول: ﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً سِيئَتْ وُجُوهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ [الملك: 27]؛ (حلية الأولياء - أبو نعيم الأصبهاني - جـ 3 - صـ 29).
(9) قال القاسم بن معنٍ: إن أبا حنيفةَ قام ليلةً يردد قوله تعالى: ﴿ بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ﴾ [القمر: 46]، ويبكي، ويتضرَّعُ إلى الفجر؛ (سير أعلام النبلاء - للذهبي - جـ 6 - صـ 401).
(10) روى أبو داود عن جابر بن عبدالله، قال: نزل النبي صلى الله عليه وسلم منزلًا، فقال: مَن رجلٌ يكلؤنا؟ (يحرسنا)، فانتدب رجلٌ من المهاجرين ورجلٌ من الأنصار، فقال: ((كونا بفَمِ الشِّعب))، قال: فلما خرج الرجلان إلى فم الشِّعب اضطجع المهاجريُّ، وقام الأنصاري يصلِّي، وأتى رجلٌ من المشركين، فلما رأى شخصه (أي الأنصاري) عرف أنه ربيئةٌ للقوم، فرماه بسهمٍ فوضعه فيه، فنزَعه، حتى رماه بثلاثة أسهمٍ، ثم ركع وسجد، ثم انتبه صاحبه، فلما عرَف أنهم قد نَذِرُوا به (عَلِموا بمكانه) هرَب، ولما رأى المهاجريُّ ما بالأنصاري مِن الدم، قال: سبحان الله! ألا أنبَهْتَني (أيقظتَني) أول ما رمى؟! قال: كنتُ في سورةٍ أقرؤها فلم أُحِبَّ أن أقطَعَها؛ (حديث حسن) (صحيح أبي داود - للألباني - حديث: 182).
قوله: (كونا بفم الشعب)؛ أي: قِفا بأول الطريق الذي يلي العدو.
قوله: (ربيئةٌ للقوم): الشخص الذي يقف في مقدمة الجيش؛ لحمايتهم من العدو.
قوله: (فنزعه)؛ أي: نزَع الأنصاري السهم من جسده، واستمَرَّ في الصلاة.
قوله: (ثم ركع وسجد) يعني: ركع وسجد الأنصاري، ولم يقطع صلاته؛ لاشتغاله بحلاوتها عن مرارة ألم الجرح؛ (عون المعبود - أبو عبدالرحمن آبادي - جـ 1 - صـ 230).
وآخرُ دعوانا أنِ الحمدُ لله ربِّ العالَمين.
وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين.