سلسلة منهاج المسلم - (66)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه، ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، ثم أما بعد:

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب (منهاج المسلم) الكتاب الحاوي والمشتمل على الشريعة الإسلامية بكاملها عقيدة وآداباً وأخلاقاً وعبادات ومعاملات، وها نحن مع كتاب الآداب، مع كتاب الأخلاق، ومع خلق الصدق:

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه وإياكم: [ المسلم صادق ] إي والله، المسلم الحق الحسن الإسلام صادق لا يكذب أبداً، ولن يكون كاذباً [يحب الصدق ويلتزمه ظاهراً وباطناً في أقواله وفي أفعاله ] فمن كان منا المسلم فهذه حاله، والله نسأل أن نكون من المسلمين، فالمسلم يلتزم الصدق ظاهراً وباطناً وفي أقواله وأفعاله لا في القول فقط، حتى في الفعل يصدق ولا يكذب [ إذ الصدق يهدي إلى البر ] إي والله، الصدق إذا التزمه العبد يهديه إلى البر.. إلى الخير [ والبر يهدي إلى الجنة ] فعل الخير، الصالحات، يهدي إلى الجنة [ والجنة أسمى غايات المسلم وأقصى أمانيه ] للمسلم غاية، وأسمى غاياته وأهدافه وأعلاها الجنة، أن يكون من أهل الجنة [ والكذب -وهو خلاف الصدق وضده- ] فالكذب: خلاف الصدق وضده [ يهدي إلى الفجور ] أي: للخروج عن طاعة الله ورسوله [ والفجور يهدي إلى النار، والنار من شر ما يخافه المسلم ويتقيه ] بكل وسيلة، من يقوى على أن يعيش في عالم الجحيم؟!

[ والمسلم ] أي: الحق الصدق [ لا ينظر إلى الصدق كخلق فاضل يحب التخلق به لا غير ] لا [ بل إنه يذهب إلى أبعد من ذلك، يذهب إلى أن الصدق من متممات إيمانه، ومكملات إسلامه ] وهو كذلك [ إذ أمر الله تعالى به ] وما أمر الله به يترك؟! يكون مستحباً؟! لا، بل يكون واجباً يجب النهوض به [ وأثنى على المتصفين به ] أثنى عليهم خيراً، من هم؟ المتصفون بالصدق [كما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، وحث عليه ودعا إليه ] وإليكم كلام الله قبل كلام رسوله صلى الله عليه وسلم [ قال تعالى في الأمر به: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119] ] كيف نكون معهم؟ نكون معهم بألا نخالفهم، ولا نخرج عنهم بالكذب، نكون على ما هم عليه يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].

[ وقال في الثناء على أهله: رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ [الأحزاب:23] ] رجال عظام صدقوا ما عاهدوا الله عليه [ وقال: وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ [الأحزاب:35] ] في الثناء عليهم وذكرهم بالخير [ وقال: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر:33] ] هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أبو بكر الصديق وهذا كله: من جاء بالصدق وصدق به.

[ وقال رسوله صلى الله عليه وسلم في الأمر به: ( عليكم بالصدق، فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقاً ) ] هذا الخبر العظيم، يقول صلى الله عليه وسلم مخاطباً المؤمنين والمؤمنات: ( عليكم بالصدق ) الزموا الصدق، لِمَ يا رسول الله؟ ( فإن الصدق يهدي إلى البر ) يهدي الصادق إلى البر ( وإن البر يهدي إلى الجنة، وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق -ويطلبه- حتى يكتب عند الله صديقاً )، اللهم اجعلنا من الصديقين.

[ ( وإياكم والكذب ) ] احذروا [ ( فإن الكذب يهدي إلى الفجور ) ] إن شئتم حلفت لكم بالله ما زنى زانٍ إلا بعد أن كذب، ولا خان خائن إلا بعد أن كذب، ولا فجر فاجر إلا بعد أن كذب، ويكفينا هذه الكلمة الطيبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( وإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ) ويسوق إليها ( وإن الفجور يهدي إلى النار، وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً ) والعياذ بالله.

قال: [ هذا وإن للصدق ثمرات طيبة ] هذا الذي سمعنا من أدلة الكتاب والسنة على وجوب الصدق، وعلى لزومه وتحريه وطلبه لنكتب عند الله من الصديقين [ يجنيها ] ويحصل عليها [ الصادقون ] إي نعم والله، الصدق أمر الله به وأمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، وللصدق ثمرات يجنيها الصادقون لا الكاذبون [ وهذه أنواعها ] أعرضها على مسامعكم.

أولاً: راحة الضمير

[ أولاً: راحة الضمير ] راحة القلب، الصادق ما يكرب ولا يحزن، وأما الكاذب يقع في الحزن والكرب والهم من كذبه، الصادق يفوز براحة ضميره [ وطمأنينة نفسه ] من ثمار الصدق وجنايته وما يجنى منه راحة الضمير وطمأنينة النفس [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الصدق طمأنينة ) ] في حديث يقول: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة )، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم لصاحبه وهو يعلمه ويزكيه: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )، اترك ما تشك فيه حتى لا يقودك إلى ما يحرم عليك ( فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ) والعياذ بالله تعالى تقع في النفس، هذه أول ثمرة من ثمار الصادقين، فإنهم مطمئنون لا يكربون ولا يحزنون.

ثانياً: البركة في الكسب وزيادة الخير

[ ثانياً: البركة في الكسب وزيادة الخير ] الصدق يكسب صاحبه البركة فيما كسبه من مال أو طعام أو غيره، وزيادة الخير [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ) ] البائع والمشتري بالخيار إلا إذا تفرقا فحينئذٍ تم البيع، ما دام في المجلس له أن يرجع ويقول: ما أشتري، ويقول الثاني: لا أبيع، [ ( فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) ] ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ) المقصود ( فإن صدقا وبينا ) العلة والنقص في ذاك البيع أو البضاعة، هؤلاء ( إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ) واستفادا منه ( وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) بهذا تخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحوا مثلاً يضرب للكمال البشري، ولم تعرف الدنيا نظيرهم؛ بهذه التزكية والترضية.

ثالثاً: الفوز بمنزلة الشهداء

[ ثالثاً: الفوز بمنزلة الشهداء ] الصديق يفوز بمنزلة الشهداء، الصادق لا يزال يصدق حتى يفوز بمنزلة الشهداء [ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) ] الآن فرصة متاحة لكم، الجهاد غير موجود، والله الجهاد ليس موجوداً، إذ الجهاد لابد من إمام المسلمين يعلن عن جهاد لإقامة دعوة الله ونشر الإسلام، ويقصد دولة كافرة أو أمة كافرة يقاتلها ليدخلها في رحمة الله، وهذا غير موجود؛ لأن المسلمين متفرقين دويلات لا إمام لهم.

إذاً: هذه فرصة سعيدة، ما دمنا قد أراحنا الله من الجهاد وما فتح لنا بابه ولا أوجبه الآن علينا، ونحن نرغب في أن نكون شهداء، هيا نسأل الله بصدق أن يجعلنا من الشهداء: اللهم إنا نسألك شهادة في سبيلك، اللهم إنا نسألك شهادة في سبيلك، فمن سأل الله صادقاً فاز بها وإن مات على فراشه؛ لعل بعض السامعين ما تطمئن نفوسهم إلى هذا! أنا أقول على علم: الجهاد كيف يكون أسألكم بالله؟ ألم يكن تحت قيادة إمام مسلم يقودنا إلى دولة كافرة ونراسلها بسفراء بيننا وبينها إما أن تدخل في الإسلام أو تأذن لنا بالدخول لنشر الإسلام، أو تقاتل فنقاتلها؛ ذلكم هو الجهاد.

أما أن يعتدي علينا كافر، ويريد أن يقهرنا ويذلنا ويستولي علينا وعلى ديارنا فهذا نقاتله ونجاهده وإن لم نكن أهلاً لأن نحتل بلاده، ندفعه عنا، ولكن تحت راية إمام عادل يقودنا، أما أن تكون الأمور فوضى فما أذن الله بها ولن يتحقق هدف منها، ما خلقنا للفوضى!

اللهم إلا أهل بلد غزاهم كافر فيجب على أهل البلد أن يدافعوا نساءً ورجالاً كباراً وصغاراً؛ حتى يأتيهم المدد من إمام المسلمين، كذلك هذا من هذه الملة الحنيفية.

قال: [ الفوز بمنزلة الشهداء؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( من سأل الله الشهادة بصدق ) ] ليس يسألها ولو تأتيه غداً ما يقبلها أو لا يجاهد، يسألها بصدق [ ( بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه ) ] هذه ثمرة من ثمار الصدق.

رابعاً: النجاة من المكروه

[ رابعاً: النجاة من المكروه، فقد حُكي أن هارباً لجأ إلى أحد الصالحين ] روي عن سلفنا الصالح: أن هارباً من المسلمين تبعه العدو أو كذا فلجأ إلى أحد الصالحين وهرب إليه [ وقال له: أخفني عن طالبي ] استرني عن طالبي الذي يجري ورائي [ فقال له: نم هنا، وألقى عليه حزمة من خوص ] جريد [ فلما جاء طالبوه وسألوا عنه فقال لهم: ها هو ذا تحت الخوص، فظنوا أنه يسخر منهم فتركوه ونجا ببركة صدق الرجل الصالح ] صاحب حزمة الخوص والحطب، حصل لذاك الجاني النجاة ببركته، فهذه ثمرة من ثمار الصدق.

[ أولاً: راحة الضمير ] راحة القلب، الصادق ما يكرب ولا يحزن، وأما الكاذب يقع في الحزن والكرب والهم من كذبه، الصادق يفوز براحة ضميره [ وطمأنينة نفسه ] من ثمار الصدق وجنايته وما يجنى منه راحة الضمير وطمأنينة النفس [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( الصدق طمأنينة ) ] في حديث يقول: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك، فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة )، يقول الحبيب صلى الله عليه وسلم لصاحبه وهو يعلمه ويزكيه: ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك )، اترك ما تشك فيه حتى لا يقودك إلى ما يحرم عليك ( فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة ) والعياذ بالله تعالى تقع في النفس، هذه أول ثمرة من ثمار الصادقين، فإنهم مطمئنون لا يكربون ولا يحزنون.

[ ثانياً: البركة في الكسب وزيادة الخير ] الصدق يكسب صاحبه البركة فيما كسبه من مال أو طعام أو غيره، وزيادة الخير [ لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ) ] البائع والمشتري بالخيار إلا إذا تفرقا فحينئذٍ تم البيع، ما دام في المجلس له أن يرجع ويقول: ما أشتري، ويقول الثاني: لا أبيع، [ ( فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) ] ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ) المقصود ( فإن صدقا وبينا ) العلة والنقص في ذاك البيع أو البضاعة، هؤلاء ( إن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما ) واستفادا منه ( وإن كتما وكذبا محقت بركة بيعهما ) بهذا تخرج أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأصبحوا مثلاً يضرب للكمال البشري، ولم تعرف الدنيا نظيرهم؛ بهذه التزكية والترضية.


استمع المزيد من الشيخ ابو بكر الجزائري - عنوان الحلقة اسٌتمع
سلسلة منهاج المسلم - (51) 4157 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (95) 4084 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (63) 3869 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (139) 3863 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (158) 3824 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (84) 3748 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (144) 3648 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (71) 3633 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (101) 3608 استماع
سلسلة منهاج المسلم - (99) 3604 استماع