سلسلة منهاج المسلم - (51)


الحلقة مفرغة

الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله؛ أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة، من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعص الله ورسوله فلا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أيها الأبناء والإخوة المستمعون! ويا أيتها المؤمنات المستمعات! إننا على سالف عهدنا في مثل هذه الليلة؛ ليلة الخميس من يوم الأربعاء ندرس كتاب منهاج المسلم، الكتاب الجامع للإسلام؛ عقائد وآداب وأخلاق وعبادات ومعاملات، وقد انتهى بنا الدرس الماضي إلى الفصل الحادي عشر في آداب السفر، وهذا يدل على أن الإسلام قد احتوى جميع متطلبات الحياة، فلا يفتقد المؤمن شيئاً في الإسلام إلا حواه واجتمع عليه.

قال المؤلف غفر الله له ولكم ورحمه الله وإياكم والمسلمين: [المسلم] والمسلم الحسن الإسلام هو ذاك الذي أسلم قلبه ووجهه لله، فوجهه لا يرى إلا الله، وقلبه لا يتقلب إلا في طلب رضا الله، فهذا المسلم انقاد لأمر الله وانصاع له ففعل ما أوجب عليه وترك ما حرمه عليه [يرى أن السفر] والسفر: الانتقال من بلد إلى آخر [من لوازم حياته وضرورياتها التي لا تنفك عنها؛ إذ الحج والعمرة والغزو وطلب العلم والتجارة وزيارة الإخوان -وهي كلها ما بين فريضة وواجب- لابد لها من رحلة وسفر، ومن هنا كانت عناية الشارع بالسفر وأحكامه وآدابه عناية لا تنكر، وكان على المسلم الصالح أن يتعلمها ويعمل على تنفيذها وتطبيقها].

الأول: جواز قصر الصلاة

[ أما الأحكام فهي ] أحكام السفر [أولاً: قصر الصلاة الرباعية فيصليها ركعتين ركعتين] وهي الظهر والعصر والعشاء، وقصرها من أربع ركعات إلى ركعتين فقط [إلا المغرب فإنه يصليها ثلاثاً] وأما الصبح فهي ركعتان [ويبدأ القصر من مغادرته البلد الذي يسكنه إلى أن يرجع إليه، إلا أن ينوي إقامة أربعة أيام فأكثر في البلد الذي سافر إليه أو نزل فيه، فإنه في هذه الحال يتم الصلاة ولا يقصرها، حتى إذا خرج عائداً إلى بلده رجع إلى التقصير، فيقصر إلى أن يصل إلى بلده] ومسافة القصر ثمانية وأربعين ميلاً أو كيلو متر فأكثر، فإذا ترك بلده وراءه وانفصل عنها شرع له القصر، فيقصر صلاة الظهر والعصر والعشاء إلى أن يصل إلى البلد الذي يريده، فإذا نزل به نظر: هل ينوي الإقامة أربعة أيام أو خمسة أو أسبوع أو شهراً.. أكثر أو أقل، فإن وجد نفسه يريد الإقامة أكثر من أربعة وجب أن يتم صلاته، إما إن كان يوماً أو يومين أو ثلاثة فيبقى على القصر، فإذا قفل راجعاً إلى بلاده وترك ذلك البلد وراءه أخذ في القصر إلى أن يصل إلى بلده، هذا هو حكم القصر في الصلاة [وذلك لقوله تعالى] أي: الدليل على هذا القصر [ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101]]، والضرب في الأرض يكون بالأقدام حال السفر، فتضرب الأرض بالأرجل [ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ [النساء:101]] أي: إثم أو حرج [ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101]] وهذه عطية أعطناها الله يجب أن نقبلها [ولقول أنس ] أنس بن مالك ، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأدلة قال الله وقال رسوله فقط، ليس عندنا قول ولا رأي ولا غيره، وإنما قال الله وقال رسوله، وهذا هو دستور الإسلام [( خرجنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي الرباعية ركعتين ركعتين )] والحديث في الصحيح، وهو دليل من السنة على قصر الصلاة.

الثاني: جواز المسح على الخفين

[ثانياً: جواز المسح على الخفين ثلاثة أيام بلياليهن] المسافر يجوز له -لا يجب عليه- أن يمسح على خفيه في رجليه ثلاثة أيام بلياليهن إلا إذا نزع الخف توضأ ولبسه من جديد، لكن إذا بقي الخف في رجليه مسح عليه ثلاثة أيام بلياليهن ما دام مسافراً، وإن كان مقيماً في بلده مسح فقط يوماً وليلة، وبعد ذلك ينزع ويتوضأ ويلبس [ لقول علي رضي الله عنه: ( جعل لنا النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم ) يعني في المسح على الخفين].

والخف: هو كل ما ستر القدم إلى الكعب، سواء كان جلداً أو قماشاً أو نوعاً آخر، فكل ما يستر رجلك خوفاً من الحر أو البرد أو الشوك أو الحجارة فهو خف؛ تمسح عليه ثلاثة أيام بلياليهن حال السفر، فتتوضأ حتى تصل إلى رجليك فتمسح عليها ولا تغسل، وهو للمقيم يوم وليلة.

هذا المسح جائز وليس واجباً، فلو قلت: أنا لن أمسح ولكن سأغسل رجلي. فلا حرج، ولكن مع الأسف أن طائفة من المسلمين اعتزلت عنهم واستقلت بالمسح على الأرجل وهي عارية من الخفين، فتجده يتوضأ ورجلاه مكشوفتان ثم يمسح عليهما، فخالفوا المسلمين مخالفة كاملة، ووالله ما جاز هذا: ( ويل للأعقاب من النار ).

وسألني أحدهم مرة -قديماً- أيام كنا في الصحوة، فقلت له: توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنوات يغسل رجليه وأنت تمسح فقط، فهل بقي دليل على هذا؟ فسكت وعرف.

فإذا أتاك العلم وعلمناك فلا تعاند ولا تكابر وتبقى مصراً على انعزال وتمزيق الأمة، أما الجهل فمعذور صاحبه، لكن بعدما علمت فأي جهل يبقى؟!

الثالث: إباحة التيمم وجوازه

[ ثالثاً: إباحة التيمم وجوازه للمسافر إن فقد الماء أو شق عليه طلبه ] لأنهم كانوا يسافرون في البر إلى مكة عشرة أيام، فإن فقد المسافر الماء أو وجده ولكن شق عليه الإتيان به [أو غلا عليه ثمنه] كأن يبيعوه عليه بثمن غالٍ في الطرقات، فله أن يتيمم ويصلي [وذلك لقوله تعالى: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43]]، وهذا دليل الكتاب: وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ [النساء:43]؛ لأن المسافر في الغالب يفقد الماء ويتعذر عليه.

والتيمم المجزئ بلا خلاف هو أن تسم الله وتضرب بيدك على التراب أو الحجر، ثم تمسح ظاهر وجهك ويديك، وإن شئت مسحت ذراعيك، هذا هو التيمم: فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ [النساء:43] والوجه معروف واليدان، وبعض أهل العلم يمسح ذراعيه كبعض الصحابة وهذا جائز، لكن الصورة الكافية التي نص عليها القرآن وبينها الرسول عليه الصلاة والسلام هي مسح ظاهر الوجه واليدين مرة واحدة فقط.

الرابع: رخصة الفطر في الصوم

[رابعاً: رخصة الفطر في الصوم] والمسافر مرخص له أن يفطر وهو صائم في رمضان [لقوله تعالى: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ [البقرة:184] أي: فليفطر وعليه عدة أيام بقدر ما أفطر، ولا خلاف في هذا، على شرط أن يكون السفر في طاعة الله لا في معصيته، وأن يكون السفر -كما قلنا-: خمسين كيلو أو ثمانية وأربعين كيلو متراً فأكثر.

الخامس: جواز صلاة النافلة على الدابة

[خامساً: جواز صلاة النافلة على الدابة] والسيارة من باب أولى [حيثما اتجهت إلى الشرق أو الغرب؛ وذلك لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي سبحته -أي: النافلة- حيث توجهت به ناقته )] فلا يحتاج أن توقف الناقة أو الفرس أو البعير حتى تستقبل القبلة وتصلي، ولكن صل حيث اتجهت، وكذلك السيارة والطيارة، فالنافلة تصلى على المركوب ولا تطالب بالقبلة فيها؛ لأن السفر أحياناً ليس إلى القبلة وقد يكون عكسها، ويدخل في النافلة السنن الرواتب فتجوز صلاة النافلة على الدابة حيثما اتجهت؛ لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ( إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي سبحته -أي: النافلة- حيث توجهت به ناقته ) وهذا عند أحمد ومسلم والنسائي .

السادس: جواز الجمع بين الظهرين والعشاءين جمع تقديم أو تأخير

[سادساً: جواز الجمع بين الظهرين والعشاءين] والمراد بالظهرين: الظهر والعصر، والعشاءين: المغرب والعشاء، وهذا من باب التغليب، أي: الصلاة في وقت واحد بين الظهرين أو العشاءين [جمع تقديم إن جد به السير] هذا الجمع لفائدة المسافر، فإذا نزلوا واستراحوا ودخل وقت الظهر، فقالوا: نصلي ونجمع حتى نواصل السفر إلى الليل ولا نقف؛ لأنه ليس في صالحنا أن نقف مرة أخرى، فيجمعون جمع تقديم ويمشون فلا بأس، وإن قالوا: لا. ننزل ونواصل سيرنا خشية الظلام أو خشية كذا أو كذا وأخروا فلا بأس، فيجوز تأخير الظهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء كذلك إن جد بهم السفر وواصلوا المشي، وإن كانوا مستريحين ودخل وقت المغرب -مثلاً- فصلوا المغرب والعشاء معه وواصلوا سيرهم فلا بأس [فيصلي الظهر والعصر في وقت الظهر، والمغرب والعشاء في وقت المغرب، أو جمع تأخير بأن يؤخر الظهر إلى أول العصر فيصليهما معاً، والمغرب إلى العشاء ويصليهما معاً؛ لقول معاذ بن جبل رضي الله عنه: (خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فكان يصلي الظهر والعصر جميعاً، والمغرب والعشاء جميعاً )] أي: مع بعضهم البعض، وهذا هو2 دليل الجمع، أنه استمر على القصر والجمع؛ لأنه مسافر، لا يدري متى يُؤمر بالخروج من تبوك بعد نزوله فيها، فهو يتبع الأمر من السماء، فلهذا قصر عشرين يوماً، وكذلك من دخل بلداً لا يدري متى يسافر غداً أو بعده قصر ولو طالت المدة حتى سنة.

[ أما الأحكام فهي ] أحكام السفر [أولاً: قصر الصلاة الرباعية فيصليها ركعتين ركعتين] وهي الظهر والعصر والعشاء، وقصرها من أربع ركعات إلى ركعتين فقط [إلا المغرب فإنه يصليها ثلاثاً] وأما الصبح فهي ركعتان [ويبدأ القصر من مغادرته البلد الذي يسكنه إلى أن يرجع إليه، إلا أن ينوي إقامة أربعة أيام فأكثر في البلد الذي سافر إليه أو نزل فيه، فإنه في هذه الحال يتم الصلاة ولا يقصرها، حتى إذا خرج عائداً إلى بلده رجع إلى التقصير، فيقصر إلى أن يصل إلى بلده] ومسافة القصر ثمانية وأربعين ميلاً أو كيلو متر فأكثر، فإذا ترك بلده وراءه وانفصل عنها شرع له القصر، فيقصر صلاة الظهر والعصر والعشاء إلى أن يصل إلى البلد الذي يريده، فإذا نزل به نظر: هل ينوي الإقامة أربعة أيام أو خمسة أو أسبوع أو شهراً.. أكثر أو أقل، فإن وجد نفسه يريد الإقامة أكثر من أربعة وجب أن يتم صلاته، إما إن كان يوماً أو يومين أو ثلاثة فيبقى على القصر، فإذا قفل راجعاً إلى بلاده وترك ذلك البلد وراءه أخذ في القصر إلى أن يصل إلى بلده، هذا هو حكم القصر في الصلاة [وذلك لقوله تعالى] أي: الدليل على هذا القصر [ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ [النساء:101]]، والضرب في الأرض يكون بالأقدام حال السفر، فتضرب الأرض بالأرجل [ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ [النساء:101]] أي: إثم أو حرج [ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ [النساء:101]] وهذه عطية أعطناها الله يجب أن نقبلها [ولقول أنس ] أنس بن مالك ، خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الأدلة قال الله وقال رسوله فقط، ليس عندنا قول ولا رأي ولا غيره، وإنما قال الله وقال رسوله، وهذا هو دستور الإسلام [( خرجنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة إلى مكة، فكان يصلي الرباعية ركعتين ركعتين )] والحديث في الصحيح، وهو دليل من السنة على قصر الصلاة.