فتاوى نور على الدرب [139]


الحلقة مفرغة

السؤال: هل يرى المسلم أو المؤمن في الحلم رسول الله صلى الله عليه وسلم أم لا يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحلم، وإني سامع من العالم الديني يقول: المؤمن الإيمان القوي يراه؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.

نعم الإنسان قد يرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام، وليس من شرط الإيمان أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من مقتضيات الإيمان أن يرى النبي صلى الله عليه وسلم، بل قد يراه الإنسان المؤمن، وقد لا يراه، وكونه يرى النبي صلى الله عليه وسلم لا يدل على أنه أكمل الناس إيماناً، وكونه لا يراه لا يدل على ضعف إيمانه، ولكن المهم أننا لا نحكم بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يراه على صفته التي هو عليها صلى الله عليه وسلم، فأما إن رأى شخصاً ووقع في نفسه أنه النبي صلى الله عليه وسلم، أو سمع من يقول: إنه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك لا يدل على أنه هو النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يكن على الأوصاف التي كان عليها صلى الله عليه وسلم، وهذا شرط لا بد منه، وهو أن يكون المرئي الذي رأى الإنسان أوصافه تنطبق تماماً على أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم، فإن بعض الناس يرى شخصاً يقع في نفسه، أو يسمع قائلاً يقول: إن هذا رسول الله وليس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن أوصافه لا تنطبق على أوصاف الرسول صلى الله عليه وسلم.

السؤال: أنا شاب أبلغ من العمر اثنين وعشرين سنة، هل يجوز أن أحج بيت الله قبل الزواج، وأنا ما عندي رغبة في الزواج، ومن الناس من يقول: إن هذا لا يجوز، ولا يكون حجاً مقبولاً؟

الجواب: ليس من شرط صحة الحج أن يتزوج المرء، بل يصح الحج وإن لم يتزوج، ولكن إذا كان الإنسان محتاجاً إلى الزواج، ويلحقه بتركه المشقة، وعنده دراهم إن حج بها لم يتمكن من الزواج، وإن تزوج لم يتمكن من الحج، فإنه في هذه الحال يقدم الزواج؛ لأن الزواج في حقه حينئذ صار من ضروريات حياته، والحج إنما يجب على من استطاع إليه سبيلاً، وما سمعه من العامة من أن الإنسان لا يحج حتى يتزوج فليس بصحيح.

السؤال: يعيب بعض العلماء على المسلم الذي يصوم ولا يصلي، فما دخل الصلاة في الصيام، فأنا أريد أن أصوم لأدخل مع الداخلين مع باب الريان، ومعلوم أن رمضان إلى رمضان مكفرات لما بينهن؟

الجواب: الذين عابوا عليك أنك تصوم ولا تصلي على صواب فيما عابوه عليك، وذلك بأن الصلاة عمود الإسلام، ولا يقوم الإسلام إلا بها، والتارك لها كافر خارج عن ملة الإسلام، والكافر لا يقبل الله منه صياماً ولا صدقة ولا حجاً ولا غيرها من الأعمال الصالحة؛ لقول الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ [التوبة:54]، وعلى هذا فإذا كنت تصوم ولا تصلي فإننا نقول لك: إن صيامك باطل غير صحيح، ولا ينفعك عند الله ولا يقربك إليه.

وأما ما توهمته من أن رمضان إلى رمضان مكفر لما بينهما، فإننا نقول لك: إنك لم تعرف الأحاديث الواردة في هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ( الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن ما اجتنبت الكبائر)، فاشترط النبي صلى الله عليه وسلم لتكفير رمضان إلى رمضان أن تُجتنب الكبائر، وأنت أيها الرجل الذي لا تصلي وتصوم لم تجتنب الكبائر، فأي كبيرة أعظم من ترك الصلاة؟! بل إن ترك الصلاة كفر، فكيف يمكن أن يكفر الصيام عنك ترك الصلاة، وهو لا يُقبل منك، لأنك كافر والعياذ بالله؟! فعليك يا أخي أن تتوب إلى ربك، وأن تقوم بما فرض الله عليك من صلاتك، ثم بعد ذلك تصوم، ولهذا لَمَّا بعث النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً إلى اليمن قال: ( ليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، فإن هم أجابوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة)، فبدأ بالصلاة، ثم ثنى بالزكاة بعد ذكر شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.

السؤال: أسأل إذا جئَت وإنسان يصلي ولحقت معه ركعتين وسلم، وجاء شخص ثانٍ، هل يحق له أن يصلي خلفك أم لا؟

الجواب: يجوز للشخص الثالث الذي أتى إليك بعدما قمت تقضي صلاتك بعد الأول، يجوز له أن يدخل معك؛ لأن القول الراجح أن الإنسان إذا صلى منفرداً، ثم جاء آخر فصلى معه فنوى به الإمامة، أن ذلك صحيح؛ لأنه ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس : ( أنه قام يصلي من الليل، فقام ابن عباس رضي الله عنهما فوقف عن يسار النبي صلى الله عليه وسلم، فأداره إلى يمينه)، واستمر النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته، فدل هذا على جواز انقلاب نية المنفرد إلى إمامة، وما ثبت في النفل فإنه يثبت في الفرض، لعدم الفرق بينهما، إلا أن يدل دليل على التفريق بينهما.

السؤال: حول الزكاة، إذا أنت في قرية صغيرة، ولا يوجد فيها فقراء أو مساكين، هل لك أن تذهب إلى قرية أخرى يوجد فيها فقراء وتعطيها الذي عندك، أو ما الأفضل، هل تدفع فلوساً أم طعاماً؟

الجواب: إذا لم يكن في بلدك فقراء فإنك تنقلها إلى أقرب البلاد التي فيها الفقراء، وهذا لا بأس به.

وكونك تسأل: هل توزعها طعاماً أو دراهم؟ إن كنت تعني بذلك زكاة الفطر، وهو الصاع الذي يُدفع عند الفطر من رمضان، فإنه لا يجزئ عنه الدراهم، بل لابد أن يكون طعاماً؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: ( كنا نخرجها -يقصد صدقة الفطر -على عهد النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام)، وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير)، إلى آخر الحديث، وكان الشعير يومئذ طعاماً لهم كما في حديث أبي سعيد رضي الله عنه، وعلى هذا فلا يجوز لك أن تدفع صدقة الفطر إلا من الطعام الذي عيّنَه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

السؤال: إذا كان عندك فلوس واشتريت بها سيارة أو ما يشبه ذلك، هل عليها زكاة أم لا؟

الجواب: السيارة التي اشتريتها بدراهمك قبل تمام حول الدراهم، ينظر، إن اشتريتها للتجارة والتكسب بها، بمعنى أنك اشتريتها تنتظر الربح لتبيعها، فهي عروض تجارة إذا تم حول الدراهم التي اشتريتها بها، وجب عليك أن تؤدي زكاتها، فتقومها بما تساوي وقت وجوب الزكاة، وتخرج ربع عشر قيمتها.

أما إذا اشتريت سيارة بدراهمك التي لم يتم حولها، اشتريت هذه السيارة لأجل أن تستعملها لنفسك، أو تستعملها للأجرة، فإنه لا زكاة فيها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة).

السؤال: كنُت في نهار رمضان صائماً، وجاءني قيء أثناء نهار رمضان، لكنه قليل، فقمت بإفراغ ما في معدتي بنفسي، فهل بطل صيامي في ذلك اليوم أم لا؟

الجواب: إذا كنت في هذه الحال لا تدري أن هذا العمل يفطر الصائم، فإنه لا قضاء عليك؛ لأنك فعلت المفطر جاهلاً، ومن فعل شيئاً من المفطرات جاهلاً فإنه لا يفطر، أما إذا كنت تدري أن استدعاء القيء يفطر الصائم، فإنك بذلك تكون آثماً وعليك القضاء، لأنك أفطرت باستدعاء القيء.

السؤال: ما هو رأي الدين في دخول بار يحتوي على المأكولات والمشروبات الروحية، وكان الهدف هو تناول الطعام فقط؟

الجواب: هذا السؤال يتضمن شقين؛ الشق الأول: هذه التسمية الباطلة للشراب الخبيث وهو الخمر، فإن تسميته بالشراب الروحي تسمية باطلة، فأي شيء هو للروح، بل هو الشراب الخبيث المفسد للعقل والدين والنفس، ولا ينبغي مثل هذا أن يُوصف بهذا الوصف الجذاب الذي يضفي عليه ثوب المشروعية، بل ثوب الترغيب والدعوة إليه، لهذا ينبغي أن نسميه الشراب الخبيث، بل هو أم الخبائث ومفتاح كل شر.

والشق الثاني: دخوله هذا المطعم الذي تدار فيه كؤوس الخمر، وهذا لا يجوز، بل هو محرم؛ لأن الإنسان الذي يأتي إلى مكان يعصى فيه الله عز وجل فإنه يُكتب له مثل إثم الفاعل، قال الله تعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ [النساء:140] ، ولكن إذا كنت في ضرورة، ولا أعتقد أن تكون في ضرورة إلى أن تتناول طعامك من هذا المكان المشتمل على الخبائث، لكن إن كنت في ضرورة فاشتر طعاماً، وأبعد عن هذا المكان وكله، وإن كنت تجد طعاماً آخر من مكان آخر لا يشتمل على هذا الخبيث، فإن ذلك هو الواجب عليك.

السؤال: ما حكم البيع والشراء بالتقسيط، علماً بأن سعر البيع في حالة التقسيط يكون أزيد من البيع واستلام المبلغ الفوري؟

الجواب: هذا لا بأس به بإجماع أهل العلم، أن الإنسان إذا اشترى السلعة لحاجته إليها بثمن مؤجل، سواء كان يحل دفعة واحدة، أو يحل على دفعات، فإنه لا بأس بذلك، وقد حكى غير واحد من أهل العلم إجماع العلماء على حله، ومن المعلوم أنه إذا كان بالتقسيط فسيزيد ثمنه؛ لأن البائع لا يبيع شيئاً يُؤجل ثمنه مساوياً لشيء ثمنه منقود، وهذا من الأمور التي من محاسن الشريعة حله؛ لأن البائع ينتفع بزيادة الثمن، والمشتري ينتفع بتأجيل الثمن عليه، وأما إذا تم البيع على أنه نقد، ثم جاء المشتري إلى البائع وقال: أجله عَلّي بزيادة، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه من الربا، مثل أن يبيع عليه هذه السيارة بعشرة آلاف مثلاً، ثم لا يجد المشتري هذه العشرة فيرجع إلى البائع، ويقول: لم أجد العشرة، ولكن أجلها عليَّ باثني عشر ألفاً، فإن هذا لا يجوز؛ لأن المشتري ثبت في ذمته دراهم حاَّلة، فتأجيلها بزيادة عين الربا، فيكون محرماً.