فتاوى نور على الدرب [182]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما هي شروط الرضاع المحرم مع ذكر الدليل؟ وما مدى صحة الحديث القائل: بأن جاريةً شهدت على امرأةٍ بأنها أرضعت رجلاً من المسلمين وكان قد تزوجها، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ( دعها)، أو كما قال صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا أمره الرسول بمفارقتها دون أن يسأله عن عدد الرضعات؟ فهل يعني هذا أن قليل الرضاع وكثيره محرمٌ أم ماذا؟ أرجو إيضاح هذا الموضوع بالتفصيل؟

الجواب: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

شروط الرضاع المحرم أولاً: أن يكون من آدمية، فلو رضع اثنان من بهيمة لم يكونا أخوين؛ لقوله تعالى وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء:23] ، ولا تصدق الأمومة إلا إذا كانت المرضعة من بنات آدم.

الشرط الثاني: أن يكون خمس رضعاتٍ فأكثر، لما رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: ( كان فيما أنزل من القرآن عشر رضعاتٍ معلوماتٍ يحرمن، فنسخن بخمسٍ معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي فيما يتلى من القرآن)، فلو أرضعت المرأة الطفل مرةً أو مرتين أو ثلاثاً أو أربعاً لم تكن أماً له من الرضاع، فإذا أرضعته خمس مرات صارت أماً له من الرضاع.

الشرط الثالث: أن يكون لهذا اللبن أثرٌ في تغذية الطفل وتنميته، فقد ثبت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( إنما الرضاعة من المجاعة)، أي: معناه أن الرضاعة المؤثرة هي التي تدفع جوع الإنسان الراضع، وهذا لا يكون إلا إذا كان قبل الفطام، وقال بعض أهل العلم: إن المعتبر أن يكون الرضاع في الحولين، فما بعد الحولين فلا عبرة به وإن كان الطفل لم يفطم، وما كان قبل الحولين فهو معتبر وإن كان الطفل قد فطم، هذه ثلاثة شروط.

هناك شرطٌ رابع اختلف فيه أهل العلم، وهو أن يكون هذا اللبن قد ساب، يعني در واجتمع من وطءٍ أو حمل، ولكن هذا الشرط ليس بصحيح، فإن ظاهر النصوص الإطلاق، وإذا لم يثبت هذا الشرط فإنه لا عبرة به، لأن الأصل عدمه.

وأما ما أشار إليه الأخ من المرأة التي قالت للرجل مع زوجته: إني قد أرضعتكما فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بفراقها، وقال له: ( كيف وقد قيل)، فهذا الحديث صحيح، وهو محمولٌ على أن المراد بقولها: قد أرضعتكما. أي: الرضاع المحرم المفهوم عند الناس، وحينئذٍ لا يحتاج إلى استفصال، ثم على فرض أنه مطلق فإن هذا المطلق يحمل على المقيد، فلا تترك الأحاديث الصحيحة الصريحة في اشتراط العدد من أجل قضية عينٍ فيها احتمال، وعلى هذا فلو أن امرأة قالت للزوج: إني قد أرضعتك وزوجتك، فإنه لا بد من الاستفصال كم أرضعته؟ وهل كان قبل الفطام أم بعد الفطام؟

مداخلة: كيفية الرضعة بالنسبة لعدد الرضعات. هل هي بالشبع أو بمجرد المصة؟

الشيخ: هذه أيضاً مما اختلف فيه أهل العلم، فبعضهم يرى أن الرضعة عبارة عن التقام الثدي، فما دام الصبي ملتقماً للثدي فهي رضعة، فإذا أطلقه وعاد ولو في الحال فهي رضعةٌ أخرى، وعلى هذا فيمكن أن يأتي بالرضعات الخمس في مقامٍ واحد، وقال بعض أهل العلم: إن الرضعة فعلة، فهي بمنزلة الوجبة والأكلة، وأنه ما دام في حضن المرأة فهي رضعة واحدة، ولو أطلق الثدي عدة مرات، لأنها كلها تعتبر متصلة بعضها ببعض.

وليس بشرط أن يشبع، المهم أن تكون هذه الرضعة منفصلة عن الرضعة لأخرى بعدها، يكون بينهما وقت بحيث لا تعد هذه متصلة.

مداخلة: إذاً هذه على المجالس، يعني هذه في مجلس والأخرى في مجلس آخر؟

الشيخ: نعم، هذا أقرب ما يكون، أي: كل واحدة في مجلس.

مداخلة: والأرجح من الرأيين؟

الشيخ: الأرجح عندي هذا، المعتبر المجالس، الرضعة خمس رضعات، فإذا كانت خمس رضعات فمعناه لا بد أن تتحقق كل رضعة منفصلة عن الأخرى.

السؤال: رجلٌ ترك زوجته أكثر من سنتين وسافر إلى إحدى البلدان بحثاً عن الرزق، ولكنه خلال تلك المدة كان دائم الحلف بالطلاق بجميع أنواعه لأي سببٍ يحدث، وبغضبٍ وبدون غضب، يقول: تكون زوجتي طالقاً بالثلاث لا يحلها شافعي ولا المذاهب الأربعة، فهل تحل له زوجته بعد ذلك، وتقيم معه في منزله بعد عودته إلى بلده أم أنه يجب عليه مفارقتها؟ وماذا يفعل لو أراد استرجاعها، علماً أن هناك من الناس من يقول: بأنه لا يقع منه طلاقٌ أبداً، لأنه في حالة غضب، فما حكم هذا الرجل أفيدونا بارك الله فيكم؟

الجواب: هذا الرجل أخطأ خطأً عظيماً في كونه يتسرع في الحلف بالطلاق، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)، فعلى هذا الرجل أن يقلع مما كان عليه من هذا التهاون، ويحفظ لسانه.

ولكن بالنسبة إلى القضية التي وقعت منه، وتكرار هذا الطلاق والحلف به، نسأله فنقول له: هل أنت تريد أن زوجتك تطلق إذا حصل خلاف ما تريد أم أنك لا تريد هذا وإنما تريد تهديدها ومنعها؟ فإن كان الأول فإنها تطلق، وإن كان الثاني، وهو أنك تريد تهديدها ومنعها، فإنها لا تطلق، وعليك كفارة يمين.

وأما قول بعض الناس: إنه لا شيء عليك، لأنك في حال غضب، فهذا الغضب ينظر فيه؛ فإن الغضب له ثلاث حالات: حال عليا، وحال ابتداء، وحال وسط.

الحال العليا هي التي يبلغ الأمر بالغاضب إلى أن ينسى ما هو عليه ولا يدري ما يقول فهذا لا حكم لقوله، لا في طلاقٍ ولا غيره.

والحال الابتدائي إذا كان عنده غضب، لكنه يعي ما يقول ويملك نفسه، فهذا قوله معتبر في كل حال.

والحال الوسط التي يعي فيها ما يقول لكنه لا يملك ضبط نفسه ويكون ملجأً إلى أن يقول ما قال فإن فيه خلافاً بين أهل العلم، فمنهم من يرى اعتبار قوله، ومنهم من لا يرى اعتبار قوله.

السؤال: هل من نصيحة إلى الشخص الذي يصدر الفتيا من دون علم، وقد يوقع غيره في الخطأ؟

الجواب: نصيحتنا لهذا وأمثاله الذين يفتون بغير علم أن يتقوا الله عز وجل، وأن يعلموا أنهم إذا أفتوا إنما يتكلمون عن الله سبحانه وتعالى، ويقولون على الله، وقد حرم الله على عباده أن يقولوا عليه ما لا يعلمون، وقرن ذلك بالشرك به، فقال سبحانه: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:33]، فليحذر المؤمن من أن يكون واقعاً فيما حرمه الله عليه، ولا يفتي إلا بعلم، إن كان من أهل العلم فبما أعطاه الله من العلم، وإن كان من العامة فبما سمعه وتيقنه من أهل العلم، ومع هذا فإنه ينبغي للعامي أن يتحرز غاية التحرز إذا استفتى أحداً من أهل العلم، فإن بعض العامة يستفتون فيصورون الشيء بغير حقيقته، فيفتون على ضوء ما سمعه المفتي، ويحصل بذلك الخطأ العظيم، وبعض العامة يصور الشيء على حقيقته، ولكنه لا يفهم الجواب على حقيقته، فيقع أيضاً في خطر عظيم ويضل ويضل الناس.

السؤال: إذا اعتمر الإنسان ولم يقصر شعره أو لم يحلق جهلاً منه أو نسياناً فهل تصح عمرته أم لا؟ وإذا لم تكن صحيحةً فماذا عليه أن يفعل؟

الجواب: العمرة صحيحة وإن لم يحلق أو يقصر، وذلك لأن الحلق أو التقصير ليس من أركان العمرة، وإنما هو من الواجبات، وإذا تركه الإنسان ناسياً فإنه يحلقه متى ذكر، إلا إذا فات الأوان فإنه يذبح فدية يتصدق بها على الفقراء، وإذا تركه جاهلاً وعلم فإنه يحلق، إلا إذا فات الأوان، فإنه يذبح فدية يتصدق بها على الفقراء، ولا إثم عليه في هذه الحال ما دام ناسياً أو جاهلاً.

مداخلة: إنما لا من الفدية.

الشيخ: لا بد من الفدية إذا لم يكن التدارك، وتكون لفقراء الحرم.

السؤال: هل هناك دعاءٌ خاصٌ في الطواف أو السعي للحج أو للعمرة؟ وهل يجوز أن يقرأ القرآن فيهما؟

الجواب: ليس هناك دعاءٌ خاص للحج والعمرة، بل يقول الإنسان ما شاء من دعاء، ولكن إذا أخذ بما ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو أكمل، مثل الدعاء بين الركن اليماني والحجر الأسود: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، وكذلك ما ورد من الدعاء في يوم عرفة، وما ورد من الذكر على الصفا والمروة وما أشبه ذلك، فالشيء الذي يعلمه ينبغي أن يقوله، والشيء الذي لا يعلمه يكفي عنه ما كان في ذهنه مما يعلمه، وهذا ليس على سبيل الوجوب أيضاً، بل هو على سبيل الاستحباب.

والمهم أنه ليس للحج ولا للعمرة دعاءٌ معينٌ لا بد منه، بل الأمر فيه كله على سبيل الفضيلة، وبهذه المناسبة أود أن أقول: إنما يكتب في هذه المناسك الصغيرة التي تقع في أيدي الحجاج والعمار من الأدعية المخصصة لكل شوط، أقول: إن هذا من البدع التي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها أيضاً من المفاسد ما هو معلوم، فإن هؤلاء الذين يقرءونها يظنون أنها أمرٌ وارد عن النبي عليه الصلاة والسلام، ثم يعتقدون التعبد بتلك الألفاظ المعينة، ثم إنهم يقرؤونها وقد لا يعلمون معناها والمراد بها، ثم إنهم يخصون هذا الدعاء بكل شوط، فإذا انتهى الدعاء قبل تمام الشوط كما يكون في الزحام سكتوا في بقية الشوط، وإذا انتهى الشوط قبل انتهاء هذا الدعاء قطعوه وتركوه، حتى لو أنه قد وقف على قوله: اللهم، ولم يأتِ بما يريد، قطعه وتركه، وكل هذا من الخطأ، من الأضرار التي تترتب على هذه البدعة.

وكذلك أيضاً ما يوجد في هذه المناسك من الدعاء عند مقام إبراهيم، فإن هذا لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه دعا عند مقام إبراهيم، وإنما قرأ حين أقبل عليه: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]، وصلى خلفه ركعتين، وأما هذا الدعاء الذي يدعون به، ويشوشون به على المصلين عند المقام، فإنه منكر من جهتين: الجهة الأولى: أنه لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام فهو بدعة، والجهة الثانية: أنهم يؤذون به هؤلاء المصلين الذين يصلون خلف المقام، والمهم أن غالب ما يوجد في هذه المناسك غالبه مبتدع، إما في كيفيته، وإما في وقته، وإما في موضعه.

السؤال: باسمي وباسم جميع فتيات قريتنا هذه نرفع هذه الشكوى مما نعانيه في قريتنا هذه من ظلمٍ وقهر، وذلك بسبب العادة المتفق عليها بين أهل هذه القرية، وهي عدم تزويج البنات إلا من أهل قريتهم هذه، ولا يلزم ذلك الحجر الشباب، فلهم الحرية أن يتزوجوا من غير قريتهم، مما سبب كثرة العوانس وتعداد الزوجات لكبار السن الذين قد يصل عمر أحدهم إلى سبعين سنة، بينما يتزوج فتاةً يقل عمرها عن عشرين سنة، وزاد الأمر سوءاً ما قام به شيخ القبيلة من تحديدٍ للمهر وتيسيرٍ له، وكل ذلك أدى إلى عدم احترام الزوجة وتقديرها، وحفظ حقوقها، فهي تتعرض للإهانة والطرد والطلاق وتبديلها بغيرها لأدنى سبب، فلا يجد الرجل صعوبةً في تعداد الزوجات، حتى أصبح هذا الأمر مجال تفاخرٍ بين الرجال بأنه قد تزوج كذا وطلق كذا من النساء، إضافةً إلى عدم مراعاة العدالة بينهن، وهذه الحالة قد سببت الكثير من المشاكل بين الفتيات وآبائهن، فهن يرفضن الزواج ويفضلن البقاء عوانس على أن يتزوجن ممن هم في سن آبائهن وربما أكبر، مع عدم احترامٍ وعدلٍ وتقدير، وغالباً ما يترملن وهن في مقتبل العمر، فلو كان الأمر هذا يعم الفتيات والشباب لكان الأمر سهلاً، ولكن أن يكون هذا الحجر خاصاً بالبنات فقط، فهذا عين الظلم، فنحن نطلب منكم بذل النصيحة إلى هؤلاء الآباء أن يتقوا الله في بناتهم، ولا يظلموهن فإنهن أمانةٌ في أعناقهم، ولعل الله أن يهديهم ويقلعوا عن هذه العادة السيئة التي ما أنزل الله بها من سلطان، وفقكم الله؟

الجواب: هذا سؤالٌ مهم وهو يتضمن أمرين: الأمر الأول: النصيحة لهؤلاء الآباء والمشايخ بهذه القبيلة، فنحن نحذرهم من غضب الله وسطوته، ومن دعاء هؤلاء النساء عليهم، فإنهن مظلومات، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام لـ معاذ بن جبل وقد بعثه إلى اليمن، وأمره بأخذ الزكاة من أموالهم، قال: ( إياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)، فهؤلاء النساء اللاتي ظلمن قد يدعون على هؤلاء الرجال بدعوةٍ تستجاب، فتحيط بهؤلاء الرجال والعياذ بالله.

ثم إن هذا ليس من العدل أن تمنع الزوجة ممن هو كفءٌ لها في دينه وخلقه، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه، إن لا تفعلوه تكن فتنةٌ في الأرض وفسادٌ عظيم)، وأيضاً فإن هذه المسألة تسبب المفاسد الكثيرة، فإن الفتاة إذا لم تتزوج في سن مبكرة فقد يؤدي بها الأمر إلى الفساد فساد الأخلاق والزنا والعياذ بالله، وهذا أمر من أعظم المفاسد.

أما بالنسبة لهذه القضية المعينة في هذه القبيلة، فأرى أن يرفع الأمر إلى ولاة الأمور، وولاة الأمور هم الذين عليهم التنفيذ، وأن يلزموا هؤلاء بالتمشي على ما جاءت به الشريعة، من أن المرأة تزوج من كان كفئاً في دينه وخلقه.

السؤال: ما معنى قوله تعالى: إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:1-3]؟

الجواب: معنى هذه السورة العظيمة أن الله تعالى يخبر بما امتن به على نبيه محمدٍ صلى الله عليه وسلم حيث أعطاه هذا الكوثر، وهو الخير الكثير العظيم، كما قال الله تعالى: وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113] ، ومنه الكوثر الذي في الجنة، وهو نهرٌ أعطيه النبي صلى الله عليه وسلم، ويصب منه ميزابان في حوضه صلى الله عليه وسلم، الحوض المورود يوم القيامة الذي يرده المؤمنون من أمته صلوات الله وسلامه عليه.

ثم إن الله تعالى لما ذكر ما امتن به عليه من هذا الخير الكثير، أمره أن يصلي وينحر له، فقال: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ [الكوثر:2] ، فالصلاة هي الصلاة المعروفة، وهي التعبد لله تعالى بالأفعال والأقوال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم، والنحر هو التقرب إلى الله تعالى بذبح الهدايا والضحايا، وما يشرع من الذبائح، فالجمع بين الصلاة والنحر يكون جمعاً بين عبادةٍ بدنية وعبادةٍ مالية.

وقوله: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ [الكوثر:3] ، أي: إن مبغضك الذي يبغضك هو الأبتر المقطوع الذي لا خير فيه ولا بركة، وهذا كما يشمل من أبغض رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصياً، فإنه يدخل فيه أيضاً من أبغض سنته وهديه، فإن من أبغض سنته وهديه لا شك أنه مبتورٌ مقطوع، وأن الخير كل الخير في اتباع هدي النبي عليه الصلاة والسلام ومحبته وتعظيمه بما هو أهله صلوات الله وسلامه عليه.

السؤال: متى تكون الرؤيا التي يراها الإنسان في منامه صحيحةً أو واقعة؟ ومن هم الذين تصدق رؤياهم؟

الجواب: الغالب أن الرجل المؤمن الصدوق هو الذي تكون رؤيته صحيحة، والنبي عليه الصلاة والسلام أخبر بأن الرؤيا الصالحة جزءٌ من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، فإذا كان الإنسان صدوق الحديث في يقظته، وعنده إيمان وتقوى فإن الغالب أن الرؤيا تكون صادقة، ولكن ليعلم أن ما يراه الإنسان في منامه ثلاثة أقسام: رؤيا وحلم وإفزاع من الشيطان، فالرؤيا هي التي أخبر عنها النبي عليه الصلاة والسلام أنها جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة، وغالباً تقع، ولكن أحياناً يكون وقوعها على صفة ما رآه الإنسان في منامه تماماً، وأحياناً يكون وقوعها على صفة ضرب الأمثال في المنام، يضرب له المثل، ثم يكون الواقع على نحو هذا المثل، وليس مطابقاً له تماماً، مثلما رأى النبي عليه الصلاة والسلام قبيل غزوة أحد أن في سيفه ثلمة، ورأى بقراً تنحر، فكان الثلمة التي في سيفه استشهاد عمه حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه، لأن قبيلة الإنسان بمنزلة سيفه في دفاعهم عنه، ومعاضدته ومناصرته، والبقر التي تنحر كان استشهاد من استشهد من الصحابة رضي الله عنهم، لأن في البقر خيراً كثيراً، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم كانوا أهل علم ونفع للخلق، وأعمال صالحة.

أما الذي يكون حلماً فهو ما يراه الإنسان في منامه مما يقع له في مجريات حياته، فإن كثيراً من الناس يرى في المنام ما تحدثه به نفسه في اليقظة، وما جرى عليه في اليقظة، وهذا لا حكم له.

وأما الثالث: الحلم الذي فيه الإفزاع فهو من الشيطان، فإن الشيطان يصور للإنسان في منامه ما يفزعه من شيءٍ في نفسه، أو في ماله، أو في أهله، أو في مجتمعه؛ لأن الشيطان يحب إحزان المؤمنين، كما قال الله تعالى: إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ [المجادلة:10] ، فكل شيء ينكد على الإنسان حياته، ويعكر صفوه عليه، فإن الشيطان حريصٌ عليه، سواءٌ ذلك في اليقظة أو في المنام، لأن الشيطان عدو كما قال الله تعالى: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا [فاطر:6]، وهذا النوع الأخير أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى التحرز منه، فأمر من رأى في منامه ما يكره أن يستعيذ بالله من الشيطان ومن شر ما رأى، وأن يتفل عن يساره ثلاث مرات، وأن ينقلب على جنبه الآخر، وأن لا يحدث أحداً بما رأى، فإذا فعل هذه الأمور، فإنما رآه مما يكرهه في منامه، فإنه لا يضره شيئاً، وهذا يقع كثيراً من الناس ويكثر السؤال عنه، لكن الدواء له ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم؛ تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، ومن شر ما رأيت، ولا تحدث بذلك أحداً، ثم إن كان ذلك في منامك الخاص، فإنك تنقلب إلى الجنب الآخر، وتتفل على يسارك ثلاث مرات.

السؤال: هل الرؤيا الصادقة خاصة بأحدٍ من الناس أو هي دليل صلاحٍ للإنسان؟

الجواب: ليس كذلك، بل هي أمر يقدره الله تعالى على المؤمنين وعلى الفساق، لربما يرى الكافر أيضاً رؤيا ويقع الأمر كما رأى.

مداخلة: هل يجوز التحريف في الرؤيا في روايتها؟

الشيخ: لا.

مداخلة: بزيادة أو نقص؟

الشيخ: لا يجوز التحريف في روايتها، ولا يجوز الكذب في الرؤيا، فإن الكذب في الرؤيا من كبائر الذنوب، لأن الإنسان يعاقب عليها، وكذلك أيضاً لا يجوز لأحدٍ أن يؤولها وليس من أهل التأويل، بمعنى أن يعبرها ويفسرها وهو ليس من أهل التأويل والتفسير والمعرفة، لأنه قد يؤولها على خلاف ما هي له، ويقع الأمر على حسب ما أول، ويكون في هذا ضرر عظيم.