فتاوى نور على الدرب [348]


الحلقة مفرغة

السؤال: ما حكم تزويج البنت وهي لم تعلم وهو يتطلب منّا أن نأخذ مشورتها؟

الجواب: تزويج البنت وهي لم تعلم محرم, ولا يصح العقد إلا أن تجيزه بعد, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا تنكح البكر حتى تستأذن, ولا تنكح الأيم حتى تستأمر, قالوا: يا رسول الله! وكيف إذنها -أي: البكر-؟ قال: أن تسكت ) فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تزويج البنت البكر حتى تستأذن, وهذا الحديث عام يشمل الأب وغيره, بل قد ثبت في صحيح مسلم النص على الأب وعلى البكر, وأنه يجب على أبيها أن يستأذن منها, وهذا هو القول الراجح أنه لا يجوز أن تزوج البكر ولو كان وليها أباها حتى تستأذن, وإذا استؤذنت فإنه يجب أن تخبر بالزوج على وجه تقع به المعرفة, ولا يكفي أن يقال: إنه قد خطبك رجل فهل نزوجك؟ بل لا بد أن يبين الأمر ويقال: خطبك فلان بن فلان، وظيفته كذا وعمله كذا, ويبين لها من دينه وخلقه ما تحصل به المعرفة, اللهم إلا إذا علم أبوها أنها ستفوض أمرها إليه, فحينئذ له أن يقول: إنك خطبت وإننا نريد أن نزوجك.

فالمهم أنه لا يجوز لأحد أن يزوج امرأة بدون علمها وإذنها, سواء كانت بكراً أم ثيباً, وسواء كان الولي أباها أم غيره, هذا ما دلت عليه السنة, وهو دليل أثري, ويدل عليه أيضاً النظر والقياس، فإن المرأة ستكون مع الزوج مدى الحياة إذا لم يحصل فراق من قبل, والزوج شريكها في حياتها, فكيف تزوج بدون إذنها وبدون علمها أو تزوج وهي كارهة؟ وإذا كان الأب ومن دونه من الأولياء لا يملك أن يبيع من مالها ما يساوي فلساً إلا برضاها, فكيف يمكن أن يقال: إنه يزوجها من شخص لا تريده أو من شخص قبل أن تستأذن في تزويجها إياه؟

وإذا كان الأب ومن دونه من الأولياء لا يملك أن يؤجر شيئاً من عقاراتها إلا بإذنها, فكيف يزوجها ويجعل الزوج يستبيح منافعها التي أباحها الله له بدون علمها أو بعلمها مع إكراهها؟

إن من تأمل مصادر الشريعة ومواردها يعلم أن الشريعة لا تأتي بمثل هذا أي لا تأتي بإجبار البنت, أو بعبارة أخرى لا تأتي بإجبار المرأة على أن تزوج من شخص لا تريده، وتمنع إجبار المرأة على بيع شيء من مالها أو تأجير شيء من عقارها.

وإنني بهذه المناسبة أنصح أخواني أولياء النساء من محظورين عظيمين في التزويج:

إحداهما: إجبار المرأة على أن تزوج بمن لا تريد, فإن هذا كما سمعتم محرم شرعاً, والنكاح لا يصح اللهم إلا أن تجيزه بعد.

والمحظور الثاني: منع المرأة من تزويجها كفؤاً ارتضته, فإن بعض الأولياء يتحكم في مولياته من النساء ولا يزوجها إلا من يريده هو لا من تريده هي, فتجده تخطب منه موليته ابنته أو أخته أو أي امرأة له عليها ولاية ثم يمانع ولا يزوج, بل ولا يرجع إلى المرأة في مشورتها في ذلك, يرد الخاطب وهي لا تعلم، وما أكثر شكاية النساء من مثل هؤلاء الأولياء الذين تخطب منهم بناتهم أو أخواتهم أو من لهم عليهنّ ولاية ثم لا يزوجهن مع أن الخاطب كفؤاً في دينه وخلقه, وهؤلاء ارتكبوا محظورين:

المحظور الأول: عصيان أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه، إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير أو قال: عريض ).

والمحظور الثاني: ظلم المرأة بمنعها من الزواج أو من هو أهل لتزويجها, فإن المرأة عندها من الغريزة وحب النكاح مثل ما عند الرجل, ولا أدري عن هذا الولي لو أن أحداً منعه من الزواج مع شدة رغبته فيه, هل يرى أنه ظالم له أو يرى أن ذلك من حقه؟

الجواب: سيرى أنه ظالم له, وأنه لا يحق له بل ولا يحل له أن يمنعه من الزواج مع شدة رغبته فيه لمجرد هوى شخصي, فكيف لا يرضى ذلك لنفسه ثم يرضاه لهؤلاء النساء اللاتي جعله الله ولياً عليهنّ؟

فليحذر أولئك الأولياء من هذا المحظور العظيم, معصية رسول الله صلى الله عليه وسلم, وظلم هؤلاء النساء القاصرات.

نعم, لو فرض أن المرأة اختارت من ليس كفواً في دينه فلوليها أن يمنعها في هذه الحال, وأن يرد الخاطب لأن المرأة قاصرة, وقد تختار شخصاً غير مرضي في دينه ويحصل بعد ذلك من المفاسد ما يحصل, ومن أجل هذا جعل الشارع المرأة لا تزوج نفسها بل لا بد من ولي يزوجها؛ لأنها قاصرة.

المهم إنني أحذر من أولئك الأولياء الذين يمنعون من تزويج من ولاهم الله عليهن بمن هو كفؤ لهنّ في دينه وخلقه؛ لما في ذلك من المحظورين اللذين أشرنا إليهما.

ولقد حدثت أن امرأة حضرها الموت وكان وليها يمنع من تزويجها ويرد كل من طلبها, وكان عندها نساء حين حضرها الموت فقالت لهنّ: أخبرن أبي أنه مني في حرج؛ لأنه منعني من أن أتزوج بمن هو أهل للتزويج, وماتت بعد ذلك, وهذا أمر عظيم يجب على الإنسان أن يتنبه له, وأن يخشى الله عز وجل فيمن ولاه الله عليهنّ من النساء.

السؤال: مستمعات أربع أخوات والدهن يسكن في بيت ملتزم مع والدهنّ, يقلن في هذه الرسالة: طالما ما تردد علينا الأزواج من الشباب الملتزم، والدي يشكو من مرض نفسي, هل للقاضي أن يقوم بعقد الزواج لنا؟

الجواب: نعم إذا منع الولي من تزويج امرأة لخاطب كفء في دينه وخلقه, فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقارب العصبة الأولى فالأولى, فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب لأن كل واحد من هؤلاء يقول: أنا في عافية، لم أتقدم على أبيها مثلاً؟ إن أبوا فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي, ويزوج المرأة الحاكم الشرعي, ويجب على الحاكم الشرعي إذا وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا من تزويجها وكان الخاطب كفؤاً في دينه وفي خلقه يجب عليه أن يزوجها؛ لأن له ولاية عامة, فإذا لم تحصل الولاية الخاصة فإنه لابد أن يزوج بالولاية العامة.

وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه يكون بذلك فاسقاً, وتسقط عدالته وولايته, بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته, فلا يصح أن يكون إماماً في صلاة الجماعة في المسلمين.

وهذا أمر خطير وواقع من بعض الناس كما أشرنا إليه آنفاً كونه يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن وهم أكفاء, ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج, وهذا أمر واقع ولكن يجب عليها أي على البنت أن تقارن بين المصالح والمفاسد أيهما أشد مفسدة أن تبقى بدون زوج وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وعلى هواه, فإذا كبرت وبرد طلبها للنكاح ذهب يزوجها أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج مع أن ذلك حق شرعي لها؟

لاشك أن الثاني أولى, أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج؛ لأنها تتقدم بحق لها, ولأن في تقدمها إلى القاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها, أيضاً فإن غيرها يقدم كما أقدمت, ولأن في تقدمها إلى القاضي ردع لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن بمنعهن من تزويج الأكفاء.

ففي ذلك أيضاً ثلاث مصالح:

مصلحة للمرأة حتى لا تبقى أرملة.

ومصلحة لغيرها تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم إلى القاضي ليتقدمنّ.

الثالث منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من النساء على مزاجهم وعلى ما يريدون.

وفيه أيضاً من المصلحة: إقامة أمر الرسول عليه الصلاة والسلام حيث قال: ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه, إن لا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ).

وفيه أيضاً مصلحة خامسة؛ وهي: قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكثرهم في الدين والخلق.

السؤال: ما حكم ترك إزالة شعر الإبط لفترة طويلة؟ وهل هناك مدة معينة يجب إزالته عند مضيها؟

الجواب: إزالة شعر الإبط من الفطرة التي فطر الله الخلق عليها, وجاءت بها الشرائع منزلة من الله عز وجل, وكذلك قص الأظافر والشارب وحلق العانة والختان، فهذه الأشياء كلها من الفطرة التي يرتضيها كل عاقل لم تتغير فطرته، وقضتها الشرائع المنزلة من عند الله عز وجل, وقد وقت النبي صلى الله عليه وسلم في الشارب والعانة والإبط والأظافر وقت لها أربعين يوماً فلا تترك فوق أربعين يوماً.

وعلى هذا فنقول: إذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد وقت لأمته هذه المدة فهي المدة القصوى, وإن حصل سبب يقتضي أن تزال قبل ذلك فإنها تزال كما لو طالت الأظافر أو كثرت الشعور في الإبط أو الشارب طال قبل الأربعين فإنه يزال, لكن الأربعين هي أقصى المدة وغايتها.

ومن العجب! أن بعض الجهال يبقي أظافره مدة طويلة حتى تطول وتتراكم فيها الأوساخ، وهؤلاء قد تنكروا لفطرتهم وخالفوا السنة التي دعا إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ووقتها لأمته, ولا أدري كيف يرضون لأنفسهم أن يفعلوا ذلك مع ما فيه من الضرر الصحي فوق المخالفة الشرعية؟

وبعض الناس يبقي ظفراً واحداً من أظفاره إما الخنصر وإما السبابة, وهذا أيضاً جهل وخطأ.

فالذي ينبغي للمسلمين أن يترسموا وأن يتمشوا على ما خطه النبي عليه الصلاة والسلام ورسمه لهم من فعل هذه السنن التي تقتضيها الفطرة: قص الأظفار والشارب وحلق العانة ونتف الآباط, أما الختان فإنه معروف يفعل في الصغر وهو الأفضل, وأرجح الأقوال فيه أنه واجب في حق الرجال سنة في حق النساء.

السؤال: ما حكم تجميع ختمات القرآن الكريم في أيام معينة مثل أن يقرأ القرآن حتى الجزء الثلاثين ليبدأ مرة أخرى حتى الجزء الثلاثين ثم يقرأ الجزء الثلاثين في ليلة السبع والعشرين من رمضان؟

الجواب: هذا السؤال غير واضح كما ينبغي, لكن ينبغي أن يعلم أن الإمام الذي يصلي بالناس في قيام رمضان لا يطلب منه أن يقرأ القرآن كله على سبيل الوجوب, بل يقرأ ما تيسر, فإن تمكن من قراءة القرآن كله فهذا طيب حتى يسمع الناس جميع القرآن في هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن, وإن لم يتمكن من ذلك واقتصر على بعض القرآن فلا حرج عليه؛ لعموم قوله تعالى: فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ [المزمل:20]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( اقرأ ما تيسر معك من القرآن ) .

وأهم شيء في هذا الباب أن يكون المصلي بالناس في قيام رمضان مطمئناً في صلاته في ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده وتشهده حتى يتمكن الناس من الطمأنينة في هذا القيام, وإنك لتعجب من بعض الناس ولاسيما في الصلاة في أول الليل (التراويح) فتعجب من بعض الناس الذين يسرعون إسراعاً عظيماً بحيث لا يتمكن من وراءهم من فعل الواجب, أي: فعل واجب الطمأنينة وفعل واجب الأذكار, وهذا حرام عليهم؛ لأن الإمام في إمامته ولي متبوع؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ( إنما جعل الإمام ليؤتم به ) فإذا كان ولياً متبوعاً فإن الواجب عليه أن يراعي الأمانة فيمن ولاه الله عليهم وجعلهم تابعين له, وأن لا يسرع إسراعاً يمنعهم من فعل ما يجب من الطمأنينة والأذكار, وقد صرح أهل العلم رحمهم الله أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين أو بعضهم من فعل ما يسن, فكيف بمن يسرع سرعة تمنع المأمومين أو بعضهم من فعل ما يجب؟

فليتق الله هؤلاء الأئمة وليقوموا بما يجب عليهم من مراعاة المأموم بحيث تكون صلاتهم موافقة لما تقتضيه الشريعة, ولا يخفى على كثير من طلبة العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إذا أم أحدكم الناس فليخفف, وإذا صلى بنفسه فليطول ما شاء ) فإن الرسول عليه الصلاة والسلام أوجب على الإمام أن يراعي الناس, وجعله إذا صلى بنفسه حراً يطول ما شاء, وقد يستدل بعض الناس بهذا الحديث على هذا التخفيف وهذه السرعة التي تمنع المأمومين أو بعضهم فعل ما يجب أو يسن, ولكن استدلاله بهذا الحديث غير صحيح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما قاله في حق من يطيل إطالة زائدة عن المشروع, فأما الإطالة الموافقة للمشروع فإنها إطالة مشروعة مستحبة.

ولهذا يأتي بعض الأئمة يقول: إن بعض الناس يقول لي: لا تقرأ في الفجر يوم الجمعة سورة الم * تَنزِيلُ [السجدة:1-2] السجدة في الركعة الأولى و هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ [الإنسان:1] في الركعة الثانية، هذا يطول علينا، يأتي بعض الأئمة يشكو من بعض أهل المسجد من مثل هذا الأمر.

ولكن الحقيقة الذي ينبغي أن يشكى هم أهل المسجد لا الإمام, فالإمام إذا قرأ هاتين السورتين في فجر يوم الجمعة لا يعد مطيلاً بل يعد ذا طَوْل أي ذا فضل على الجماعة؛ لكونه أتى بالسنة التي شرعها النبي صلى الله عليه وسلم.

كذلك بعض الناس في صلاة الجمعة إذا قرأ الإمام سورة الجمعة والمنافقين صار يشكو من الإمام ويقول: أطال بنا, مع أن هذا مما ثبتت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا يعد إطالة بل هو طول وفضل من الإمام يتفضل به على نفسه وعلى من وراءه حيث أتى بالقراءة المشروعة عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وربما نقول: ينبغي للإمام أن يراعي حال الناس في أيام الصيف وأيام الشتاء الباردة, فإذا رأى أنه لو قرأ بهاتين السورتين في الجمعة في أيام الصيف لحق الناس من الغم والحر ما يزعجهم ويشغلهم عن صلاتهم، ففي هذه الحال يعدل إلى سورة أخرى, وكذلك في أيام الشتاء الباردة إذا رأى أن بعض الناس قد يكون محتاجاً إلى قضاء الحاجة بسبب البرد وطول المكث في المسجد فإنه يعدل إلى قراءة سور أخرى.


استمع المزيد من الشيخ محمد بن صالح العثيمين - عنوان الحلقة اسٌتمع
فتاوى نور على الدرب [707] 3913 استماع
فتاوى نور على الدرب [182] 3693 استماع
فتاوى نور على الدرب [460] 3648 استماع
فتاوى نور على الدرب [380] 3502 استماع
فتاوى نور على الدرب [221] 3498 استماع
فتاوى نور على الدرب [411] 3480 استماع
فتاوى نور على الدرب [21] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [82] 3440 استماع
فتاوى نور على الدرب [708] 3344 استماع
فتاوى نور على الدرب [451] 3323 استماع